![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
حزقيال والرؤى الأولى ![]() كان الدرس الأول الذى يحتاجه حزقيال والشعب ، أن يدركو ا أن الله يسود ويحكم ، وأنه ليس موجوداً فحسب فى أورشليم وإسرائيل ، بل أنه أيضاً فى بابل وتل أبيب ونهر خابور ، حيث يعيش المسبيون وكان لابد أن يظهر مجد اللّه بصورة جليلة ورهيبة فى أرض الضيق والشدة والتعب والمعاناة ، وظهر الكروبين كإعلان عن هذا المجد الإلهى العظيم !! ... والسؤال : من هم هؤلاء الكروبيم المرموز إليهم فى الكتاب بالخلائق الحية ذوى الوجوه الأربعة ، وجوه الإنسان والأسد والثور والنسر ؟؟ وقد اختلفت الأراء حولهم كثيراً ، ... فهناك من ذهب إلى أنهم يمثلون الحكمة الإلهية والقوة والعلم والخليقة ، ... وآخرون أنه المسيح المتجسد كما هو مصور فى الأناجيل الأربعة .. ، فمتى يشير إليه فى صورة الأسد ، ومرقس فى صورة الذبيحة الممثلة فى الثور ، ولوقا فى صورة المتجسد الممثل فى الإنسان ، ويوحنا فى صورة اللاهوت الممثل فى النسر، ومن الآخذين بهذا الرأى أوغسطينس ، وجيروم ، وأثناسيوس ، وايرانيوس ، وغريغوريوس ، وأمبروز ، ووردثورث ، ... ووجد من قال إنهم إشارة إلى كنيسة العهد القديم والجديد ، ... ووجد من اعتقد إنهم أعلى طبقة من الملاائكة ، ... ومن الواضح أن الصورة التى رآها حزقيال كانت مهيبة ورهيبة وجليلة ، وتعلن على أية حال مجد اللّه العظيم ، ... وإذا كان محرماً على اليهودى أن يرى اللّه أو يتصوره فى صورة منظورة ، لئلا يحولها تمثالا أو نصباً يتعبد له ، ومن ثم جاءت الوصية : « لا تصنع لك تمثالا منحوتاً ولا صورة ما مما فى السماء من فوق وما فى الأرض من تحت وما فى الماء من تحت الأرض » " خر 19 : 4 " فإنه على هذا الأساس جاءت رؤيا حزقيال رهيبة وعظيمة ولا يسهل وضعها فى صورة نصب أو تمثال ، وهى رؤيا ، إن تحدث ، فإنها تتحدث عن غير المنظور الذى تنفتح عنه السماء ، وفى الحقيقة أن غير المنظور هو دائماً الأقوى والأعلى والأسمى ، وأن المنظور هو الأبسط والأصغر والأضأل ، والعالم كله يكتشف يوماً وراءه يوم ما لم يكن يدور بخلده ، فالقوى المغناطيسية ، ونواميس الجاذبية ، والكهربائية ، هى قوى غير منظورة فى الأساس لكنها تتحكم فى الكون ، ... وخلفها علة العلل ، اللّه غير المنظور فى الأرض، وهو سر الوجود ، وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته ، ... والكروبيم المحاط بالعاصفة والريح والنار والسحابة وقوس قزح إعلان عن قدرة اللّه وعنايته المسيطرة على كل شئ ، بالحكمة التى تظهر فى وجه الإنسان ، والقوة التى تبدو فى وجه الأسد ، والإحتمال الذى يرمز إليه وجه الثور ، والإرتفاع الذى يشير إليه النسر ، ... وهما قدرة وعناية مسيطرتان لا تخضعان قط لمشورة إنسان أو رأيه أو اعتراضه إذ هما أعلى منها جميعاً ، ومصير المسبين وغير المسبيين بيدهما العلوية . ... وقد وصفت هذه الرؤيا فى الأصحاح الأول من السفر ، ... ولحق بها فى الأصحاح الثانى والثالث ، رؤيا الدرج الذى أكله ، وصار فى فمه حلواً كالعسل !! .. « وقال لى يا ابن آدم أطعم بطنك وأملأ جوفك من هذا الدرج الذى أنا معطيه . فأكلته ، فصار فى فمى كالعسل حلاوة » " حز 3 : 3 " على أنه يبدو أنه تحول إلى مرارة كما فى " رؤ 10 : 3 " إذ جاء القول : « فحملنى الروح وأخذنى فذهبت مرا فى حرارة روحى ويد الرب كانت شديدة على " حز 3 : 14 "... والدرج يشير إلى كلمة اللّه المرسلة إلى إسرائيل ، وكان على حزقيال أن يبلغ هذه الرسالة للشعب ، فما هى الكلمة بالنسبة له ، أو بالنسبة لأى متكلم بها