أنواع الصلاة وجوهر الإيمان -
١ - الصلاُة أنواع ودرجات. تبدأ الصلاُة عندنا نحن المبتدئين ، بالتوبة ، وترتفع بالشكر وتُحلِّق في آفاق الروح القدس نحو معرفة ما لا يُعرف وإدراك ما لا يُدرك ، وهو الثَّالوث القدوس الآب والابن والروح القدس .
٢ - وبالتوبة نتعلم التوسل ؛ لأننا نصلِّي سائلين من الله ما لا نملك. وبالصلاة ندرك فقر طبعنا الإنساني وحاجتنا إلى النعمة . ومن يصلِّي يدرك من الطلبة أنه لا يملك ؛لأن الاستيلاء هوبذرة الخطية الأولى التي شِربت من العظمة الكاذبة ،وكبرت بغواية الحية القديمة .
٣ - جاء الرب ، وعلَّمنا التوسل والطلبة ؛ لكي ندرك من التوسل صلاح الله ، وجود طبعه ،وبالثبات في الطلبة ،ندرك غاية حياتنا .
٤- اللجاجُة في الصلاة ليست موجهًة إلى الله ، بل إلى القلب الإنساني نفسه ؛لأننا بالإلحاح واللجاجة نتعلم كيف نغوص في أسرار القلب ، وندرك خفيات النية والدوافع . وما أكثر المرات التي نطلب فيها ما لا يليق ، وما لا يجوز.
اللجاجة هي ثبات القلب ورغبته التي تزداد وضوحًا بمرور الزمن.
لنثبت في الصلاة حتى نتعلم - من شركتنا مع المسيح وفي المسيح - حقيقة نوايا القلب ، وخفيات الروح الذي فينا ( أي الروح الإنساني ) الذي يخفى علينا جوهره وأسراره ومقاصده . والروح الذي فينا هو ما تكون فينا من أفكار وعادات ، وممارسات ، ومشاعر ، تجمعت كلها في القلب ،وصارت مثل القوة المحركة لكل ما فينا ،ولكل ما نفعل في الحياة.
بالصلاة نغوص في أعماق العادات والاعتقادات و الأفكار والمشاعر التي تجمعت في حياتنا ، وجعلتنا نعيش حسب كل هذه الأُمور ، التي بعضها باطل و رديء ، وبعضها ليس شرًا ، ومع ذلك قد يعطِّل الحياَة ويصبح العائق الذي يؤخر توبتنا .
الصليب بداية الصلاة -
٥- صلاة التائبين تبدأ بالصليب ، وتنتهي بالقيامة ، أي قيامتنا نحن في اليوم الأخير.
٦- الصلاة التي تبدأ بالصليب ، ليس فقط برشم الصليب ، وإنما بطلب الالتصاق بالصليب ، لا يمكن أن تتحول إلى طريق الشر . أقول هذا بيقين ؛ لأن من يطلب أن يكون مع يسوع المصلوب لا يمكنه أن يصلِّي ضد أعداءه ، أو يطلب الشر للذين يكرهونه ، أو يصلِّي من أجل نجاح في تنفيذ ُأمور شريرة .
لنقف عند الصليب لكي نتعلم من يسوع المصلوب كيف نسلِّم كل شيء للآب : الفكر والإرادة والمشاعر والنفس والجسد ، وكل الأُمور الخاصة بالحياة الحاضرة ؛ لأننا عندما نفعل ذلك - بمحبة - نقترب من معرفة الأُمور الآتية.
فالصليب هو نافذة الحياة الآتية ، أي تلك التي خلقتها المغفرة ، وجعلت المحبة الإلهية جوهرها هو المحبة والعطاء .
أنظروا ماذا يقول الرب نفسه : " لا تخف أيها القطيع الصغير ، (أي قطيع الحملان ، لا تخف من الصليب )؛ لأن الرب قد سر أن يعطيكم الملكوت" (لو ١٢: 32 ) . وهذا هو طريق : ولذلك قال بعدها : بيعوا ما تملكون وأعطوه صدقًة (راجع لو ١٢) ؛ المصلوب الذي تجرد من كل الأشياء ، حتى ملابسه ُأخذت منه بإرادته ، لكي يصلب عاريًا . أما هو فقد رأى مجده في التحرر من القنية ، أما جنود الرومان ورؤساء اليهود ، فقد اعتبروا هذا عارًا .
يا لغرابة هذا التعارض . ما يحسبه الرومان واليهود عارًا ، هو ما يحسبه الرب نفسه مجدًا وخلاصًا ومحبة للآب . هكذا َقَلب الصليب موازين ومقاييس كل الأشياء .
لنحيا حسب الصليب ، ونلبس الصليب في القلب ، وفي النية الداخلية ؛ لكي إذا ما غاص الصليب واستقر في أرواحنا ، وصار هو الاعتقاد والشعور والإرادة، تحولت أرواحنا إلى شبه يسوع المصلوب.