عود كبريت !
في إحدى قرى الصعيد فكر بعض خدام التربية الكنسية في مشروع لخدمة أطفال
القرية ؛ ولم يكن لديهم إمكانيات فكروا في الالتجاء إلى بعض أغنياء القرية .
قال أحدهم :
" (فلان ) إنسان غني ويستطيع أن يساهم بكل نفقة المشروع ؛ لكن
لا أريد أن أدين أحدا ...!
لكن ؛ ماذا ؟
أنت تعرف ماذا أريد أن أقول .
تقصد ما هو معروف عنه... أنه بخيل ؟
كلنا نسمع عنه هذا !
على أي الأحوال ؛ لنذهب كأبناء له ونقدم له المشروع ؛ لعل يد الله تتدخل و
تعمل في قلبه .
ذهب الخدام معا فاستقبلهم الغني ببشاشة وجه مرحبا بهم ؛ وإذ أراد ابنه أن
يوقد المصابيح ؛ أوقد المصباح الأول ؛ وحاول أن يشعل المصباح الثاني بإيقاد
عود كبريت ثان ؛ فانتهره والده بسبب عود كبريت قائلا له :
"لماذا تستخدم عودي كبريت ؟ استخدم العود الأول بأن تشعله من المصباح
الأول لتوقد المصباح الثاني ... أليس في تصرفك هذا خسارة ؟!"
خجل الابن جدا لأن والده ينتهره بسبب عود كبريت لا قيمة له ؛ وكان الخدام
ينظرون لبعضهم البعض وكأنهم كانوا يقولون فيما بينهم " الذي ينتهر ابنه على
عود كبريت ؛ هل سيساهم في مشروع لأطفال القرية ؟!"
كان الغني يترقب نظرات الخدام دون أن ينطق بكلمة ؛ بل كان ببشاشة يرحب
بهم .
تملك أحد الخدام نفسه وبدأ يعرض المشروع على الغني الذي كان يتابع
كلماته باهتمام شديد ؛ وأخيرا سأل الغني الخادم :"ما هي تكلفة المشروع ؟
فأخبروه بالتكلفة .
وفي لحظات جاء الغني بالمبلغ كله وهو يقول لهم :
" هذه بركة لي أن أساهم في هذا المشروع لنفع أبنائي أطفال القرية ؛ أني
أشكركم لأنكم سمحتم لي بالاشتراك معكم في هذا العمل ؛ إني أقدم القليل مما
أعطاني الله وأما أنتم فالجنود العاملون بقلوبكم ومجهودكم لخدمة الأطفال .
أرجو ألا تحرمونيني من الشركة معكم في أي عمل لحساب أولادنا !"
تعجب الخدام من تصرف الغني ؛ وكانوا يتطلعون إلى بعضهم البعض غير
مصدقين ما يحدث معهم ؛ وإذ لاحظ الغني ذلك قال لهم :
" لماذا اندهشتم عندما وبّخت ابني لتبديد عود كبريت ؟ وأيضا عندما قدمت لكم
نفقة المشروع ؟ فإنه بمثل هذا العود من الكبريت جمعت لكم كل ما أقدمه لله
عطية لخدمته ! إني حريص على كل شئ لا لأكنزه وإنما لاستخدامه أنا وأسرتي
وأيضا لخدمة الآخرين "
خرج الكل فرحون وهم يلومون أنفسهم لأنهم كانوا يدينونه بالبخل ظلما؛ و
تعلموا منه ألا يبددوا شيئا حتى يستطيعوا المساهمة في خدمة الآخرين .
هب لي الأمانة في القليل
لأعطي للغير الكثير .
باركت يا سيدي السمكتين والخمس خبزات ؛
فاشبعت الألوف ؛
لكنك طلبت أن تجمع الكسر !
إنه عمل هام قام به تلاميذك بأنفسهم .
علمني أن أكون أمينا حتى في جمع الكسر ؛
فإن كثيرون يحتاجون إليها .
علمني أن لا أبدد الموارد التي قدمتها للبشرية ؛
بل أكون أمينا في القليل ؛
فتأتمني على الكثير .