منتدى الفرح المسيحى

منتدى الفرح المسيحى (https://www.chjoy.com/vb/index.php)
-   قسم الكتب الدينية (https://www.chjoy.com/vb/forumdisplay.php?f=56)
-   -   كتاب الآباء المؤرخون: مصادر التاريخ الكنسي (https://www.chjoy.com/vb/showthread.php?t=281534)

Mary Naeem 15 - 05 - 2014 05:39 PM

كتاب الآباء المؤرخون: مصادر التاريخ الكنسي
 
كتاب الآباء المؤرخون: مصادر التاريخ الكنسي
ترجمة وإعداد: القمص أثناسيوس فهمي جورج

مقدمة ومدخل


يتقدم التاريخ في المسيحية إلى الأمام ليربط -في النهاية- الزمن بالأبدية، وفي تاريخ الكنيسة تقف يد الله مختفية وراء الأحداث لتصنع المواقف.
تلك اليد الإلهية العالية، يد الله سيد التاريخ وخالق الزمن، هي التي باركت تاريخنا الزمني وقدست حياتنا على الأرض، لننطلق إلى اللازم، حيث الأبدية التي لا يحصرها ولا يحدها التاريخ.
لقد الآباء التاريخ والزمن مؤكدين على أن دورات التاريخ التي بلا رجاء قد انتهت، وعلى أننا قد تركنا الزمن لننشغل بالأبدية الدائمة، ومن ثم رأوا أن التاريخ لا تدفعه الأيادي البشرية وحدها كما قد يبدو في الظاهر، بل يد الله فوق الكل، وهي التي تنفذ مقاصده الإلهية الخلاصية العالية عن الأفهام.
لذلك رسم المنهج الآبائي صورة مبسطة للتاريخ الكنسي على اعتبار أن ذروة التاريخ ومركزه هو "المخلص" الذي به انفتحت النبوات واكتملت، وتحقق كل رجاء البشرية كمشتهى الأجيال كلها.
ولأن الآباء اعتبروا أن تاريخ الكنيسة يبدأ بتاريخ العالم، لذلك كانت غاية التاريخ في المفهوم الآبائي هي الكشف عن علاقة مملكة الطبيعة والخلقة بملكوت النعمة الأبدي، والكشف عن عمل الله الخلاصي وخطته الإلهية عبر الأجيال وحتى نهاية التاريخ البشرى وإعلان "الله الكل في الكل" {كو 1:16} على اعتبار أن السيد المسيح هو مفتاح التاريخ كله.

والتاريخ حسب فهم آباء الكنيسة له، هو اكتشاف العمل الكرازي والإيمان الرسولي والخدمة الرعوية وخبرة العبادة والشركة والشهادة والجهاد الروحي، فموضوع التاريخ الكنسي هو عنصر الكنيسة البشرى، وعلم تاريخ الكنيسة يصور حياة الكنيسة التاريخية، خلال مصادرها المتنوعة (الكتب المقدسة، القوانين، قرارات المجامع، دساتير الإيمان، الليتورجيات، رسائل الآباء وأقوالهم وفكرهم وتاريخ حياة القديسين وأعمالهم، الأيقونات، الأبنية، الأواني..).
ولم تكن نظرة على الباترولوجي للتاريخ على انه مجرد سرد أحداث ماضية ميتة، أو تسجيل لوقائع منتهية، لكن التاريخ كعلم كنسي يحيط حياة الكنيسة من كل نواحيها بترتيب متصل ومتواصل، لأن المسيح هو ماضي الكنيسة وحاضرها ومستقبلها.
لذلك أصبح تسجيل التاريخ الكنسي في كتابات الآباء، يهتم بالمفاهيم الروحية والمدلولات الرمزية بفكر كنسي واسخاتولوجي هادف، خلال الحياة والسيرة والعبادة والسلوك.
فصارت الكتابات التاريخية عبارة عن فهم لعمل الله في وسط كنيسته عبر الأجيال، وإدراك الحقيقة الكنيسة وطبيعتها ورسالتها خلال تاريخها، وإذا تتبعنا تاريخ الكنيسة بهذا المفهوم الآبائي، فإننا نستطيع أن نتبيَّن الحقب المتتالية التي كانت وما زالت يوجهها الروح القدس الرب المحيى.
وتناول علم الباترولوجي التاريخ الكنسي عبر الحقب الممتدة من عصر الرسل، عصر الآباء الرسوليين، عصر الاستشهاد والاضطهاد، عصر الرهبنة، عصر الهرطقات، فتناول بذلك تاريخ الاضطهادات والهرطقات والنظم الكنسية والترتيبات الليتورجية وتاريخ اللاهوت والعقيدة والرهبنة وتاريخ الطقس والعبادة وسير الآباء والمجامع المسكونية، وتاريخ التقليد والقوانين والرعاية والكرازة والدفاعيات... ولأن الإنسان ينسى {أش 59:15} لذلك سمح الروح القدس وألهم حكماء الكنيسة أن يسجلوا تاريخها جيلاَ أثر جيل، منذ ان خط القديس لوقا الطبيب أول حرف في سفر أعمال الرسل، وإلى صفوف المؤرخين والكُتاب الكنسيين الذين واصلوا تسجيل "أعمال الروح القدس" كل جيل بمؤرخيه.
لقد تحقق معنى وقيمة التاريخ، لأنه مازال حياَ في الكنيسة يشكل الحاضر لمصدر دائم للإلهام، ليس بطريقة مجردة ولكن كاستعلان مجدد لروح الله، وكأبعاد أبدية للحياة الُمعطاة لنا في المسيح يسوع ربنا والمنقولة إلينا بواسطة الرسل الأطهار والآباء القديسين، فالشعب الحي يجب أن يعيش دائماَ على اتصال وجداني وفكري بتاريخه، لما للتاريخ من قوة هائلة على التنبيه والإحياء، فالتاريخ ينبوع قوة روحية وتراث مقدس يحمل ليس فقط مجرد معرفة أو ذاكرة أو ذكرى بل شركة ومطابقة باطنية، نتحقق بها ونرى أن ما عمله الرب قديماَ هو في حياة الكنيسة اليوم، لا يزول منه حرف واحد ولا نقطة واحدة.
فالأصالة التاريخية للكنيسة ليست مجرد رمز تاريخي، ولكنها ثراء الحياة الذي لن يزول، فلنبحث في بطون التاريخ وأعماقه لنتعلم كيف نكون مسيحيين حقيقيين.
إن من السمات البارزة في التقليد القبطي أن تذكار الأحداث والشخصيات هو جزء لا يتجزأ من جوهر العبادة الكنسية، فمن وراء ذلك معنى لاهوتي عميق وثراء روحي يظل ينبوعاَ للقوة الروحية وميراثاَ غنياَ دائم التدفق نحتاجه كسند يومي نتمثل به ونقتفى أثاره.
وذخرت الكتبة القبطية بمجموعة من الميامر التاريخية التي تحمل سير البطاركة والشهداء والنساك والسواح والمتوحدين والرعاة الفعلة الأمناء، الذين بشروا بالمسيح وسفكوا دمائهم من أجله وفصلوا كلمة الحق باستقامة وجاهدوا عن الأمانة الأرثوذكسية، وسكنوا الجبال وشقوق الأرض من أجل عظم محبتهم في الملك المسيح.
لقد كان القصد من إصدار هذا البحث عن "الآباء المؤرخون" هو التعريف بهؤلاء الذين أرخوا تاريخ الكنيسة المقدس وصنعوا بكلماتهم وأقلامهم نسيج حياتها على الأرض، مقدمين أيقونة مجسمة وواضحة ومتألقة للكنيسة الأولى، فلولا هؤلاء الآباء المؤرخين ما كان لنا أن نعرف تاريخ العمل الكرازي وتاريخ الهيرارخية الرعوية وتاريخ تطور

