منتدى الفرح المسيحى

منتدى الفرح المسيحى (https://www.chjoy.com/vb/index.php)
-   قسم الكتب الدينية (https://www.chjoy.com/vb/forumdisplay.php?f=56)
-   -   كتاب لكي لا ننكر المسيح: لماذا يرتد البعض؟ (https://www.chjoy.com/vb/showthread.php?t=283384)

Mary Naeem 22 - 05 - 2014 04:05 PM

كتاب لكي لا ننكر المسيح: لماذا يرتد البعض؟
 
كتاب لكي لا ننكر المسيح: لماذا يرتد البعض؟
القمص أثناسيوس فهمي جورج
مقدمة الكتاب

الشيطان دائمًا يقاوم مملكة المسيح لأنه قد آن الأوان لنسلِ المرأة أن يسحقَ رأسَ الحية (تك 15:3) إنه يحارب إرادة الله بعد أن ضاق بامتداد الملكوت، وهو لا يزال يصرخ "ما لنا ولك يا يسوع أتيت لتهلكنا" (لو 34:4) يثير الاضطهاد والضلال والشكوك والغواية في كل عصر، يحارب بر المسيح ذاك البر الإلهي الحقيقي، إنه لا يُطيقُ الطهارة ولا السلام والوداعة والحب والاتضاع والخير والنور والتعفف... إذ أنه عدو وقَتَّال للناس منذ البدء، وهو المُشتكي والكذاب وأبو الكذاب، الذي سمتهُ الكنيسة "غير الرحيم" ضد المسيح الذي يعمل في أبناء المعصية، والأنبياء الكذبة، والذئاب الخاطفة الضالة. بينما مصيره في المحصلة النهائية، في البحيرة المتقدمة بالنار والكبريت (رؤ 10:20).
لقد حذرنا المسيحُ ربُنا "انظروا لا يُضِلُّكم أحدٌ" (مر 15:13). نلبس سلاحه الكامل حتى نقدر أن نثبت ضد مكائد إبليس (إف 10:6) حيث أنه يجول ينفث سمومَه وغضبَه وهلاكَه. ليقتنص مَن يبتلع وعودَه وإغراءاته الكاذبة أو وعيده وتهديده. لكن الله صادقٌ في وعده وهو لا يشمخ عليه، أي لا يسخر منه Mocked at، فما يزرعه الإنسان إياه يحصد، وأيضًا من يزرع للجسد.. للخطية، فمن الجسد والخطية يحصد فسادًا، ومن يرتد إنما يدين نفسَه ويقطعُ نفسَه بنفسِه من الكرمة، فالمُرتَد لا يُسَرُّ به الله (عب 36:10) ويكون ارتداده للهلاك، أما الإيمان هو طريق اقتناء النفس.
إنَّ توصيف حالة الشخص المرتد إنما هي: الدوسُ على ابنِ الله، وتدنيس دم العهد الجديد الذي استأمنَهُ عليه اللهُ، والازدراء بالروح القدس وبعمل نعمته... إذ أن كل من يرتد عن الإيمان الحق إنما يفتري ويهين خلاص المخلص، غير مقدر البركات الإلهية التي للحرية وللفداء، وبجهالةٍ يرجع إلى العبودية التي أُنقِذَ منها، بدلًا من أن يصون إيمانَه ويحفظَ دعوتَه، حيث أن الذي فدانا قادر أن يحميهم إلى التمام. فيس أحدٌ يضع يدَه على المحراث وينظر إلى الوراء يصلح لملكوت الله (لو 62:9)، والارتداد للخلف "إلى الوراء" أمرٌ شرير، إذ العبرة لا لمن يبدأ بل لمن يُكمل ولمن يصبر إلى المنتهى فيخلص. أما من ينظر للخلف يكون كنصبٍ تذكاري للنفس المرتدة غير المؤمنة... لذا يوصي الآباء بالابتعاد عن الارتباك والنكوص والتباطؤ، وبضرورة التكميل بسبب زيت المسحة التي قبلناها، وبالتجاوب مع النعمة بالسلوك لئلا نكون قد أخذنا النعمة عبثًا، نعترف بعمل الله معنا ونعيش كما يحق لإنجيله مع كل الذين امتدحهم الرب لأنهم تاجروا بوزناتهم وربحوا.

إن ضرورة تثبيت الإيمان هي قضية الأبدية، وهي وظيفة تمس بنيان كيان الكنيسة أم الأولاد الفرحة (مز 9:113) التي تلدُ أعضاءَها وتجمعهم وتحفظهم لحياة أبدية...تسلمهم الإيمان المتين بالتربية والتوعية والتقوية المستمرة، وسطَ تيارات الانحراف والإغراء والزعزعة والانجذاب والطياشة والهجوم المسعور على العقيدة.
فالمجهود المطلوب كبير والمرتجى أكبر، والحصاد كثير يحتاج إلى فعلة يرسلهم رب الحصاد للافتقاد والتعليم والرعاية وخدمة الاحتياجات خلال المؤشر الجغرافي والأسري والشخصي والفئوي والمجتمعي بالخرائط والتدابير اللازمة على كل الأصعدة، لنثبت إخوتنا ونفتقد سلامتهم حتى يتمسكوا بالمواعيد الإلهية ويتحصنوا بالرجاء الحي، بسطاء كالحمام حكماء كالحيات (مت 16.10) مستعدين لمجاوبة كل من يسألنا عن سبب الرجاء الذي فينا (1بط 15:3) ولنجعل دعوتنا واختيارنا ثابتين بالأعمال الصالحة حتى لا نُزل أبدًا (2بط 10:1) عالمين أننا دُعينا لكي نرث البركة، عندما يأتي الديان ولا يُبطئ، حيث يرث الحكماء مجدًا (أم 35:3) والأغبياء حماقة (أم 15:4).
ليت الله يُرسل فعلةً لصيد النفوس إلى شبكته الإلهية... يحملون صليبه الظاهر للعيان حينًا والمختفي في قلوبهم أحيانًا كثيرة، فعلةً لهم سيرتهم بالتقوى والقداسة، غيورين على مجد الله كل حين، متذكرين أكاليلهم مهما كانت الجراح والصعاب، مقتدين بالسخاء الذي لا يُعيَّر. لهم ركبٌ منحنية ونفوس مترفقة تحتمل الجهد والسفر والتعب والتفتيش والنقاش والعطاء بروح الالتزام والإحساس بالمسؤولية مع احتمال الآلام والأتعاب والتحلي بالستر والسرية.
والآن نستودع بين يديك يا سيدنا الرب هذه الدراسة كي تكون لمجد اسمك القدوس وسبب بركة ومنفعة لمن يقرأ ويعمل... ذاكرًا النماذج الحية التي عاينتُها عن قرب في نصيب هذه الخدمة والذين هم الآن عندك يا إله الأحياء بعد أن مجدوا اسمك وحملوا صليبك ونالوا شركة كأس مسيحك... أولئك يا رب الذين أخذتهم الدكتور بهجت عطا الله، والدكتور نبيل صبحي، والدكتور طلعت عبده حنين نيح نفوسهم في أورشليم السمائية ورسخهم في ديارك يا إله الكل وأعطهم يا رب أجرهم السمائي عوض حفظهم وغيرتهم على إيمانك، واقبل إليك سؤالاتهم وهم الآن في حرية الروح من أجل ظروف واحتياجات هذه الخدمة. أما نحن الغرباء في هذا العالم احفظنا في إيمانك وأنعم لنا بسلامك إلى التمام. لك المجد أبيك الصالح والروح القدوس.
القس أثناسيوس فهمي جورج
Ireland Dublin
2007

Mary Naeem 22 - 05 - 2014 04:06 PM

رد: كتاب لكي لا ننكر المسيح: لماذا يرتد البعض؟
 
آلام الرب الجديد

لا يزال الرب يتألم بسبب فساد الأعضاء الذين سقطوا وارتدوا عن الوصية المقدسة (2بط 21:2) ويصفهم القديس بولس الرسول بالتدقيق: "الذين داسوا ابن الله، وحسبوا دم العهد الذي قُدِّسوا به دنسًا، وازدروا بروح النعمة" (عب 29:10) فكان خيرًا لهم لو لم يعرفوا طريق البر من أنهم بعدما عرفوا يرتدون.
يقول الكتاب أن مثل هؤلاء يسببون للرب آلامًا مبرحة، إن يجددون عليه آلام يوم الصليب: "يصلبون لأنفسهم ابن الله ثانية ويشهرونه" (عب 6:6)، ذلك لأنهم يضعون عار الخطية على الجسد المقدس الذي اشتركوا فيه، والذي صار فيهم، فيجعلوا جسد المسيح شريكًا في إثمهم ونجاستهم "أفآخذ أعضاء المسيح وأجعلها أعضاء زانية؟" (1كو 15:6) لأنَّ أجسادَهم بعد أن تتحد بالمسيح تصير أعضاء في جسده "ألستم تعلمون أن أجسادكم هي أعضاء المسيح" (1كو 15:6).

