منتدى الفرح المسيحى

منتدى الفرح المسيحى (https://www.chjoy.com/vb/index.php)
-   قسم الكتب الدينية (https://www.chjoy.com/vb/forumdisplay.php?f=56)
-   -   كتاب العلامة ترتليان، من آباء أفريقيا (https://www.chjoy.com/vb/showthread.php?t=283100)

Mary Naeem 21 - 05 - 2014 02:53 PM

كتاب العلامة ترتليان، من آباء أفريقيا
 
كتاب العلامة ترتليان، من آباء أفريقيا
القمص أثناسيوس فهمي جورج
مقدمة


دخلت المسيحية إلى العالم كديانة سماوية موحى بها من الله، ووهبت للعالم بالمسيح يسوع ربنا ابن الله المتجسد الراعي والفادي والمخلص، وهكذا لم تأت كمنهج فلسفي أو نظري بل كحياة الله المنسكبة وسط هذا العالم.
ثم أرسل الرب رسله "ليكرزوا" لا ليشغلوا كراسي الأستاذية في المدارس الفلسفية، فالمسيحية هي "الطريق" (أع 9: 2) ولم تكن فكرة أو أيديولوجية أو منهجاً فلسفياً يُضاف إلى المذاهب والنظريات.
لقد وجد الرسل والآباء هجوماً لاهوتياً وفلسفياً، ووجدواً شكوكاً وعداوات، وهكذا واجهوا الفلاسفة الوثنيين والحكام من أجل الحفاظ على الإيمان، إلا أن الرغبة في تعميق عقائد الإيمان - عن غير قصد الرد على الهراطقة - ظهرت جلياً في معظم الآباء ومنذ القرن الأول، بدافع من الفهم والاستيعاب وأيضاً بدافع شرح العقيدة للشعب.

ومن هنا يتضح التأثير الذي جرى على نمو "العلم" اللاهوتي والدفاع عن الإيمان قبالة الهجوم المضاد على المسيحية، فكثرت الكتابات العقيدية Dogmatic والكتابات الدفاعية Apologetic لمقاومة البدع وإعلان الإيمان الحقيقي.
وعندما نأتي إلى الآباء الأفارقة نجد أن العلامة ترتليان والقديس كبريانوس أسقف قرطاجنة وأرنوبيوس ولاكتانتيوس من أشهر آباء أفريقيا الذي أعطوا كنيستهم الكثير ودافعوا عن الإيمان بكل قوة واقتدار، واثروا الأدب المسيحي الأول.
ومن بين من أنجبت افريقيا، كان صاحب هذه السيرة العلامة ترتليانوس الأفريقى، ولسنا ننكر أننا سنستفيد بملامح فكره وبعض كتاباته كعالم وكاتب كنسي سقط في بعض الهرطقات، مثله في ذلك مثل أوريجين السكندري، ويقول فنسان دي لورين انه كما كان أوريجين يحتل المكان الأول بين علماء الكنيسة الذين كتبوا باليونانية، كان ترتليانوس يحتل المكان الأول بين علماء الكنيسة الذين كتبوا باللاتينية.
ولا يوجد من العلماء من كان في نفس مستواه ودراسته وعلمه، فقد فهم الفلسفة ببراعة فائقة، وكان له إلمام بكل مدارسها وتواريخها وفلاسفتها *(مجلة الكرازة - السنة التاسعة - 2يونيو - سنة 1987م - العدد 22).. وكان عجيباً في قوته على الإقناع والحجة والمحاماة، مدافعاً ومجادلاً معتبراً أن الله هو القاضي والإنجيل هو قانون المسيحيين والعقيدة هي الدستور والشريعة.
واستطاع أن يفحم كثيراً من المبتدعين الغنوصيين والوثنيين واليهود وإتباع مرقيون وهرموجينيس وغيرهم،ووضع مؤلفات كثيرة، إلا أنه انحرف عقيدياً وتأثر بأفكار المانيين، فعلى الرغم من علمه ونسكه وقع في البدعة، وكان القديس كبريانوس يقرأ له دوماً ولا يدع يوماً يمر دون أن يقرأ شيئاً من كتاباته، وكان يقول في أغلب الأحيان لتلميذه "أعطني المعلم" (1) مشيراً بذلك إلى ترتليان.
وقال عنه جيروم المؤرخ: "ترتليان الذي ليس من الكنيسة" (2) وتحدث القديس هيلارى أسقف بواتييه بكل أسى عن أخطاء هذا العلامة وكيف انحدرت قيمته العلمية وهو أعظم مفكر كنسي كتب باللاتينية في جيله، ولكن الكنيسة حرمته، ففقد سمعته كعالم كنسي، وأصبح معدوداً بين الهراطقة والمبتدعين.
لقد أردنا أن نعطى اهتماماً بهذه السيرة لنتفهم جو الكنيسة الأولى، ونعرف كيف شهدت للحق حتى وسط الانحرافات الهرطوقية، غير ملتزمة بعصمة أحد بصفته الشخصية، وغير مؤمنة بآراء ذاتية، بل بالتقليد الكنسي الشامل.
إن الكنيسة لا تجامل الهراطقة ولا تراعى الوجوه، بل تواجههم بكل قوة، بالجدل والتعليم وبالنصح وبالحرمان، وتقف حارسة للإيمان المسلم لنا مرة من القديسين، وإن كانت مترفقة مع الخطاة لكنها غير مهادنة للهراطقة، تتنقى من خمير البدع الفاسدة، وتسهر لئلا يأتي مبتدع ويلقى بزوان البدع في حقل التعليم.
وبالجملة يعتبر العلامة ترتليان من "الكُتاب الكنسيين" الذين لم تُعتمد كتاباتهم كمصدر للتعليم مثل كتابات آباء الكنيسة، ولكن كل ما يتفق مع عقيدة الكنيسة الأرثوذكسية ومنهجها في العبادة والحياة الروحية والتوجية المسيحي في السلوك، مما هو موجود في كتابات الكتاب الكنسيين، يقبله ضمير الكنيسة كشرح وامتداد وتكميل لتعاليم وكتابات الآباء، أما الآراء الخاصة بالكتاب الكنسي في غير ما يمس العقيدة والعبادة والروحانية فهي تبقى رأى الكاتب الخاص.
أقدم هذه النبتة المتواضعة "سلسلة آباء الكنسية - أخثوس ΘΥΣΧΙ" شاعراً بصغرى في جنب مواكب العلماء والأخصائيين الذين قدموا حياتهم في خدمة التعليم وأعطوا المكتبة العربية المسيحية، وما نبغيه من إصدار هذه الموسوعة الآبائية هو الإسهام الأخوي المتواضع في خدمة محبي علم الآباء من رتب وطغمات كنيستنا المحبوبة.
ذاكراً تشجيع ومحبة أبينا المطران نيافة الأنبا بيشوي الذي يحرص دائماً على ازدهار دراسة العلوم اللاهوتية والمسكونيات، وكذلك مساندة وصلوات أبينا الحبر الجليل الأنبا بنيامين النائب البابوي للإسكندرية الذي يرشدنا ويقودنا في هذه المسيرة الآبائية.
ولا ننسى مساعدة نيافة الحبر الجليل الأنبا ديسقورس ومجوداته السخية في هذا العمل وكذلك قدس الأب الموقر القس أثناسيوس ميخائيل مدرس التاريخ الكنسي من أجل حثه لنا على الاستمرار.
وليعوض الرب كل من له تعب وشركة في هذا العمل بصلوات أبينا البابا البطريرك الأنبا شنوده الثالث -أطال الله حياته- وليكن هذا العمل لمجد الثالوث القدوس المبارك.

عيد الميلاد المجيد
1995 ميلادية
1711 للشهداء

Mary Naeem 21 - 05 - 2014 03:04 PM

رد: كتاب العلامة ترتليان، من آباء أفريقيا
 
سيرة العلامة ترتليان

وُلد كوينتوس فلورنس ترتليانوس Quintus Septimius Florens Tertullianus في قرطاج نحو عام 155 م.، وكان والداه وثنيين، وكان والده قائد مئة في جيش الحاكم، ودرس ترتليان TERTULLIAN القانون واشتهر في المحاماة في روما.

بعد قبوله الإيمان المسيحي عام 193م، استقر في قرطاج وسرعان ما وظف درايته الواسعة بالقوانية والأدب والفلسفة لخدمة الإيمان المسيحي، ويحسب جيروم (1) سيم ترتليان كاهناً، ورغم انه هو نفسه لا يشير أبداً إلى رتبته الكهنوتية، إلا أنه كان من الصعب أن يتمتع بمكانته الفريدة كمعلم رائد لو لم يكن قد نال نعمة الكهنوت، وفيما بين عاميّ 195: 220م وضع الكثير من مؤلفاته، وكان للعدد الضخم من الكتب التي ألفها في غضون هذه السنوات تأثيره الدائم على علم اللاهوت المسيحي، ونحو عام 207م انحرف ترتليان وسقط في الهرطقة المونتانية Montanism بل وصار رئيساً لطائفة منهم تسمت باسمه "الترتليانيين Tertullianists" والتي ظلت موجودة في قرطاج حتى زمان القديس أغسطينوس، ورغم أننا لا نعرف تاريخ نياحته على وجه الدقة لكن لابد أنه كان بعد عام 220م.
فيما عدا القديس أغسطينوس هيبو، يُعتبر العلامة ترتليان أهم كاتب كنسي وضع أعماله باللغة اللاتينية، وإذ كان يتمتع بمعرفة عميقة بالفلسفة والقانون وباللغتين اليونانية واللاتينية، اتسمت أعمالة بالقوة والبلاغة الرائعة مع السخرية الحادة، وكان متشدداً تجاه الوثنيين واليهود والهراطقة، وبعد انحرافه إلى المونتانية صار متشدداً ضد مستقيمي الإيمان.
جاءت كتابات العلامة ترتليان جدلية دفاعية، ورغم أنه لا يخبرنا بالدافع وراء قبوله الإيمان المسيحي، لكن من الواضح أنه لم يؤمن بالمسيحية نتيجة لمقارنة عقدها بين التيارات الفلسفية المختلفة كما كان الحال مع القديس يوستين الشهيد، بل يبدو أن بطولة المسيحيين وشجاعتهم في زمان الاضطهاد كان لها تأثير عليه أكثر من أي شيء أخر(2)، وكان الحق هو الغاية العظمى من دفاعه عن المسيحية والسبب الرئيسي في مهاجمته للوثنيين والهراطقة، فقد كان يشتاق كثيراً إلى الحق، بل إنه في أحد كتبه وردت كلمة "الحق Veritas" 162 مرة، وكان يؤكد دوماً أن إله المسيحيين هو إله الحق، وكل من يجده يجد ملء الحق، والحق هو ما تكرهه الشياطين ويرفضه الوثنيون ويتألم المسيحيون ويموتون لأجله،فهو ما يميز المسيحي عن الوثني، وليس من الصواب أن نُرجع هذا إلى كون ترتليان محامياً وبليغاً يميل إلى حب الجدل، إذ كان يتكلم حقاً من عمق قلبه(3)، وليس هناك أي شك في أنه كان مستعداً تماماً لأن يموت لأجل إيمانه، وفي الكلمات الأخيرة من دفاعه يعبر عن رغبته العارمة في نوال إكليل الاستشهاد المبارك، فهو يرفض الهرب في زمان الاضطهاد.
وتُعد إسهامات ترتليان الأدبية للغة الكنسية الأولى ذات أهمية قصوى(4)، إذ أنها تُعد مصدراً هاماً لمعرفتنا باللغة اللاتينية المسيحية، فهي تحتوى على عدد كبير من المصطلحات الجديدة التي استخدمها اللاهوتيون فيما بعد وصارت من الكلمات المستخدمة دوماً في شرح العقيدة، لذلك دُعي "مؤسس اللاتينية الكنسية The Creator of Ecclesiastical Latin" (5) ورغم أن هذا اللقب فيه مبالغة، إلا أنه يوضح لنا مدى أهمية إسهامات ترتليان في تاريخ اللغة اللاتينية المسيحية.

Mary Naeem 21 - 05 - 2014 03:06 PM

رد: كتاب العلامة ترتليان، من آباء أفريقيا
 
كتاباته: الأعمال الدفاعية


1) الأعمال الدفاعية
Apologetic Works
وسط أعمال ترتليان الدفاعية، يرتبط كتاب "إلى الوثنيين "Ad Nationes وكتاب "الدفاع "Apologeticum ببعضهما البعض، فكلاهما كُتب عام 197 م.، وكلاهما يتناول نفس الموضوع، لكن يمثل "الدفاع" الشكل الأكمل للموضوع، وفي الغالب كتب ترتليان "إلى الوثنيين" قبل "الدفاع" كما يتضح من التلميحات الواردة في العمل نفسه.

1) إلى الوثنيين
2) الدفاع
مضمون الدفاع
3) شهادة النفس
4) إلى سكابيولا
5) ضد اليهود

1) إلى الوثنيين To The Heathens (Ad Nationes)

يتكون هذا العمل من كتابين:
في بداية الكتاب الأول يوضح ترتليان أن الإجراءات الرسمية المتبعة ضد المسيحيين ليست فقط غير عادلة بل أنها تناقض كل مبادئ العدالة، وهذا الظلم هو نتيجة لجهل الوثنيين وعدم معرفتهم بالمسيحيين معرفة صحيحة (1).
ثم يفند المؤلف(2) الإدعاءات الكاذبة ضد المسيحيين ويثبت عدم صحتها وكذبها ويضيف أنه حتى لو كانت حقيقية، فهذا لا يُعطى الوثنيين الحق في إدانة المسيحيين لأنهم هم أنفسهم يرتكبون جرائم أبشع.
وبينما انتهج ترتليان في الكتاب الأول منهجاً دفاعياً نجده في الكتاب الثاني يتخذ منهجاً هجومياً، إذ كتب نقداً لاذعاً للديانة الوثنية بصفة عامة، وللمعتقدات الرومانية في الإلهة بصفة خاصة، وتحدث عن مفهوم الإله وبرهن على أن الآلهة الوثنية ليس إلا اختراعات بشرية مخلوقة.
2) الدفاع Apology (Apologeticum)

"الدفاع" هو أهم أعمال ترتليان على الإطلاق، وهو يختلف كثيراً عن كتابه "إلى الوثنيين" رغم أنها يتشابهان في المضمون، إذ وضع ترتليان لـ"الدفاع" بنية مترابطة الأجزاء والأفكار، بينما يبدو "إلى الوثنيين" كمجموعة من المقالات وليس كعمل متكامل، فكتاب "الدفاع" يعطى على الفور انطباعاً بأنه نابع من احتياج داخلي عند الكاتب، وتأخذ المحاججة فيه شكلاً قانونياً، بينما المجادلات والمحاورات في "إلى الوثنيين" تأخذ شكلاً فلسفياً بلاغياً، ويُظهر ترتليان تحفظاً أكثر في كتابه "الدفاع" عنه في "إلى الوثنيين"، لأن كل من هذين العملين موجه إلى شخص مختلف، فكتابه "إلى الوثنيين" -كما يتضح من عنوانه- كان موجهاً إلى العالم الوثني بصفة عامة، بينما الدفاع كان موجهاً لحكام الأقاليم الرومانية الذين كان ترتليان يهاجمهم ولكنه في الوقت عينه كان يحاول أن يقنعهم، لذلك كان متحفظاً في هذا العمل أكثر مما في الآخر(3).

مضمون الدفاع:

في المقدمة التي تتكون من ستة فصول، يشرح ترتليان أن الجهل هو السبب وراء اضطهاد وكراهية المسيحيين (4)، وأن الإجراءات القانونية والقضائية التي تتبعها السلطات معهم تخالف كل مبادئ العدالة وتقاليدها، والوثنيون أنفسهم لا يستطيعون أن يقدموا سبباً معقولاً لكراهيتهم للاسم "مسيحي".
وبعد المقدمة يتحدث ترتليان عن الاتهامات التي توجه إلى المسيحيين، وأوضح أن هذه الاتهامات لم تثبت صحتها أبداً، وكانت الشائعات وحدها دوماً هي مصدر هذه الافتراءات، بينما الوثنيون أنفسهم يسقطون فعلاً في أخطاء رديئة، وأخطر اتهام ضد المسيحيين هو الاتهام باحتقار ديانة الدولة والخيانة العظمى.
وفي دفاعه يظهر ترتليان مهارته كرجل قانون، ويشرح أن المسيحيين لا يشتركون في تكريم آلهة الوثنيين لأنها ليست إلا كائنات من اختراع الإنسان وصورها مادية مائتة، وليس غريباً أن تكون هناك سخرية من هذه الآلهة في المسرح واحتقار لها في أعيادها، أما المسيحيون فيوقرون خالق العالم الإله الحقيقي الوحيد الذي أعلن ذاته في الأسفار الإلهية، لذلك من الظلم أن يُتهم المسيحيون بالإلحاد طالما أن مقبودات الوثنيين ليست آلهة(5)، وينادي ترتليان بحرية الأديان ويتساءل لماذا يُسمح للوثنيين بحرية تامة في أن يعبدوا آلهتهم ونحتوا لهم معبودات من الطيور والحيوانات كما يشاءون، بينما المسيحيون، والمسيحيون فقط، ممنوعون من أن يكون لهم ديانة خاصة بهم (6).
ثم يفند العلامة الأفريقي الاعتقاد بأن الرومان يحكمون العالم لأنهم يكرمون الأوثان، فالإله الحقيقي وحده يهب السلطان على الممالك لمنْ يريد (7)، والمسيحيون لا يمتنعون عن عبادة آلهة الدولة لأنهم معاندون أو مقاومون، كلا، بل لأنهم يعرفون أن هذا التكريم إنما يقدم للشياطين،ولذلك أيضاً لا يقدمون قرابين للآلهة لأجل راحة وسعادة الإمبراطور، كما يفعل الوثنيون، لعلمهم أن هذه الآلهة المزعومة عاجزة عن أن تساعده، وهكذا لا يُمكن أن يُحسب رفضهم تقديم القرابين جريمة، بل على العكس هم يصلون إلى الإله الحقيقي لأجل الحاكم والإمبراطور.

