|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
قال: " أَنا صَوتُ مُنادٍ في البَرِّيَّة: قَوِّموا طَريقَ الرَّبّ. كَما قالَ النَّبِيُّ أَشَعْيا" تشير عبارة " أَنا صَوتُ مُنادٍ في البَرِّيَّة" إلى رسالة يُوحَنَّا المَعْمَدان ولا إلى شخصيته مُقتبسًا جوابه من أشعيا النَّبي "صَوتُ مُنادٍ في البَرِّيَّة: َعِدُّوا طَريقَ الرَّبّ وآجعَلوا سُبُلَ إِلهِنا في الصَّحْراءِ قَويمة" (أشعيا 40: 3)، إذ يبدأ أشعيا بالعزاء الكبير، الذي يُعلن نهاية العبودية وبداية زمن جديد. لذلك لم يتردَّد يُوحَنَّا المعمدان بالاستشهاد بكلمات النَّبي أشعيا ليحمل الآخرين على اكتشاف انه شاهد على هذا الزمن، وليحملهم للوصول إلى النَّتيجة واتخاذ القَرار بالاعتراف بالمسيح. لم يُصرّح أشعيا النَّبي عن اسم صاحب هذا الصَّوت. لكن يُوحَنَّا المَعْمَدان طبّق هذه النَّبوءة على رسالته في دعوة الشَّعب إلى التَّوبة، استعدادا لمجيء المسيح. حوّل يُوحَنَّا بجوابه التفات النَّاس عنه إلى موضوع مناداته للملك الآتي لإتمام النبوءة الواردة في أشعيا " صَوتُ مُنادٍ في البَرِّيَّة: ((أَعِدُّوا طَريقَ الرَّبّ وآجعَلوا سُبُلَ إِلهِنا في الصَّحْراءِ قَويمة" (أشعيا 40: 3). أراد الفِرِّيسيُّون أن يعرفوا من هو يُوحَنَّا، أمَّا يُوحَنَّا فأراد أن يعرِّفهم من هو يسوع المسيح، وهذه هي شَهَادَةٌ المَعْمَدان بحقيقة رسالته ودوره. جاء يتمِّم ما ورد في الكتب، وأنه يحمل سلطانًا إلهيًا كسابقٍ للمسيح ليُهيِّئ له الطَّريق. أمَّا عبارة " أَنا صَوتُ " فتشير إلى إعلان يُوحَنَّا انه ليس سوى " صَوتُ " ومُهِمّته الإعداد لمجيء المسيح القريب. نفى يُوحَنَّا أنَّ يكون إيليا وصرّح أن له شخصية مستقلة عن الأنبياء السّابقين، إنما قال، بكل تواضع وإخلاص، بأنّه لم يكن سوى صوت يُنادي النَّاس بالاستعداد لمجيء المَلك والمسيح الرَّبّ الممسوح. ويُعلق العلامة أوريجانوس "يُوحَنَّا يشبه الصَّوت في علاقته بالمسيح الذي هو الكلمة". وأمَّا عبارة " مُنادٍ " في الأصل اليوناني βοῶντος (معناه صارخ) فتشير إلى الذي يتقدَّم في الطليعة صارخًا "هوذا الملك القادم! فأعدُّوا الطَّريق أمامه". ويُعلق العلامة أوريجانوس "ماذا يعني بالصراخ. إنه لا يعني الصَّوت الخارجي المرتفع أو الصِّياح، لكنه يتكلم مع الله والنَّاس بلغة الرُّوح التي يسمعها الله حتى وإن صمت اللسان، والتي تخترق قلوب النَّاس. ولهذا يقول أيضًا داود: " إلى اللهِ صَوتي فأَصرُخ إلى اللهِ صَوتي فإِلَيَّ يُصْغي" (مزمور 76: 2). أمَّا عبارة " البَرِّيَّة " فتشير إلى البَرِّيَّة اليهودية التي تبعد نحو 32 كم شرقي أورشليم، عند هضبة قريبة من نهر الأردن حيث عاش يُوحَنَّا صِباه، كما جاء في إنجيل لوقا (لوقا 1: 80)؛ وللبَرِّيَّة رنة عميقة. هناك عاش شعب العهد القديم بداية مسيرته مع الرَّبّ. وإلى هناك أراد الرَّبّ أن يُعيد شعبه كما قال الرَّبّ على لسان النَّبي هوشع "هاءَنَذا أَستَغْويها وآتي بِها إلى البَرِّيَّةِ وأُخاطِبُ قَلبَها" (هوشع 2: 16). أمَّا عبارة "قَوِّموا طَريقَ " فتشير إلى عادة مألوفة حيث إذا ذهب الملك إلى مكان ٍوعرٍ يعبِّد النَّاس له الطَّريق، وذلك برفع الأماكن الواطئة وإزالة المرتفعة. ترمز روحيًا الأماكن الواطئة إلى الكذب والأنانيّة والازدواجيّة، والأماكن العالية ترمز للكبرياء والتَّعلق بعظمة العَالَم. ودون هذا وذاك نستطيع أن نعدَّ الطَّريق للرب ليسكن في حياتنا. ويعلق القديس أوغسطينوس " قَوِّموا طَريقَ؟ معناه: صلُّوا كما يجب أن تكون الصلاة. ما معنى " قَوِّموا طَريقَ؟ تواضعوا في فكْرِكم" (عظة 293). ومن هنا تأتي الدعوة إلى الارتداد، وبشكل خاص إلى تغيير فكرنا وسلوكنا لنسير في طريق الرب المُخلص. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|