فإذ هم يستهينون بسيادة الرب، ويدنسون أجسادهم (يه 8:1) يحسبون الدم الذي قُدِّسوا به دنسًا (عب 29:1)!! وليس ذلك فقط بل إذ يرتدون علنًا (2بط 21:2) ويصنعون الخطية باستهزاء مزدرين بروح النعمة (عب 29:10)، ليس فقط يصلبون لأنفسهم ابن الله ثانية بل ويقول الكتاب "ويشهرونه" أي يفضحونه!! إذ يخضعون للشيطان جاعلين الشيطان أفضل من المسيح والروح القدس، فيكون عملهم كمن يُعطي القدس للكلاب" (مت 6:7) أو يبيع ابن الله بثلاثين من الفضة!! وهم في اقترافهم الخطايا عن عمد يضعون عارها على الجسد المقدس كما كان على الصليب تمامًا، لذلك قيل أنهم "يصلبون لأنفسهم ابن الله ثانية".
ولكن لم يقل الكتاب "إنهم يصلبون ابن الله" فقط، بل يصلبون "لأنفسهم" ابن الله، أي أنهم يتحملون وحدهم مسؤولية هذا العمل وعقابه كيهوذا الذي أسلم الجسد للصليب والفضيحة عن عمد، لذلك لم يجد مكانًا للتوبة، كذلك تمتنع التوبة والتجديد لمن يستهينون بالجسد والدم والروح "لا يمكن تجديدهم للتوبة".
لذلك فإن عقابهم يكون أشر من عملهم (عب 29:10)، إذ يقطعهم الرب من جسده متألمًا، كمن يقطع الغصن الفاسد من الكرمة بلا رحمة "كل غصن فيَّ لا يأتي بثمر ينزعه" (يو 2:15) ليُلقى في النار.
وهؤلاء الذين يجحدون الإيمان ويتركون الطريق والدعوة التي دُعوا إليها، يُرددون صدى أصوات "اصلبه، اصلبه" لترن في آذان المخلص في السماء بسبب ارتدادهم عن الإيمان والوصية المقدسة، فمن جحد المسيح إنما اشترك في صلبه "إذ هم يُنكِرون الرب الذي اشتراهم يجلبون على أنفسهم هلاكًا سريعًا" (2بط 1:2).
إنَّ خطرَ عدم الوعي الإيماني الصحيح يجعل بعض الأوراق الخريفية تذبل وتسقط منفصلة عن الكرمة، عندما تفرط في وديعة إيمانها من أجل مالٍ أو جنسٍ أو شهوة، بينما تزكية إيمانها هي أثمن من الذهب الفاني (1بط 7:1).
والذين غلظت قلوبهم وآذانهم وتثقلت أسماعهم وغمضوا عيونهم لئلا يُبصروا بعيونهم ويسمعوا بآذانهم ويفهموا بقلوبهم ويرجعوا فيشفيهم (مت 15:13) تعمدوا العناد والمقاومة والإنكار والشك والرفض والاستهانة أولئك يصلبون المسيح ثانية "فكيف ننجو نحن إن أهملنا خلاصًا هذا مقداره" (عب 3:2).

Mary Naeem 22 - 05 - 2014 04:07 PM

رد: كتاب لكي لا ننكر المسيح: لماذا يرتد البعض؟
 
الارتداد الجزئي


يعيش البعض في أمية روحية وفي جهالة، ولا يأخذون من المسيحية إلا اسمها فيحيون "مسيحية اسمية" في ارتداد جزئي، تلك التي يصفها الآباء بأنها "خطية جميع الخطايا"، عندما يتسموا مسيحيين وهم ليسو كذلك، وما من شك في أن الارتداد الجزئي يؤدي إلى ارتداد كلي.
  • الخطية أصل الداء
  • هل يُجبر الإنسان على الارتداد عن الوصية؟
  • هل يمكن أن يرتد خادم عن الإيمان؟

Mary Naeem 22 - 05 - 2014 04:07 PM

رد: كتاب لكي لا ننكر المسيح: لماذا يرتد البعض؟
 
الخطية أصل الداء

إذا أُصيبَ إنسان ما بالحمى، فاشتهى أن يشرب مشروبًا باردًا وهذا ليس في صالحه، وجاء الطبيب ومنعه أن يتمم شهوته فتزايدت فيه الرغبة وتناوله حسب شهوته المهلكة ومات، فليس من عيب هنا على الطبيب الذي مهمته أن يمنع، أما التحفظ والاحتراس فهذا واجب المريض يقينًا، وبهذه الطريقة أهلك الشيطان يهوذا عندما غمره بالطمع فاشتهى مال الفقراء وسرق الصندوق وازدرى بالنعمة "كم عقابًا أشر تظنون أنه يُحسب مستحقًا من داس ابن الله" (عب 29:10).
"إن كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية" (يو 34:8) والبعض لا يستطيعون اكتشاف دهاء وخبث الخطية وتلونها بألوان زائفة أمام الساذجين بأعذار بريئة، بعيدًا عن التقييم الواقعي للخطية "لا تقدر شجرة رديئة أن تصنع أثمارًا جيدة" (مت 18:7).
فلو رفض الإنسان الخطية وصد الشيطان مقاومًا شكوكه، تُعطى له الغلبة ويُتوج بعدم الموت "قاوموا إبليس فيهرب منكم" (يع 7:4)، ولأصبحت حياته ارتقاءً من مجدٍ إلى مجد "اقتربوا إلى الله فيقترب إليكم" (يع 8:4) والإنسان الروحي لا يعمل الخطية "نعلم أن كل من ولد من الله لا يخطئ، بل المولود من الله يحفظ نفسه والشرير لا يمسه" (1يو 18:5).

كثيرون من الذين تدخل قلوبهم محبات غريبة يتورطون في العصيان والجهالة ويتمرغون في حمأة الخطية التي تودي بهم إلى الارتداد، لأنه لا توجد خلطة للبر مع الإثم، ولا شركة للنور مع الظلمة، ولا اتفاق للمسيح مع بليعال (2كو 14:6) ومملكة الخطية لا يمكنها أن تعايش ملكوت الله.
ونتيجة للبداية الروحية الخاطئة والفتور الروحي الذي يُصيب البعض، أو بسبب السطحية والأمية الروحية، أو بسبب الشكلية والروتينية في الممارسات الروحية، أو بسبب التنشأة البعيدة عن الجو الكنسي الحي، يسقط الإنسان فريسة للخطية، فما أسهل التزاحم على المسيح، وما أقل الحاصلين على الشفاء.
فلا يقدر الإنسان أن يعترف بالله ولو دعى نفسه مسيحيًا آلاف المرات بينما هو يخطئ ضد الله، فمن يسمح لنفسه أن يضع ما يكرهه الله لا يقدر أن يعترف بالله ما دام يحتقر الوصايا الإلهية ويرجع للأمور العتيقة.
إن الناظر إلى النفوس التي تبيع المسيح يجدها في شقاوة الخطية، تحتقر النعمة من أجل مجانيتها، وعندئذ يُلقي الشيطان بالخطايا في قلبها فتصير كيهوذا الذي دخله الشيطان فباع المسيح بالفضة.
فلنسمع العروس في نشيد الأنشاد -التي هي أنا وأنت والكنيسة كلها مجتمعة- وهي تخاطب عريسها المسيح قائلة: "قد خلعتُ ثوبي (العتيق) فكيف ألبسه؟ قد غسلت رجلي فكيف أوسخهما؟" (نش 3:5) وكأنها تقول لنا ما قاله القديس بولس الرسول "نحن الذين متنا عن الخطية كيف نعيش بعد فيها" (رو 2:6)!!