العقيدة، وتاريخ المجامع والقوانين والقرارات الكنسية، كذا تاريخ الآباء والعبادة والممارسات المسيحية.
وتعتبر أعمال هؤلاء الآباء المؤرخين الأبحاث الأولى في علم الباترولوجي، والتي صاغوا فيها التاريخ الذي صنعه الآباء صُناع التاريخ.
نقدم هذا البحث كدليل للكتابات التاريخية التي يحتاجها الباحث في دراسة التاريخ الكنسي وفي كل الدراسات الباترولوجية، وبالرغم من أن بعض هؤلاء المؤرخين كان له انحرافاته الإيمانية، إلا أن أعمالهم ذات قيمة تاريخية هامة.
نقدم هذه الموسوعة الآبائية اخثوس ΙΧΘΥΣ مساهمة في حفظ تراث الكنيسة التعليمي الآبائي اللاهوتي الواسع والعريض، مع التركيز على استيعابه ووعيه وعياَ عميقاَ وعملياَ، وسط احتفال الإكليريكية المئوي وابتهاج الكنيسة بافتتاح معهد الرعاية والمؤسسات العلمية في عهد قداسة البابا المعظم الأنبا شنودة الثالث -حفظه الرب- الذي عكف على السير على نهج الآباء في التعليم والرعاية والوعظ والكتابة.
آملين أن يحظى علم الباترولوجي باهتمام أوسع في مناهج المعاهد اللاهوتية حتى تكون الدراسات الكنسية على مستوى يضارع أرقى المعاهد اللاهوتية في كنيسة صاحبة أقدم وأعظم مدرسة عرفتها المسيحية، وأن يحظى بمساحة أكبر في مناهج التربية الكنسية التي تُعدها اللجنة العليا للتربية الكنسية، فتتمتع الأجيال المتعاقبة بأعظم ذخيرة من التعليم الكنسي الأصيل والمستقيم.
إننا نشكر الله من أجل جوده وسخائه إذ أعطانا أن نقدم هذا العمل بالرغم من ضعفنا وتقصيرنا، ونشكر أبينا المحبوب نيافة الأنبا بنيامين نائب قداسة البابا بالإسكندرية من أجل مساندته وتشجيعه الأبوي، وأيضاَ نيافة الحبر الجليل الأنبا ديسقورس الأسقف العام من أجل تدعيمه المتكرر لهذا العمل، كذا شكرنا لجناب الأب الموقر القمص أثناسيوس ميخائيل مدرس التاريخ الكنسي بالكلية الإكليريكية من أجل ملاحظاته القيمة ومراجعته للنسخ الطباعية الأولى، وليعوض الرب كل من له تعب ببركة وصلوات الآباء المؤرخين وصلوات جزيل الغبطة البابا شنودة الثالث، ولربنا السجود والمجد والإكرام.