وأبرز ترتليان أن المسيحيين ليسوا أعداء للدولة ولا للبشرية، وأنه من الظلم أن يُحسبوا خارجين عن القانون، فقدم وصفاً حسناً للعبادة المسيحية:
"إننا مجتمع له شعور ديني مشترك، ووحدانية في التعليم ورابطة رجاء واحد، نلتقي في الاجتماعات كي نتقرب إلى الله في الصلاة ونجمع قوانا لنلتف حوله، وهذا الجهاد يرضى الله.. نحن نصلي لأجل الأباطرة، لأجل وزرائهم، لأجل هؤلاء الذين في السلطة، لأجل طمأنينة العالم ولأجل السلام على الأرض". (8)
وفي القسم الأخير من الكتاب، يجيب ترتليان على القول بأن المسيحية ليست إلا فلسفة جديدة، فالمسيحية أعمق وأعظم من أن تكون مجرد مباحثات حول أمور فلسفية إنسانية، بل هي استعلان إلهي، وحقيقة أعلنها الله، لذلك لا يستطيع مضطهدوها أن يقووا عليها.(9)
وفي "التاريخ الكنسي" ليوسابيوس القيصري، نقرأ أن "الدفاع" قد ترجم إلى اليونانية بعد صدوره بوقت قصير، ورغم أن هذه الترجمة -والتي أغلب الظن أنها تمت في فلسطين- قد اختفت سريعاً، إلا أن وجودها يدلل على أهمية عمل ترتليان.. وهذا "الدفاع" هو بإقرار الدارسين واللاهوتيين أفضل كتابات ترتليان.(10)
3) شهادة النفس The Testimony of The Soul (De Testimonio animae)

اعتاد الفلاسفة الهيلينيين أن يستقوا معرفتهم عن الله من العالم الكبير macrocosm ومن العالم الصغير microcosm، العالم الكبير هو الكون كله، أما العالم الصغير فهو النفس البشرية وكان ترتليان يتبع نفس هذا النهج، ففي الفصل السابع عشر من دفاعه يكتب:
"هل ستأخذون الدليل (على وجود الله) من أعمال يديه العديدة جداً والعظيمة جداً، التي تحتويكم وتحييكم؟ أم ستأخذون الدليل من شهادة النفس نفسها؟".(11)
هذه المناقشة حول النفس، والتي وردت في كتابه "الدفاع" عدلها ترتليان باستفاضة فيما بعد في عمل منفرد بعنوان "شهادة النفس" كتبه في نفس العام الذي كتب فيه "الدفاع" أي 197م وتتضح السمة الدفاعية لهذا العمل ذي الفصول الستة من محاولة المؤلف أن يتخذ من النفس شهادة على وجود الله وصفاته، وشهادة على الحياة بعد الموت، وعلى الجعالة الحسنة والعقاب في الحياة الآتية.
رأى ترتليان أنه لا حاجة للتأملات الفلسفية لأن الحقائق جميعها موجودة داخل النفس، فالطبيعة هي أعظم معلم لأنها تعكس صورة الله، فيعكس المدافعين اليونان، يؤكد ترتليان على عدم جدوى الاستعانة بالفلسفية، لأن الطبيعة ببساطة هي أفضل شهادة للحق. (12)
4) إلى سكابيولا To Scapula

"إنه حق إنساني أساسي وامتياز من الطبيعة، أن كل إنسان يعبد بحسب معتقده، فديانة المرء لا تؤذي ولا تنفع أي إنسان آخر".(13)
هذه المناداة بحرية العقيدة والعبادة نقرأها في افتتاحية الرسالة التي أرسلها ترتليان إلى سكابيولا Scapula حاكم أفريقيا (211-213م) الذي بدأ يضطهد المسيحيين وأخذ يلقيهم إلى الوحوش الضارية ويحرقهم حتى الموت، ويبدو أن ترتليان كتب هذا الدفاع نحو عام 212م.
يتكون هذا الدفاع الشجاع من خمسة فصول، يؤكد ترتليان في الأول منه -وهو المقدمة- على أن الدافع وراء الكتابة ليس الخوف على المسيحيين، بل محبته المسيحية للحاكم واهتمامه به واللذين يوجبان عليه أن يحذره من اضطهاد المسيحيين، فهو أمر غير معقول ويتنافى مع حق حرية الضمير أن نُرغم المسيحيين على الذبح للأوثان، وهم ليسوا أعداء لأحد وبالأخص لإمبراطور روما لأنهم يعرفون أنه مُعين من قِبل إلههم، فيجب أن يحبوه ويوقروه وهم يتمنون له الخير، بل ولإمبراطوريته كلها.
ولكن المسيحيين يحزنون عندما يجدوا السلطات لا تعاقب على جريمة سفك دم مسيحي، ثم ينتقل ترتليان لموضوع علامات غضب الله على المضطهدين، وأشار إلى نهايات بعض حكام الأقاليم الذين اضطهدوا المسيحيين(14)، وهو الموضوع الذي تناوله العلامة لاكتانتيوس باستفاضة فيما بعد في كتابه "نهاية المضطهدين" (انظر كتابنا "العلامة لاكتانتيوس" ضمن هذه السلسلة "أخثوس ΣΥΘΧΙ).
ويحذر ترتليان الحاكم من أن القسوة لن تنجح بل فقط ستزيد من عدد المؤمنين:
"ليس لنا سيد إلا الله، وهو أمامك ولا يمكن أن يغيب عنك ولكنك لا تستطيع أن تؤذيه، أما هؤلاء الذين تعتبرهم سادة، فهم مجرد بشر ويوماً ما سيموتون، أما هذه الجماعة (الكنيسة) فلن تموت، وتأكد أنها في الوقت عينه الذي تُهدم فيه، تُبنى بقوة أعظم".(15)
5) ضد اليهود Against The Jews (Adversus Judaeos)

تزامن هذا الكتاب مع حدوث مجادلة ومحاورة بين أحد المسيحيين وأحد اليهود، استغرقت يوماً كاملاً حتى المساء، فرأى ترتليان ضرورة صياغة هذا الموضوع في كتاب حتى يستطيع حصر نقاطه.
يوضح ترتليان في هذا الكتاب كيف أن إسرائيل قد ترك الرب ورفض نعمته، ولذلك لم يعد للعهد القديم والناموس أي قوة الآن، لكن يجب أن يُفسر روحياً، ولذا دُعيت الأمم للدخول في الإيمان(16)، ويشرح العلامة الإفريقي أن الوصايا المكتوبة في العهد القديم مثل الختان(17) وحفظ السبت(18) والتقدمات والذبائح (19) ليست ضرورية للخلاص وأنها قد انتهت، واستبدل قانون العين بالعين بقانون المحبة، ومعطى هذا العهد الجديد، كاهن الذبيحة الجديدة، حافظ السبت الأبدي(20)، قد ظهر، المسيح الذي تنبأ عنه الأنبياء وعن ملكه الأبدي، ويورد ترتليان الكثير من النبوات المسيانية التي تحققت في مخلصنا، وقد اعتمد ترتليان كثيراً في هذا العمل على كتاب القديس يوستين الشهيد "الحوار مع تريفو Dialogue with Trypho".

Mary Naeem 21 - 05 - 2014 03:09 PM

رد: كتاب العلامة ترتليان، من آباء أفريقيا
 
كتاباته: الأعمال الجدلية


2) الأعمال الجدلية
The Controversial Treatises


1) علاج الهراطقة
2) ضد مرقيون
٣) ضد هرموﭽينيس
٤) ضد أتباع ﭭالنتينوس
٥) عن المعمودية
٦) ترياق العقرب
٧) عن جسد المسيح
٨) عن قيامة الجسد
٩) ضد براكسيس
١٠) عن النفس
1) علاج الهراطقةThe Prescription of Heresies (De Praescriptione haereticorum)

تتضح من هذا الكتاب معرفة ودراية ترتليان بالقانون الروماني أكثر مما في جميع أعماله الأخرى، وكان ترتليان يريد أن ينهي الجدل بين الكنيسة المستقيمة الإيمان وبين الهراطقة دفعة واحدة وذلك بأن يقدم في هذا العمل الحجج والبراهين المنطقية المنظمة التي تدحض سائر البدع دفعة واحدة.
يرى ترتليان أن موضوع الخلاف بين الكنيسة والهراطقة هو الكتاب المقدس، ولكن لا يحق للهراطقة أن يستخدموا الأسفار الإلهية في مناقشاتهم لأنها لا تخصهم(21)، ورغم أنهم يدّعون أنهم يقدمون الأسفار الإلهية، إلا أنهم يحذفون الأجزاء التي تدحض فكرهم منها، فيؤثرون على البعض ويضلون الضعيف ويرهقون الأقوياء(22)، لذلك نحن ندافع عن الإيمان ضدهم بنقطة هامة تفوق شتى النقط الأخرى وهي ألا نسمح لهم بأي مناقشة من الكتاب المقدس، وإذا كانوا يقدمون من الأسفار الإلهية ما يظنون أنه يؤيد انحرافاتهم، فلابد أولاً قبل أن يستخدموها أن نعرف لمنْ هذه الأسفار كي لا نسمح لأحد أن يستخدمها ما دامت لا تخصه.
فالهراطقة لا يستشهدون بالأسفار الإلهية بل يحرفونها ويغيرون معناها، وهناك خطر جسيم يحيق بأي إنسان ضعيف الإيمان يدخل في مناقشة من الكتاب المقدس مع هؤلاء الهراطقة، لأن الكتاب المقدس لا يخص إلا هؤلاء الذين لهم قانون الإيمان والسؤال هو:
"منْ أين، وعن طريق منْ، ومتى، ولمنْ، سُلم قانون الإيمان الذي به يصير الناس مسيحيين؟ لأنه حيثما كان قانون الإيمان المسيحي الحقيقي، فهناك سيكون بالمثل الكتاب المقدس الحقيقي وكل التقاليد المسيحية (23)".

وفي الفصل الحادي والعشرين من هذا الكتاب، يقدم ترتليان علاجين يحرمان كل الهراطقة والمبتدعين من الأسس التي انطلقوا منها:
العلاج الأول: المسيح أرسل الرسل مبشرين بالإنجيل، لذلك يجب ألا يُعتبر أحد مبشراً بالإنجيل عدا هؤلاء الذين عينهم المسيح.
العلاج الثاني: الرسل أسسوا الكنائس، وفسروا لها الإنجيل، وقووها وثبتوها لتشرح الإنجيل للناس، لذلك ما أعلنه المسيح لهم لا يمكن لأحد أن يثبته أو يبرهنه عدا الكنائس التي أسسها الرسل أنفسهم.
وشرح ترتليان أن العقيدة الأرثوذكسية المستقيمة مؤسسة على تقليد الرسل "إن لنا شركة مع الكنائس الرسولية لأن عقيدتنا لا تختلف عنهم أبداً، هذه هي شهادتنا للحق(24)".. وهذه الحقائق وما يترتب عليها تمثل دحضاً وتفنيداً تاماً لسائر الهراطقة حتى انه يمكن القول انه ليست هناك ضرورة لأي اهتمام آخر بالجدالات معهم.
ومع هذا يقول ترتليان انه مستعد لأن يترك الطرف الآخر في المجادلة، أي الهراطقة، يعبرون عن فكرهم (25)، وهكذا يجيب على اعتراضاتهم وهي:
الاعتراض الأول: أن الرسل لم يسلموا وديعة الحق بأمانة، إذ كانت هناك بعض أمور يجهلونها، أو أنهم لم يسلموا كل ما كانوا يعرفونه للجميع(26).
الاعتراض الثاني: أن الكنائس لم تكن أمينة في تسليم وديعة الإيمان(27).
ويجيب ترتليان على هذه الاعتراضات المنحرفة بتساؤله عما إذا كان من المفترض أن نؤمن أن الاستعلان يجب أن ينتظر أحد الهراطقة ليعلنه، وأنه في فترة الانتظار هذه كان الإنجيل فاسداً!! يستطرد المؤلف قائلاً أنه في سائر الأحوال يجب أن الصواب يسبق الخطأ، لذا الوجود المسبق المبكر لعقيدة الكنيسة المستقيمة هو علامة نقاوتها(28)، أي أنها موجودة قبل تعاليم الهراطقة،وفي مثل الزوان والحنطة الذي علمه لنا المخلص، وُضعت البذرة الصالحة أي الحنطة أولاً ثم بعد ذلك الزوان، وهذا يعني أن ما سُلم أولاً هو من الرب وهو حق، بينما ما هو غريب وكاذب قد جاء وظهر فيما بعد.
وبحسب ترتليان، يقف مبدأ أسبقية الحق principalitas veritatis ومبدأ تأخر الكذب والضلال (زمنياً)، في وجه كل الهراطقة(29)، والكنيسة لم تقبل قط أي تحريف للأسفار الإلهية، بينما حرفها الهراطقة كما يريدون(30)، وهناك فرق طفيف بين الانحراف عن حقائق الإيمان المستقيم وبين الوثنية، فكلاهما مدمر ومهلك، كلاهما من الشيطان(31)، وسلوك الهراطقة سلوك رديء لأنهم فقدوا كل مخافة لله(32).
وفي خاتمة الكتاب(33)، يقول المؤلف أن هذا الكتاب هو مقدمة عامة ضد الهراطقة سيتبعها كتب أخرى في المستقبل القريب تفند أفكار الهراطقة وتجيب على إدعاءاتهم.
يُعد هذا العمل من أكثر أعمال ترتليان اكتمالاً وأكثرها قيمة وبسبب الأفكار الرئيسية المتضمنة فيه، حفظ ونال الإعجاب، وقد كُتب نحو عام 200م قبل أن ينحرف ترتليان نفسه ويسقط في البدعة المونتانية.
وفي نهاية العمل(34) ملحق يتضمن قائمة باثنين وثلاثين هرطقة، وأغلب الظن أنه مجرد تلخيص لكتاب هيبوليتس "ضد كل الهرطقات Syntagma".
2) ضد مرقيون Against Marcion (Adversus Marcionem)

هذا الكتاب هو أطول أعمال ترتليان، وهو أحد الكتب التي وعد بكتابتها ضد الهراطقة في نهاية كتابه "علاج الهراطقة"، ولهذا العمل أهمية كبيرة إذ يمثل مصدراً أساسياً لمعرفتنا ببدعة مرقيون(35)، وهو يتكون من خمسة كتب:
الكتاب الأول: يفند الثنائية التي علم بها مرقيون بين إله العهد القديم وإله العهد الجديد، ويبرهن على أن مفهوم الألوهية نفسه لا يتفق مع مثل هذه الثنائية، فالله لا يمكن أن يكون إلهاً إذا لم يكن واحداً، لأنه إذا كان سيداً عظيماً لابد أن يكون فريداً ليس له نظير ولا يكف عن أن يكون سيداً عظيماً(36).
الكتاب الثاني: يثبت أن خالق العالم هو نفسه الإله الصالح.
الكتاب الثالث: يتناول خريستولوجيا مرقيون، وإذ كان يعلم بأن المسيح الذي تنبأ عنه الأنبياء في العهد القديم لم يأت بعد، لذلك يوضح ترتليان أن المسيح الذي جاء هنا على الأرض ليس إلا المخلص الذي تنبأ عنه الأنبياء.
الكتابين الرابع والخامس: يقدم فيهما ترتليان تعليقاً نقدياً على نسخة العهد الجديد التي يستشهد بها مرقيون، مثبتاً أنه ليس هناك أي تناقض بين العهد الجديد والعهد القديم.
والشكل الحالي الذي وصلنا به العمل يمثل الإصدار الثالث منه، إذ أن النسخة الأولى منه كتبها ترتليان في عجالة، لذلك كانت سطحية، أما الثانية فقد سرقها منه أحد معارفه وانحرف إلى المرقونية، ويذكر ترتليان أنه أدخل إضافات في هذه النسخة التي وصلتنا، ويعتقد Quispel أن هذه الإضافات هي الكتابين الرابع والخامس.
٣) ضد هرموﭽينيس Against Hermogenes

لم يكن ترتليان أول من كتب ضد الرسام والغنوصى هرموڇينيس القرطاڇى، إذ قد سبقه إلى ذلك يوسابيوس القيصري أبو التاريخ الكنسي في كتابه "التاريخ الكنسي"، وثيؤفيلوس الأنطاكي في كتابه (ضد هرطقة هرموﭽينيس Against the heresy of hermogenes)، ورغم أن هذا الكتاب الأخير قد فُقد إلا أنه أغلب الظن كان معروفاً لترتليان واستعان به.
ظن هرموﭽينيس الهرطوقي أن المادة أزلية وأنها معادلة لله، وهكذا يكون هناك إلهين، وبحسب ترتليان إستقى هرموﭽينيس عقيدته هذه من الفلسفة الوثنية ومن الرواقيين الذي علموه أن يضع المادة في نفس المكانة مع الرب كما لو كانت سرمدية، غير مولودة وغير مخلوقة، بلا بداية ولا نهاية.
يفند ترتليان هذه البدعة في ٤٥ فصلاً مقدماً دفاعاً بارعاً عن التعليم المسيحي عن الخلق، ويشرح أن مفهوم الإله نفسه لا يسمح بسرمدية المادة، وبعد فحص دقيق لتفسير هرموﭽينيس للكتاب المقدس يحلل ترتليان التناقضات الموجودة في أفكاره عن جوهر المادة السرمدية وصفاتها الإلهية.
وإذ تشير الكلمات الأولى في الكتاب إلى "علاج الهرطقات" إذاً لابد أنه كُتب بعد عام ٢٠٠م، وفي كتابه "عن النفس" يذكر ترتليان مرات عدة أنه وضع عملاً أخر ضد هرموﭽينيس عن أصل النفس، لكنه فُقد.
٤) ضد أتباع ﭭالنتينوس Against The Valentinian (Adversus Valentinianos)

فى هذا العمل كتب ترتليان تعليقاً لاذعاً على أفكار الجماعة الغنوصية، ويعتمد كثيراً في مضمونه وترتيبه على الكتاب الأول من "ضد الهرطقات" للقديس إيريناؤس، ولكنه يقتبس بعض الشيء أيضاً من القديس يوستين الشهيد وميليتيادس.
٥) عن المعمودية On Baptism (De baptismo)