Mary Naeem 22 - 05 - 2014 04:09 PM

رد: كتاب لكي لا ننكر المسيح: لماذا يرتد البعض؟
 
هل يُجبر الإنسان على الارتداد عن الوصية؟

إنّ نوالنا الخلاص إنما يكون بأعمال اقتدائنا بالمسيح، فالمسيحي الذي يضل طريقه في متاهة طرقات متشابكة لا يقتفي أثر المسيح مخلصنا الذي نجنا بأفعاله الخلاصية التي صنعها من أجلنا، وأعطانا أن ننال هذا الخلاص باقتفاء آثار أقدامه.
فسيمون الساحر فقد نعمة الخلاص لأن قلبه لم يكن مستقيمًا أمام الله (أع 13:8)، لذلك فإن آباء الكنيسة حينما يتكلمون عن نعمة المعمودية يتكلمون عن قوتها للخلاص، ولا يقصدون مجرد أداء طقس المعمودية بل هم يقصدون بالحري بركات سر المعمودية المصحوب بالإيمان الحي، ذلك الإيمان لا يبقى ساكنًا بل يتحقق ويظهر يومًا فيوم من خلال الجهاد الروحي والعبادة وشركة القديسين والتوبة المتجددة والتطبيق الدقيق لوصايا الإنجيل.
وهكذا فإن الإنسان المسيحي وهو يجاهد ليحصل على الملكوت إنما يمارس خلاصه في حياته اليومية ويعيش شاهدًا لقوة هذا الخلاص، بعد نوال الروح القدس الذي هو عربون ميراثنا والمتعهد بتكميل خلاصنا.

لقد تكلم المسيح في أحد أمثاله عن "الأقوى" الذي استطاع أن يوثق "القوي" ويدخل بيته وينهب أمتعته (لو 21:11) ذلك الأقوى هو المسيح مخلصنا وحدة الذي يغلب إبليس وينتزع الفريسة البريئة من تحت قبضته وسلطانه.
لكن ينبغي أن يقبل الإنسان المسيحي عمل النعمة وأن يتجاوب مع الإيمان، وقد يكون عمل الإيمان من جانب البشر صغيرًا جدًا ليس أكبر من حبة الخردل، لكنه دور الإنسان باعتباره حر الإرادة لا مسلوب الإرادة لأنّ الصلاح لا يمكن أن يُفرَض بالقوة على الإنسان.
لذلك لا بد أن تظهر ثمار الخلاص في حياة الإنسان المسيحي، في أن يعيش خلاص المسيح بالإيمان ويحرسه بالأعمال والاجتهاد "كونوا راسخين" لأن رسوخ الإيمان يعني سلوكًا يُرضِي الله الذي دعانا إلى ملكوته ومجده (1تس 12:2) حاسبين أنفسنا أمواتًا عن الخطية لكن أحياء لله بالمسيح يسوع ربنا (رو 1:6).
عجيبة هي دعوة الحياة المسيحية التي تحاصرنا حتى في ضعفنا وفتورنا وتقلبات الفكر والجسد، إذ أن المسيح بنفسه تكفل أن يسدّ ضعفنا "الذي سيثبتكم أيضًا إلى النهاية بلا لوم..."أمين هو الله الذي به دُعيتم إلى شركة ابنه يسوع المسيح ربنا" (1كو 8:1).
أما النفس المغلوبة من إبليس فيسهل ارتدادها عن الإيمان (عب 3:2) لذلك يُحذِّر القديس بولس "انظروا أيها الإخوة أن لا يكون في أحدكم قلب شرير بعدم إيمان في الارتداد عن الله الحي" (عب 2:31).
ويُشبِّه القديس باخوميوس الإنسان المسيحي الذي تصيبه الغفلة عن خلاص نفسه ويستسلم للإفراد في أعمال الجسد والاستهتار بالنعمة، بشمشون الذي أصابه الغرور واستسلم لامرأة غريبة حلقت رأسه ففارقه روح الله في الحال، وبالتالي ضعفت قوته فأتى الغرباء وربطوه وذهبوا به إلى موضع الطحن حيث أصبح أضحوكة وألعوبة، ثم قلعوا عينيه وصيروه أعمى.
وكل من يتهاون بخلاص نفسه ويهادن الخطية ويكون تحت نير مع غير المؤمنين، لن ينفك من الأسر حتى يموت عند الغرباء كعبد أسير... فلنستيقظ من الغفلة ونهرب من القاسي القلب الغاش لئلا يقلع عيني عقلنا.
ولن يُجبر إنسان على عمل الشر لأن هذا لا يمكن أن يحدث إطلاقًا، ولا يُرغم الإنسان على السقوط في أية خطية ما دام لا يقبلها بل يقاومها. أما الإنسان الذي يتهاون بخلاص نفسه فشهوته هي التي تصرعه، والذي يُفسح للخطية مجالًا في داخله بتوانيه ورغبات قلبه المنحرفة، يسهل جدًا أن يُفرض عليه الشر أو الخطية من خارجه.
ينبغي ألا نتصور أن الإنسان يسقط فجأة، ولكن لا بد أن يسبق ذلك إخفاق أو انخداع وممارسة خاطئة للحياة المسيحية، تمامًا كما أن المنزل لا يسقط أبدًا بانهيار مفاجئ بل عندما يكون هناك خطر أو صدع في أساساته أو بسبب تجاهل سكانه لمدة طويلة تشرب أسباب الانهيار "بالتجاهل الغبي يسقط البناء وبارتخاء اليدين يتحطم البيت" (جا 18:10)، وهذا بعينه ما يحدث للنفس التي تصل إلى أن "الماء المتسرب يجرد الإنسان من بيته في يوم عاصف" (أم 15:27).
إن سقوط الإنسان لا يحدث فجأة، إنما أوجاع النفس تتسرب تدريجيًا فإن لم تُقاوَم في أوائل تسربها، لا بد أن تتحطم دعامات الحياة الروحية وتتحول النفس من الارتداد الجزئي إلى الارتداد الكلي.
كل غصنٍ لا يتغذى من عصارة الكرمة لا ينمو ولا ينضج ولا يتثبت، والأوراق الخريفية تذبل وتسقط بعد أن تترك الوصية والاتكال على الله والثقة في عنايته وحمايته، وتدخل في تيار الخطية وفي مناقشات غبية صائرة تحت نير غير المؤمنين.
إن السيد المسيح، كلمة الله، مخفي وراء الوصية، فمن يعيش الوصية يلتقي به، ومن يرتد عن الوصية يبتعد عنه ويتمسك بحبال خطيته (أم 2:5).

Mary Naeem 22 - 05 - 2014 04:10 PM

رد: كتاب لكي لا ننكر المسيح: لماذا يرتد البعض؟
 
هل يمكن أن يرتد خادم عن الإيمان؟

يذكرنا القديس بولس "إذًا من يظن أنه قائم فلينظر أن لا يسقط" (1كو 12:10)، فالسقوط يمكن أن يحدث حتى للخدام "لأن كثيرين ممن كنتُ أذكرهم لكم مرارًا، والآن أذكرهم باكيًا وهم أعداء صليب المسيح" (في 18:3)، ويشرح بولس الرسول مأساتهم فيقول "الذين نهايتهم الهلاك، الذين إلههم بطنهم ومجدهم في خزيهم، الذين يفتكرون في الأرضيات" (في 19:3).
إن الخادم الذي يترك محبته الأولى والذي له اسم أنه حي وهو ميت، وكذا الخادم الفاتر، يذهب عنه روح الرب ويُنزع منه ملكوت الله ولعل أسوأ مثال لمن هلكوا من الخدام كان يهوذا الاسخريوطي أحد الاثني عشر، وديماس مساعد بولس الرسول الذي تركه إن أحب العالم الحاضر (2تي 10:4).
فالصراع قائم بين الحياة والموت، و"الذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص"(مت 22:10)، "لم تقاوموا بعد حتى الدم مجاهدين ضد الخطية" (عب 4:12)، وكل من لم يتدرب على الجهاد واليقظة الروحية ملاحظًا نفسه والتعليم، يفقد الطريق وتكون أواخره أشر من الأوائل.
ينزعج المؤمنون عندما يرون هذه الأمور حادثة بينما يحدثنا الرسول بولس عن أشخاص "بدأوا بالروح وأكملوا بالجسد" (غلا 3:3).

Mary Naeem 22 - 05 - 2014 04:11 PM

رد: كتاب لكي لا ننكر المسيح: لماذا يرتد البعض؟
 
سيكولوجية الشخص المرتد


لابد من فهم نفسيات الذين يرتدون عن الإيمان، ذلك أن الإيمان في صميم شخصية الإنسان وحياته.
  • الشخصية المتشككة
  • الشخصية اليائسة
  • الشخصية الأنانية | النرجسية
  • الشخصية المترددة
  • الشخصية السطحية
  • الشخصية الخيالية غير الواقعية
  • الشخصية العاطفية

Mary Naeem 22 - 05 - 2014 04:12 PM

رد: كتاب لكي لا ننكر المسيح: لماذا يرتد البعض؟
 
الشخصية المتشككة

كثير من الشخصيات القابلة للتشكيك تريد أن تُخضع الأمور العقيدية للعيان لا الإيمان، وأن تُخضع الأمور الإلهية العالية عن الأفهام لمستوى الحواس والإدراك البشري المحدود.
وعندما تقع الشخصية الشكاكة فريسة لحروب إبليس من جهة سلامة إيمانها، تنسلخ من جسم الكنيسة فيسهل تضليلها ومحاربة إيمانها.
والشك يعدم الإنسان الرؤية الصحيحة، لذلك نجد أن عمل عدو الخير الرئيسي هو إثارة الشكوك وتشكيك الإنسان في قوة الإيمان فمن جانب يحطم نفسيته ليعزله عن الله، ومن جانب آخر يستفرد هو به.
إن الأفكار التشكيكية تتسلل وتزحف داخل الثقوب الصغيرة لتفسد كرم النفس في بدء نموها، ولتبدد ثمر الإيمان خلال المفاهيم المضادة التي تضل قلب البسطاء والمتشككين، بينما أمور الإيمان غير منظورة وفوق المنطق.
ويميل البعض إلى تغطية عجز وقصور شخصياتهم بالاسترسال في مناقشات وإثارة الشكوك، من أجل رغبتهم في الظهور وإثبات الوجود بالكبرياء العقلي.
وواجبنا مع هذا النمط من الأشخاص أن نعمل معهم من أجل مزيد من الإيمان لينتهي بهم شكهم إلى شهادة توما الرسول في صرخة استعلان "ربي وإلهي" (يو20: 28).

