|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
قَبِلَ يسوع التَّعرض للتَجْرِبَة لثلاث غايات: التَّضامن مع الإنْسَان وإعطائه القدوة والعون: (1) تضامن مع الإنْسَان: جُرب يسوع كي يتضامن مع الإنْسَان كونه صار إنسانًا. فكان يتوجب عليه أن يتعرض لتجارب الشَّيطان، كما يتعرض لها الإنْسَان. لذا سمح يسوع للتَّعرض للتَجْرِبَة مِثلنا. فعرف تجاربَنا وتغلَّب عليها من أجلنا "لَقَدِ امتُحِنَ في كُلِّ شَيءٍ مِثْلَنا ما عَدا الخَطِيئَة"(عبرانيِّين 4: 15)، ومرّ بكلّ ظروفنا الإنْسَانيَّة، وما من شيء من مشاعرنا وإحساساتنا وأفكارنا وأميالنا غريبة عنه. أحبّنا نحن البشر، فتجسّد وصار مثلنا في كلّ شيء ما عدا الخطيئة، وُيعلق القدّيس أوغسطينوس: " قد مثّلنا الرَّبّ يسوع بشخصه حين أراد أن يجرّبه الشَّيطان. بالحقيقة، إنّك أنت (أيّها الإنْسَان) مَنْ تعرّض للتَّجارب من خلال التَّجارب الّتي تعرّض لها الرَّبّ يسوع المسيح، لأنَّه منكَ قد اتّخذ جَسَده ليُعطيك خلاصه، ومنك أخذ موته لكي يُعطيك حياته، ومنك أخذ حزنه لكي يُعطيك سعادته. فإنّه منك قد أخذ التَّجارب أيضًا لكي يُعطيك انتصاره. فإذا تجرّبنا باسمه، فباسمه أيضًا ننتصر على الشَّيطان" (شرح للمزامير، المزمور 61). (2) دوة للإنسان: جرّب يسوع كي يكون قدوة ومثالا في مواقفنا تجاه التَّجْرِبَة والشَّيطان. قد اختبر يسوع مثلنا كل التَّجارب التي نجتازها اليوم. لكنه يختلف عنا، لأنَّه برغم التَّجْرِبَة لم يسقط في الخطيئة، كما جاء الكتاب المقدس " لَقَدِ امتُحِنَ في كُلِّ شَيءٍ مِثْلَنا ما عَدا الخَطِيئَة" (عبرانيِّين 4: 15). فهو الإنْسَان الوحيد الذي لم يقترف إثمًا، ولم يرتكب خطيئة طوال أيام حياته على الأرض. جُرِّب كما نُجرَّب نحن. لكنه لم يخطأ، بل انتصر ولم ينفصل عن الله. واجه المُجرِّب، كما يواجه كل واحد منا، واستعمل سلاحًا يجب أن نستعمله، وهو سلاحُ الرُّوح الذي هو كلام الله (أفسس 6: 17)، وثبت على أمانته لله تجاه التَّجْرِبَة، فكان مثال الثبات للمؤمنين؛ وهكذا أصبح لنا مثالاً في كيفيَّة مواجهة التَّجْرِبَة والتَّغلب عليها. يُعلق البابا فرنسيس "مرّ يسوع بهذا الاختبار، من أجل نفسه، كي يُطيع مشيئة الآب، ومن أجلنا، كي يُعطينا نعمة التَّغلّب على التَّجارب"(عظة 18/2/2018). لو لم يخضع يسوع للتَجْرِبَة، كيف بإمكانه أن يُعلّمنا كيف ننتصر عليها؟ (3) عون للإنسان: جُرِّب يسوع كي يكون معينًا لنا، لأنَّه يعرف تمامًا كم نحن بحاجة إليه، إذ هو نفسه جاز في نفس الاختبار "لَقَدِ امتُحِنَ في كُلِّ شَيءٍ" (عبرانيِّين 4: 15)، جُرِّب يسوع، وانتصر على التَّجْرِبَة ليَعبر بنا فيها من الهزيمة إلى النصرة، ومن الموت إلى الحياة. ويُعلق القديس أوغسطينوس: " جُرِّبَ يسوعُ على يدِ إبليس. ومع المسيحِ أنتَ جُرِّبْتَ، لأنَّ المسيحَ منكَ أخذَ لذاتِه جسدًا، ومن ذاتِه وهبَ لك الخلاص. منكَ له التَّجْرِبَة، ومنه كان لك النَّصر". فالمسيح الأنَ في السَّماء يتفهم ضُعفنا، ويُدرك تجاربنا ويهبنا المغفرة. بتَجْرِبَة المسيح جُرِّبْنا نحن أيضًا، وبه هَزَمْنا إبليسَ. ويُعلق القديس أمبروسيوس "لو لم يجربه إبليس لما انتصر الرَّبّ لأجلي بطريقة سرِّيَّة ليُحرِّر آدم من السَّبي". (4) تَجْرِبَة الإنْسَان: ربط مرقس الإنْجيلي التَّجْرِبَة بالمعمودية ليدلَّ على واجب المؤمن ابن لله أن ينتصر على إبليس منذ عماده. بالمعمودية