لهذا العمل أهميته الفائقة في تاريخ الليتورﭽيا وسرى المعمودية والميرون، فهو ليس فقط أول كتاب يتناول هذا الموضوع، بل هو أيضاً الكتاب الوحيد في فترة ما قبل مجمع نيقية الذي يتناول أي سر من الأسرار، ويُمكن أن يُصنف ضمن أدب ضد الهرطقات إذ كتب ضد سيدة من قرطاﭺ تُدعى كوينتلا Quintilla، أضلت عدداً كبيراً بعقيدتها المسمومة، جاعلة هدفها الأول هو مهاجمة المعمودية المقدسة، فرد عليها ترتليان في هذا العمل الصغير ذي العشرين فصلاً، ويتحدث فيه كما لو كان يعلم الموعوظين.
من أهم اعتراضات كوينتلا على المياه تساؤلها كيف يمكن لغسل الجسد بالماء أن يُطهر ويُنقى النفس ويهب خلاصاً من الموت الأبدي، لذلك بدأ ترتليان الفصل الأول بعبارة فرح وتعجب:
"يا لى السر المفرح الذي لمائنا الذي تُغسل فيه خطايا ظلمتنا الأولى ونصير أحراراً للحياة الأبدية".
ويختم الفصل بقوله:
"نحن السمك الصغير نتبع مثال سمكتنا (أخثوس ΣYΘХІ) يسوع المسيح، ونُولد في الماء ولا نخلص إلا بالحياة فيه (أي في الماء)".
ثم يشرح ترتليان أن استخدام الله لوسائل وأشياء من الحياة اليومية في تتميم خلاصنا يجب ألا يكون حجر عثرة للذهن الجسداني، فهو يختار المزدرى وغير الموجود لخدمة أهدافه، والماء عنصر نافع وواهب للحياة، وقد قدسه الخالق منذ بداية العالم واختاره ليكون إناء لقوته، وهنا نعرف من حديث ترتليان أن طقس تقديس جرن المعمودية كان يتمم في كنيسة أفريقيا.
ومنذ أن رفٌ روح الله على المياه عند الخالق، صارت المياه رمزاً للتطهير والتنقية، وسكنى للفعالية الفائقة، وليس الغسيل الجسدي هو الذي يهب النعمة بل الفعل المُقدَس باستخدام الصيغة الثالوثية، وبعد المعمودية يأتي سر المسحة المقدسة.
ويرى ترتليان في عبور البحر الأحمر وخروج الماء من الصخرة، وأيضاً معمودية يوحنا الصابغ، رموزاً للمعمودية المسيحية، وأجاب المؤلف أيضاً على الاعتراض القائل أنه ما دام المسيح لم يخدم هذا الطقس بنفسه، إذاً هو طقس غير ضروري للخلاص.
ويؤكد ترتليان أن هناك ميلاد واحد فقط أي الذي في الكنيسة، وهو هنا يقرر عدم قانونية معمودية الهراطقة دون أن يخوض في التفاصيل لأنه قد تناول هذا الموضوع قبلاً باللغة اليونانية كما يذكر.
وهناك استثناء واحد فقط من ضرورة المعمودية بالماء وهو الاستشهاد، الذي يسميه ترتليان "معمودية ثانية" "معمودية الدم The Baptism of Blood"، وهكذا يتحدث عن معموديتين أرسلهما لنا المسيح من جنبه المجروح، كى هؤلاء الذين يؤمنون به يغتسلون بالماء، وهؤلاء الذين اغتسلوا بالماء يحملون أيضاً علامة الدم.
وينبه ترتليان إلى أن هذا السر لابد أن يعطى بتعقل وبلا تعجل فلابد أن يختبر إيمان الشخص جيداً قبل أن يعطى هذه النعمة العظيمة، أما عن زمان تتميم المعمودية، فيذكر ترتليان أن القيامة والعنصرة هما التوقيتان الليتورﭽيان لها، لكن أيضاً كل وقت مناسب ومقبول، فقد يكون هناك اختلاف في ترتيب طقس الاحتفال (بين المعمودية يوم عيد القيامة وبين المعمودية في أي يوم آخر) لكن النعمة واحدة، ثم يتناول المؤلف في الفصل الأخير كيفية الاستعداد لنوال سر المعمودية.
ويخلو هذا العمل من أي أثر للمونتانية، ويظهر توقيراً كبيراً للرتب الكنسية، وقد كُتب ما بين ١٩٨- ٢٠٠م.
٦) ترياق العقرب Scorpiace

"ترياق العقرب" هو عنوان كتاب صغير يتكون من ١٥ فصلاً يتضمن دفاعاً عن الاستشهاد ضد الغنوصيين الذين يقارنهم ترتليان بالعقارب، فهم يعترضون على تقديم الحياة ذبيحة لله، ويقولون أن هذا أمر غير ضروري ولا يطلبه الله، لذلك يشرح المؤلف أن الاستشهاد يصير واجباً وضرورة موضوعة على كل إنسان مسيحى حينما لا يكون هناك طريقة أخرى للامتناع عن الاشتراك في العبادة الوثنية، بل وحتى في العهد القديم كان الموت أفضل من ترك الإيمان، فالاستشهاد هو ميلاد جديد يهب النفس حياة أبدية، وقد كُتب هذا العمل غالباً أثناء اضطهاد سكابيولا.
٧) عن جسد المسيح On The Flesh of Christ (De Carne Christ)

يرتبط كتاب "عن جسد المسيح" بكتاب "عن قيامة الأجساد" ارتباطاً شديداً، إذ يمثلان معاً بحثاً قوى الحجة عن قيامة الجسد ذلك أن الهراطقة بدلاً من أن يؤمنوا بهذه الحقيقة، أنكروا حقيقة جسد السيد المسيح وهكذا جددوا أخطاء الظهوريين (أصحاب الهرطقة الدوسيتية Docetic) الذين يقولون أن جسد المسيح كان مجرد ظهور وليس حقيقة.
في الفصل الأول يوضح ترتليان الهدف من الكتابة وهو معرفة جوهر جسد ربنا وحقيقته وصفاته وكيف يوجد ومن أين أخذه، ويجيب في هذا الكتاب على هذه الأسئلة كلها، ويثبت أن المسيح وُلد حقاً وأن ميلاده كان ممكناً ولائقاً، وأنه عش ومات حقاً بجسد بشرى حقيقى، وهكذا يدحض أفكار مرقيون الدوسيتية.
كما شرح أن طبيعة مخلصنا لم يأخذها من الملائكة رغم أنه سُمى ملاك الرب، ولا من النجوم كما قال البعض، ولا من جوهر روحي كما ظن ﭭالينتينوس، لكنه شابهنا تماماً في كل شيء ما خلا الخطية وحدها، وأيضاً لم يكن من زرع بشر، فجسد آدم الأول وجسد آدم الثاني لم يكونا من زرع بشر.
ويشير المؤلف إلى انحراف الغنوصيين الذين يقولون أن المسيح لم يأخذ أي شيء من العذراء وأنه وُلد "عن طريق through" أو "في in" وليس "من from" العذراء مريم، ودفاعاً عن أمومة العذراء الحقيقية والبشرية للمسيح، يندفع ترتليان وينحرف هو نفسه وينكر دوام بتولية العذراء.
فى نهاية هذا العمل يذكر ترتليان أنه سيتناول موضوع قيامة الجسد في بحث أخر، وقد كتب هذين العملين ما بين ٢١٠: ٢١٢م.
٨) عن قيامة الجسد The Resurrection of The Flesh

تربط مقدمة "عن قيامة الجسد" بين كل الذين ينكرون قيامة الأجساد من الوثنيين والصدوقيين والهراطقة، وتثبت عدم اتفاق تعاليمهم وعدم صحتها، والعقل الصائب يشهد لذلك لأن الجسد مخلوق بيد الله ومُفتدى من قِبل المسيح، ولابد أن يُدان مع النفس في اليوم الأخير.
ثم يفند ترتليان الاعتراضات التي توجه لهذه العقيدة، ولكنه يتخذ من هذا كله أساساً للشرح الذي سيقدمه، ثم يتناول المبحث الأساسي في الكتاب وهو قيامة الجسد بحسب العهد القديم والجديد، وقبل دراسة النصوص الكتابية يتحدث ترتليان عن الفهم الصحيح للغة الرمزية التي في الأسفار المقدسة، وفي القسم الأخير من الكتاب يتحدث عن حالة الجسد بعد القيامة، وتتضح في هذا العمل توجهات ترتليان وميوله للمونتانية.
٩) ضد براكسيس Against Praxeas (Adversus Praxeas)

أخر كتاب في قائمة أعمال ترتليان الجدلية هو "ضد براكسيس" الذي كتبه نحو عام ٢١٣م، وكان في ذلك الوقت قد انحرف إلى المونتانية.
كان براكسيس من أتباع بدعة الموداليزم Modalism أو مؤلمي الآب Patripassion الذين يقولون أن الله أقنوم واحد فقط وليس ثلاثة أقانيم، فالآب هو الابن، وبالنسبة لهذا المبتدع "الآب نفسه حل في العذراء، ووُلد هو نفسه منها، وتألم هو نفسه، وهو عينه كان يسوع المسيح"!!
حينما انتشرت هذه البدعة في قرطاچ، كتب ترتليان هذا العمل الذي يمثل أهم إسهامه في شرح عقيدة الثالوث في فترة ما قبل مجمع نيقية، وجاءت كلمات الكتاب واضحة دقيقة ومحددة، وأسلوبه قوى وبارع، وقد استخدم مجمع نيقية فيما بعد عدداً ليس بقليل من صيغ هذا الكتاب، وكان له تأثير كبير على اللاهوتيين اللاحقين، فهيبوليتس وديونيسيوس السكندري وآخرون، مدينون لهذا العمل، كما اقتبس أغسطينوس في كتابه الضخم "الثالوث" التشبيه بين الثالوث القدوس وبين عمليات النفس البشرية، والموجود في الفصل الخامس من كتاب ترتليان.
بعد المقدمة التي تناول فيها براكسيس وتعليمه، يتحدث المؤلف عن عقيدة الثالوث وعمل التدبير الإلهي (الإيكونوميا) ثم يتحدث عن ميلاد الابن الذي يدعى أيضاً الكلمة وحكمة الله، ويثبت باستشهادات كتابية حقيقة وجود ثلاثة أقانيم، ويقدم شهادة إنجيل يوحنا ليدحض تفسير براكسيس المنحرف لبعض النصوص الكتابية، وأخيراً يتحدث عن الروح القدس كأقنوم متمايز عن الآب والابن، ولكن هذا كله مجرد إطار للكتاب، أما في الفصول الواحدة والثلاثين فيشرح ترتليان باستفاضة عقيدة الثالوث.
وأوضح أن العلاقة بين الآب والابن لا تتعارض مع وحدانية الله لأنهما لا يختلفان عن بعضهما بالانفصال بل بالتمايز، وكان العلامة ترتليان أول كاتب لاتيني يستخدم كلمة "ثالوث Trinitas" ولكن للأسف في دفاعه عن تمايز الأقانيم سقط في انحرافات بدعة التدرجية في الثالوث Subordinationis.
١٠) عن النفسOn The Soul (De anima)

فيما عدا كتابه "ضد مرقيون" يعتبر كتابه عن النفس أطول أعماله، وهو يُصنف ضمن أدب ضد الهرطقات لأن المؤلف يوضح في بداية الفصل السادس أن الأخطاء المعاصرة له هي التي جعلته يكتب هذا العمل، وكان ترتليان يعتبره تكملة لعمل سابق له "عن أصل النفس De censu animae" يدافع فيه عن الأصل الإلهي للنفس ضد هرموﭽينيس، ويذكر الكاتب أنه بعد أن رد على هرموﭽينيس فيما يتعلق بموضوع أصل النفس، يريد الآن أن يلتفت للسؤال الأخر والذي لكى يناقشه لابد أن يتسلح ضد الفلسفة، ويقول أن مناقشة موضوع النفس لا تحق للمفكرين الوثنيين الذين يمزجون الأفكار الصحيحة مع الأفكار الخاطئة وهم لذلك "آباء الهراطقة".. وقد كتبه في الغالب نحو ٢١٠: ٢١٣م.

Mary Naeem 21 - 05 - 2014 03:14 PM

رد: كتاب العلامة ترتليان، من آباء أفريقيا
 
كتاباته: الأعمال الأخلاقية والنسكية


* 3) الأعمال الأخلاقية والنسكية
* Moral and Ascetical Works
يتضح انحراف ترتليان إلى المونتانية وإيمانه بمعتقداتها في أعماله الأخلاقية والروحية أكثر مِمَّا في باقى أعماله.
1) إلى الشهداء
2) العروض والمسرحيات
3) عن ثياب النساء
4) عن الصلاة
5) عن الصبر
6) عن التوبة
7) إلى زوجته
8) حث على العفة
9) الزيجة الواحدة
10) عن خمار العذارى
11) الإكليل
12) عن الهروب في زمان الاضطهاد
13) عن عبادة الأوثان
14) عن الصوم
15) عن الاعتدال
16) عن العباءة
* 1) إلى الشهداء To The Martyrs (De martyras)

كان هذا العمل من أوائل أعمال ترتليان، وبالرغم من قِصَره (6 فصول فقط) وبساطة أسلوبه إلاَّ أنَّه نال إعجاب الأجيال المتتالية، وقد كتبه إلى عدد من المعترفين المحبوسين والذين كانوا على وشك التقديم للموت بسبب إيمانهم المسيحي، فيشجعهم ويحثهم على الثبات، ويُذكرهم الكاتب بالمعونة التي أخذوها من "أمنا الكنيسة"، ولم يتمنى فقط لهم أنْ ينزعوا عنهم الخوف من الاستشهاد، بل أيضاً أثار فيهم حماسة حية إذ علَّمهم أنَّ الاستشهاد أعظم الأعمال وأمجدها، فالموت من أجل المسيح ليس مجرد قبول غَير واعي للألم واحتماله بل هو اختبار لقوة النفس وجهاد بأعمق معنى للكلمة، ويختار ترتليان تشبيهاته المؤثرة من المصارعات التي تدور في المجتلد (حلبة المصارعة) ومن أوجه الحياة العسكرية.
وفى الفصل الثاني من الكتاب يحث ترتليان المجاهدين ألاَّ ينزعجوا أو يضطربوا عند انفصالهم عن العالم.
ويكرر الفصل الثالث صورة المصارعة والقتال التي دُعي إليها الشهداء، ويطلب منهم ترتليان أنْ يعتبروا السجن مكان تدريب لهم.
أمَّا الفصول من 4: 6 فتقدم أمثلة لأناس احتملوا آلاماً عظيمة بل وأيضاً ضحوا بحياتهم لأجل طموح أو غرور أو حتى مجرد ظروف اضطرارية، بينما الشهداء يتألمون من أجل الله.
* 2) العروض والمسرحيات Shows (De spectaculis)

هذا العمل هو إدانة ورفض شامل لكل الألعاب العامة في السيرك والإستاد والمسرح والمصارعات الرياضية، ويتكون من قسميْن: قسم تاريخي وقسم أخلاقي.
في القسم الأول: يشرح ترتليان أنَّه يجب ألاَّ يحضر أيّ إنسان مسيحي مثل هذه العروض، لأنَّ أصلها وتاريخها وأسماءها واحتفالاتها وأماكنها تُظهر جميعاً أنَّها ليست إلاَّ نوع من الوثنية وسائر المؤمنين قد جحدوها في نذر المعمودية.
وفى القسم الثاني: يوضح أنَّ هذه الأمور تثير الشهوة، فتفسد أيّ أخلاقيات، وهى بعيدة تماماً عن إتباع المخلص، والفصل الأخير يرسم صورة واضحة لـ "المجيء القريب للرب" ويوم الدينونة الأخير.
هذا العمل موجه إلى الموعوظين كما يتضح من عبارته الافتتاحية، وقد كتبه ترتليان قبل تحوله إلى المونتانية، وقبل كتابيْه "عبادة الأوثان" و"عن ثياب النساء" لأنَّ كل منهما يشير إليه، وقد كُتب في الغالب نحو 202 م.
* 3) عن ثياب النساء On The Dress of Women (De cultu feminarum)

يُعالج ترتليان في هذا الكتاب نفس الفكرة التي تناولها في "إلى الشهداء" وفي "عن العروض والمسرحيات"، فيؤكد أنَّه لا يكفى أنْ نجحد الوثنية في المعمودية، بل يجب أنْ نحيا حياة مسيحية يومية، لذلك يحذر النساء في هذا الكتاب ألاَّ تتسلط عليهن الموضة الوثنية بل يكن متعقلات معتدلات في مظهرهن.
ويُذكر ترتليان المرأة المسيحية أنَّ الخطية الأولى دخلت العالم عن طريق حواء المرأة الأولى، لذلك الثوب الوحيد اللائق ببنات حواء هو رداء التوبة، أمَّا الزينة الخارجية والمساحيق فهي من أصل شيطاني، ويدين العلامة الأفريقي سائر أنواع التزين مثل الذهب والفضة والمجوهرات والأحجار الكريمة، فالندرة هي السبب الوحيد الذي يجعل لهذه الأشياء قيمة.
وفى القسم الثاني من هذا الكتاب يمدح ترتليان فضيلة العفة المسيحية التي لا تسمح للنساء أنْ يُغيروا صنعة الخالق أيّ الجسد باستعمال المساحيق وصباغة الشعر، ويُقنع المرأة المسيحية أنَّ مظهرها لابد أنْ يُميزها دوماً عن الوثنيات، ثم يتحدث في الفصل الأخير عن الظروف المعاصرة له في المجتمع ويحث النسوة أنْ يكن مستعدات لقبول آلام الاستشهاد.

