ان تريزة تشعر بدنو رحيلها، وهي لا تتمالك نفسها من شدة الفرح باللقاء القريب مع الحبيب: "لم اهب الله الكلي الصلاح الا حبا. وسيقابل حبي بحب بعد موتي، سأفيض على الأرض وابل ورود". فما يجذبها هو الحب: "الحب. ان أُحِبَّ وأُحَبَّ، وأعود الى العالم لأجعل الناس يحبون الحب". وقد استعارت عبارات الطوباوي تيوفان فينار وقالت: "لا اجد على الارض شيئا اسعد به. قلبي كبير جدا، لا يقوى شيء مما يدعي السعادة في هذا العالم ان يشبعه. يطير فكري نحو الأزل. لا يلبث الزمن ان ينقضي. وقلبي هادىء مثل بحيرة ساكنة او سماء صافية. انا لا آسف على حياة هذا العالم. اني عطشى الى مياه حياة لا تزول...بعد قليل تغادر نفسي هذه الارض. وينتهي منفاها وينقضع نضالها. فاصعد الى السماء. اصل الى الوطن واحرز الظفر. بعد قليل، ادخل مقر المختارين وانعم بحبور لم تره عين انسان قط، واسمع ايقاعا لم تسمعه اذن انسان، واتمتع بأفراح لم يذقها قط قلب انسان... ها قد وصلت الى الساعة التي يتوق اليها كل منا توقا عظيما.
صحيح ان الرب يختار الصغار ليخزي كبار هذا العالم. انا لا اعتمد على اقوالي الخاصة. بل على قوة من غلب، على الصليب، قدرة الجحيم...انا زهرة ربيع يقطفها صاحب الجنينة. ليسر بها. نحن كلنا زهور غُرست على هذه الأرض، ويجنيها الله متى شاء، عاجلا ام آجلا...اما انا الزهرة الذابلة، فإني امضي اولا. سنتلاقى يوما في الفردوس. وننعم بالسعادة الحقيقية".
ومع ذلك فقد كانت تخيم على نفسها ليلة حالكة ومحنة ايمان عسرة. ان نفسها في نفق طويل مظلم، وكأنها لم تر الشمس قط. والظلمات تصيح ساخرة منها: "انك تحلمين بالنور، تحلمين بامتلاك ابدي لخالق جميع هذه المدهشات، وتعتقدين انك ستخرجين من هذا الضباب الذي يكتنفك. تقدمي، تقدمي، وابتهجي بالموت الذي سيعطيك ليس ما ترجينه، بل ليلة ظلمة. ليلة العدم..." آه! ما أقسى هذه الآلام!