تذكار ظهور الصليب المقدس
27 سبتمبر 1993 م.
17 توت 1710 ش.

Mary Naeem 15 - 05 - 2014 05:40 PM

رد: كتاب الآباء المؤرخون: مصادر التاريخ الكنسي
 
مصادر تاريخنا الكنسي

أستمر التأريخ حتى بدايات القرن الرابع عملاَ وثنياَ، ففيما عدا سفر أعمال الرسل وما يشابه من الأسفار المنحولة، لم يكن هناك أي محاولة لتسجيل تاريخ الكنيسة المسيحية، وفي مستهل القرن الرابع، أدرك يوسابيوس القيصرى أهمية كتابة تأريخ يتضمن وصفاَ وسرداَ كاملاَ لتاريخ الكنيسة حتى أيامه، ولذا لُقب ويحق بـ"أبو التاريخ الكنسي"، ولأن عمله كان كافياَ وشاملاَ لمعاصريه ولمن بعده مباشرة، لذا لم يفكر أي منهم في كتابة تاريخ آخر، وكانوا يوقرون شمولية وكمال هذا العمل جداَ، ولكن احترامهم هذا، والذي زاد العمل عظمة في عيونهم، بعث فيهم أيضاَ الرغبة في محاكاته.
وهكذا نشأت مدرسة من المؤرخين، وكُتب عدد من الأعمال المُكملة لتاريخ يوسابيس.

ومن هذه الأعمال وصلنا ستة فقط:

- تاريخ فيلبس المؤرخ Philippus Sidete
- تاريخ فيلاستورجيوس Philastorgius
- تاريخ هيزيخيوس Hesychius
وقد فُقد الأول بسبب صعوبته، والثاني لأن صاحبه كان آريوسياَ، لذا فقد عمله عدا شذرة حفظها لنا فوتيوس Photius والثالث فقد عمله كله.
أما الثلاثة الباقيين فهم: سقراط وسوزمين وثيودورت، وقد جاءت أعمالهم متقاربة إلى حد ما مع التاريخ الكنسي ليوسابيوس القيصرى.
وفى الغرب قام روفينوس بترجمة تاريخ يوسابيوس إلى اللاتينية وأضاف إليه بعض الأحداث حتى عصر ثيودوسيوس الكبير عام 392 م.
وكتب أيضاَ عن التاريخ المبكر لأورشليم هيسيجيبوس Hegesippus، ثم أتى القديس جيروم بالكتاب التالي في الأهمية من حيث تاريخ الكتابات الآبائية وهو "مشاهير الرجال".
أما أهم كتابات الآباء في التاريخ الرهباني القبطي فهي:

- التاريخ اللوزياكى للقديس بالاديوس.
- الهستوريا موناخورم أو تاريخ الرهبنة في مصر، ويُنسب إلى روفينوس.
- مناظرات يوحنا كاسيان.
أما بالنسبة لأهم الكتابات التاريخية القبطية فهي:

- السنكسار القبطي cuna[arion الذي وضعه يوليوس الأقفهصي كاتب سير الشهداء، وأكمله القديس يوحنا أسقف البرلس في القرن السابع في عهد البابا دميانوس (البابا الـ35)، ثم أكمله القديس ميخائيل أسقف أتريب، ثم القديس بطرس المُلقب بالجميل أسقف مليج.
- القديس يوحنا النيقيوسي الذي كان من علماء التاريخ القبطي في القرن السابع، كتب تاريخاَ من الخلقة إلى عصره باللغة القبطية ثم تُرجم إلى الحبشية.
- ساويرس بن المقفع أسقف الأشمونين الذي جمع تاريخ البطاركة الأقباط، ثم أضاف الأنبا ميخائيل أسقف تانيس على هذا الكتاب، تاريخ البطاركة حتى عام 1243 م.
- الشيخ المؤتمن أبو المكارم الذي وضع كتاباَ عن التاريخ منذ آدم وحتى عام 1257 م، فيه تاريخ البطاركة والملوك.

Mary Naeem 15 - 05 - 2014 05:42 PM

رد: كتاب الآباء المؤرخون: مصادر التاريخ الكنسي
 
يوليوس أفريقانوس

Sextus Julius Africanus
هو كاتب مسيحي عاش في الفترة من عام 160: 240 م، ومع أن الباحثين المحدثين يرون أنه ولُد في ليبيا، إلا أن الاحتمال الأرجح هو انه ولُد في أورشليم، وعاش لعدة سنوات في عمواس، والتحق بالجيش ضابطًا واشترك في حملة سبتيميوس ساويرس على إمارة الرها في سوريا الشمالية، وقام بوساطة ناجحة لدى الإمبراطور هليوجابالوس (218-222 م) لتجديد العاصمة، مما أدى إلى إعادة بنائها باسم نيكوبوليس، وقد كان يتمتع أيضاَ بعلاقات وثيقة مع البيت الملكي في أديسا.