نصير أبناء الله، وأن نكون أبناءً يعني بالضرورة أن ندخل في تَجْرِبَة. العبد لا يجرّب وليس عليه أن يختار، لأنَّ لا يملك حريَّة، بل عليه فقط أن يُنفذ الأوامر فقط. الابن في المُقابل حرٌ، يستطيع ويجب أن يختار: إن لم يختار الله، يصبح عبدًا. لا يكون الإنْسَان إنسانًا ومسؤولًا مسؤوليَّة كاملة إلاَّ إذا كان له القدرة الدائمة على اختيار الله الذي دعاه أن يكون "على صورته" وان يكون ابنه بالمَعْمودِيّة. ويطلب الله أن يكون جواب الإنْسَان في اختياره على أعظم قدر من الحريَّة. ومن هنا يأتي تَجْرِبَة الإنْسَان هي تَجْرِبَة الإيمان والمَحَبَّة والرَّجاء. (ا) تَجْرِبَة الإيمان: الإنْسَان مدعو إلى الالتزام تجاه وعد الله بالتَّعبير عن إيمانه بطاعة حرة، كما حصل لإبراهيم ويوسف وموسى ويشوع (عبرانيِّين 11: 1-40). وتُشكِّل ذبيحة إسحاق الاختبار الأمثل (تكوين 22). وههنا قد يمرّ الإنْسَان بتَجْرِبَة إيمان عندما يتدخل الشَّيطان ويجعل الإنْسَان أن يشكَّ في حضور الله الخلاصي، وهذا ما حدث مع الشَّعب الإسرائيلي أثناء محنته في البرِّيَّة (خروج 17: 7). (ب) تَجْرِبَة المَحَبَّة: يختبر الله أمانة الشَّعب للعهد. اختار شعب العهد القديم أن يخدم إلهه (يشوع 24: 18)، لكن كان قلبه مُنقسمًا. الاختبار يُلزم الشَّعب بإعلان محبته لله وإثباتها بالفعل، ويعمل على تنقية القلب من كلّ شوائبه. ولا يفرض الله محبته على الإنْسَان فرضًا، بل يتطلب منه قبولها بحريَّة. المَحَبَّة تعني الاختيار. ومن هنا لا بد من الاختبار، فاختار آدم نفسه كإله (تكوين (3:5)، ذلك أنَّ بين الاختبار والاختيار حدثت التَّجْرِبَة من خلال الشَّيطان (تكوين 3) وهنا يظهر الشَّيطان بمظهر المُضل لإغراء قلب الإنْسَان ليكون بعيدًا عن الله. في حين أن تَجْرِبَة يسوع هي تَجْرِبَة ِّمَحَبَّة تساعدنا في مَحَبَّة الله والقريب، لأنَّ المَحَبَّة هي حركة تُركِّز الانتباه َ على الآخر “معتبرة إيّاه واحدًا مع الشَّخص نفسه" (البابا فرنسيس، الرِّسالة العامة Fratelli tutti، عدد 93). ولا يكفي اختيار أولي بل يجب أن نواصل اختياراتنا وتفضيلنا لله، في المواقف الجديدة التي تقدِّمها الحياة. (ج) تَجْرِبَة الرَّجاء: إنَّ مَلَكوت الله يبدو متأخرًا في ظهوره. فتأتي التَّجْرِبَة اللحظة الحاضرة، تَجْرِبَة العِلمانيَّة، أي العيش دون الله، إنَّها تَجْرِبَة هذا العصر، تَجْرِبَة الاندماج والاستقرار في هذا العَالَم بناء على إغراء الشَّيطان، سيِّد هذا العَالَم (أيوب 1-2). وهي التَّجْرِبَة التي مرّ بها الشَّعب العِبري في الصَّحراء لمَّا تخلَّ عن الله ووعوده وتمسك بالعِجل الذَّهبي (خروج 32: 4). وكلما قرب مجيء الرَّبّ كلما زادت المُقاومة بين النُّور والظلمات حيث تتقوّى الأمانة في الاضِّطهاد (لوقا 8: 13-15)، وحيث يخرج الإنْسَان من الشدّة "مُمحَّصًا". بهذا المعنى يبلغ الاختبار والرِّسالة ذروتهما في الاستشهاد (لوقا 22: 31، رؤيا 2: 10). ويعلق البابا فرنسيس أنَّ تَجْرِبَة المسيح تعلمنا: "أن نقبل رجاءَ المسيح الذي يبذل حياته على الصَّليب والذي أقامه الله في اليوم الثالث، وأن نكون "مُستَعِدِّينَ لأنَّ نَرُدّ على مَن يَطلُبُ مِنا دَليلَ ما نحن علَيه مِنَ الرَّجاء" (1 بطرس 3، 15). (رسالة قداسة البابا فرنسيس بمناسبة الصَّوم الأربعيني 2021، 2). |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|