* 4) عن الصلاة Concerning Prayer (De oratione)

كتب ترتليان هذا العمل نحو عام 198: 200 م. إلى الموعوظين، ويستهله بشرحه كيف أنَّ العهد الجديد قدم لنا شكلاً للصلاة لم يكن موجوداً في العهد القديم أيّ الصلاة بالروح والحق، والصلاة في الخفاء، وضرورة إيمان الصلاة وثقتها بالله، وكل هذه السمات تظهر في الصلاة الربانية "أبانا الذي في السموات.." التي هي ملخص الإنجيل كله، ثم يقدم ترتليان شرحاً للصلاة الربانية، هو أقدم تفسير لها في تاريخ الكنيسة كله، إذ لم يسبقه أيّ تفسير آخر بأيّ لغة أخرى، ويضيف العلاَّمة عدداً من النصائح الثمينة العملية، فيُعلم أنَّه لا يمكن لأحد أنْ يشكر الله دون أنْ تكون له مصالحة مع أخيه وأنْ يكون متحرراً من الغضب واضطرابات الذهن، وهذا يتطلب قبل كل شيء نقاوة القلب، وليس مجرد غسيل الأيدي.
ويستنكر ترتليان الجلوس أثناء العبادة، فهو فعل خال من الوقار أمام عينيّ الله الحي،وينصح بالعبادة بأيادي مرفوعة وصوت خفيض وحركات عفيفة متضعة، ويجب ألاَّ يحرم الإنسان نفسه من قبلة السلام لأنَّها ختم الصلاة، والاستثناء الوحيد هو يوم الجمعة الكبيرة.
ويخبرنا ترتليان أنَّه من المعتاد السجود في أيام الأصوام وفي صلوات باكر، ولكن يُمتنع عن السجود في أيام القيامة والخمسين المقدسة، أمَّا عن مكان الصلاة، فكل مكان مناسب لتمجيد الخالق، وليس هناك وقت معين، ولكن سيكون نافعاً جداً لنا إذا استطعنا أنْ نجمع أنفسنا في السواعي الهامة: الثالثة والسادسة والتاسعة، ويجب ألاَّ نستقبل ضيفاً أو نودعه دون أنْ نرفع أفكارنا معه إلى الله.
وفى الفصليْن الأخيريْن من الكتاب يمدح الصلاة كذبيحة روحية ويُمجد قوتها وفعاليته
وإذا قارنا هذا العمل بكتاب العلاَّمة أوريجانوس السكندري عن الصلاة، سنلحظ عدم وجود المفاهيم الفلسفية (بعكس أوريجين) واتجاه ترتليان العملي في الكتابة، إذ كان مهتماً بالتدريب الداخلى والخارجي في الصلاة، وكان يخاطب المسيحيين بصفة عامة وليس مجرد مجموعة معيَّنة، وترجع قيمة هذا العمل الثمين ليس فقط لعمق أفكاره، بل وأيضاً لكونه تعبير روحي عن المفهوم المسيحي الحقيقي للحياة.
* 5) عن الصبر Concerning Patience (De patientia)

يبدأ الكتاب باعتراف متضع من المؤلف أمام الله أنَّه كان تهور منه ـ إنْ لم يكن عدم حكمة ـ أنْ يتجرأ ويكتب عن الصبر، لأنَّه هو نفسه لم يستطع أنْ يقتنى هذه الفضيلة بعد وأنْ يحيا ما يكتب، لأنَّه إنسان بلا صلاح.. ولكن مناقشة الإنسان للأمور التي لم تُعطى له ستكون نوعاً من التعزية له.
يرى ترتليان أنَّ مثال الصبر ورمزه هو خالقنا الذي يشرق بهاء نوره على الأبرار والأشرار، وقد قدم لنا السيد المسيح أعظم مثال للصبر في تجسده وحياته وآلامه وموته، ووسيلة الإنسان لبلوغ هذا الكمال هي على وجه الخصوص الطاعة، أمَّا عدم الصبر فهو أُم جميع الخطايا والشيطان هو أبوها، وهذه الفضيلة، فضيلة الصبر تنبع من الإيمان وتتبعه لأنَّه هو أيضاً لا يمكن أنْ يوجَد بدونها.
ثم يمدح ترتليان بركات الصبر الذي يقود للتوبة ويخلق المحبة، ويقوى الجسد ويدربه على اقتناء العفة وعلى قبول الاستشهاد بثبات، ونجد الأمثلة البطولية لذلك في العهد القديم والجديد مثل إشعياء النبي واستفانوس أول الشهداء.
ولابد أنَّ ترتليان كتبه ما بين عام 200: 203 م، ويعتبر مصدراً هاماً لمعرفتنا بشخصية المؤلف، وقد استعان به القديس كبريانوس في عمله "عن الصبر الحسن".
* 6) عن التوبة Concerning Repentance (De paenitentia)

يتمتع هذا الكتاب بأهمية فائقة في تاريخ قوانين التوبة في الكنيسة، خاصة وأنَّ المؤلف الأفريقي كتبه قبل انحرافه عن الإيمان المستقيم، وقد وضعه في الغالب نحو عام 203 م، ويتكون من قسميْن:
القسم الأول: التوبة التي يجب أنْ يقدمها الإنسان الموعوظ قبل أنْ ينال نعمة المعمودية.
القسم الثاني: يتحدث عن التوبة الثانية التي بعد المعمودية.
ورغم أنَّ ترتليان يُحذر قُراءه في هذا العمل من التهاون اعتماداً على وجود توبة ثانية، إلاَّ أنَّه يُحذرهم بالمثل من السقوط في هاوية اليأس وقطع الرجاء.
ويشرح ترتليان أنَّ التوبة الثانية لابد أنْ تتبعها مصالحة كنسية، ولتحقيق هذه المصالحة، لابد للخاطئ أنْ يعترف اعترافاً علنياً ويخضع لقوانين توبة، فيجب أنْ تقترن التوبة بالندم والحزن والاتضاع الحقيقي والخضوع والبكاء والنحيب كما أيضاً بالصلوات والميطانيات.
وفى الفصل الأخير يُصور ترتليان العقاب الأبدي الذي لهؤلاء الذين يتهاونون بخلاصهم دون أنْ يُقدموا توبة ثانية.
* 7) إلى زوجته To His Wife (Ad uxorem)

كتب ترتليان ما لا يقل عن ثلاثة كتب عن الزواج وتكرار الزيجة، الأول كتبه أيام أنْ كان مستقيم الإيمان، والثاني أيام أنْ كان نصف مونتانى، والثالث بعد أنْ قطع نفسه من الكنيسة المقدسة وسقط في البدعة المونتانية، والكتاب الأول "إلى زوجته" هو أفضل هذه الثلاث، وقد كتبه ما بين عاميّ 200: 206 م.، وهو يتكون من قسميْن، ويتضمن نصائح لزوجته كي تسلك بحسبها بعد نياحته، والتي يتركها في شكل وصية ميراث روحية لها.
ينصح ترتليان زوجته أنْ تظل أرملة وألاَّ تتزوج ثانية لأنَّ هناك أسباب عميقة هامة تؤيد ذلك، بينما لا يوجد أيّ سبب حسن للزيجة الثانية، فالجسد والعالم وشهوة النجاح يجب ألاَّ يدفعوا الإنسان المسيحي إلى الزواج ثانية لأنَّ خادم الله يرتقى فوق هذه الأمور كلها، والروح أقوى من الجسد لذلك يجب أنْ تخضع أمور الأرض لأمور السماء.
وإذا أراد الله لأرملة أنْ تفقد زوجها بنياحته، يجب ألاَّ تحاول هي بزواجها ثانية أنْ تستعيد ما أخذه الله، وهذا الاتحاد ما هو إلاَّ عائق في طريق القداسة (!!).
وبالطبع هذه المحاججات والبراهين ليست مقنعة تماماً، لذلك يناقش المؤلف في القسم الثاني من الكتاب احتمال أنَّ زوجته لا تريد أنْ تحيا وحدها بعد نياحته، وفي هذه الحالة يلتمس منها أنْ تختار إنساناً مسيحياً، لأنَّ زواج المؤمنين من غير المؤمنين أمر خطر على الإيمان وعلى الأخلاق.
وهناك خطر كبير على الإنسانة المسيحية التي تتزوج من أحد الوثنيين، إذ قد تضطر إلى الاشتراك معه في طقوس العبادة الوثنية في أعياد الشياطين، وأعياد الحكام، والسبب وراء هذه الزيجات هو ضعف الإيمان واشتهاء غنى ومسرات هذا العالم، ويقارن ترتليان بين مثل هذه الزيجة، وبين زيجة اثنيْن مسيحييْن متفقيْن في العبادة والصلاة والروح.
* 8) حث على العفة Exhortation to Chastity (De exhortatione)

وجَّه ترتليان هذا الكتاب إلى أحد أصدقائه الذي فقد زوجته حديثاً، وإذ ينصحه ترتليان ألاَّ يتزوج ثانية، يتناول مرة أخرى موضوع الزيجة الثانية الذي يرفضه ويعتبره مخالفة لإرادة الله، بل إنَّه يرى أنَّ الزواج الثاني ما هو إلاَّ نوع من الزنا (!!) وهنا يتضح ميله إلى المونتانية، فبينما في كتابه "إلى زوجته" يمدح بركات الزيجة الثانية المسيحية، يبدو أنَّه يندم هنا أنَّه سمح بها وينظر إليها كمجرد زنا، ويستشهد بكتابات مونتانية في هذا العمل الذي يبدو أنَّه كتبه ما بين عاميّ 204: 212 م.
* 9) الزيجة الواحدة Monogamy (De monogamia)

هذا العمل هو الثالث في ترتيب الكتب التي وضعها ترتليان عن الزواج، وهو أكثرهم حسناً في الأسلوب وانحرافاً في المضمون، ومن المقدمة يتضح لنا أنَّ ترتليان قد ترك الكنيسة الأرثوذكسية المستقيمة وانضم إلى المونتانيين منحرفي الإيمان، ويرى في هذا الكتاب أيضاً أنَّ الزواج الثاني ما هو إلاَّ نوع من الزنا (!!)، ويعود تاريخ وضع هذا الكتاب إلى نحو عام 217 م.
* 10) عن خمار العذارى The Veiling of Virgins (De virginibus velandis)

يُعالج هذا الكتاب موضوعاً كان ترتليان يرى فيه أهمية قصوى، ويتضح من المقدمة أنَّه قد كتب قبلاً باليونانية عن نفس هذا الموضوع.
بعد التحدث عن هذه العادة وتطورها التدريجي، يوضح ترتليان أنَّ التقاليد المعاصرة له التي تحث المرأة أنْ تخفى وجهها في مناسبات عديدة، تنطبق على المتزوجة وغير المتزوجة، دون أنْ يُستثنى أحد من هذه القاعدة، إذ أنَّ الكتاب المقدس والطبيعة والسلوكيات الحسنة جميعها تحث العذراء على تغطية رأسها، وإذا كانت تفعل ذلك خارج الكنيسة فَلِما لا تفعله داخلها؟
وقد كتب ترتليان هذا العمل نحو عام 207 م.
* 11) الإكليل The Crown (De corona)

عندما مات الإمبراطور سبتيموس ساويرس Septimius Severus في 4 فبراير عام 211 م.، قرر أبناؤه صرف منحة نقدية لكل جندي في الجيش، وعند توزيع هذه المنحة في إحدى المعسكرات، تقدم الجنود ليستلموها وهم يرتدون أكاليل من الغار، فيما عدا جندي واحد فقط كانت رأسه عارية ويحمل إكليله في يديه، لذلك بدأ الجميع ينظرون إليه باستغراب وكثر الكلام عنه، وبلغ القائد الذي استجوبه في الحال وسأله عن السبب وراء عدم ارتدائه الإكليل مثل زملائه، فأجابه أنَّه لا يستطيع أنْ يرتدى الإكليل مثل باقي الجنود، ولما سأله عن سبب ذلك أجاب "أنا مسيحي" فانتقل الموضع إلى ضابط أعلى ثم إلى الحاكم وفي النهاية تزين هذا الجندي بإكليل الاستشهاد.
وبعد أنْ يسرد ترتليان هذه الواقعة يطرح السؤال "هل يجب ألاَّ يرتدى المسيحيون أكاليل؟" ويكتب مدافعاً عن هذا الجندي موضحاً أنَّ ارتداء الأكاليل لا يتفق مع الإيمان المسيحي، ويقول أنَّها عادة وثنية مرتبطة بعبادة الأوثان، ولم يحدث أنْ ذكر العهد القديم أو الجديد هذه العادة.
وتسود في هذا الكتاب الأفكار المونتانية التي سقط فيها ترتليان، ويرجع تاريخ الكتاب لعام 211 م.
* 12) عن الهروب في زمان الاضطهاد Flight in Persecution (De fuga in persecutione)

يطرح ترتليان في هذا الكتاب سؤالاً هاماً: هل يُسمح للمسيحيين أنْ يهربوا في زمان الاضطهاد؟
وتأتى إجابته بالنفي، لأنَّ الهروب يخالف إرادة الله، لأنَّ الاضطهادات تأتى بسماح منه كي يتقوى إيمان المسيحيين، رغم أنَّنا لا نستطيع أنْ ننكر أنَّ للشيطان دوراً فيها.
وإنْ اعترض أحد واستشهد بقول المخلص في (مت 23:10) "وَمَتَى طَرَدُوكُمْ فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ فَاهْرُبُوا إِلَى الأُخْرَى"، يجيبه ترتليان موضحاً أنَّ هذا القول يقتصر على الرسل وعلى زمانهم وظروفهم، لكن ليس في الوقت الحالي، وكذلك لا يُسمح لأحد أنْ يهرب من الضيقات والاضطهادات بدفع الأموال، لأنَّ السبب وراء ذلك هو الخوف من الاستشهاد، فافتداء إنسان من الاستشهاد بالمال، وهو نفسه الذي افتداه المسيح المخلص بدمه، هو عمل غير لائق بالله.
وقد أرسل ترتليانوس هذا الكتاب إلى صديقه فابيوس Fabius ويسود في هذا العمل أيضاً فكره المونتاني، لذلك لابد أنَّه كتبه نحو عام 212 م.
* 13) عن عبادة الأوثان Concerning Idolatry (De idolalatria)

يتناول ترتليان في هذا الكتاب سؤالاً هاماً: هل يُسمح للمسيحي أنْ يخدم في الجيش؟
ولكنه يخرج من هذه النقطة إلى موضوع آخر، إذ يريد أنْ يحرر المؤمن من كل شيء يربطه بالوثنية، ولا يكتفي بإدانة صانعي وعابدي الصور الوثنية بل يدين أيضاً كل مهنة أو فن لها علاقة بالوثنية، لذلك يرى أنَّ علماء الفلك والتنجيم والرياضيين والمدرسين وأساتذة الأدب، بجانب السحرة ومدربي المصارعين وخلافهم هم جميعاً مرفوضون من الكنيسة.
* 14) عن الصوم On Fasting

في هذا الكتاب يهاجم ترتليان المونتاني الكنيسة المقدسة في موضوع الصوم.
15) عن الاعتدال (De pudicitia) On Modesty

مثل الكتاب السابق، يهاجم ترتليان الكنيسة في هذا العمل، ولكن في موضوع أكثر أهمية وهو سلطان المفاتيح، والذي يحسب المونتانية لا يخص الهيرارخية الكنيسة، بل الروحية أي الرسل والأنبياء (!!).
16) عن العباءة (De pallio) Concernng The Pallium

وهو أصغر أعمال ترتليان ويتكون من 6 فصول فقط، وقد كتبه مدافعاً عن نفسه عندما انتقد بسبب تغير سلوكه في الحياة اليومية، إذ ترك عنه ارتداء العباءة العادية وبدأ يرتدى التوجة toga (وهو ثوب روماني فضفاض).

Mary Naeem 21 - 05 - 2014 03:15 PM

رد: كتاب العلامة ترتليان، من آباء أفريقيا
 
ملامح من فكره



https://st-takla.org/Gallery/var/albu...rtullianus.jpg
سمى ترتليان مؤسس اللاهوت الغربي وأبو الخريستولوجيا، إلا أن هذه مبالغات لأنه لم يضع أي نظام منهجي إذ كان يفتقر إلى الترتيب المنطقي المنظم لحقائق الإيمان، ورغم أن أي قارئ لكتاباته الدفاعية لا يستطيع أن ينكر قدراته التأملية والجدلية،لكنه لم يكن مهتماً بأن يصل إلى اتفاق بين العقل والإيمان إذ كان يريد أن يؤكد أنه حتى لو كان هناك تناقض ظاهري بين حقائق الفداء وبين العقل، فلن يمنعه ذلك من الإيمان به، وهو هنا يختلف تماماً عن لاهوتي مدرسة الإسكندرية العظماء وخاصة معاصره كلمنضس السكندري.
  1. التقليد
  2. الإكليسيولوجى
  3. الثالوث
  4. الخريستولوجى
  5. المعمودية
  6. الإفخارستيا
  7. الماريولوجي
  8. التوبة
  9. الصلاة الربانية
  10. ذبيحة الصلاة
  11. إلى الشهداء
  12. الصبر
  13. اللاهوت والفلسفة
  14. اللاهوت والقانون
  15. الدوسيتية (الظهوريون)
  16. الغنوصية
  17. مرقيون
  18. فالنتينوس

Mary Naeem 21 - 05 - 2014 03:16 PM

رد: كتاب العلامة ترتليان، من آباء أفريقيا
 
التقليد

يشتمل " التقليد" عند العلامة ترتليان على كل ما اعتادت الكنيسة ممارسته على مدى الأجيال الطويلة، من ممارسات روحية وليتورﭼيات، مثل التغطيس ثلاث مرات في جرن المعمودية، وعدم السجود في أيام الآحاد والخمسين المقدسة، وصلاة القداس الإلهي في الصباح الباكر، ورشم علامة الصليب، فكل ذلك يمكن أن يوصف بأنه "تقاليد"، والتقليد الرسولي الإنجيلي هو الإيمان المسلم من الرسل.

لم يضع ترتليان التقليد في مقابلة مع الكتاب المقدس أو في مقارنة معه، بل على العكس أكد على أن التقليد محفوظ في الكتاب المقدس، لأن الرسل كتبوا تعليمهم الشفاهي في الرسائل، لذا كان للكتاب المقدس سلطة ومصدقيه تامة، وكل تعاليمه هي بالضرورة حقيقية وصحيحة، والويل لمن يقبل عقائد ليست موجودة فيه.
ولا يقتصر التقليد الرسولي عند ترتليان على العهد الجديد فقط، فالعهد القديم موجود في العقيدة التي تكرز بها الكنائس، ووجد العلامة الأفريقي -مثل القديس إيريناؤس أسقف ليون- أن أضمن حارس لصحة ومصداقية هذه العقائد هو أن مؤسسي الكنائس هم الآباء الرسل الذين رعوها وخدموها وارتبطت بهم دوماً ككنائس رسولية فيقول: "يسوع المسيح ربنا، بينما كان يعيش على الأرض، أعلن عن ذاته، معلناً مشيئة الآب التي جاء ليتممها ومقاصده التي أكملها من أجل الإنسان.
وقد أعلن هذا كله، إما جهاراً أمام الناس أو لخاصته من التلاميذ الذين اختارهم وأقامهم ليكونوا مكرمين مقربين إليه لقيادة العمل الكرازي في المسكونة كلها،و أولئك الرسل حملوا أولاً شهادة الإيمان بيسوع المسيح في اليهودية وأسسوا الكنائس هناك، ثم خرجوا إلى العالم ليكرزوا وسط الأمم بنفس التعليم ونفس الإيمان،فأسسوا الكنائس في كل مدينة دخلوها، ومن هذه استمدت الكنائس الأخرى أغصان الإيمان وبذار التعليم يوماً فيوماً، فهي ثمار الكنائس الرسولية، وعلى الرغم من تعددها، إلا أنها تمثل الكنيسة الأولى كنيسة الرسل، فهي واحدة ووحدانيتها تظهر في السلام الذي تنعم به الإخوة المتأصلة بين مؤمنيها برابطة الحب الأخوي.
ومن ثم فإن القاعدة التي تأصلت هي أنه منذ أن أرسل ربنا يسوع المسيح الرسل للكرازة لم يعتبر أحد كارزاً إلا الذين عينهم هو.. وكان أساس كرازتهم هو استعلان المسيح لهم، فصارت تعاليمهم ركيزة الإيمان ودعامة الحق لأن الكنائس استلمت من الرسل، والرسل من المسيح، والمسيح من الله الآب.. وإن كنتم تهتمون بأمر خلاصكم، عودوا إلى الكنائس الرسولية حيث الكراسي الرسولية وحيث تقرأ كتابات الرسل المتقنة الأصلية".