وفى عهد الإمبراطور الكسندروس سيفيروس (222-235 م) كان مساعداَ في إنشاء المكتبة العامة في البانثيون بروما قرب حمامات الكسندروس.
وقد كانت له علاقات أيضاَ في الإسكندرية مع البابا ياروكلاوس والعلامة أوريجانوس، ذلك انه زار الإسكندرية في وقت رئاسة هيراكلاوس، وتعرف على أوريجانوس وقتها وصار صديقاَ له.
وفى حركة التأريخ المسيحية يحتل أفريقانوس مكاناَ هاماَ، إذ يُعتبر عمله الأدبي الرئيسي "تاريخ العالم حتى 217 م" والذي اشتهر باسم "الحوليات Xronographia" أول محاولة لترتيب تاريخ العالم، فقد جاءت أخبار التوراة وأخبار اليونانيين الهيلينيين وأخبار اليهود في أنهار متوازية مرتبة ترتيباَ تاريخياَ منذ الخليقة وحتى عام 217 م. بعد الميلاد، وهي السنة الرابعة لملك هيلاجبلوس الإمبراطور الحمصي، وجعل أفريقانوس المدة بين الخليقة وميلاد المسيح 5500 عاماَ وانتظر نهاية العالم في عام 500 بعد الميلاد (3).
وبجانب هذا العمل التاريخي الضخم، أعد يوليوس موسوعة في أربعة وعشرين كتاباَ عالج فيها مواضيع متنوعة طبية وزراعية وعسكرية وفلكية وأسماها "الوشاء" أو "الأحزمة المطرزة Kestoi "وقدمها هدية إلى الكسندر سيفيروس كموسوعة عن التاريخ الطبيعي والعلوم المتفرقة، ولم يصلنا من هذا العمل إلا بقايا مخطوطات.
كما كتب أيضاَ رسالتين، إحداهما موجهة إلى أوريجانوس ويناقش فيها أصالة قصة سوسنة، والأخرى إلى أريستيدس حول أنساب المسيح في إنجيل معلمنا متى ولوقا، وكلا الرسالتين توضحان قدرة نقدية رائعة.

Mary Naeem 15 - 05 - 2014 05:44 PM

رد: كتاب الآباء المؤرخون: مصادر التاريخ الكنسي
 
العلامة يوسابيوس القيصري

EUSEBIUS OF CAESAREA
وُلد يوسابيوس القيصري في قيصرية فلسطين سنة 263 م. وتتلمذ على يديّ بامفيليوس كاهن كنيسة قيصرية، الذي شجعه وعلمه كيف يعتمد على نفسه وعلى ذهنه وزوده بنصائحه، ودان يوسابيوس لمعلمه بامفيليوس بالفضل الكثير في تعليمه وتدريبه الفكري، وتعبيراَ عن شكره ومحبته لأستاذه قرن اسمه باسمه فدعى نفسه "يوسابيوس بامفيليوس" أي أنه الابن الروحي لبامفيليوس.
وهكذا دخل يوسابيوس في تاريخ آباء الكنيسة باسم "يوسابيوس بامفيليوس".
واستلم يوسابيوس عن معلمه تكريم أوريجانوس تكريمًا عميقًا، وانشغل بتراثه الأدبي حتى يزيد من شهرة العلامة السكندري، وبدأ في إصدار مجموعة مراسلاته، الأمر الذي ساعد على عدم ضياع هذا التراث أو تشتته.
وفى الاضطهاد الأخير نال بامفيليوس اكليل الشهادة، في العام السابع من اضطهاد دقلديانوس في السادس من فبراير سنة 310 م., وكتب يوسابيوس سيرته تكريمًا لذكراه واعترافًا بمحبته له، وقد هرب يوسابيوس إلى صور ومنها إلى برية مصر في طيبة (الصعيد) Thebais، ولكن قبض عليه هناك وسُجن.
ويبدو أن العام الذي انتهت فيه الاضطهادات ضد الكنيسة {سنة 313 م} هو نفس عام تجليس يوسابيوس أسقفًا لقيصرية، وقد صارت له صداقة متينة مع قسطنطين الملك وكان ذا تأثير عليه، وبدأت شهرته كعالم تطغى على شهرة معلمه منذ ذلك التاريخ.

وقد دخل يوسابيوس –كأسقف– في الجدال الآريوسى، الذي اعتقد أنه يستطيع أن ينهيه باقتراحات بتنازلات متبادلة من كلا الطرفين، بدون أن يدرك الأهمية الحقيقية للعقيدة موضع النقاش وكتب عدة رسائل يؤيد فيها آريوس، وكان له دوره المؤثر جدًا في مجمع قيصرية المكاني الذي أعلن أرثوذوكسية فكر وعقيدة آريوس رغم أنه طلب منه الخضوع لأسقفه، وبعد ذلك بقليل عُقد مجمع مكاني في أنطاكية سنة 325 حرم أسقف قيصرية لرفضه للصيغة الإيمانية المعارضة للتعليم الآريوسى المنحرف، وفي مجمع نيقية سنة 325 م. أراد أن يكون واسطة مصالحة، ورفض عقيدة "الوموأوسيوس Homoousios – مساواة الآب والابن في الجوهر" التي لأثناسيوس لأنه يظن أنها تؤدى إلى السابليانية Sabellianism، وأخيرًا وقع على قانون الإيمان النيقاوي كمجرد أرضاء خارجي لرغبة الإمبراطور، لكن بدون أي اقتناع حقيقي داخلي، ولم يستخدم قط في كتاباته بعد سنة 325 م. التعبير "هومواوسيوس"، بل أيد صراحة يوسابيوس أسقف نيقوميدية وقام بدور بارز في مجمع أنطاكية المكاني سنة 330 م، الذي خلع الأسقف يوستاثيوس Eustathius، وكان له أيضاَ دور هام في مجمع صور سنة 335 م. الذي حرم القديس أثناسيوس الرسولي، وبجانب ذلك كتب كتابين ضد مارسيللوس أسقف أنقرة الذي خلع من كرسيه بعد ذلك بعام.
وكان إعجاب ومحبة يوسابيوس للإمبراطور، الذي أرسى السلام بين الكنيسة والإمبراطورية بعد سنوات من الاضطهادات الدموية، كبيرًا جدًا، وتمتع يوسابيوس نفسه بمكانة خاصة لدى قسطنطين، وفي التذكارين العشرين والثلاثين لتتويج الإمبراطور وتقليده الحكم، ألقى يوسابيوس كلمتي مديح للإمبراطور، وعندما تنيح قسطنطين في 22 مايو سنة 337 م، قدم يوسابيوس كلمة تأبين طويلة له، إذ يبدو أنه كان مستشاره اللاهوتي الأكبر، وقد مات يوسابيوس بعد إمبراطوره بأعوام قلائل في سنة 339 أو سنة 340 م.
كتابات يوسابيوس

