جَمْع أسفار العهد الجديد:
لدينا فكرة جيدة عن كيفية جمع أسفار العهد الجديد وترتيبها بشكلها الحالي. فالمرجح أن الاجتماعات المسيحية الأولى درجت على عادة المجامع اليهودية، فكانت تُتلى فيها قراءات منتظمة من العهد القديم. ولما كانوا يتعبدون للرب يسوع المسيح، فقد كان من الطبيعي أن يتناقلوا أخباراً تخصُّ حياته وتعليمه.
وربما استُهِل ذلك، في بادئ الأمر، بأخبار يرويها واحدٌ من الذين شاهدوا المسيح وسمعوه شخصياً. ثم لما تكاثر عدد الكنائس، وأخذ شهود العيان يرقدون، دعت الضرورة إلى تدوين تلك الأخبار. وهكذا برزت إلى الوجود الأناجيلُ (البشائر) الأربعة (متى مرقس ولوقا ويوحنا)، ومن الواضح أنه كان لها مكانةً مهمة في حياة الكنائس الأولى وعبادتها.
ثم كتب الرسل وسواهم من القادة بعض الرسائل إلى كنائس وأفرادٍ شتى. وبما أن هذه الرسائل انطوت على إرشادات عامة تتعلق بالحياة والمعتقدات المسيحية، فسرعان ما تبين أنها نافعة للكنيسة كلها. وقد لقي أعمال الرسل ترحيباً لأنه تابع أخبار إنجيل لوقا. وهو التاريخ الوحيد الكامل لبداءات المسيحية.
حتى إذا حلّ العام 200م، كانت الكنيسة تستعمل رسمياً الأناجيل الأربعة دون سواها، مع أن قصصاً خيالية عن المسيح وكتاباتٍ أنتجها قادة مسيحيون من غير الرسل كانت في التداول. ولكن الكنيسة أجمعت على قبول الأناجيل الأربعة باعتبارها المصدر الصحيح للأخبار المتعلقة بحياة المسيح وتعليمه. ونحو ذلك الوقت أيضاً كانت رسائل بولس مقبولةً عموماً باعتبارها تعادل الأناجيل أهميةً.
وفيما بعد قُبلت سائر أسفار العهد الجديد عموماً. ومع أن سفر الرؤيا، مثلاً، كان يُقرأ في القرن الثاني يقيناً، فهو لم يلقَ قبولاً عاماً إلا في القرن الثالث. وفيما كانت الرسالة إلى العبرانيين تُقرأ في القرن الأول بالتأكيد، فقد تباطأتِ الكنائس الغربية في قبولها زمناً، إلى أن تم قبولها في القرن الربع. وربما كان التردد عائداً إلى الشك في كون بولس هو كاتبها.
وقد استغرق قبول 2 بطرس، و2 و3يوحنا، ويعقوب ويهوذا، فترة أطول. وربما كان سبب ذلك مسائل تتعلق بمضمون هذه الرسائل. وكانت أسفار العهد الجديد تُستخدم أولاً في القراءات العامة، لكونها وافية بهذا الغرض.
ومن الواضح أن المجامع الكنسية لم تقرر قانون العهد الجديد (أي الأسفار المقبولة نهائياً) على نحو اعتباطي. بل إن الكنيسة، بعد مضي زمن طويل، لاحظت أن كتابات معينة تمتاز بموثوقية عامة وواضحة وهي نافعة لبنيان المسيحيين وتعليمهم. ففي مجمع لاودكية (363 م) ومجمع قرطاجة (397 م) أجمع الأساقفة على قبول مجموع الأسفار التي يحتوي عليها العهد الجديد الذي بين أيدينا، إنما استُثني سفر الرؤيا في مجمع لاودكية. وقد عني قيِّمو الكنائس، قبل كل شيء، بأن تكون الوثائق التي يضمُّها "العهد الجديد" ممثلة خير تمثل لشهادة الرسل واختبارهم وهم المقربون من المسيح وشهود العيان له.