الروح القدس هو الأقنوم المنسي. قد يكون في هذا الكلام بعض المبالغة، لكنّنا حين ننظر إلى بهجة احتفالات أعياد الميلاد والشعانين والفصح، أو حتّى إلى بهجة احتفالات أعياد بعض القدّيسين أمثال العذراء مريم ومار الياس ومار جرجس والقدّيسة بربارة، وقارنّاها ببهجة الاحتفال بعيد الروح القدس في يوم العنصرة، لرأينا أنّ الفارق كبير جدّاً. ولو سمعنا صلوات المؤمنين العفويّة، وانتبهنا إلى مَن يوجّهونها، لما وجدنا كثيرين يذكرون الروح القدس. ولو أحصينا عدد الكنائس الّتي تحمل اسم الروح القدس أو هباته، وقارنّاه بعدد الكنائس الّتي تحمل اسم العذراء مريم أو ألقابها، لراودنا السؤال: "لماذا يغيب الروح القدس بهذه الطريقة عن ذاكرة الناس؟" قد يعترض بعضهم ويقول: " لكنّ الروح القدس حاضر في كلّ صلاة. وهو الّذي يحرّكنا من الداخل كي نصلّي (را. روم 8/26). كما أنّنا نذكره مراراً في الصلوات الطقسيّة لجميع الليترجيّات والطقوس." إنّ هذا الكلام صحيح وسنخصّص له حديثاً منفرداً يلقيه سيادة المطران أنطوان أودو. ومع ذلك فإنّ الروح القدس منسيّ، وقلّما يخطر ببال مؤمنٍ أن يوجّه إليه صلاته. ولهذا النسيان أسبابه. فالآب تكلّم في العهد القديم، وتعامل مباشرةً مع شعبه. لذلك يستطيع الإنسان أن يكوّن عنه صورةً في مخيّلته. والابن تجسّد وعاش بيننا، فرأيناه وسمعناه ولمسته يدانا (1يو1/1. لذلك يستطيع الإنسان أن يكوّن عنه صورةً في مخيّلته، حتّى وإن لم يعش معه. أمّا الروح، فلم يقل شيئاً، ولم يجادل أحداً. إنّه كالريح، لا ندري من أين يأتي ولا إلى أين يذهب (يو 3/8). وبما أنّ الإنسان يحتاج في عبادته إلى ما هو ملموس، أُهمِلَ الروح بدون قصد، فتوجّه في صلاته إلى ما له صورة في مخيّلته، أي إلى الأقنومَين الآخرَين: الآب والابن، اللذَين كشفا عن ذاتيهما بالقول والفعل، فتمكّن الإنسان من تخيّلهما انطلاقاً من تجلّياتهما. إنّ اسم الروح يشير إلى أنّه غير ملموس، وإلى أنّ الحواس الخمس لا تستطيع أن تدركه. وللتغلّب على هذه المشكلة، استعمل الكتاب المقدّس صوراً كثيرة لإظهار عمله. فهو يريح وينعش (الريح)، ويحيي وينقّي (الماء)، وينير ويهدي (النار)، ويقوّي ويشفي (الزيت)، ويطمئن ويزرع السلام (الحمام).