Mary Naeem 22 - 05 - 2014 04:13 PM

رد: كتاب لكي لا ننكر المسيح: لماذا يرتد البعض؟
 
الشخصية اليائسة

هناك نمط من الشخصيات التشاؤمية اليائسة التي تنحني أمام ضغطات الحياة ومن ثم تتحرك في طريق مسدود، فتتورط في مشكلات وتعالج مشكلات بمشكلات جديدة "فقدوا الحس، اسلموا نفوسهم للدعارة ليعملوا كل نجاسة في الطمع" (أف4: 19).
وذلك اليأس يدفع هذا النمط إلى تورط مادي أو عاطفي أو جنسي، بل وربما يرى أن تورطه هذا لونًا من ألوان الانتقام من المجتمع المحيط به فيسري اليأس في النفس كفعل السم البطئ، وفي الحقيقة أن اليأس في ذاته علامة على عدم إيمان النفس التي ترفض الأدوية بحجة استعصاء شفاء جراحاتها، بينما شخص المسيح هو سلامنا ورجاؤنا، وهو وحده الذي يهدئ ثورات النفس الداخلية ويسندها.
الإنسان اليائس والقلق يزيد إلى ضربات العدو الشرير ضربات أخرى يقوم هو بها فيتحالف مع الشيطان ويترك لشهوته العنان ويُدخل العالم إلى قلبه... إنها ضربات يوجهها لنفسه، فيكون كالملاكم الذي يترك رأسه بين يدي خصمه.
فالشيطان يستخدم كل الحيل ليزرع في النفس فكر اليأس والخوف من الرجوع ليثقل أحمالها فتهلك سفينتها "يسقطون ولا يقومون، أو يرتد أحد ولا يرجع" (أر8: 4)، إذ عندما تُثقب السفن تدخلها المياه من أسفل فتغرق.
في كل وقت تحتاج هذه النفوس إلى الإيمان الذي هو منبع كل البركات وترياق الخلاص، وبدونه يستحيل أن تملك شيئًا من التعاليم الإلهية، بدونه يشبهون أناسًا يحاولون عبور المحيط بدون سفينة، معتمدين على إجادتهم للسباحة فيستعملون أيديهم وأرجلهم، حتى إذا ما تقدموا قليلًا سرعان ما تبتلعهم الأمواج، وهكذا بينما يتمسكون بيأسهم متغاضين عن الإيمان ومرساة الرجاء "تنكسر بهم السفينة من جهة الإيمان" (1تي1: 19).

Mary Naeem 22 - 05 - 2014 04:13 PM

رد: كتاب لكي لا ننكر المسيح: لماذا يرتد البعض؟
 
الشخصية الأنانية | النرجسية

هذا النمط الأناني من الشخصيات يجعل صاحبه لا يفكر فيمن حوله تاركًا انتماءاته الأسرية -(رابطة اللحم والدم)- وانتماءاته الكنسية، وفي مشاعر متبلدة لا يرى إلا شهوته ورغباته الحمقاء كما لو كانت لائقة.
فالنفس الأنانية مستبيحة تظلم بالشهوات وبالمجد الباطل وتغرق في أعماق الجهالة، لا تعود تسمع لا لوصايا الكتاب المقدس ولا لنداءات العقل الطبيعي ولا لنصائح أباء الكنيسة ورعاتها "صلّبوا وجوههم أكثر من الصخر أبوا الرجوع" (أر5: 3).
وباختصار تنجذب النفس الأنانية لأية لذة جسدية وتعاودها الأفكار. والأفعال النرجسية والتخيلات ومشورات العدو فتندفع في نوبة شيطانية تجذبها جاذبية مغريات العالم وشهوات الجسد، فيقترب منها الأشرار ليأكلوا لحمها.
إن ما تعانيه النفوس الأنانية المختالة من رفض لإغداق نعمة الله عليها، يحرمها من صلابة الرجاء ويصيرها كغبار يندفع بعيدًا عن الأرض الصلبة الثابتة، عندما تبرد محبتها بسبب برودة خطاياها المتزايدة فتصير جامدة كالثلج لا تبالي بنموها وبأبديتها.
الأمر الذي أعلنه الله في أشعياء "ربيت بنين ونشأتهم أما هم فعصوا عليّ" (أش1: 2)، فهؤلاء البنين صاروا بني الغرباء، فبحسب الطبيعة هم أبناء، إذ هكذا خُلقوا، لكن حسب أعمالهم لم يعودوا أبناء له، فُيقتلون ولا يكون لهم موضع في الكنيسة مدينة الرب.
إن الشيطان يدفع حرب الأنانية والنرجسية إلى النفس بغير هوادة ولا يتركها تتنفس لحظة واحدة من الزمن كي يحرمها من الخلاص، لا لأن الله قد رفضها وإنما لأن قلبها مبني على الرمل لا الصخر... مبني على محبة نفايات العالم الواهية، لا محبة يسوع الحقيقية.
فيهوذا رفض النعمة، والشعب غليظ القلب في القديم رفض الله وعبد العجل الذهبي.

Mary Naeem 22 - 05 - 2014 04:14 PM

رد: كتاب لكي لا ننكر المسيح: لماذا يرتد البعض؟
 
الشخصية المترددة

هذا النمط من الشخصيات يتسم بالسذاجة واللامبالاة وعدم الرسوخ "رجل ذو رأيين هو متقلقل في جميع طرقه" (يع1: 8) ومن ثم تعرج هذه الشخصية بين الفرقتين، دائمة التقلب، دائمة بين أمور كثيرة، تترنح وتسير في خط ملتو Zigzag.
إن الشخصية المترددة ضعيفة الإرادة تتنكر للنور ولا ينتظرها بعد ذلك إلا الظلمة وراء الظلمة! والانسياق في الخطية هو التورط من السيئ إلى الأسوأ حتى تمام الغرق، وكلما ظن الإنسان أنه وجد ملجأ فيه سلامته، يكتشف أنه ازداد غوصًا في الوحل، فالتردد ظلمة لا نهاية لها وليل بلا فجر، لأنه لا يقدر أحد أن يخدم سيدين، والخضوع لسيدين هو خداع "يشبه موجًا من البحر تخبطه الريح وتدفعه فلا يظن... أنه ينال شيئًا من عند الرب" (يع1: 7).
لذلك الشخصية المترددة لا تختبر الفكر من بدايته إن كان ضارًا أو نافعًا بل ترفض أو تقبل الأفكار حتى قبل تضاعفها وضغطها دون أي تباطؤ في ارتباط أثيم معها، وهكذا نرى الضعيف المتردد الإرادة هي علة الشر، وتكون الحالة هي السبب، فمن كان في ضعف ساد عليه الضعف، ومن كان في قوة صارت له القوة.
ويطرأ التغير على النفس المترددة وفقًا لنوعية الظروف التي تقابلها فنقرأ عنها "أما الجاهل فيتغير كالقمر" (سفر يشوع بن سيراخ 27: 12)، تتردد في رغباتها وشهواتها وجموحها "كل الأشياء تناوئ الرجل الجاهل" (أم14: 7) تتحول عن الأبديات وتصنع هلاكها بالموت بيدها مزدرية بروح النعمة وبالثبات في المسيح الكرمة الحقيقية.