Mary Naeem 21 - 05 - 2014 03:17 PM

رد: كتاب العلامة ترتليان، من آباء أفريقيا
 
الإكليسيولوجى



https://st-takla.org/Gallery/var/resi...Lighthouse.jpg
2) الإكليسيولوجى
كان ترتليان أول كتاب مسيحي يستخدم كلمة "أم" في وصف الكنيسة، ويدعوها "أمنا الكنيسة"، وفي موضع أخر، في تفسيره للصلاة الربانية للموعوظين، يحرص على أن يشرح أن كلمة "آب" التي في البداية تتضمن أيضاً نداء للابن، وأنه لابد أن نفهم أن هناك أماً أيضاً.
وفى كتابه عن المعمودية، يخاطب الموعزين قائلاً: "لذلك أيها المباركون الذين تنتظرهم نعمة الله، عندما تخرجون من الحميم المقدس الذي للميلاد الجديد، وفي بيت أمكم للمرة الأولى أرفعوا أياديكم (للصلاة)".
ومن الأهمية أن نعرف أن هذا المفهوم الكنسي استمر في فكر وعقل ترتليان حتى بعد سقوطه في البدعة المونتانية،ففي كتابه عن النفس والذي وضعه ما بين عام 210: 212 م. يحاول أن يشرح كيف أن خلقة حواء من جنب آدم رمزاً لميلاد الكنيسة من جنب الرب المصلوب " كما أن آدم رمزاً لموت المسيح الذي نام نوم الموتى، كي من الجرح الذي في جنبه يمكن بنفس الطريقة (التي خلقت بها حواء) أن تتأسس الكنيسة الأم الحقيقية للحياة".
في كتابه "عن الاعتدال" يدعو الكنيسة "أماً"، أما في كتابه "علاج الهراطقة"، فهي مستودع الإيمان وحارسة الاستعلان، وهى وحدها وريثة الحق وتسجيلاته، وهى وحدها تملك الأسفار الإلهية التي لا يستطيع الهراطقة أن يقرأوها قانونياً ولها وحدها عقيدة الرسل والتتابع الرسولي القانوني منهم، وبالتالي هي وجدها تعلم جوهر رسالتهم، وهذا المفهوم يشبه إلى حد بعيد مفهوم وفكر القديس إيريناؤس أسقف ليون الملقب بأبو التقليد الكنسي.
وفى دفاعه، يصف ترتليان الكنيسة في أيامه فيقول: "أننا ننمى ونغذى إيماننا بالأقوال المقدسة لنثبت رجاءنا ونرسخ ثقتنا، وفي نفس الوقت ننمو النسك والتلمذة، أما رؤساؤنا فهم أولئك الشيوخ الموقرين الذين نالوا كرامتهم لا بشرائها بثمن، بل بخصالهم النبيلة لأنه ليس ثمن يستطيع أن يشترى الأمور المختصة بالله".
أما العطاء فنحن نقدمه طواعية لنصنع رصيداً من الرحمة، لأننا لا ننفق من أموالنا في إقامة الولائم أو حفلات الشرب أو الصخب الغير لائق، لكننا ننفقها من أجل إطعام الفقراء المعوزين الذين ليس لهم من يعولهم والذين تحطمت بهم سفينة حياتهم والكادحين في مناجم أو المنفيين إلى الجزر البعيدة أو الذين في السجون أو المضطهدين من أجل اعترافهم بالإيمان، الذين يتألمون لأنهم من اتباع المسيح، لكن الجميع يشهدون لنا ويشيرون إلينا قائلين "انظروا كم يحبون بعضهم بعض، انظروا كم هم مستعدون أن يمتوا من أجل بعض" لأنهم هم أنفسهم يكرهون بعضهم بعضاً، وهم يستعجبون أننا ننادى بعضنا باليونانية بكلمة "أغابي Agape" أي "محبة".

Mary Naeem 21 - 05 - 2014 03:18 PM

رد: كتاب العلامة ترتليان، من آباء أفريقيا
 
الثالوث

3) الثالوث
فى عقيدة الثالوث والخريستولجيا، قدم العلامة ترتليان أعظم إسهاماته لعلم اللاهوت، إذا جاءت بعض صياغاته وتعريفاته دقيقة للغاية لدرجة أنها أدخلت ضمن المصطلحات الكنسية وبأ استخدامها منذ ذاك الحين وكان ترتليان أول من استخدم كلمة "ثالوت Trinitas" في الحديث عن الأقانيم الإلهية الثلاثة، وفي شرحه لعقيدة الثالوث، يتحدث عن ثالوث متحد إلهي: الآب والابن والروح القدس، وفي كتابه ضد براكسيس يقدم لنا أوضح تعبير عن عقيدية في الثالوث القدوس، فيشرح التوافق بين الثليث والتوحيد في اللاهوت مؤكداً على وحدانية الجوهر للأقانيم الثلاثة، فالابن "من جوهر الآب"، والروح القدس هو "من الآب"، وهكذا يقول ترتليان "إنني أؤكد دوماً أن هناك جوهر واحد للثلاثة المتحدين معاً".
وكان ترتليان أيضاً أول من استخدم كلمة "أقنوم Persona" ويقول عن اللوغس أنه "آخر" غير "الآب" بمعنى الأقنوم وليس من حيث الجوهر، لأجل التمايز وليس لأجل الانفصال"،كما يستخدم كلمة " أقنوم" في حديثه عن الروح القدس الذي يسميه "الأقنوم الثالث".
ويرى في قول الله "لنخلق الإنسان على صورتنا كشبهنا" دليلً على تثليث الأقانيم في الله، ويشرح وكذلك قول الله "ها هو الإنسان قد صار كواحد منا" ويشرح أن الله قال ذلك لأن ابنه وكلمته كان معه وكذلك الأقنوم الثالث أي الروح القدس.
إلا أن ترتليان كان متأثراً بعض الشيء ببدعة التدرجية في الثالوث، ويظن أن الابن ليس أزلياً، كما يعتقد أن الآب هو الجوهر كله أما الابن فهو مجرد فيض منه وجزء من الكل، ودليه على ذلك قول الابن " لأن أبى أعظم منى" (يو 14: 28).

Mary Naeem 21 - 05 - 2014 03:24 PM

رد: كتاب العلامة ترتليان، من آباء أفريقيا
 
الخريستولوجى

على الرغم مما يشوب فكر ترتليان عن الثالوث من أخطاء، إلا أنه يمثل تطوراً في صياغة وشرح عقيدة الثالوث، فبعض مصطلحاته مثلية تماماً لمصطلحات مجمع نيقية الذي انعقد بعد ذلك بنحو قرن من الزمان، كما هناك مصطلحات أخرى من لغته حفظها لنا التقليد واستخدمتها مجامع أخرى، وينطق هذا القول بصفة خاصة على فكرة الخريستولوجى والذي نجد فيه كل ما هو مستقيم في فكره اللاهوتي دون أي انحراف، فهو يؤكد انه في تجسد ربنا يسوع المسيح لم يتحول اللاهوتي إلى ناسوت، ولم يحدث امتزاج ولا اختلاط نتج عنه الجوهر جديد من الاثنين، ويشرح العلامة ترتليان أنه إذ كان ربنا يسوع المسيح إلهنا متجسداً، لذلك كانت فيه الخصائص وصفات الكاملة لكل طبيعة، فكان يصنع المعجزات والعجائب وفي الوقت عينه كان يشعر بجميع الشاعر الإنسانية، فجاع في التجربة على الجبل وعطش مع المرأة السامرية وبكى على لعازر وأخيراً مات حقاً، ولكن هذا لا يعنى أن مخلصنا المسيح هو عنصر ثالث ناتج من امتزاج اللاهوت والناسوت معاً.

Mary Naeem 21 - 05 - 2014 03:25 PM

رد: كتاب العلامة ترتليان، من آباء أفريقيا
 
المعمودية

عرض لكتاب " المعمودية "
"نحن السمك الصغير نتبع مثال سمكتنا (أخثوس IXΘҮΣ) يسوع المسيح، ونولد في الماء ولا نخلص إلا فيه".
تحدث ترتليان في كتابه عن المعمودية عن سبب استخدام المياه كمادة لتتميم السر، وهو يرى أن الإنسان يجب أن يوقر المياه أولاً بسبب عمرها وقدمها، وثانياً بسبب كرامتها لأنها كانت كرسي لروح الله دوناً عن كل العناصر الموجودة آنذال، وكانت المياه تمثل نوعاً من القوى المنظمة للخليقة التي تمم بها الله ترتيب العالم، لأن جلد السماء صار بانفصال المياه: "قال الله ليكن جلد في وسط المياه، وليكن فاصلاً بين مياه ومياه" (تك 1: 6) واليابسة أيضاً ظهرت باجتماع المياه في مكان واحد: "وقال اله لتجتمع المياه من تحت السماء إلى مكان واحد" (تك 1:9).
وبعد أن رتب الله العالم وعناصره، كانت المياه أول من أخذ وصية بإخراج خليقة حية: "وقال الله لتفض المياه زحافات ذات نفس حية"، فكانت المياه أول من أثمر خليقة حية لكي لا يكون أمراً عجيباً في المعمودية أن المياه تعرف كيف تهب الحياة.
وكما في البدء كان روح الله يرف على المياه، كذلك سيستمر يرف على مياه المعمودية ويقدسها، ومنه تأخذ المياه قوة التقديس، فبعد الصلاة على المياه المعمودية تأخذ قدرة التقديس السرائرية لأن الروح القدس ينزل ويستقر على هذه المياه مقدساً إياها، وعندما تتقدس، تنال هي نفسها القدرة على تقديس الآخرين.

كان من المعتاد قبلاً أن ينزل ويحرك مياه بركة حسدًا، وكان المرضى ينالون من هذا الماء الشفاء، ولكن هذا الشفاء الجسدي كان رمزاً للشفاء الروحي، بحسب القاعدة التي تقول أن الأشياء الجسدية لابد أن تسبق دوماً الأمور الروحية، لتكون رمزاً لها، وهكذا عندما ازدادت نعوة الله بين الناس، أصبح الذين كانوا ينالون قبلاً شفاء من أمراض جسدية، ينالون الآن شفاء لأرواحهم، وبعد أن كانت المياه تهب شفاء زمنياً، صارت تهب شفاء أبدياً، وعندما تغسل خطية الإنسان وجريمته في المعمودية، تلغى العقوبة أيضاً، فيستعيد الإنسان صورة وشبه الله بسكنى روح الله القدوس فيه.
ويشهد ترتليان على استخدام الصيغة الثالوثية في المعمودية فيقول أن المعتمد يغسل ويختم إيمانه باسم الآب والابن والروح القدس، لأنه على فم ثلاثة شهود تقوم الكلمة (تث 19: 15 + مت 18: 16 + 2 كو 13:1) وبعد ذكر الآب والابن والروح القدس لابد من ذكر الكنيسة لأنه "حيثما يوجد الثالوث توجد الكنيسة".
كما تطرق ترتليان إلى الحديث عن سر المسحة المقدسة، فيقول "عندما نخرج من الجرن نمسح كلياً بالمسحة المقدسة" وهذا طقس قديم عندما كان الكاهن يمسح بزيت منذ أن مسح موسى هارون ودعى "مسيح" من كلمة "مسحة"، وهكذا نحن نمسح جسدياً لكن الفاعلية روحية، بنفس الطريقة كما أن فعل التعميد نفسه جسدي لكن الفاعلية روحية بغسلنا من خطايانا.
ورأى ترتليان في رف روح الله على المياه رمزاً للمعمودية، كما رأى في الحمامة التي أرسلها نوح من الفلك بعد الطوفان رمزاً للروح القدس الذي يحل على الإنسان بعد خروجه من الماء: "كما أنه بعد الطوفان الذي به تنقى العالم القديم، أي بعد معمودية هذا العالم، أعلنت الحمامة -التي أرسلت من الفلك وعادت معها غصن زيتون- أن السلام قد صار على الأرض، كذلك على المستوية الروحي، تنزل حمامة الروح القدس على الأرض أي جسدنا عندما يخرج من جرن المعمودية متطهراً من خطاياه العتيقة، لكي تأتى بسلام الله من أعلى السموات إلى حيث الكنيسة التي كان الفلك رمزاً لها".
كذلك اعتبر ترتليان أن عبور بنى إسرائيل للبحر الأحمر كان رمزاً للمعمودية، فكما كان اليهود تحت عبودية فرعون الوثني وتحرروا منه وخلصوا بهلاكه في مياه البحر الأحمر،كذلك الموعوظ يظل تحت عبودية الشيطان حتى يتحرر بهلاكه في مياه المعمودية: "عندما خلص الشعب من قوة ملك مصر بعبورهم المياه وتركهم مصر بإرادتهم، أهلكت المياه الملك وكل جيشه، فأي رمز للمعمودية يمكن أن يكون أوضح من ذلك؟ فالشعب خلص من العالم بالماء، والشيطان الذي كان يستبعدهم حتى ذاك الحين تركوه خلفهم هالكاً في الماء".
وأيضاً تحولت المياه من المرارة إلى الحلاوة بعصا موسى، وبحسب ترتليان هذه العصا كانت المسيح شجرة الحياة الذي استعاد ما قد تمرر وتسمم إلى مياه المعمودية، كذلك رأى أن المياه التي نبعت لشعب إسرائيل من الصخرة كانت رمزاً للمعمودية لأن الصخرة كانت المسيح.
كما شرح ترتليان كيف أكد مخلصنا على أهمية الماء، فقد اعتمد في الماء، وأول معجزاته في قانا الجليل كانت بالماء، وهو يدعو العطاش إلى الماء الحي، وفي حديثه عن المحبة يتحدث عن كأس الماء، وسار على المياه وعبر البحر، بل وفي آلامه يجد ترتليان شهادة للمعمودية، ففي تسليمه نجد الماء، تشهد على ذلك يدي بيلاطس، وفي جراحاته نجد الماء الذي خرج من جنبه، تشهد على ذلك حربة الجندي.
ورداً على من يقولون أن المعمودية غير ضرورية للخلاص، بحجة أن إبراهيم آمن فقط بالله فحسب له براً، يجيب ترتليان قائلًا انه قبل تتميم الفداء كان الخلاص بالإيمان فقط، لكن بعد الفداء، لا بد للإيمان بميلاد الرب وآلامه وقيامته أن ينال الختم السرائري، وقد وضع الرب قانون المعمودية وضروريتها إذ يقول "اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس" (مت 28: 19) وأيضاً " إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله" (يو 3: 5) وهذا القول يربط بين الإيمان والمعمودية ويجعلها حتمية للخلاص، ولذلك بولس أيضاً بعد أن آمن اعتمد، وهذا هو معنى الوصية التي قالها له الرب عندما فقد بصره " قم وادخل المدينة فيقال لك ماذا ينبغي أن تفعل" (أع 9: 6).
وبجانب جرن المعمودية المقدسة، يعلم ترتليان بأن هناك جرن ثان من الدم قال عنه الرب "لي صبغة اصطبغها" بينما كان قد اعتمد فعلا، لأنه قد أتى" بماء ودم" (1 يو 5: 6) كما كتب يوحنا الحبيب، كي يعتمد بالماء ويتمجد بالدم، وقد خرجت هاتان المعموديان من جنبه الجريح، كي هؤلاء الذين يؤمنون بدمه يغتسلون بالماء، هؤلاء الذين اغتسلوا فعلا بالماء يشربون دمه، فمعمودية الاستشهاد تحل محل حميم ماء المعمودية عندما لا يكون الإنسان قد نالها بعد.
وينصح ترتليان أنه يجب أل تتم المعمودية بتعجل بل بتأني، لأنه قيل "لا تعطوا القدس للكلاب ولا تطرحوا درركم أمام الخنازير" (مت 7: 6) وأيضاً "لا تضع يداً على أحد بالعجلة ولا تشترك في خطايا الآخرين" (1 تيمو 5: 22).
ولابد لمن يستعدون لنوال نعمة المعمودية المقدسة أن تكون لهم قوانين صلوات وأصوام وأسهار، ولابد أن يعترفوا بكل خطاياهم السابقة استعداداً لنوال هذا السر.
وينصح الموعوظين انه كما خرج ربنا بعد معموديته ليجرب، كذلك هم أيضاً بعد أن يخرجوا من جرن المعمودية يجب أن يرفعوا أياديهم للصلاة في بيت أمهم الكنيسة ويطلبوا مع أخواتهم من الله الآب أن يمنحهم عطاياه.