فيما عدا العلامة أوريجانوس السكندرى، فاق يوسابيوس كل الآباء اليونانيين في المعرفة والعلم، وقد كان باحثًا ومجاهدًا لا يكل، واستمر يكتب حتى سن متقدم جدًا، وتقدم كتاباته مجموعة ضخمة من المقتطفات التي جمعها من الكتابات الوثنية المسيحية والتي فُقد الكثير منها، ولهذا السبب لم يندثر إنتاجه الأدبي بالرغم من اتجاهه الآريوسى، وتكشف لنا كتاباته عن سعة أفق مدهشة في التعلم ومنها يتضح لنا أنه دارس جيد للكتاب المقدس وللتاريخ الوثني والمسيحي، وللأدب القديم والفلسفة، والجغرافيا، وعلم التفسير، وعلوم اللغة، ويصفه فوتيوس بأنه "رجل غزير المعرفة"، وبالرغم من أنه مدافع خصب، إلا أنه لا ينتمي إلى اللاهوتيين البارزين في التراث المسيحي، فشهرته الواسعة إنما ترجع إلى أعماله العظيمة.
الأعمال التاريخية

1) التاريخ The Chronicle
من بين أعماله الأولى، عمله الذي يُسمى دومًا "التاريخ"، وقد كُتب حوالى 303 م. وتكون من قسمين:
القسم الأول:
وهو في الواقع مقدمة يسرد فيها أهم الأحداث التاريخية في كل أمة.
القسم الثاني:
عبارة عن جداول تاريخية Xpovlkol Kavoveo مرتبة وفقًا لتوافق الأحداث وتزامنها معًا Synchronisation ومعها ملاحظات عن أهم أحداث تاريخ العالم بصفة عامة والتاريخ المقدس بصفة خاصة، واتخذ يوسابيوس من تاريخ ميلاد إبراهيم أبو الآباء {سنة 2.16 – 2.15 ق.م} نقطة بدايته، ثم قسم التاريخ إلى خمس حقب متتبعًا تواريخ الكتاب المقدس حتى صلب المسيح حتى سنة 303 م، بالمقارنة مع تواريخ العالم السياسية.
وقد فُقد النص اليوناني الأصلي لهذا العمل "التاريخ" عدا بعض الشذرات والمقتطفات، لكنه حُفظ كله في ترجمة أرمنية من القرن السادس، وهناك ترجمة لاتينية للقسم الثاني قام بها جيروم سنة 380 في القسطنطينية، وقد أضاف جيروم لهذا العمل عددًا كبيرًا من الفصول عن التاريخ الروماني خاصة، أضاف أيضًا تأريخ للفترة ما بين كتابة العمل وحتى أيامه هو، في ما بين عام 325 وعام 378 م. أي تاريخ وفاة فالنس Valens في هذا الشكل الذي قدمه جيروم، وصل كتاب "التاريخ" الغرب كان له تأثيره على مؤرخي القرون الوسطى، فهو أحد المصادر الأساسية التي يعتمد عليها أي باحث في تاريخ البشرية.
2) التاريخ الكنسي The Ecclesiastical History
إن العمل الذي أعطى ليوسابيوس شهرته الخالدة هو "التاريخ الكنسي" Ekkynola Latopia والذي يتكون من عشرة كتب تغطى الفترة من تأسيس الكنيسة وحتى هزيمة ليسينيوس سنة 324 م. وانفراد قسطنطين بالحكم، ولم يقصد سابيوس بهذا الكتاب أن يسجل تاريخ الكنيسة منذ تأسيسها حتى يومه، ولا يسعى ليقدم وصفًا كاملًا لانتشار المسيحية، بل يقدم مجموعة غنية جدًا من الحقائق والوثائق التاريخية، ومن مقتطفات من عدد كبير من الكتابات التي تعود إلى السنوات الأولى للمسيحية، فعمل يوسابيوس هو تاريخ الكتابات المسيحية المبكرة أكثر من كونه تاريخيًا للأعمال تاريخ الكتابات المسيحية المبكرة أكثر من كونه تاريخيًا للأعمال والأفكار المسيحية الأولى، ونجد فيه مراجع لكتابات حوالي 35 مؤلفًا مسيحيًا بالإضافة إلى قوائم بكتابات فيلو (8:2) ويوسيفيوس (9:3).
وكان يوسابيوس يقصد بهذا العمل أن يقدم الدليل على أن الله هو الذي أسس وارشد وقاد الكنيسة إلى هذا الانتصار النهائي الأخير على قوة الدولة الوثنية.
ولأن حياة يوسابيوس نفسها كانت مليئة بالأحداث التاريخية الجليلة الأهمية، لذا اضطر أن يدخل الكثير من الإضافات على عمله الأصلي عدة مرات، كي يظل عمله العظيم هذا شاملًا حتى أيامه هو، وهكذا ظهر كتاب "التاريخ الكنسي" في أربع إصدارات بحسب ما اثبت علماء الآباء.