Mary Naeem 22 - 05 - 2014 04:15 PM

رد: كتاب لكي لا ننكر المسيح: لماذا يرتد البعض؟
 
الشخصية السطحية

هذا النمط من الأشخاص يتسم بالأمية الروحية والضحالة "ليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل ملكوت السموات بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السموات" (مت7: 15).
فالحياة مع الله ليست مجرد إيمان نظري (أي الاعتقاد الديني) أو مراعاة لبعض الشكليات، لذلك لابد أن يتميز إيماننا بأن يقترن بالمعرفة والأعمال الصالحة حتى يختلف عن إيمان الشياطين الذين "يؤمنون ويقشعرون" (يع2: 19) فتصبح إيمانياتنا بعيدة عن هامشية العقل وسطحية المعرفة وشاطئية الممارسة.
إن النفس التي تحيا في سطحية يكون هلاكها أمرًا واردًا "هلك شعبي من عدم المعرفة"، وربما كثير من المتعلمين لا يعرفون شمالهم من يمينهم مكتفين بالقشور دون العمق والجوهر، بينما "الرخاوة لا تمسك صيدًا" (أم12: 27).
وهنا يتضح أن الجهل وعدم المعرفة هو الذي يضيع غير المنتبهين وغير العارفين، لأن إبليس -كما هو واضح من أسمائه- يدعى "المضلل"، بينما المسيح إلهنا يحل في قلوبنا بالإيمان لنتأصل ونتأسس وندرك ما هو العرض والطول والعمق والعلو (أف3: 14).
الشخص السطحي لا يستطيع أن يبني نفسه على الإيمان الأقدس، محمولًا بكل ريح تعليم بحيلة الناس بمكر إلى مكيدة الضلال (أف4: 4) بينما كل إنسان مسيحي مدعو للدخول إلى العمق ليمسك سمكًا كثيرًا جدًا(لو5: 4).
ليس هناك متسع من الزمان نقضيه في السطحية لئلا نُلام على فلس أيدينا وفقر حصادنا... فلنبني بيوتنا بأن نحفر ونعمق ونضع الأساس (لو6: 48).

Mary Naeem 22 - 05 - 2014 04:15 PM

رد: كتاب لكي لا ننكر المسيح: لماذا يرتد البعض؟
 
الشخصية الخيالية غير الواقعية

هذا النمط من الأشخاص يعيش في أحلام اليقظة فيصور له خياله أن مشاكله سوف يتم حلها إذا ترك الإيمان المسيحي، وتتحول الشخصية الخيالية إلى حماقة في الفكر متجهة إلى التفاهة مثل الإنسان الذي يحاول في ليل بلا قمر أن يسير في طريق غريب أو يسافر في بحر لا دراية له به، فلا يبلغ وجهته بل يضل في خيالات غير واقعية، في محاولة التحقيق في الأوهام، وهكذا يتبدد النور من نفوسهم وعوضًا عنه يسلمون ذواتهم لأفكارهم الذاتية ويطلبون الله غير الهيولي (أي غير المادي) في الأجسام والزمنيات جاعلين له أشكالًا وأصنامًا، وتتنوع خيالات هذه الشخصيات، ورغم أنهم يملكون أشياء غالية لكنهم يريدون غيرها غير مكتفين بما أُعطي لهم، لاهثين وراء كل جديد.
إنه في الأزمنة الصعبة (2تي3: 1) يخاف لئلا يفقدوا المملكة الأرضية، بينما هم يفقدون السمائية التي كان يليق بهم أن يخافوا فقدانها... يمشون في شهوة الزمنيات ويخالطون أهل هذا العالم، لا يفهمون ولا يطلبون الله.
لا شك أن كل عقل حسب مقدار تدرجه يستنير بكمية محدودة من النور، أما النفس الغارقة في برودة خيالاتها فتهلك، إذ أن الشيطان غير قادر على تقديم شيء عملي، لذا يقدم بالأكثر وعودًا خيالية خادعة.
إن الله هو قائدنا والشيطان هو مهلكنا، القائد يقدم وصايا وأدوية الخلاص، والمهلك يقترح الخداع والموت، فهل نصغي إلى وصايا الحياة أم إلى خداع الموت؟

Mary Naeem 22 - 05 - 2014 04:16 PM

رد: كتاب لكي لا ننكر المسيح: لماذا يرتد البعض؟
 
الشخصية العاطفية

هذا النمط من الشخصيات تنجذب عاطفيًا في أي اتجاه وتسمع لصوت الغريب ولا تخضع لصوت الضمير أو لمنطق الأشياء فتبتعد عن التعقل والحكمة وتسلك في تفاهاتها ممزقة أوصال الوجود الإنساني ذاته.

تلك النفوس لا تظهر إيمانها ورجاءها بالله بازدرائها ونفورها من تصورات الشر والانقياد العاطفي الخادع، بل على العكس تتلذذ بها وقت أن تتعرف عليها وتنجرف فيها، وعندئذ تُترك بلا معونة لعدم أمانتها واتكالها على ذراعها، فتواجه من كل ناحية مصادمات التورط العاطفي التي تتوارد عليها، بعد أن سعت إليها ولم تُظهر أي حذر نحوها منذ بدء ظهورها "ثعالب صغيرة مفسدة الكروم" (نش2: 15).
تتعرض الشخصيات العاطفية إلى سهام الشيطان وهجوم الشهوات وأوجاعها مما يسبب اضطرابها، منقادة بعواطفها إلى الموت مثل المجنون أو السكران، عندما تُغذي الدوافع الجنسية الأفكار والعادات لتتحرك الخطية الكامنة.
فعندما تُحرم النفس من خلاصها نتيجة شهوتها -وراء كل إلحاد شهوة- تبدأ في الغرق إلى أسفل، متورطة ومقيدة بطوق من حديد، مختارة لنفسها أن تفعل وتقول كل ما يضاد خلاصها، فكما أن المجانين عندما يفقدون سلامة عقلهم لا يعودون يخافون أو يخجلون من شيء، بل بدون خوف يتجاسرون على صنع كل شيء ولو أدى إلى سقوطهم في النار أو في هوة عميقة، هكذا النفوس المتورطة في علاقات عاطفية سلبية تندفع نحو الرذيلة حتى يأتيها الموت كحد فاصل لجنونها وانسياقها في تيار يصنع لها عارًا وأضرارًا لا حد لها.
لقد صارت نفوس عديدة عدوة لنفسها، أحرقتها نيران شهواتها وسموم عاطفتها الشريرة، فارتكبت أعمالًا إجرامية نابعة من عدم الإيمان متحججة بأعذار لا تنفع، فكان النار والكبريت نصيب كأسها.

Mary Naeem 22 - 05 - 2014 04:17 PM

رد: كتاب لكي لا ننكر المسيح: لماذا يرتد البعض؟
 
حاجتنا إلى المسيح

بمنتهى السهولة والواقعية نقول"المسيح يسوع هو حياتنا الحقيقية... هو حياتنا" (كو3: 4) الذي عاشه المسيحيون الأوائل جيلًا بعد جيل مؤكدين على أن المسيح هو الحياة، وهو الذي يعجن جبلتنا من جديد بحياته الخاصة ويغرس فينا حياته الخصوصية مع كل صفوف شعب الله الحي.
لذلك لنعلم يقينًا أن المسيح ربنا هو حاجة حياتنا الوحيدة التي تنقصنا وأننا إذا بعدنا عنه ازدادت حاجتنا إلى أشياء كثيرة من هذا العالم، وازداد قلقنا على الأمور الخاصة والعامة في حياتنا.
وكثيرون من الذين ينحدرون في الارتداد الجزئي يتوهمون أن العالم سيوفر لهم إمكانية حل مشكلاتهم، بينما يقدم لنا القديس موسى الأسود خبرة حياته في قوله" الجأ بنفسك إلى الله فتستريح" ويقول القديس أغسطينوس "خلقتنا يا رب متجهين إليك وستظل نفوسنا قلقة إلى أن تستريح فيك".
والجواب الوحيد الذي يرد على العديد من التساؤلات، أو على وجه الأصح الذي يلغي التناقضات، هو أنه لا يوجد علاج للذين تعصف به غرائزهم ومطامعهم وشهواتهم، فيتمردون على كل القيم الروحية ويصابون بعمى روحي يجعلهم يقترفون أشنع التعديات حتى ضد أنفسهم سوى اقتناء شخص المسيح أولًا، وبعد ذلك كل ما للمسيح من غنى وشبع وسرور.
فاقتناء المسيح يجعل الإنسان يتجاوز عجزه ومرضه وقصوره وجوعه وآلامه وموته، الأمر الذي تلمسه النفوس المؤمنة الواعية التي أدركت أن المسيح لا يباع ولا يُثمن بثمن"لأن الذين استنيروا مرة وذاقوا الموهبة السماوية وصاروا شركاء الروح القدس وذاقوا كلمة الله الصالحة وقوات الدهر الآتي وسقطوا، لا يمكن تجديدهم أيضًا للتوبة" (عب6: 4).