Mary Naeem 21 - 05 - 2014 03:26 PM

رد: كتاب العلامة ترتليان، من آباء أفريقيا
 
الإفخارستيا

6) الإفخارستيا
في حديثه عن الأسرار الثلاثة: المعمودية - الميرون - الإفخارستيا، وتأثيرها على النفس، يشرح ترتليان أن الجسد يغسل لكي تتطهر النفس، والجسد يمسح كي تتقدس النفس، والجسد يختم كي تتقوى النفس، والجسد يتغذى على جسد ودم المسيح كي تنمو النفس في الله، والإنسان التائب يأكل طعامه في بيت أبيه.
كما وتحدث عن السمة الذبيحية للإفخارستيا، ويرى في هذا السر وتقديسه انطباقاً وتنفيذاً لكلام الرب في سر التأسيس عندما أخذ خبزاً وحوله إلى جسده وأعطاه لتلاميذه قائلاً "هذا هو جسدي".
وكان ترتليان مقتنعاً تماماً بالحضور الحقيقي للجسد والدم، ولذا كان يهاجم الهراطقة اتباع مرقيون لأنهم ينكرون حقيقة جسد المسيح المصلوب، ومع ذلك يستمرون في إقامة الخدمات الإفخارستية، فلو لم يكن هناك جسد حقيقي على الصليب لما أمكن أن يكون هناك جسد حقيقي في الإفخارستيا.

Mary Naeem 21 - 05 - 2014 03:27 PM

رد: كتاب العلامة ترتليان، من آباء أفريقيا
 
الماريولوجي

في اهتمامه بالدفاع عن الناسوت الحقيقي للمسيح، أكد ترتليان على أن جسد رب المجد لم يكن جسداً سمائياً لكنه ولد حقاً من جسد السيدة العذراء، لدرجة أنه يرفض عقيدة دوام بتولية السيدة العذراء في الميلاد وبعد الميلاد، وهنا كان انحرافه الفكري والإيماني إذ يقول "رغم أنها كانت عذراء عندما حبلت به، لكنها كانت زوجة عندما ولدته".
ويظن أن "أخوة الرب" هم أبناء العذراء مريم بحسب الجسد، وقد رفض جيروم فكر ترتليان هذا واستنكره قائلاً "أما عن ترتليان فليس لدى شيء أخر أقوله سوى انه لم يكن إنساناً من الكنيسة".
كان ترتليان يرفض بدعة الدوسيتيين Docetes أو الظهوريين، وكان يظن أن القول بدوام بتولية العذراء ما هو إلا تأكيد على القول بأن جسد المسيح لم يكن جسداً بشرياً حقيقياً، وانه حبل به وولد فقط بحسب الظاهر.
ومريم العذراء بالنسبة لترتليان هي حواء الثانية، فبينما كانت حواء الأولى لا تزال عذراء، تسللت كلمة الشرير إلى أذنيها ونتج عنها الموت، كذلك كان لابد أن كلمة الله يحل في نفس عذراء ليقيم الحياة، لكي ما أفسده هذا الجنس (المرأة) يخلص عن طريق هذا الجنس عينه أيضاً، وكما صدقت حواء الحية، كذلك أمنت مريم بما قاله لها الملاك.

Mary Naeem 21 - 05 - 2014 03:28 PM

رد: كتاب العلامة ترتليان، من آباء أفريقيا
 
التوبة

8) التوبة
للعلامة ترتليان أهمية خاصة في شرح قوانين التوبة المسيحية الأولى، واستمر تأثيره لعدة قرون من الزمن، وكان أول كاتب يقدم لنا صورة واضحة عن إجراءات وشكل التوبة، وهو يؤكد أن هناك غفراناً ثانياً للخطية بعد المعمودية والذي به يعود الخاطئ إلى حالة النعمة مرة أخرى.
وفي توبة الخاطئ تسنده الكنيسة بصلواتها، وكان ترتليان دائم التأكيد على أهمية هذا الملمح الجوهري في عملية التوبة، ويرى أن الخطوة الأخيرة في التوبة هي الحل الكنسي من الأب الأسقف الذي يملك أيضاً سلطان الحرمان، وبصفة عامة، أي إنسان خاطئ -حتى أردأ الخطاة- يمكن أن ينال المغفرة، ويفرق ترتليان بين الخطايا الجسدية والخطايا الروحية، أي بين الخطايا التي تقترف فعلاً وبين الخطايا التي يشتهيها الإنسان فقط، ويعلم ترتليان أن كلا النوعين يقع تحت دينونة الله، فقد قال رب المجد أنه ليس فقط الذي يزنى فعلاً هو فقط زاني بل والذي يشتهى أيضاً، لكن كل هذه التعديات يمكن أن تغفر.
والله نفسه الذي وضع العقوبة والدينونة، هو نفسه يهب الغفران عن طريق التوبة "توبوا وارجعوا عن كل معاصيكم ولا يكون لكم الإثم مهلكة" (حز 18: 30)،فالتوبة هي "الحياة".
ولا يستقصى العلامة ترتليان أي خاطئ من نوال نعمة التوبة الثانية "السموات والملائكة تكون هناك، تفرح بتوبة الإنسان، آه أيها الخاطئ فلتفرح وتتهلل".
وأيضاً يقدم أمثلة الدرهم المفقود والخروف الضال والابن الضال كتشبيهات توضح مدى فرح الله بالإنسان التائب، ويستشهد برؤيا يوحنا اللاهوتي والرسائل إلى الكنائس الخمس ويذكر خطايا كل منهم مؤكداً أن الروح القدس بالرغم من ذلك يهب هذه الكنائس فرصة للتوبة.
ويؤكد ترتليان أن الاعتراف بالخطية يهونها، بقدر ما إن إخفائها يكبرها، لأن الاعتراف قرين الرضى، والخفاء هو قرين التمرد.
ولكن لا يكفى فقط الإتيان بالتوبة داخل الضمير، بل يلزم أيضاً التعبير عنها بالعمل، هذا العمل يعبر عنه عادة بالاصطلاح اليوناني Eξομολγησισ أي "الاعتراف"، وبه نعترف بخطايانا للرب، ليس لأنه لا يعرفها بل لأجل أن ننال الرضى بالاعتراف، وبالاعتراف تنشأ التوبة، وبالتوبة نسكن غضب الله.
فالاعتراف هو النظام الذي يلزم إنسان أن يسجد ويتضع إذ يفرض عليه حتى أسلوب لبسه وطعامه سلوكاً معيناً يجتذب إليه الرحمة.. لهذا حينما يضع الإنسان نفسه يرفعها الله، وحينما يتهمها، يبررها الله، وحينما يدينها، يحلها الله، و"بقدر ما ترفض أن تشفق على نفسك بقدر ما يشفق الله عليك".

Mary Naeem 21 - 05 - 2014 03:30 PM

رد: كتاب العلامة ترتليان، من آباء أفريقيا
 
الصلاة الربانية



عرض لكتاب "الصلاة"

يؤكد ترتليان على تعليم الإنجيل بخصوص مبدأ الصلاة في الخفاء وأيضاً الثقة في أن الله ضابط الكل حاضر في كل مكان يرى ويسمع من صرخ إليه، ويعلم أننا يجب ألا نظن أننا نقترب من الله بكثرة الكلمات، ويشرح الصلاة الربانية التي يرى فيها خلاصة الإنجيل كله.

أبانا الذي في السموات
ليتقدس اسمك
لتكن مشيئتك، كما في السماء كذلك على الأرض
ليأت ملكوتك
خبزنا كفافنا أعطنا اليوم
اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر، نحن أيضاً للمذنبين إلينا
لا تدخلنا في تجربة لكن نجنا من الشرير
خاتمة
أبانا الذي في السموات

تبدأ الصلاة بشهادة لله وأيضاً بجعالة للإيمان عندما نقول "أبانا الذي في السموات" لأن في قولنا هذا اعتراف بإيماننا بالله، وفيه أيضاً جعالة هذا الإيمان الذي هو استحقاقنا لنقول هذه المناداة، ومكتوب "أما كل الذي قلبوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه" (يو 1: 12) وقد علم رب المجد يسوع كثيراً عن أبوة الله لنا بل وأعطانا وصية "لا تدعوا لكم أباً على الأرض لأن أباكم واحد الذي في السموات" (مت 23: 9) فبهذه الصلاة نطيع الوصية.
وقولنا "أبانا" يتضمن في وقت واحد واجب بنوى من أبناء نحو أبيهم وأيضاً شعور بمخافة ومهابة لله، وأيضاً في مناداتنا للآب ندعو الابن لأنه قال "أنا في الآب والآب فيَّ".

ويشير العلامة ترتليان إلى الكنيسة هنا، ففي دعائنا للآب والابن ندعو أيضاً أمنا الكنيسة.
ليتقدس اسمك

اسم الله لم يعلن لأحد ولا حتى لموسى الذي سأله عنه (خر 3: 13-16) أما نحن فقد أعلنه لنا الله الابن إذ يقول "قد أتيت باسم أبى" (يو 5: 43) وبوضوح أكثر يقول "أنا أظهرت اسمك للناس" (يو 17: 6) لذلك نحن نصلى أن يتقدس هذا الاسم، وليس معنى هذا أننا نتمنى أن يصير اسم الله مقدساً، لانه هو مقدس بذاته، هو الذي يقوم حوله الشاروبيم قائلين "قدوس قدوس قدوس" بغير انقطاع، ومن المعروف أنه يليق بالله الصالحة للإنسان، وهذه الطلبة "ليتقدس اسمك" تعطى للإنسان بركة وتعده لشركة الملائكة وهو هنا على الأرض فيحفظ عن ظهر قلب تسبيحهم غير المنقطع "قدوس قدوس قدوس".
وتعنى أيضاً هذه الطلبة عند ترتليان أن يتقدس هذا الاسم فينا لأننا نحن فيه، ويتقدس في كل إنسان لا يزال نعمة الله تنتظره، كي نطيع الوصية "صلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم" (مت 5: 44) فنصلى حتى لأجل أعدائنا.
لتكن مشيئتك

كما في السماء كذلك على الأرض

بحسب ترتليان لا يعنى هذا أن هناك قوة تمنع تنفيذ مشيئة الله، لكن نحن نصلى لكي تكون مشيئة الله منفذة ومطاعة في الكل، ويفسر ترتليان هذه الآية تفسيراً رمزياً فالسماء هي الروح والأرض هي الجسد،وبذا يكون معنى الطلبة هو أن تكمل مشية الله في الروح كما في الجسد أيضاً.
ومشيئة الله هي أن نسير بحسب وصاياه لذلك نحن نصلى ونتضرع إليه لكي يهبنا معونة وقدرة على تتميم مشيئته.
وهناك أيضاً مشيئة الله التي تممها مخلصنا الصالح بكرازته وعمله وباحتماله، لأنه هو نفسه أعلن أنه لا يصنع مشيئته بل مشيئة الآب،لذلك من المؤكد أن كل ما صنعه كان مشيئة الله الآب، وهكذا نحن المسيحيين مدعوون الآن لنكرز ونعمل ونحتمل حتى الموت، ولكننا نحتاج لمشيئة الله لتتميم هذه الواجبات.
وفى قولنا "لتكن مشيئة الله" نتمنى الخير لأنفسنا لأنه ليس هناك أي شر في مشيئة الله، وبهذه الصلاة ندرب أنفسنا على الصبر والاحتمال، فالمخلص نفسه عندما أراد أن يعلمنا عن ضعفات الجسد وحقيقة الألم قال "يا أبتاه إن شئت أن تجيز عنى هذه الكأس ولكن لتكن لا إرادتي أنا بل إرادتك" (لو 22:42) فسلم نفسه لمشيئة الآب ليعلمنا الصبر اللائق.
ليأت ملكوتك

يربط ترتليان بين "لتكن مشيئتك" وبين "ليأت ملكوتك" فالطلبة الأخيرة أيضاً تعنى "ليأت في داخلنا" إذ نطلب أن يأتي ملكوت الله في داخلنا.
ويحث ترتليان قراءه على التضرع لأجل مجيء الملكوت سريعاً، ويذكر نفوس الشهداء الأبرار التي تصرخ من تحت المذبح إلى الرب تطلب الانتقام من الساكنين على الأرض (رؤ 6: 10) ويرى أنها لا تطلب الانتقام إلا لأنه مرتبط بالطبع بنهاية الدهر ومجيء الملكوت.
ففي الصلاة الربانية نطلب مجيء الملكوت الذي لأجله نتألم ونصلى ونصبر.
خبزنا كفافنا أعطنا اليوم

رتبت الحكمة الإلهية الصلاة ترتيباً رائعاً، فبعد الأمور السمائية "اسم" الله، ومشيئة "الله" و"ملكوت" الله، تفسح مكاناً للاحتياجات الأرضية لأن الرب قال "اطلبوا أولاً ملكوت الله وبره وهذه كلها تزاد لكم" (مت 6: 33).
ثم يفسر ترتليان هذه الطلبة تفسيراً روحياً، فيقول أن المسيح هو خبزنا، لأنه هو الحياة، والخبز هو الحياة، وهو نفسه قد قال " أنا هو خبز الحياة" (يو 6: 35) و"لأن خبز الله هو النازل من السماء الواهب حياة للعلم" (يو 6: 33)، وهو يقدم لنا جسده أيضاً في صورة خبز "هذا هو جسدي" (مت 26: 26) وهكذا عندما نطلب "خبزنا كفافنا" إنما نطلب أن نسكن ونثبت دوماً في المسيح ونتحدى مع جسده.
اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر

نحن أيضاً للمذنبين إلينا

من المناسب بعد التأمل في قدرة الله الكلية أن نتوسل بعد ذلك إلى مراحمه ورأفاته فنقول "اغفر لنا ذنوبنا" ويرى ترتليان أنها طلبة للمغفرة مليئة بالاعتراف، لأن من يطلب الغفران إنما يعترف بالذنب اعترافاً تاماً.
وهذه هى التوبة التي ترضى الله ويفضلها عن الموت الخاطئ، ويذكر ترتليان هنا مثل العبد الذي تحنن عليه سيده وأطلقه وترك له دينه، أما هو فلم يرحم رفيقه، لذلك سلمه سيده إلى المعذبين حتى يوفى كل ما كان عليه (مت 18: 21)،كما يذكر إجابة الرب على بطرس عندما سأله هل يغفر لأخيه سبع مرات: "لا أقول إلى سبع مرات بل إلى سبعين مرة سبع مرات" (مت 18: 21 - 22).
لا تدخلنا في تجربة لكن نجنا من الشرير

من أجل تكملة هذه الصلاة القصيرة، أضاف رب المجد "لا تدخلنا في تجربة" لكي لا يكون قد طلب فقط لأجل مغفرة الخطايا التي اقترفت فعلاً، بل وأيضاً لأجل الهروب والنجاة من احتمالات الخطية.
واهتم ترتليان في شرحه لهذه الآية أن يوضح أننا نطلب ألا ندخل في تجربة على يد الشرير المجرب، لكن هذا لا يعنى أن الرب يجرب كما لو كان يجهل إيمان الناس أو يريد سقوطهم، وعندما أمر الله إبراهيم أن يقدم ابنه إسحق ذبيحة، لم يكن ذلك لكي يجربه، بل يثبت إيمانه، ولكي يقدم لنا فيه مثالاً لتلك الوصية التي تعلمنا ألا نخضع لأي عواطف أو مشاعر أقوى من محبتنا لله، ونتفق صلاتنا هذه مع قول الرب "اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة" (لو 12:40).
خاتمة

فى ملخص قليل الكلمات هكذا، اجتمعت أقوال الأنبياء
وأناجيل الرسل وعظات وأمثال الرب، وتحقق العديد من الوصايا:
تكريم وتوقير الله في "أبانا"
شهادة الإيمان في "أسمك"
تقديم الطاعة في "مشيئتك"
تذكر الرجاء في "ملكوتك"
طلب الحياة في "خبزنا"
الاعتراف الكامل بالذنوب في "اغفر"
الخوف من الدخول في تجارب "لا تدخلنا"
ويقول ترتليان: "أي عجب في هذا؟ فالله وحده يمكنه أن يعرف كيف يريد أن يصلى إليه الإنسان".

Mary Naeem 21 - 05 - 2014 03:33 PM

رد: كتاب العلامة ترتليان، من آباء أفريقيا
 
ذبيحة الصلاة


الصلاة هي الذبيحة الروحية التي أبطلت كل الذبائح القديمة (لماذا لي كثرة ذبائحكم يقول الرب، اتخمت من محرقات كباش وشحم مسمنات، وبدم عجول وخرفان وتيوس ما اسر، حينما تأتون إلى لتظهروا أمامي، من طلب هذا من أيديكم؟) (أش 11:1) إذا ما يطلبه الله يوصينا به الإنجيل (تأتى ساعة وهى الآن حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق لأن الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين له، الله روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا) (يو 23:4-24).
فنحن العابدين الحقيقيين الذين نصلى بالروح نقدم الصلاة التي يسميها ترتليان (ذبيحة روحية لائقة بالله)، مكرسة من كل القلب، مليئة بالإيمان، كاملة في النقاوة، طاهرة عفيفة، متوجة بإكليل المحبة، لكن يجب أن تتلازم الأعمال الصالحة مع ترتيل المزامير والتسابيح لننال كل الأشياء من الله.
ويعقد ترتليان مقارنة بين الصلاة في العهد القديم والصلاة في العهد الجديد، ففي العهد القديم كانت الصلاة تحرر من النار (دا 3) ومن الوحش (دا 6) ومن المجاعة (1مل 18) ومع ذلك لم تكن قد أخذت شكلها وصبغتها النهائية من المسيح (كما هو الحال مع الصلاة الربانية) فكم بالأحرى جداً الصلاة المسيحية, فهي لا تأتى بالملاك وسط النيران ولا تسد أفواه الأسود ولا تعطى للجوعى خبز شعير (2مل 4:4-44) لكنها تهب صبراً وقدرة على احتمال الألم والأحزان.
في الأيام السابقة كانت الصلاة أيضاً تجلب الأوبئة وتشتت جيوش الأعداء، أما الآن فصلاة البر ترفع غضب الله، وتطلب لأجل الأعداء ولأجل المضطهدين،ويقول ترتليان (هل من العجب أن الصلاة تنزل أمطار السماء وقد أنزلت يوماً نيرانها؟).
إن الصلاة هي الوحيدة التي تصارع الله (مثل صراع يعقوب مع الله)، لكن مخلصنا أراد ألا تكون الصلاة لأجل الشر، بل وهبها كل قدرتها لأجل فعل الصلاح.
ويلخص ترتليان عمل الصلاة فيقول أن الصلاة تسترد النفوس التي ذهبت في طريق الموت، تقوى الضعيف، تشفى المريض، تطهر من تتسلط عليهم الأرواح النجسة، تفتح قضبان السجن، تفك قيود البريء، وأيضاً تغسل الخطايا، ترد التجارب، تطفئ الاضطهاد، تبطل الظلم، تعزى صغار النفوس، تحمى المسافرين، تهدئ الأمواج، تغذى الفقير، تقيم الساقط وتسند من سيسقط وتثبت القائم، فهي درع الإيمان ضد العدو الذي يراقبنا من كل ناحية، لذلك لابد أن نتسلح بسلاح الصلاة بالنهار والليل حافظين على الدوام قوام جنديتنا بأسلحة الصلاة.
ويختم ترتليان كتابه عن الصلاة بقوله:
(كل مخلوق يصلى: الملائكة يصلون، وحتى بهائم الحقل ووحوش الغابة تصلى وتحنى الركب حينما تخرج من أوجارها ومغائرها، ثم تنظر إلى السماء وهى مبتهجة، ليس بأفواه صامته بل كل واحد منها يخرج صوته برعشة ريح زفيره حسب ما وهب من صوت، وحتى طيور السماء حينما تغادر أوكارها ترتفع نحو السماء باسطة أجنحتها كشبه صليب في السماء وهى تخرج من حناجرها ما يمكن أن يكون صلاة.. وماذا يمكن أن يكون أكثر من هذا ليشعرنا بأهمية الصلاة؟ الرب نفسه صلى! هذا الذي له القوة والكرامة والمجد إلى أبد الدهور كلها آمين).