أرسله اللّه هادياً وبشيراً ونذيراً ، ... إن الكلمة كما أسلفنا الحديث فيما سبق من شخصيات ، ليست مجرد ألفاظ أو عبارات ينطق بها المتكلم ، بل هى الحق الإلهى مضاف إلى الواعظ نفسه ، الذى أكل الكلمة فأضحت جزءاً من كيانه ، فهو إذ يتكلم ، إنما يتكلم محمولا بروحه وكيانه وشخصه ، وقد اندمج فى الكلمة ، واندمجت الكلمة فيه ، ... وقد كانت الكلمة عند حزقيال ، كما هى عند أى واعظ إلهى ينادى بها ، أمينة نقية صادقة قوية ، ولذا تصبح كالعسل فى حلاوتها . .. على أنها وهى كلمة مخيفة تحمل الدينونة للشعب والعقاب الرهيب ، أضحت مريرة على نفسه ، قاسية وشديدة فى نتائجها ، لمن يرفضها أو يقبل الاتعاظ بها ، ... ومن ثم يحتاج المنادى بها إلى الشجاعة والصلابة : « قد جعلت جبهتك كالماس أصلب من الصوان فلا تخفهم ولا ترتعب من وجوههم لأنهم بيت متمرد » .. " حز 3 : 9 " .. كانت رسالة حزقيال رسالة الرقيب : « يا ابن آدم قد جعلتك رقيباً لبيت إسرائيــل » " حز 3 : 17 " ... والرقيب هو الإنسان الذى يقف على المرصد فى أعلى الحصن يراقب الأفق ، ويرى الخطر المقترب ، ويحذر منه وواجبه واضح ، فإذا نام الجندى فى نوبة حراسته ، فالموت مصيره دون أدنى شفقة ، ... أما إذا أدى واجبه ، فقد تجاوزته المسئولية ، مهما كانت النتائج التى تحدث ، ... وهذه رسالة الخادم الذى عليه أن يسهر لتأديتها ليلا ونهاراً ، ولا يكــــــف عن التنبيه والتحــــذير والزجر !! .. وقد صور حزقيال حصار مدينة أورشليم فى صورة نموذجية أمامه ، وأقام حولها البرج والمترسة والجيوش والمجانق ، والصاج والسور الحديدى ، نموذجاً مصغراً لما فعله نبوخذ ناصر ، عندما حاصرها ودخلها مدمراً إياها ، كما كان عليه أن ينام على جنبه الأيسر ثلاثمائة وتسعين يوماً ، ثم أربعين يوماً على جنبه الأيمن ، يوماً عن كل سنة قضاها إسرائيل فى الإثم والفساد ، وعلى الأغلب من أيام بربعام وعجول الذهب ، منذ ثلاثمائة وتسعين سنة وأربعين عاماً قضاها يهوذا فى الارتداد الشامل قبل خراب أورشليم . وليس معنى النوم على الجانب الأيسر أو الأيمن إنه لم يكن يتحرك إطلاقاً من على جنبه طوال هذه المدة ، لكنها كانت عادته اليومية المنتظمة التى لوحظ عليها من الجميع ، كان عليه أن يكون آية ، الأمر الذى فعله سمعان الخراز ، والذى جلس على عمود ثلاثين عاماً قرب إنطاكية يعظ الناس الذين يفدون لكى يروه ، وهو يحتج بجلوسه هذا على شرورهم وعالميتهم ، ... وكان على حزقيال أن يصور مجاعة المدينة فى حصارها ، بالطعام القليل الموزون بالميزان والذى يتعين عليه أن يأكله ، ... كما أنه حلق رأسه ولحيته ، وأحرق ثلث شعره المحلوق ، رمزاً للذين سيحرقون أو يموتون بالمجاعة والوباء داخل المدينة ، والثلث الثانى ضربه بالسيف رمزاً للثلث الذى سيمون قتلا بالسيف ، والثلث الثالث الذى سيسبى ويشرد فى كل مكان ... وفى الأصحاح الثامن سفره ، يؤخذ بالروح فى الرؤيا إلى مدينة أورشليم ، ليبصر الوثنية البشعة التى انتهى إليها شيوخ إسرائيل ، وفى التاسع يرى اللّه يميز بين من يعبد اللّه ومن لا يعبده ، ليقضى على الأشرار والفساد بصورة رهيبة . وفى الثانى عشر يبدو كما لو أنه يتأهب للجلاء ، إعلاناً ورمزاً لذهابهم إلى السبى ، وفى الثامن عشر يقضى على حجة المشتكين بأن آباءهم أكلوا الحصرم ، وأسنانهم هم التى ضرست ، وبين أن عقوبة كل إنسان تأتى نتيجة أفعاله هو !!... وفى الرابع والعشرين ماتت زوجته بضربة مفاجئة وكان عليه أن يحزن حزناً عميقاً وقلبياً ، رمزاً للضربة التى ستترك إسرائيل فى حزن يحل عن الوصف أو التعبير !! |
|