Mary Naeem 22 - 05 - 2014 04:19 PM

رد: كتاب لكي لا ننكر المسيح: لماذا يرتد البعض؟
 
الجزع من الصليب ورفض الباب الضيق

يرفض الذين يتركون الإيمان أن يدخلوا من الطريق المؤدي إلى السماء ومن الباب الضيق، وينزلقون في السبل الرحبة المؤدية إلى الهلاك، إذ أنهم يرفضون المرور من الباب الضيق غير عالمين أن لذة التراب لن تدوم وأنها قصيرة وليس لها مجازاة... تعبر سريعًا ولا يبقى لصاحبها منها شيء.
والذين يحملون صليبهم لا يجزعون من الضيقات "ليقل الضعيف بطل أنا" (يوئيل3: 10) فعندما يفارقون الحياة يكون لديهم رصيد من الأكاليل.
إن طريق البر يحوي جهادات كثيرة وحربًا مع أجناد الشر الروحية "من لا يحمل صليبه ويأتي ورائي فلا يقدر أن يكون لي تلميذًا" (لو14: 17).
أغلب الذين يتركون الإيمان ينزعجون من ضيق الباب ويرتدون أمام ما يتطلبه الطريق من جهاد وحمل الصليب، وهذا محك هام يؤكد سلامة الخبرة والمسيرة الإيمانية "أما نحن فلسنا من الارتداد للهلاك بل من الإيمان لاقتناء النفس" (عب10: 39).

Mary Naeem 22 - 05 - 2014 04:19 PM

رد: كتاب لكي لا ننكر المسيح: لماذا يرتد البعض؟
 
وديعة الإيمان

هذه الأمانة سلمها الرب لعبيده، وديعة الإيمان الثمين وسر الخلاص على أساس الأمانة والمتاجرة والريح، لأنه بعد عودته سيطلب منهم حساب الوكالة.

فمن هو الوكيل الأمين الحكيم الذي يقيمه سيده على خدمه؟ أما الذي استهتر بسيده ولا يحفظ ثيابه فيمشي عريانًا وتُرى عريته ويطرح إلى الظلمة الخارجية (مت25: 30)، والذين يكملون توبتهم ويرجعوا تُمحى خطاياهم وتأتي عليهم أوقات الفرج من عند الرب، أما الذين لا يكملون فيرتدون ويقطعون ويكون نصيبهم مع الخائنين.
فالمعمودية كاملة في مفعولها إلا أنها لا تكمل إنسانًا أخفق في تتميم الوصايا، ووديعة الإيمان لا تكون فقط أن نعتمد للمسيح بل أن نعكف على تكميل وصاياه حتى لا نكون ضمن الذين وبخهم الرب قائلًا: "لماذا تدعونني يا رب يا رب وأنتم لا تفعلون ما أقوله؟" (لو6: 46) أولئك الجهال الذين أسسوا بيوتهم على رمال شهواتهم الخاصة.
ولنعلم يقينًا أنه بدون إيمان لا يمكن إرضاءه (عب11: 6) فترس الإيمان هو الذي يطفئ جميع سهام الشرير الملتهبة، وإذا كان بطرس الرسول قد احتاج إلى معونة الرب لكي لا يفنى إيمانه، فمن هو الذي يكون هكذا أعمى حتى يتصور أنه في غير حاجة إلى تعضيد يومي من الرب لكي يحتفظ بإيمانه!! "زد إيماننا" (لو17: 5) "يا سيد أعن عدم إيماني" (لو9: 24).
إن النفس التي يخطبها المسيح العريس السماوي لنفسه لأجل شركته السرية الإلهية، بعد أن تذوق غنى الإيمان السمائي، يجب عليها بكل الجهد والميل العقلي أن تحفظ وديعة إيمانها لترضي حبيبها وترفع نفسها إلى هذا العريس السمائي بسيرتها الإيمانية الحسنة.
ومتى كنا متيقظين ساهرين على سلامة إيماننا لن يسطو علينا اللص، ولن ننكر إيماننا حتى في وقت الشدة (رؤ2: 13) لكن نكمل السعي ونحفظ الإيمان، لأن تزكية إيماننا هي أثمن من الذهب الفاني الممتحن بالنار، طالبين دائمًا من رئيس الإيمان ومكمله (عب12: 2) أن يعين ضعف إيماننا، وهذه تكون الغلبة التي تغلب العالم: إيماننا (يو5: 4).

Mary Naeem 22 - 05 - 2014 04:20 PM

رد: كتاب لكي لا ننكر المسيح: لماذا يرتد البعض؟
 
حفظ القلب من الارتداد

يوصينا الكتاب المقدس بحفظ القلب "أحفظ قلبك لأن منه مخارج الحياة" والذي لا يحفظ قلبه يصير مثل أولئك الذي قادهم موسى النبي، فرغم أنهم لم يرجعوا بأجسادهم إلى مصر إلا رجعوا بقلوبهم ورفضوا الله الذي أخرجهم، إذ يقول الكتاب "ورجعوا بقلوبهم إلى مصر قائلين لهارون أعمل لنا آلهة تتقدم أمامنا" (أع7: 39، 40) فلننظر لئلا نسقط في دينونة مثلهم، إذ بعد أن ذاقوا المن السمائي اشتهوا الطعام الأرضي الذي للخطايا وفرطوا في هدف مسيرتهم وحياتهم.
ويحذرنا الكتاب "لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم" (1يو2: 15) فمنذ الآن الوقت مقصر لكي يكون الذين لهم نساء كأن ليس لهم، والذين يفرحون بالعالم (هداياه ومجده وماله وعزه وإغراءاته) كأنهم لا يفرحون، والذين يشترون (ويكنزون مالًا وعقارًا ومقتنيات) كأنهم لا يملكون، والذين يستعملون هذا العالم (للظهور والمتع والمراكز والقوة) كأنهم لا يستعملونه، لأن "عند الذين يترجون الرب والحياة التي لا تزول" هيئة هذا العالم تزول (1كو7: 29).
ولن يُحفظ القلب من الارتداد إلا بمخافة الله، فحيث لا توجد مخافة لا يوجد إصلاح حقيقي للسيرة "أجعل مخافتي في قلوبهم فلا يحيدون عنى" (أر32: 39)، والتوبة المستمرة هي الثمن الذي حدده الرب من أجل الحصول على الغفران وهبة ميراث الحياة الأبدية، ومهما كان الإنسان أكثر شرًا فالله أكثر رحمة، والاعتراف بالخطية يهونها بقدر ما أن إخفاءها يكبرها، لأن الاعتراف بمخافة هو قرين الرضا، أما الإخفاء والتأجيل هو قرين التمرد "ها أنت قد برئت فلا تخطئ أيضًا لئلا يكون لك أشر" (يو5: 14).
ويطلب منا الله قلوبنا "يا ابني أعطني قلبك" بينما كثيرون لا يحفظون قلوبهم من الارتداد الجزئي فيرتكبون عثرات متكررة عن عمد لإغاظة الرب (أش3: 9) بلا خجل ولا حياء معتبرين أن ما يمارسونه هو حق طبيعي للإنسان، وبينما هو يولون ظهورهم لله ينكرهم هو أيضًا ويجيبهم قائلًا "أذهبوا عني لأني لا أعرفكم" "إن كنا ننكره فهو أيضًا سينكرنا" (2تيمو2: 12).

Mary Naeem 22 - 05 - 2014 04:21 PM

رد: كتاب لكي لا ننكر المسيح: لماذا يرتد البعض؟
 
الرجوع إلى حظيرة الإيمان ثانية

إن كبار الخطاة هم مؤهلون أكثر للنعمة، فالكنيسة تُكرم بوجه خاص كل من الابن الراجع واللص التائب على الصليب والمرأة التائبة، والذين يسيئون إلى المسيح يوميًا ويجرحون المحبة، يقبلهم الرب بقطرات الدم الكريم التي سُكبت على الصليب ويقترب من كل من يرجع إلى الحظيرة مهما كانت ذنوبهم وخبراتهم المرعبة وما يسميه الدارسون "الليل الحالك الظلمة" والله يطلب منا علة صغيرة لكي يقوم هو بكل العمل ويسكب علينا فيض النعمة كدواء مناسب للجراحات بل وأيضًا يعطي صحة وجمالًا ومجدًا واستحقاقًا لكل من يرجع، إذ أنه قد دفع أكثر بكثير من العقوبة، كمثل ما تفوق مياه المحيط قطرة ماء صغيرة.
"من هو إله مثلك، غافر الإثم وصافح عن الذنب، لا يحفظ إلى الأبد غضبه فإنه يُسر بالرأفة" (ميخا7: 18) لقد أتى ليعفوا عن المديونين بالكثير أو بالقليل ويُظهر رحمته للصغير والكبير، فيرحم كل أحد حتى من الذين تركوا الحظيرة ورجعوا تائبين بخطاياهم، يقبلهم وينسى لهم ماضي الخطية المحزن والقاتل للنفس.