بالإضافة إلى ذلك، وصلتنا ثلاثة ترجمات، أقدمهم وهي الترجمة السريانية يرجع تاريخها إلى القرن الرابع، وكانت أساس لترجمة أخرى أرمنية، وهذه الترجمة السريانية أفضل من ترجمة خلالها كتاب التاريخ الكنسي في الغرب كله.
3) شهداء فلسطين Martyrs of Palestine
قدم يوسابيوس في كتابه "شهداء فلسطين Martyrs of Palestine وصفًا لمن رآهم بنفسه من هؤلاء الشهداء، وقد وصلنا في نسختين، النسخة الأقصر فقط هي الموجودة باليونانية، محفوظة في أربع مخطوطات من "التاريخ الكنسي" كملحق بالكتاب الثامن، وقد كتبها يوسابيوس في الغالب قبل الإصدار الأول من "التاريخ الكنسي"، والنص الكامل للنسخة الأطول موجود فقط في نسخة سريانية قديمة، إذ لم يتبق من أصله اليوناني إلا بضعة شذرات.
واتبع أسقف قيصرية ترتيبًا تاريخيًا يغطى الفترة الكاملة للاضطهاد من سنة 303 م. إلى سنة 311 م، وعلى أساس هذا العمل، نستطيع أن نتعرف على الاضطهادات التي وقعت في فلسطين وعلى شهدائها، معرفة أفضل من معرفتنا عن أي منطقة أخرى في الشرق في هذا المنحى.
4) حياة قسطنطين Vita Constantini
يقع هذا العمل في أربعة كتب، وقد أنتقُد يوسابيوس بسبب تماديه في مدح قسطنطين بإطناب، إذ أنه وصف حكم الإمبراطور بأنه صورة لحكم الله أو ما يسمى بالحكم الثيؤقراطي، حيث يصير الإمبراطور هو حلقة الوصل بين الله والعالم.
ويقدم يوسابيوس وصفًا تفصيليًا لرؤية قسطنطين للصليب، مؤكدًا أن الإمبراطور أكد له وأقسم بهذه الحقيقة، وقد ضمن يوسابيوس في عمله هذا ستة عشر أمرًا ورسالة إمبراطورية تمثل ربع العمل كله وهي في غاية الأهمية.

Mary Naeem 15 - 05 - 2014 05:46 PM

رد: كتاب الآباء المؤرخون: مصادر التاريخ الكنسي
 
القديس جيروم

JEROME
وُلد ايرينيموس يوسابيوس Hieronymus Eusebius في مدينة صغيرة تُدعى ستريدون Stridonia بالقرب من أكويلا Aquileia، ويرى بعض الدارسين أن ميلاده كان نحو عام 321 م. بينما يرى آخرون أن ذلك كان عام 342 م.
وكان لجيروم أخ أصغر يُدعى بولينان Paulinian وأخت صغرى، وسلك كلاهما مسلك جيروم في اختيار الحياة الرهبانية دربًا لحياتهما، مما يدل على أن والده يوسابيوس كان مسيحيًا تقيًا.
ونحو عام 360 م. – 367 م. بينما كان لا يزال صغيرًا جدًا، درس جيروم مجموعة من الدراسات الممتازة في النحو والبلاغة في روما، وكان تلميذًا لدوناتوس Donatus، والذي كان يفتخر دومًا بتلمذته له، وفي شبابه المبكر قام بنسخ مكتبة قيمة تضم أعظم الأعمال الأدبية الشهيرة، وصار لهذه المكتبة فيما بعد قيمة عظيمة، ورغم افتخاره بأنه نال صبغة المعمودية المقدسة في روما، إلا أنه لا يتحدث عن الظروف التي صاحبت معموديته، ثم ترك روما وذهب إلى مدينة تريف، وهناك جذبه النموذج الشرقي للرهبانية وللحياة النسكية التقوية، وكان يقضى وقت فراغه في نسخ أعمال القديس هيلارى أسقف بواتييه، وبعد ذلك عاد إلى موطنه نحو عام 370 م. مع صديقه بونوسوس Bonosus، وعاش بضعة سنوات في شركة رهبانية نسكية مع روفينوس وكروماتيوس Chromatius وهليودورس Heliodrus.
وفى عام 374 م. انطلق إلى فلسطين، لكنه تأخر في الطريق قليلًا في أنطاكية ليستمع إلى مواعظ أوليناريوس أسقف لادوكية، وهناك في حلم رأى نفسه مُدانًا أمام كرسي المسيح لأنه استمر فيلسوفًا ينتمي لسيسرو Cicero الفيلسوف أكثر منه مسيحيًا، وقد روى هذه الرؤية في رسالة إلى استوكيوم Eustochiumلكي يشجعها على دراسة الكتاب المقدس.