Mary Naeem 21 - 05 - 2014 03:33 PM

رد: كتاب العلامة ترتليان، من آباء أفريقيا
 
إلى الشهداء

يخاطب ترتليان المعترفين المسجونين استعداداً لنوال إكليل الاستشهاد، ويقول لهم أنه بجانب المعونة التي تقدمها لهم أمهم الكنيسة وأخوتهم وخدمتهم لاحتياجاتهم الجسدية، يريد هو أيضاً أن يقدم بعض المساهمة لأجل مساندتهم روحياً، لأنه ليس حسناً أن الجسد يطعم بينما الروح تتضور جوعاً، وباتضاع يقول لهم العلامة ترتليان أن هذا لا يعنى انه سيعلمهم، بل كمثل المراقبين والمدربين الذين يحمسون المصارعين، وأحياناً تأتى من المشاهدين العاديين أفضل النصائح.
ويوصيهم أولاً وقبل كل شيء ألا يحزنوا الروح القدس الذي دخل السجن معهم، لأنه لو لم يكن قد دخل معهم السجن، لما كانوا هم مسجونين فيه الآن، لذلك يحثهم على بذل كل جهد كي لا يحزنوا الروح، وأن يتركوه يقودهم إلى حيث ربنا.
ويعتبر العلامة الأفريقي أن السجن هو مسكن الشيطان حيث تقيم أسرته، لكن الشهداء دخلوه لكي يزعزعوا هذا الشرير ويهزموه في مسكنه، أي في عقر داره، وكما هزموه خارج السجن كذلك يجب ألا يعطوه أي فرصة ليقول إنهم الآن في قبضتي وسوف أجربهم برذيلة الكراهية والبغضة، وبالاختلاف وعدم الإنفاق بينهم) لذلك يجب أن يقاومه الشهداء فيهرب من أمامهم ويغرق في هاويته، ويؤكد عليهم ترتليان ألا يجعلوه ينجح في سعيه لصنع الخلاف فيما بينهم وإبعاد روح الوحدة من وسطهم، بل يتسلحوا ضد بالاتفاق والوحدة، (لأن السلام فيما بينكم هو حرب ضد الشيطان).
يعلمهم ترتليان أيضاً ألا ينزعجوا لكونهم انفصلوا عن العالم، ويعقد مقارنه بين العالم والسجن فيقول أنهم خرجوا من السجن بدلاً من أن يدخلوه، فالعالم فيه ظلمه أعظم من ظلمة السجن تعمى قلوب الناس، العالم يقيد الإنسان بأثقل القيود، العالم ملئ بأردأ الأدناس أي الشهوات والأهواء، العالم يضم عدداً أكبر من المجرمين، وأخيراً العالم ينتظر قضاء الله وليس قضاء الحاكم.

لذلك يجب أن يعتبر هؤلاء الشهداء أنهم قد انتقلوا من السجن إلى مكان آمن أي من العالم إلى الفردوس، وإن كان سجنهم مظلم، لكنهم هم أنفسهم نور، إن كان به قيود، لكن الله حررهم، إن كان به روائح كريهة، لكنهم هو أنفسهم رائحة حلوة، إن كانوا في السجن ينتظرون يومياً مجي القاضي، لكنهم سيدينون القضاة أنفسهم.
ويستطرد ترتليان أنه ربما يكون منهم من حزن وتحسر واشتاق لمباهج العالم ومسراته، ولكن المسيحي الحقيقي قد جحد العالم، أما في السجن فقد جحد سجناً أيضاً، ولا يهم في أي مكان في العالم يكون المسيحي لأنه ليس من هذا العالم، وإذا فقد بعض من مسرات الحياة، فلابد أن يعرف أن هذه هي التجارة الصحيحة أي أن يكون هناك خسارة خاضرة كي يكون الربح فيما بعد أعظم.
ويبين ترتليان فائدة السجن ونفعه للإنسان المسيحي، ففيه ليست هناك ضرورة لأن ينظر الإنسان لآلهة غريبة، ولا لرؤية صورهم، ولا للاشتراك في الأعياد الوثنية، ولا ينزعج من روائح الاحتفالات الوثنية، ولا تؤلمه ضوضاء العرض والمسرحيات العامة ولا جنون المحتفلين، ففي السجن يكون الإنسان حراً من أسباب الخطية، من التجارب، ومن الذكريات الدنسة، فالسجن للمسيحي مثل البرية للنبي،وربنا نفسه كان يقضى الكثير من وقته في خلوة كي تكون له حرية أكثر للصلاة، وأيضاً في خلوة وعلى جبل أظهر مجده لتلاميذه (التجلي) لذلك كان يدعوهم ترتليان ألا يسمونه (سجناً) بل (مكان للراحة والخلوة)، فرغم أن الجسد مسجون، إلا أن كل الأمور متاحة للنفس، وكلما سارت النفس في الطريق المؤدية لله، كلما كانت خارج القيود، فالقدم لا تشعر بالقيود متى كان العقل في السموات.
ويشبه ترتليان الإنسان المسيحي بالجندي، ويقول أن الجندي لا يخرج إلى القتال من حجرته المريحة، بل ينام في الخيام الضيقة حيث لابد أن يكون فيها كل نوع من القسوة والشدة والضيق، بل وحتى في أزمنة السلم، يتدرب الجنود على الحرب بالأعمال الشاقة والحياة في ظروف صعبة، والغرض من هذه الأتعاب هو أن لا تجد الأجساد أو الأذهان صعوبة عندما تضطر للانتقال من الظل إلى الشمس، أو من دفء الشمس إلى البرد (بالمثل أيها المباركون، احسبوا كل شدة وضيقة تمر بكم أنها تدريب وتلمذة لقوى ذهنكم وجسدكم، فأنتم ستجتازون جهاداً نبيلاً، فيه الله هو المراقب والناظر، وفيه الروح القدس هو مدربكم، وفيه الجعالة إكليل أبدى من جوهر ملائكي، مواطنة في السماء ومجد أبدى، لذلك رأى سيدكم يسوع المسيح الذي مسحكم بروحه وقادكم إلى ساحة القتال، انه حسناً -قبل يوم القتال- أن ينقلكم من الظروف المريحة إلى حياة صعبة كي تزداد قدرتكم).
وهكذا ينظر ترتليان إلى السجن باعتباره مكاناً للتدريب، فالمصارعون أيضاً يعزلون في تدريب خاص كي تبنى قواهم الجسدية ويبعدون عن كل ترف وترفيه، وكلما ازداد الأمل في انتصارهم، كذلك الحال مع الإنسان المسيحي لأن الفضيلة تبنى بالأتعاب.
يقول ربنا (أما الروح فنشيط وأما الجسد فضعيف) (مت41:26) لكن ألا نخطئ في فهم هذا القول بضعف الجسد ونستسلم لراحة خاطئة، لأنه قال أولاً أن الروح نشيط كي يظهر أياً من الاثنين يجب أن يخضع للآخر، فالجسد يجب أن يطيع الروح، الضعيف يطيع الأقوى وينال منه قوة.
ربما يخاف الجسد من السيف الذي لا يرحم، ومن الصليب المرفوع عالياً، ومن غضب وشراسة الوحوش المفترسة، من ألسنة النار الملتهبة، من العذابات البشعة ومن مهارة الجلادين في التعذيب، لكن من الناحية الأخرى، فلتضع الروح أمامها هي والجسد كيف أن هذه الأمور رغم أنها مؤلمة للغاية إلا أن كثيرين من أهل العالم احتملوها واشتاقوا إليها لا لشيء إلا لتحقيق شهرة أو نوال مجد، ليس فقط من الرجل بل ومن النساء أيضاً، ثم يورد ترتليان أمثلة لهؤلاء الذين ضحوا بحياتهم لأجل أموراً فانية.

Mary Naeem 21 - 05 - 2014 03:35 PM

رد: كتاب العلامة ترتليان، من آباء أفريقيا
 
الصبر

كان ترتليان يهتم بصفة خاصة بفضيلة الصبر، ولذا أفرد لها كتاباً كاملاً (عن الصبر) الذي شرح فيه أن الصبر عند الإنسان المسيحي هو تهذيب سمائي للنفس البشرية.
ويقدم ترتليان لنا رب المجد كنموذج فريد للصبر، فقد قبل أن يولد وانتظر مدة الحمل في بطن أمه واحتمل النمو التدريجي بصبر، وبعدما تقدم في القامة لم يسرع ويعلن عن نفسه، وأطال أناته على الخطاة الذين أساؤا إليه ولم يستفيدوا من لطفه وصبره، كما أن كرازته تبين كيف انه اظهر تواضعاً واحتمالاً في السعي وراء الخطاة وزيارتهم في بيوتهم وغسل أقدامهم، بل انه لم يتحامل على المدينة التي رفضت دعوته بينما أراد التلاميذ أن تنزل نار من السماء لتهلكها، ولم يستنكف أن يبقى معه يهوذا الخائن الذي أسلمه، ولكن لم يحتمل صبر الرب اندفاع بطرس حينما قطع أذن ملخس عبد رئيس الكهنة فتقدم برحمته وشفاه، ثم بصبر عظيم جداً احتمل الضرب والإهانة والبصق.
وبحسب هذا العلامة الإفريقي، كل من يريد الإقتداء بالرب والخضوع لمشيئته، عليه أن يجتهد في الصبر، ليس لأننا نخشى قسوته وعقابه وبل لأننا بالأكثر نترجى صلاحه.
أما رذيلة عدم الصبر فهي -بحسب ترتليان- من الشيطان، الذي لم يحتمل منذ البدء أن يرى الإنسان، وقد أعطاه الله السلطان على كل خلائقه ليخضعها ويتسلط عليها، فحزن وغضب وازداد بُغضاً للإنسان، ومنذ ذاك الحين وهو عدو الإنسان الأول، وأخذ يستخدم سلاح عدو الصبر ليوقع به الإنسان كي ينحرف ويخطئ، ولو كانت حواء قد تمسكت بالصبر إلى المنتهى ما كانت سقطت قط، ولو كانت صبرت بعد أن أكلت ولم تغوى آدم لما سقط هو الأخر وقايين ابنهما لو كان احتمل بتعقل وبصبر رفض الرب لتقدمته لما قتل أخاه.

ويرى ترتليان أن عدم الصبر هو السبب الأول وراء سائر الخطايا، فالشر هو عدم الصبر للخير، وكل عدم حياء هو عدم صبر للحياء، وكل عدم أمانة هو عدم صبر للأمانة، وكل فجور هو عدم صبر للتقوى، وكل قلق هو عدم صبر للهدوء، وأي إنسان يرتكب جريمة بدافع العداوة أو بغرض مكسب ما، لابد أنه كان يفتقر إلى الصبر لمقاومة الغضب أو الشهوة، ومهما تكن الدوافع الشريرة فإنها لا يمكن أن تنتج أثاراً رديئة إن كنا نقاومها بصبر.
ويرجع ترتليان خطايا بنى إسرائيل إلى افتقارهم للصبر، فقد نسوا ذراع الله القوية وطلبوا من هارون آلهة ليعبدوها لأنهم لم يصبروا على غياب موسى في لقائه مع الرب، وتذمروا على الرب رغم نزول المن لإطعامهم وتفجر المياه من الصخرة لأنهم لم يصبروا أو يحتملوا العطش لمدة ثلاثة أيام، ورفعوا أياديهم على الأنبياء إذ لم يصبروا على طاعتهم، ثم على الرب نفسه إذ لم يصبروا على رؤيته، ولو كان لهم الصبر لخلصوا.
ويربط ترتليان بين الصبر والإيمان، فإبراهيم آمن بالله وحسب له براً، ولكن صبره استعلن بالإيمان عندما قبل أمر الله أن يذبح ابنه، وأطاع بصبر ولذلك باركه الله لأنه كان صبوراً، فاستنار إبراهيم بالصبر والإيمان وتباركت الأمم بنسله أي بالمسيح، ويشير ترتليان إلى وصية العهد القديم (عين بعين وسن بسن) ويشرح أن الشر كان يرد بالشر لأن الصبر لم يكن موجوداً بعد على الأرض، أما الآن فيجب أن ننظر إلى صبر المسيح ولنعلم أن وصية المحبة هي أساس منهج الصبر كله.
ويتحدث ترتليان عن خبرة الصبر في حياة الإنسان اليومية، وعن حزن الإنسان متى فقد ميراث من أبائه، رغم أن الكتاب المقدس يطلب منا في كل صفحة تقريباً أن نحتقر أباطيل الدهر الحاضر،بل وجاء الرب نفسه مثالاً لنا فعاش متجرداً من كل شيء، ولكي يعيننا على فقدان الخيرات بصبر، دعانا إلى حياة الفقر والكفاف، وفي الواقع نحن لا نملك شيئاً على الأرض بل نحن وكلاء فقط على ما لنا، فإن كنا نحزن على فقداننا ما ليس لنا، نكون بذلك نشتهى ما لا يخصنا.
ومن يغضب لأنه لم يحتمل بصبر خسارة ما أنما يخطئ مباشرة إلى الله، وهنا يدعو ترتليان القارئ للتأمل في الخيرات التي من فوق لأن اقتناء الصبر لا يقدر بالدهر الحاضر كله وما فيه، ويتساءل عن كيف يمكن للإنسان الذي لا يحتمل بصبر خسارة نجمت عن سرقة أو إهمال أن يقدم الصبر من تلقاء ذاته وبلا تردد، لأنه إن كان الإنسان لا يحتمل قط أن يجرحه الآخر، فهل سيرفع المشرط ويجرح نفسه؟ ويعتبر العلامة ترتليان أن الصبر مدرسة لتعليم الرحمة، فالمرء يسهل عليه أن يعطى حينما لا يخشى أن يفقد وإلا كيف سيطيع الوصية (من أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك اترك له الرداء أيضاً)؟
يجب أن يتحلى خادم خادم المسيح بالصبر لأنه مدعو لاحتمال الكثير لأجل الله، وإن أحد باعتداء ما يجب أن يتذكر وصية الرب (من ضربك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضاً) لأن صبره ينبغي أن يتغلب على ميله للشر.
كذلك عند فقد الأقرباء والأحباء يجب ألا يستسلم الإنسان للحزن كوصية الرسول (لا تخزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم) إذ بقيامة المسيح نؤمن أيضاً بقيامتنا التي من أجلها مات وقام، فليس هناك ما يدعو للحزن لأننا متيقنون من قيامة الأموات، وليس م
يدعو لعدم الصبر على الحزن إن كنا نؤمن أن من غاب عنا لم يهلك، إذ ليس هو موت بل انتقال.
ويكشف ترتليان عن أحد الأضرار الأخرى لعدم الصبر وهو الرغبة في الانتقام، وكثيراً ما يجترئ المنتقم على الرب ويصمم على مضاعفة الشر ليثبت تفوقه على خصمه، لكن الوصية تأمرنا بعدم مقابلة الشر بالشر مطلقاً لأن الأعمال المتشابهة تستحق مجازاة متشابهة، وكيف يقدم الإنسان كرامته للرب ذبيحة، إن كان يدعى إمكانية الانتقام لنفسه بذاته.
وعندما يوصى الرب (لا تدينوا لكي لا تدانوا) إنما يطلب منا الصبر لأنه من ذا الذي يتجنب إدانة الآخرين إلا من لديه صبراً ليتخلى عن الانتقام؟ أما من يدين غيره فقد وضع نفسه مكان الله الذي له وحده حق الدينونة.
إن تطويب الرب (طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السموات) إنما يخص الصابرين، إذ لن يكون مسكيناً بالروح إلا من كان متضعاً، ولن يكون متضعاً إلا من يحتمل بصبر التنازل عن حقه أو يرضى بسرور إنكار ذاته.
ويطوب ترتليان هؤلاء الذين يذرفون الدموع في أحزانهم، ولذلك تعطى لهم وعود بالتعزية والفرح، ويتساءل عمن يستطيع أن يحتمل ثقل التجارب بدون صبر؟
(طوبى للودعاء) (طوبى لصانعي السلام) تنطق على الصابرين، لأنه لا يمكن أن يكون لغير الصابرين ميل للسلام، والرب عندما يقول (افرحوا وتهللوا لأن أجركم عظيم في السموات لأنهم هكذا طردوا الأنبياء الذين قبلكم) لا يعد بهذه الجعالة لم لا يصبرون، لأنه ليس من يفرح بهذا الألم إلا من يستهين به وليس من يستهين به إلا من قد اقتنى الصبر.
وكيف يتمم الإنسان الوصية (اغفروا يغفر لكم) إن كان بسبب عدم الصبر يظل أسيراً لتذكر إساءة ما؟ ومن ذا الذي يغضب على أخيه ولا يضع قربانه على المذبح إلى أن يجد الصبر ويتصالح مع أخيه؟ وكيف نتمم الوصية (لا تغرب الشمس على غيظكم)؟ إذاً غير مسموح لنا أن نظل ولو يوماً واحداً بدون فضيلة الصبر.
والصبر فضيلة يشترك فيها جميع السالكين في طريق الخلاص وهو يساعد على التوبة إذ ينتظر ويترجى ويطلب الخلاص لأولئك المجاهدين يوماً فيوماً في حياة التوبة، وفي نماذج التوبة التي قدمها الرب تتضح أهمية الصبر، فالراعي يبحث بصبر ويجد في طلب الخروف الضال، وبينما لا يهتم عديم الصبر كثيراً بخروف واحد مفقود، يحتمل الصبر الألم في البحث عنه حتى يجده ويحمله على منكبيه، وهذا هو أيضاً صبر الأب الذي يستقبل ابنه الذي ضل حتى يرجع ويلبسه ويغذيه ويلتمس له العذر لدى أخيه عديم الصبر والذي احتد غضبه عليه.
والمحبة التي هي رباط الكمال وكنز المسيحيين لا تقوم إلا على أساس الصبر، والرسول يقول (المحبة تتأنى) وهذه الأناة تستمدها من الصبر، والرسول يقول (المحبة تتأنى) وهذه الأناة تستمدها من الصبر، والمحبة (لا تحسد) والحسد هو صفة عدم الصبر، وهى (لا تتفاخر) إذ قد نالت اتضاعاً لما لها من صبر، وهى (لا تنتفخ ولا تقبح) إذ أن هذا ليس من الصبر في شيء، وهى (ولا تطلب ما لنفسها) بل تقبله بقدر ما ينبغي أن تكون نافعة للآخرين بصبر، وهى (لا تحتد) لأن الاحتداد هو عدم الصبر عينه (المحبة تحتمل كل شيء وتصبر على كل شيء)، فلأن لها صبر، لذلك (لا تسقط أبداً)، كل ما عداها سيبطل، أما الإيمان والرجاء والمحبة فستبقى:
الإيمان الذي وصله صبر المسيح
الرجاء الذي ينتظره صبر الإنسان
والمحبة التي يلازمها الصبر.
وكما تحدث ترتليان عن صبر النفس، يتحدث عن صبر الجسد، ويأتي هذا من معاناة الضيقات التي من أجل الرب في جهاد الصدقات والأصوام والصلوات، الأمر الذي يجعل الله يميل أذنه ويطيل أناته علينا، فقد عاش ملك بابل سبع سنوات محروماً من آدميته كالحيوانات، ولما قدم ذبيحة صبر جسده استعاد عرشه وارضى الله بذلك. إنه الصبر الذي يعين على ضبط الجسد ويعزى وحدة الأرملة ويختم على عفة العذراء ويرفع نفوس الذين خصوا أنفسهم لأجل الملكوت.
ولأنه كان يعيش في زمان الاضطهادات، لذلك يربط ترتليان بين الصبر والاستشهاد، فمعونة الصبر هي التي جعلت الأنبياء والرسل يغلبون الضربات والنار والوحوش والسيف، وبقوة الصبر جاز إشعياء المنشار واحتمل استفانوس رجم الحجارة.
ويلخص ترتليان عمل الصبر، فهو يقوى الإيمان وينشر السلام، ويضبط الجسد ويضمد الجروح ويحفظ اللسان، ويأخذ باليد، ويهزأ بالتجارب ويزيل العثرات ويتوج الشهداء، إنه يعزى المسكين ويحكم الغنى ويهدئ المريض ويحفظ القائم ويفرح المؤمن ويجتذب الوثني ويوصى السيد على عبيده، أننا نحبه لدى الطفل ونمتدحه لدى الشاب ونحترمه لدى الشيخ.