ورجوع النفوس أمر هام لنمو الكنيسة، الأمر الذي يطلبه الرب ثمنًا لدمه، لذا تعمل الكنيسة على إصلاح ضعفاتهم وتحتملهم ولا تلقيهم عنها مهما تثقلت بهم، ليجدوا أنفسهم موضع عطف وتبكيت لا موضع ازدراء ورفض، فمغبوط هو الذي يؤدب في هذه الحياة، فإن الرب لا يعاقب عن أمر مرتين.
وتوصى الكنيسة برجوع النفس التي تميل وبقبول النفس الخارجة وإعادتها إلى الرعية، تسأل عن المطرود وتفتش عن الضال حتى لا يهلك وتطلب المريض بالغفلة لتأتي به من بين الذئاب لتبشره بالرجاء.
وهي تترفق حتى بمنكري الإيمان ولا تغلق عليهم أو تطردهم، بل تصب عليهم زيتًا وخمرًا لتضمد جراحاتهم ما داموا قد رجعوا تائبين معترفين بخطاياهم طالبين الشفاء وراغبين فيه.
وإن تأجلت إعادتهم إلى الشركة لفترة توبة، فليزيدوا من ندامتهم لئلا يهلكوا بعد أن مات المسيح لأجلهم، وليقبلوا بكل رضا كل علاج ونصيحة، فإن كان الطب الجسدي يقدم الأدوية المرة والجراحة بقطع الأعضاء والكي بالنار، فكم بالحري يكون خلاص النفس.
لن يكون الرجوع إلى الحظيرة بدون قانون التأديب، لأن "الذي يحبه الرب يؤدبه ويجلد كل ابن يقبله، إن كنتم تحتملون التأديب يعاملكم الله كالبنين، فأي ابن لا يؤدبه أبوه" (عب12: 6)، وكل نفس تنكر الإيمان وتجحد المسيح لابد أن تقف على حقيقة خرابها ويصير تأديبها إحسانًا عظيمًا لها.
إلا أنه مهما كان هلاكها وسقوطها، سيمر عليها السامرى الصالح حارس الأرواح ولن يتركها ملقية بين حى وميت، إنما يتحنن عليها ويشفى إرتدادها.
فأولئك الذين يخطئون بعد المعمودية لابد أن ينالوا تأديبا أكثر من الموعوظين، لأنهم عرفوا أدوية التوبة والخلاص ولم يستخدمونها، وبقدر ما تتسع مراحم الله، يزداد تأديب من لم ينتفع بهذه المراحم.
لهذا تضع الكنيسة قوانين توبة وجهاد روحى للخراف المريضة الراجعة حتى إذا شفيت عادت مع الخراف الصحيحة... تعالج بالنصيحة لا الحكم، بالدواء لا القصاص، بالتقويم لا التعذيب، بالشفاء من الخطية والحفظ من الخطايا الآخرى.
والذين يظهرون إنحرافا زائدا في شرورهم، لابد أن يظهروا غيرة كبيرة عند عودتهم إلى الحظيرة، وذلك لشعورهم بثقل الدين العظيم المدينون به مدفوعين بضميرهم وتذكرهم لسقوطهم في الطيش الشيطانى، على اعتبار أن الحياة الحاضرة هى زمان السيرة الحسنة لأن بعد الموت تكون الدينونة والعقاب "ليس في الجحيم من يعترف لك".
نقول أن الذين غلبوا ورجعوا إلى حظيرة الإيمان لهم كرامة أفضل بكثير من أولئك المغلوبين "واحد يتقى الرب خير من ألف منافقين" (ابن سيراخ 16: 3).
والكنيسة تبكى من أجل كل نفس بعيدة لتعيد لها الحياة وتقيمها من الموت، وتعطى إهتماما خاصا لهذه النفوس التي سرقها اللصوص.... تقوى المريض وتعصب المجروح وتجبر الكسير وتسترد المطرود وتطلب الضال وتجمع الخراف المشتتة على جبال المعاصى لتأتى بهم إلى الخظيرة ثانية.
مر يا رب أن تمتلئ بيعتك، محضرا الراجعين إلى وليمتك لأنك أنت تخلق "روحيا" من يتبعك عندما تدعوه.