وبعد هذه الرؤية مضى وتوحد في صحراء خالكيس بسوريا وظل بها مدة تتراوح ما بين أربعة إلى خمسة أعوام، وفي فترة خلوته هذه انتفع بوجود أحد اليهود الذين قبلوا الإيمان حديثًا لكي يتعلم منه اللغة العبرية.
ثم عاد إلى أنطاكية حيث رسمه بولينوس كاهنًا، وفي سنة 480 م. ذهب إلى القسطنطينية حيث تتلمذ على يدي القديس أغريغوريوس النزنيزى.
ومن القسطنطينية رحل إلى روما حيث عينه البابا داماسوس Damasus سكرتيرًا له، ولم يمنعه هذا العمل من خدمته للأرامل مارسيلا Marcella وبولا Paula والدة استوكيوم، واضطرته متطلبات دراساته الكتابية إلى تحسين لغته العبرية بمساعدة أحد الرابيين (معلمي اليهود) الذي وفر له الكتب والدروس، وفي روما ترجم جيروم الكتاب المقدس إلى اللغة اللاتينية، ولولا هذه الترجمة لما عرف الغرب الكتاب المقدس.
بعد نياحة داماسوس، قدم جيروم ومعه بولا إلى مصر عام 385 م. حيث تعرف عن كثب على فردوس رهبان مصر لقديسين، وتتلمذ على يدي القديس ديديموس الضرير مدير مدرسة الإسكندرية اللاهوتية، كما زار أنطاكية وفلسطين.
وفى عام 386 م. عاد جيروم إلى أورشليم واستقر في بيت لحم حيث أسس ديرًا للرهبان وآخر للعذارى، وكرس حياته للدراسة والبحث والترجمة.
وقد واجه جيروم العديد من البدع والهرطقات مثل الآريوسية والبيلاجية التي اشترك مع أغسطينوس في مواجهة تعاليمها، كما كان له موقفه المقاوم بشدة للتعاليم الأوريجانية والذي اختلف بسببه مع صديق روفينوس ودخل في العديد من الجدالات، وفي عام 414 م. وقف جيروم ضد بيلاجيوس المبتدع في أورشليم مدافعًا عن العقيدة الصحيحة، وفي عام 416 م. انتقم البيلاجيون من جيروم وأحرقوا ديره، وبعد أربعة أعوام تنيح جيروم أي في عام 420 م. ودفُن في أورشليم في بيت لحم.
وتتمثل إسهامة جيروم التاريخية في كتابه "مشاهير الرجال De Visis Illustribus" وهو تأريخ لسير وأعمال الكُتاب الكنسيين، ويقول في مقدمة هذا العمل "سأكتب أولًا عن هؤلاء الرجال المشاهير ورسائلهم إلى الأمم وعن كل الذين لهم مؤلفات وتأملات عن الإنجيل المقدس، بداية من آلام السيد المسيح وحتى السنة الرابعة عشر من عهد الإمبراطور ثيودوسيوس".
وقد كتب هذا العمل في بيت لحم عام 392 م. استجابة لطلب صديقه دكستر Dexter، وكان يهدف بذلك إلى الرد على الوثنين والهراطقة الذين اتهموا المسيحيين بالجهل وبأنه ليس بينهم علماء ولا دارسين.
ولأن جيروم عقد اعتمد على "التاريخ الكنسي" ليوسابيوس القيصرى، لذلك وقع في نفس أخطائه لكنه على أيه حال قدم لنا في عمله هذا مرجعًا هامًا وثمينًا في دراسة علم الباترولوجى.
كما يذكر التاريخ لجيروم ترجمته لكتاب "التاريخ Chronicle" ليوسابيوس القيصرى، وأيضًا ترجماته للأعمال الجدلية ذات القيمة التاريخية الفائقة، كما ونجد بين رسائل جيروم وثائق هامة خاصة بالقديس ثيوفيلس السكندري، ومضابط مجمع مكاني عقُد في أورشليم، ونصوص شرقية أخرى ترجمتها ونُشرت في الغرب بهدف جدلي، ومن هذه الوثائق نذكر:
- الرسالة رقم 51 من أبيفانيوس (انظر كتابنا "القديس إبيفانيوس أسقف سلاميس.. صائد الهرطقات" ضمن هذه السلسلة اخثوس) ΙΧΘΥΣ إلى يوحنا أسقف أورشليم.
- الرسالة رقم 87 و89 من ثيوفيلس إلى جيروم.
- الرسالة رقم 90 من ثيوفيلس إلى أبيفانيوس اسقف سلاميس
- الرسالة رقم 91 من إبيفانيروس إلى جيروم.
- الرسالة رقم 92 و93 وهما رسالة مجمعية أرسلها ثيوفيلس، ورد ديونيسيوس أسقف Lydda عليها.
- الرسالة رقم 96 و98 وهما رسالتان فصحيتان كتبهما ثيوفيلس.
- الرسالة رقم 113 من ثيوفيلس إلى جيروم.
وبجانب هذه الأعمال العديدة ذات القيمة التاريخية الثمينة، كان لجيروم أعماله الأخرى، فترجم الأناجيل والأسفار القانونية الثانية، ونسخة منقحة من الهكسابلا (السداسيات)، ونسخة منقحة من المزامير، وترجم عظات أوريجين وديديموس الضرير، ووضع الكثير من التفاسير الكتابية والرسائل.