Mary Naeem 21 - 05 - 2014 03:35 PM

رد: كتاب العلامة ترتليان، من آباء أفريقيا
 
اللاهوت والفلسفة

بينما امتدح كلمنضس السكندري كثيراً مفكري اليونان، واعتبر انه كما الناموس لليهود، كذلك الفلاسفة للوثنيين، يؤمن ترتليان على العكس من ذلك بأنه ليس هناك أي شيء مشترك بين الفلسفة والإيمان: (ما علاقة أثينا بأورشليم؟ أي اتفاق بين الأكاديمية وبين الكنيسة؟ أو بين الهراطقة وبين المسيحيين؟) (50).
ويرى انه يجب أن تبعد كل حكمة بشرية بعيداً عن الكنيسة لأنها (تدعى أنها تعرف الحق بينما هي فقط تفسده) (51).
ويقول: (أهناك أي تشابه بين المسيحي والفيلسوف؟ بين تلميذ اليونان وتلميذ السماء؟ بين من يسعى للشهرة ومن يسعى للحياة؟ بين من يتكلم ومن يعمل؟ بين من يبنى ومن يهدم؟ بين الصديق وبين العدو المخطئ؟ بين من يفسد الحق وبين من يسترجعه وعلمه؟) (52).
وحتى سقراط الذي كان القديس يوستين يسميه (مسيحي) ليس بالنسبة لترتليان إلا (مفسد للشباب) (53).
ومن ناحية أخرى رأى أن الفكر الوثني كان فيه لمحات من الحق: (لن ننكر بالطبع أن الفلاسفة قد فكروا أحياناً نفس التفكير مثلنا) (54).
وفى الواقع لا يمكن الاستهانة بتأثير الفلاسفة الرواقيين Stoics على العلامة ترتليان، فمفهومه عن الله وعن النفس والكثير من مبادئه الأخلاقية يشهد لاعتماده على تعاليمهم.
وعندما يتحدث عن بعض التشبيهات بين عقائد الكنيسة وأفكار الفلاسفة الوثنين، يحرص ترتليان على أن يؤكد أن هؤلاء الفلاسفة قد سرقوها من العهد القديم والذي يخص المسيحيين كمصدر من مصادر الاستعلان، والمفكرون والفلاسفة القدماء لم يفعلوا شيئاً إلا تشويه الحقائق المسلمة من الله، وهكذا صاروا مؤسسين للهرطقات فهم (آباء الهراطقة) (55).

Mary Naeem 21 - 05 - 2014 03:36 PM

رد: كتاب العلامة ترتليان، من آباء أفريقيا
 
اللاهوت والقانون



https://st-takla.org/Gallery/var/albu...Allah-word.gif

إذ كان ترتليان محامياً لذا كانت ثقته في القانون أكثر منها في الفلسفة، فالقانون وتطبيقاته هو ما كان يطلبه من المضطهدين، والقانون هو الذي ساعده في كتابة دفاعه عن الكنيسة، وأمده بالبراهين والحجج ضد الهراطقة، فالشريعة المكتوبة -بحسب ترتليان- تجعل مناقشة الهراطقة أمراً غير ضروري لأن عليهم يقع عبء إثبات أقوالهم لأنهم هم مدعوها الذين ابتكروا أمورا جديدة (56).
كما أوحى إليه القانون بالعديد من المفاهيم والتشبيهات والمصطلحات التي أدخلها في علم اللاهوت ولا تزال مستخدمة حتى اليوم، وأيضاً سادت رؤيته القانونية في شرحه للعلاقة بين الله والإنسان، فالله هو معطى الشريعة (57)، وهو الديان الذي يطبقها (58)، والإنجيل هو قانون المسيحيين (59)، والخطية هي كسر هذا القانون والخروج عنه، وهى لذلك إساءة لله (60)، وفعل الصلاح هو مرضاة الله (61)، لأن الله يوصينا به، ومخافة الله معطى القانون والديان هي بداية الخلاص (62)، والله يسر بفضيلة الإنسان (63)، ويستخدم ترتليان الكلمات (دين، رضى، تعويض، تكفير) كثيرا في كتاباته.

Mary Naeem 21 - 05 - 2014 03:37 PM

رد: كتاب العلامة ترتليان، من آباء أفريقيا
 
الدوسيتية (الظهوريون)

الدوسيتية (الظهوريون) Docetism
من الفعل اليوناني δοκεω أي (أبدو I seem)، وهى بدعة ظهرت في الكنيسة الأولى كانت تقول أن ناسوت وآلام السيد المسيح لم تكن إلا ظهورا وخيالا وليست حقيقية، ونجد إشارات إليها في العهد الجديد (1يو 4: 1-3 + 2يو 7, وقارن كو2: 8 وما بعدها) لكنها بلغت ذروتها في الجيل التالي أي بين الغنوصيين، وفي بعض أفكارها أن السيد المسيح نجى بطريقة معجزية من الموت فمثلا كان بعضهم يقول أن يهوذا الاسخريوطى أو سمعان القيراوني قد قام بدور المسيح قبل الصلب وحل محله فيه.
دافع القديس أغناطيوس الأنطاكى بقوة عن الإيمان ضد هذه البدعة، مثله في هذا مثل باقي الآباء الذين دافعوا عن الإيمان ضد الغنوصية، وبين هؤلاء الذين اهتموا بالدوسيتية على وجه الخصوص كان سيرابيون أسقف أنطاكية (190-203 م) الذي كان أول من استخدام كلمة (ظهوريون - دوسيتيون - Docetists-Δοκηται)، كما خصص بعض الآباء كتابات منفردة للرد على الدوسيتيين.

Mary Naeem 21 - 05 - 2014 03:38 PM

رد: كتاب العلامة ترتليان، من آباء أفريقيا
 
الغنوصية

الغنوصية Gnosticism(2)
كلمة (الغنوصية) مشتقة من الكلمة اليونانية γνοσισ أي (معرفة)، وقد أطلقت على حركة دينية ظهرت في شكلها المسيحي في القرن الثاني، وقد ثبت أن الأصول الفكرية للغنوصية المسيحية في القرن الثاني، وقد ثبت أن الأصول الفكرية للغنوصية المسيحية كانت موجودة فعلا في الديانات الوثنية، وقد ظهرت الحركة أولاً كمدرسة أو مدارس فكرية داخل الكنيسة، وسرعان ما انتشرت في مراكز مسيحية رئيسية، وبنهاية القرن الثاني، كان الغنوصيون قد صاروا فعلاً طوائف مستقلة، وبعض كتابات العهد الجديد المتأخرة، مثل رسالة يوحنا الأولى والرسائل الرعوية، رفضت صوراً من التعليم الكاذب تتشابه مع نظام التعليم الغنوصى الذي أشار إليه كتاب القرن الثاني رغم أنها أقل منه تطوراً
أخذت الغنوصية أشكالاً متنوعة كانت ترتبط عادة بأسماء مشاهير معلميها، مثل فالنتينوس Valentinus، باسيليدس Basilides، مرقيون Marcion، وكان هؤلاء المبتدعون يهتمون بصفة خاصة بالمعرفة (غنوصية Gnosis) والتي كانوا يعتقدون أنها معرفة معلنة لهم عن الله وعن البشرية، وعن طريق هذه المعرفة ينال العنصر الروحي في الإنسان الفداء، ومصادر هذه (المعرفة) الخاصة -بحسب الغنوصيين- هي الرسل الذين منهم سلمت عن طريق تقليد سرى، أو عن طريق الإعلان المباشر لمؤسس الهرطقة، وتتنوع النظم التعليمية لهم ما بين من يمثلون أفكاراً فلسفية أصلية، وبين من يمثلون مزيجاً من الأساطير والطقوس السحرية مع عناصر متنوعة من المسيحية.

استخدمت الطوائف الكبيرة من الغنوصية وشرحت أسفار العهد القديم مع العديد من كتب العهد الجديد، وكانوا يعطون مكانة خاصة لشخصية السيد المسيح، إلا أن تفسيرهم للكثير من الأساسيات المسيحية يختلف عن تعليم الكنيسة المقدسة.
ومن أهم سمات التعليم الغنوصى كان فصلهم وتميزهم بين (الإله الخالق creator god) وبين الكائن الإلهي البعيد الذي لا يعرف، ومن هذا الكائن الإلهي خرج الإله الخالق، وصار المصدر الفوري للخلق وحكم العالم، ولكن في تكوين بعض الناس دخلت بذرة أو شرارة من الجوهر الروحي الإلهي، وعن طريق (المعرفة) والطقوس المرافقة لها، يمكن لهذا العنصر الروحي أن ينجو من البيئة المادية الشريرة ويضمن عودته إلى مكانه الأصلي في الكائن الإلهي، هؤلاء الناس هم (روحيون - spiritual - πνενματικοι) بينما الآخرون هم مجرد (جسدانيون fleshly - σαρκικοι) أو (ماديون - material - ψλικοι) كما أضاف بعض الغنوصيين حالة ثالثة وهى (النفسانيون - psychic - ψυχικοι) وعمل المسيح كان أن يأتي كرسول للإله العظيم مقدماً (المعرفة)، وإذ كان كائناً إليهاً، لذلك لم يتخذ جسداً بشرياً حقيقياً ولا مات، بل إما انه سكن مؤقتاً في كائن إنساني، وهو يسوع، أو اتخذ مجرد مظهر خيالي غير حقيقي يبدو كأنه إنسان.
وقد أكد الآباء الكبار (3) الذين كتبوا ضد الغنوصية -مثل القديس ايريناؤس والعلامة ترتليان وهيبوليتس- على الأفكار الوثنية الموجودة في الغنوصية، واستعانوا بالمعنى الواضح للأسفار المقدسة كما يفسرها تقليد الكنيسة الذي سلم علانية عن طريق تسلسل من المعلمين يرجع إلى الرسل، وأكد هؤلاء الآباء على شخص الخالق، على صلاح الخليقة المادية، وعلى حقيقة الحياة الأرضية للمسيح، خاصة صلبه وقيامته،فقد كان الإنسان يحتاج للفداء من إرادة شريرة وليس من بيئة شريرة، وقد ظلت كتابات هؤلاء الآباء ووصفهم للغنوصية حتى وقت قريب المصدر الأساسي لمعرفتنا عن هذه البدعة.
ولكن دخلت دراسته الغنوصية مرحلة جديدة باكتشاف مجموعة كبيرة من النصوص القبطية بالقرب من نجع حمادي في صعيد مصر عام 1945-1946م، وهى تتضمن نحو 40 كتاباً لمن يكن معروفاً منها قبلاً إلا أثنين فقط (4).

Mary Naeem 21 - 05 - 2014 03:39 PM

رد: كتاب العلامة ترتليان، من آباء أفريقيا
 
مرقيون الهرطوقي

3) مرقيون Marcion(5)
مواطن ثرى من بونطس، وبحسب هيبوليتس (6)، وكان ابناً لأسقف حرمه بسبب سوء أخلاقه، وفي نحو عام 140 م.، ذهب إلى روما، وانضم إلى الكنيسة الأرثوذكسية هناك، وفي الأعوام القليلة التالية وضع منهجه الهرطوقي ونظم أتباعه كطائفة منفصلة عن الكنيسة، وفي عام 144 م. قطع رسمياً من الكنيسة منذ ذاك الحين أخذ يبذل قصارى جهده لينشر أفكاره وتلمذ له أتباعاً في كل نواح الإمبراطورية، ويعتبر العدد الكبير لمن قاوموه ودحضوه مثل ديونيسيوس الكورنثى وايريناوس أسقف ليون وثيؤفيلوس الأنطاكي وترتليان وهيبوليتس، دليلاً على انتشار تعاليمه، وبنهاية القرن الثالث كان أغلب المرقونيين قد انضموا إلى المانيين Manichaeism، ولكنهم استمروا موجودين في أعداد قليلة لفترة طويلة فيما بعد.
كانت الفكرة الأساسية عند مرقيون هي أن الإنجيل المسيحي هو إنجيل الحب الذي يستقصى تماماً الناموس، وهذه العقيدة، والتي شرحها بصفة خاصة في كتابه (المتناقضات Antitheses جعلته يرفض العهد القديم تماماً، ويرى أن الله الخالق، والذي استعلن في العهد القديم بدءً من سفر التكوين وما بعده كإله الناموس، ليس له أي علاقة بإله يسوع المسيح،ودراسة العهد القديم -كما يظن- تثبت أن هذا الإله اليهودي قد أدخل نفسه دوماً في أفعال متناقضة، فكان متغيراً على الدوام، جاهل وقاسى، أما إله الحب الكامل الذي جاء يسوع ليعلنه فكان مختلفاً تماماً، وكان هدف يسوع أن يهزم إله الناموس هذا.
وبحسب مرقيون كان القديس بولس الرسول هو الوحيد الذي أدرك هذا التناقض التام بين النعمة والناموس، بينما كان التلاميذ الاثني عشر والإنجيليين عمياناً عن الحق بسبب تأثرهم ببقايا الفكر اليهودي، ولذلك كانت الأسفار القانونية الوحيدة بالنسبة لمرقيون هي الرسائل البولسية العشرة (يبدو انه إما رفض أو لم يعرف بوجود الرسائل الرعوية)، وكان يشجع أتباعه على دراسة هذه الأسفار بحسب منهجه، وكان يرفض كل التفاسير الرمزية، أما عن خريستولوجيا مرقيون، فكان من الدوسيتيين.
ورغم أن كل كتاباته قد فقدت، إلا انه من الممكن أن نعرف الكثير عنها وأن نعيد تجميع الكثير من نصوص إنجيله، خاصة من أعمال ترتليان.

Mary Naeem 21 - 05 - 2014 03:40 PM

رد: كتاب العلامة ترتليان، من آباء أفريقيا
 
فالنتينوس

4) فالنتينوس Valentinus(7)
أحد قادة الغنوصيين ومؤسس طائفة الفالنتانيين، وبحسب القديس إيريناؤس وآخرين، كان مواطناً من مصر، وكان تلاميذه يدعون أنه تعلم على يد أحد تلاميذ بولس الرسول، وقد عاش في روما من نحو 136م إلى نحو 165م وكان يطمح في أن يختار أسقفاً (بسبب قدرته الفكرية وبلاغته) كما يقول ترتليان، ولكنه إذ لم ينل هذه الرتبة المقدسة، فانفصل عن الكنيسة.
وضع فالنتينوس العديد من الكتابات، واكتشفت أعمال أخرى له في مخطوطات نجع حمادي بالقبطية.
وفكره العقيدي عبارة عن مزيج من الميثولجيا والأفكار الأفلاطونية والفيثاغورثية، وقد أنكر تجسد المسيح من العذراء وزعم انه أتى بجسده من السماء ومر بجسد العذراء كما يجرى الماء من القناة.

Ƒ̐ὰ̗đƴ 21 - 05 - 2014 03:48 PM

رد: كتاب العلامة ترتليان، من آباء أفريقيا
 
https://files.arabchurch.com/upload/i...8681243546.gif

Mary Naeem 21 - 05 - 2014 07:30 PM

رد: كتاب العلامة ترتليان، من آباء أفريقيا
 
شكرا على المرور


الساعة الآن 12:18 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025