Mary Naeem 22 - 05 - 2014 04:23 PM

رد: كتاب لكي لا ننكر المسيح: لماذا يرتد البعض؟
 
الخلاصة: أساليب وخبرات

* إن مهمة الكنيسة الأساسية هى حفظها لأولادها، لأن فيها حفاظ على كيانها ككنيسة المسيح التي تهتم ببناء النفوس وخلاصها: بالتوبة والعبادة وكلمة الانجيل والشركة والشهادة والإعداد للحياة الأبدية بالأسرار والتعليم والإرشاد والوعظ والافتقاد والخدمة والعمل الرعوى.
* ومن أخطر الملاحظات أن بعض المؤمنين يرتدون إلى الخلف، ونحن بالطبع لا نقصد الإرتداد النهائى وإنكار المسيح علنا -مع أنه وارد- لكننا نقصد الإرتداد الجزئى الذي يمكن أن يؤدى إلى إنكار نهائى بصورة أو بأخرى "لأنه سيقوم مسحاء كذبة وأنبياء كذبة حتى يضلون لو أمكن المختارين أيضا" (مت 24: 24).
* والملاحظ أن الذين يرتدون أحيانا عن الطريق تكمن أسباب إرتدادهم في إنتشار السابق لمجئ الرب الثانى "الروح يقول صريحا أنه في الأزمنة الأخيرة يرتد قوم عن الإيمان" (1تى 4: 1):
1) البداية الروحية الخاطئة وعدم وجود خبرة مسيحية (السطحية والأمية والهامشية الروحية).
2) مشاكله أبناء هذا الدهر والوقوع تحت نير مع غير المؤمنين (الخلطة).
3) الجزع من الصليب ورفض الدخول من الباب الضيق.
4) المنازعات والأحوال الشخصية.
5) مصادمات الحياة اليومية، والإصطدام بالأجواء الفاسدة والإغراءات والشخصيات المنحرفة.
6) ضعف الرعاية والخدمة، فالبعد عن أعين الكنيسة ومناطق الرعاية يجعل خراف القطيع مطمع للذئاب.
7) عثرات الجو الكنسى، فالخادم المثمر وبال على الكنيسة "خير له لو يعلق في عنقه حجر رحى ويغرق في لجة البحر" (مت 18: 6).
* لذا ينبغى أن تتضاعف الرعاية الروحية وخصوصا في المناطق المهمشة، لتقديم الإشباع الروحى والقلبى للنفوس البعيدة مكانيا، فالذين لا يقدرون أن يأتوا إلى الكنيسة تنتقل هى إليهم لتقدم لهم ايضا المصل الواقى "درهم وقاية خير من قنطار علاج".
* يلزمنا وضع متخصص لخدمة هذه الخراف، يتضمن تدعيمها إيمانيا وروحيا وسلوكيا، فإذا كانت الكنيسة قد قدمت تعليما كرازيا للوثنيين، وتعليما وعظيا للمقبلين على قبول نعمة المعمودية (تعليم الموعوظين) وتعليما لاهوتيا للمؤمنين (مدرسة الإسكندرية اللاهوتية) وتعليما إيمانيا للرد على البدع والهرطقات في عصر المجامع، وكذلك أعدت برنامجا لتعد أبناءها للإستشهاد في عصر الإضطهاد، هكذا يتعين عليها وضع برنامج خاص للرد على الشكوك الإيمانية وللوقاية من الإرتداد (تكلم القديس اغريغوريوس صانع العجائب عن "جحد المسيح نتيجة الخوف والضغط"، وتكلم القديس كبريانوس عن "المرتد").
* تحتاج هذه الخدمة إلى خدام صلاة، فالنفس التي ترتد عن الإيمان ينبغى أن نصنع عليها مناحة لنتشل من وحل الخطية، وتغتسل إلى أن تعود إلى كمال حسن صورتها التي أبدعها الله على شبهه والسير بها قدما في طريق التوبة والحياة المسيحية السوية.
* لن تكون خدمة هذه الخراف بالمحاجاة والمقاومة أو بالتعنيف، بل بالمشورة الصالحة والمثابرة والإستمرارية في خدمتهم بيقظة وبصيرة لا تعرف الكلل، والروح القدس لن يكف عن أن يكملنا بصلاحه ويعطينا قلوب وديعة ورحبة لنساعدهم على تعديل سلوكهم.
* إن كثير من الخراف الصالة تحتاج إلى رعاية تهتم بكيانهم وشخصياتهم دون النظر إلى أفعالهم وقصورهم، بل الإهتما والإلتفات إلى نفوسهم المتوارية عن مجتمع الكنيسة والتي يظنون أنه ما من أحد يهمه أمرهم، دون أن ندينهم البتة أو نحسسهم بفداحة أمراضهم مع سرعة توجيههم إلى أب روحى وطبيب خبير بالنفس البشرية يلقى نظرة شاملة على أمراضهم ويلم بكل نواحيها ليعالجها ككل دون إغفال لظواهرها المرئية.
* تلك الأبوة الروحية ترعى كل ابن ضال وتعطى الدواء الذي قد يكون في أغلب الأحيان مرا علقما لكنه دائما ذو فاعلية ناجحة، فما من أحد من هذه الخراف إلا ويحتاج إلى ترك حالة اليأس والسقوط والحياة كما كان من قبل، لتتجدد قوته الروحية خلال فاعلية صلوات الأباء الروحية وحكمتهم العالية وقوة محبتهم الأبوية الواضحة التي يدركها مباشرة وفي الحال ويحسها بطريقة مقررة وثابتة، ويقول العلامة ديونيسيوس الأريوباغى "هكذا ينبغى أن يهذب الجهال، لا أن يعاقبوا، أن يؤخذ بيد الأعمى للسير به في الطريق السوى لا أن يلفظ ويلكم".
* كثيرا ما نظن أن خدمة هذه الخراف نكون بالتقدمات والعطايا المادية، بينما هى تستلزم بالأكثر صلوات يمتزج فيها العرق مع قطرات الدم...، ومن غير المتصور ألا يكون هناك إجتماعات صلاة وقداسات خاصة لأجل هذه الأعضاء ورجوعها "إن اتفق أثنان منكم على الأرض قى أي شيء يطلبانه فإنه يكون لهما من قبل أبى الذي في السموات" (مت 18: 19)... صلاة بإيمان أن المسيح ربنا يستطيع أن يحرك الجبال "الحق أقول لكم لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل كنتم تقولون لهذا الجبل انتقل من هنا إلى هناك فينتقل ولا يكون شيء غير ممكن لديكم" (مت 17: 20)، فعلينا المواظبة على التوسل واللجاجة من أجل أن يقوم الرب ويعطينا قدر ما نحتاج لأنه لا يرفض طلباتنا التي حسب مشيئة قلبه.
* إن مفهوم خدمة إيمانيات أعضاء الكنيسة يدفع المؤمنين جميعا في كل زمان ومكان أن يصلوا ويتوسلوا من أجل خلاص العالم بمحبة شاملة، لكى يقترب المسيح من خرافه المرتدة بود شديد ويحاول معهم متوسلا إليهم ألا يستهينوا بحبه وخلاصه، وأن يتركوا عنهم النفور والتصامم عن سماع صوته الإلهى.
* التركيز في هذه الخدمة ينصب على تقديم الإيمان الحى وجدية التوبة والرجوع، حتى لا تتحول المسيحية إلى تصورات نظرية فاترة لا جدوى فيها، بينما ينبغى أن تخدم هذه النفوس المشوشة والمشوهة لترجع أيقونة كاملة لله بحثها على المواظبة على وسائط النعمة والممارسات الروحية.
* إن النفوس التي جحدت الإيمان وارتدت، يمكننا أن نقول دون أدنى مبالغة أنها لم تتجاوب مع عمل النعمة، أو أنها لم تتلقى أي تعليم دينى في طفولتها، وغير مخدومة روحيا، لذلك تحتاج إلى تذوق حلاوة المسيح بالمقارنة بمرارة ثمار العالم حتى تتخلى عن أساليب حياتها الأولى وتقلع عن سلوكها وعوائدها القديمة، حيث كانت سابقا بلا أدنى حصانة في مواجهة العالم الخارجى لأنها لم تكن بعد قد عرفت الكنيسة وتتعلم هذه النفوس في الكنيسة أن تمشى وأن تبصر وأن تتكلم وأن تحيا، وكل رغبة في الحياة لابد نابعة من الروح القدس "المعطى الحياة والمالئ الكل كنز الصالحات".
* والخادم الروحى هو الذي يستر على ذنوب الآخرين كما يستر الله على عيوبه ويمحوها بدمه.... يستر على العثرات التي يراها كأنه لا يراها، والتي يسمعها كأنه لا يسمعها، ويضع نفسه جنبا إلى جنب مع المذنب المدان والمحروم.
* والذي لا ننجح في خدمته لا نتركه بل نستودعه لخادم آخر لخدمته، غذ يحتاج المرتد إلى عمل فردى لا ينتهى بمجرد رجوعه لكنه يحتاج إلى متابعة وأشبين خاص لخدمته كحالة خاصة على أن تتم الخدمة في ستر وسرية، لعلنا بذلك نشترى ما يستر عرينا نحن قبل أن يأتى يوم الفحص.
* تحتاج هذه الخدمة إلى حلول سريعة منطقية دون أن نقدم فيها أي وعود مادية حتى لا نتعامل بمنطق الطمع والإبتزاز والمساومة التي تتلف خلاص النفس، وليس بالنطق أبدا بأقوال عاطفية باطلة لا طائل منها إنما بقيادة كل إنسان في طريقه نحو الله، قيادة متزنة حكيمة، بعيدا عن الضجيج والشوشرة "خلصوا البعض بالخوف مختطفين من النار" (يه1: 23).
* ينبغى أن نفهم واجب الكنيسة وعملها الرعوى تجاه هذه الخدمة (خدمة الخروف الضال) لا بتقديم تعليم يقصد منه الاستحسان أو باتباع سياسات التحويلات بل بمقابلة الإحتياجات بالبذل والضلاة والمحبة التي لا تسقط أبدا، وبالاستشعار المبكر من أجل خدمة كل نفس "اعرف خاصتى" وذلك بالعضوية الكنسية وبالإفتقاد والعمل الفردى وزرع الإيمانيات وتقدم القدوة مع مراعاة: خدمة الأسرة، الخدمات التنموية، مدن الملجأ، التوعية.... مع التركيز على الفئات المستهدفة.
* نريد أن ندرك جميعا قيمة النفس البشرية وخدمتها بالأحضان المفتوحة مع تقديم المعونة الروحية والمادية في حينها، الأمر الذي يستلزم تكوين خدام لخدمة هذه الحالات والإلمام بظروفها الإجتماعية والروحية وهزاتها الإيمانية وإنحرافتها السلوكية، لمساعدتهم على إجتياز مشاكلهم والخروج من ورطاتهم مع الإلتزام بالحكمة والهدوء وعدم الإنفعال بجانب المرونة واليقظة إذ هى أدوات لازمة للذين يخدمون خدمة الخروف الضال.
* نريد أن نبتعد عن مقولة "ابن الهلاك للهلاك يدعى" لأننا لا نقدر أن نصنف أحد أنه ابن هلاك، فليس من إختصاصنا أن نحكم على أحد أو أن ندين أحد ونقضى على أي إنسان بالهلاك الأبدى.
* يلجأ بعض العاملين في هذه الخدمة إلى أساليب بشرية، بينما طالما نحن حملان سوف نغلب حتى لو كان هناك عشرة آلاف ذئب يحومون حول الفريسة، فنحن سنغلبهم بالصلاة والإيمان والعمل الروحى، أما إذا جعلنا أنفسنا ذئابا فسوف نصير إلى حال أسوأ، لأن معونة راعينا ستتخلى عنا... لأن الراعى لا يعول الذئاب بل الحملان، فهو يتركنا ويعتزل لأننا لا نعطيه الفرصة ليظهر قوته ولطفه معنا، أما إن كنا نرد على الضربات فإننا نظهر بذلك أننا نتجاهل نصرته، وكان من الممكن أن لا تتعرض لنا الذئاب وأن نكون نحن أقوى جدا من الأسود، لكن الله رأى من المناسب أن نكون هكذا "حملان وسط ذئاب" ليتمجد هو أكثر ويعلن قوته "تكفيك نعمتى لأن قوتى في الضعف تكمل" (2كو 12: 9).
شكرا لله لأنه مهما كان إرتدادنا وتقهقرنا، فأمنا وعد المسيح الصادق "غنوا للكرمة المشتهاة، أنا الرب حارسها، أسقيها كل لحظة... في المستقبل يتأصل يعقوب" (أش 2, 3) وحتى لو قال عنا "شعبى جانحون إلى الإرتداد" فالذين معنا أكثر من الذين علينا، وأمامنا وعد امسيح في وسطها فلن تزعزع إلى الأبد. وأنه هو الذي يستطيع أن يقول
"أنا أشفى إرتدادهم" (هو 11: 7).


الساعة الآن 11:22 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025