Mary Naeem 15 - 05 - 2014 05:49 PM

رد: كتاب الآباء المؤرخون: مصادر التاريخ الكنسي
 
روفينوس المؤرخ | الهستوريا موناخورم

Tyrannius Rufinus / Rufinus of Aquileia
وُلد تيرانوس روفينوس Tyrannius Rufinus نحو عام 344 أو 345 م. في مدينة كونكورديا Concordia بالقرب من أكويلا Aquileia من أسرة مسيحية، وتتضح لنا معرفته المبكرة بجيروم من انه عندما ذهب جيروم مع بونوسوس Bonosus إلى الغال (فرنسا) طلب روفينوس منه أن يرسل له نسخة من أعمال القديس هيلارى أسقف بواتييه عن المزامير وعن المجامع.
ونار روفينوس صبغة المعمودية المقدسة وهو في عامه الثامن والعشرين (وقد كتب وصفًا لمعموديته في دفاعه)، وكان يحيا في ذلك الوقت في أكويلا، وكان عضوًا في شركة رهبانية تضم بين أعضائها جيروم.
وعندما تفرقت هذه الجماعة النسكية، صاحب روفينوس السيدة الرومانية الثرية ميلانيا في رحلتها للشرق، وزار أديرة مصر وكان له اشتياق أن يبقى في براري مصر، إلا انه حدث أن شن أسقف الإسكندرية الآريوسى لوسيوس اضطهادًا ضد مستقيمي الإيمان بتأييد من الحاكم، فسُجن روفينوس لفترة من الوقت ثم طرد بعد ذلك من مصر.
ويذكر في دفاعه أنه أقام في مصر لمدة ست سنوات، وأنه عاد إليها ثانية بعد فترة وقضى فيها عامين وانه كان تلميذًا للقديس ديديموس الضرير مدير مدرسة الاسكندرية اللاهوتية الذي كتب له مقالًا عن موت الأطفال، كما يذكر أنه تتلمذ للقديس ثيوفيلس الذي صار بطريركًا للإسكندرية فيما بعد، كما يخبرنا أن رأى العديد من المشاهير النساك الأقباط مثر سرابيون ومكاريوس.
وبحسب جيروم، استقرت ميلانيا في جبل الزيتون عام 377 م. وفي الغالب سافر روفينوس معها عام 379 م. واستقر هناك لمدة 18 عامًا أي حتى عام 397 م.
وفى أورشليم، سيم روفينوس شماسًا وكان ذلك في الوقت الذي صار فيه يوحنا -الذي كان على صلة وثيقة بروفينوس- أسقفًا لأورشليم خلفًا للقديس كيرلس الأورشليمى، وساعدت ميلانيا روفينوس بما لها من أموال فبنى ديرًا على جبل الزيتون وجعل العمل الأساسي لرهبانه هو الدراسة والأعمال الفكرية ونسخ المخطوطات.
ومن جيروم نعرف أن روفينوس كان يقرأ لآباء الكنيسة اليونانية بمهارة ويحاضر عنهم، ومن المحتمل انه كان يحاضر باليونانية لأنه يقول عام 397 م. أن لغته اللاتينية قد ضعُفت بسبب عدم الممارسة.
ويروى روفينوس أنه ذهب إلى أديسا وأنه رأى هناك جماعات من الرهبان شبيهة بهؤلاء الذين رآهم قبلًا في مصر، إلا أن تاريخ هذه الرحلة غير معروف، وربما قام بها لكي يزور بعض أماكن النفي من مصر والتي كان ينفى إليها مستقيمو الإيمان المقاومين للآريوسية، قبل أن يؤسس دير جبل الزيتون.
وبعد حدوث الجدال الخاص بتعاليم أوريجانوس، والذي كان لجيروم فيه دورًا أساسيًا، عاد روفينوس إلى ايطاليا بصحبة ميلانيا في بدايات ربيع عام 397 م، وذهبت ميلانيا إلى روما أما هو فمكث في دير Pinetum بالقرب من Terracina.
وفى سنة 398 م. انتقل روفينوس إلى روما حيث عاش مع ميلانيا وأسرتها، وإذ حدث جدال شديد بين روفينوس وجيروم بسبب صدور ترجمة روفينوس لكتاب أوريجانوس "المبادئ" مسبوقة بمقدمة من وضع روفينوس، غادر الأخير روما نحو عام 398 م.، بعد أن أخذ رسالة اعتماد من البابا سيريسيوس Siricius تقدمه إلى الكنائس الأخرى.
وبعد ذلك عاد روفينوس إلى روما، ثم رافق ميلانيا في رحلتها إلى فلسطين كما يخبرنا في ترجمته لتفسير أوريجين لسفر العدد، وتنيح بعد ذلك بقليل.
ورغم جداله وخلافه مع جيروم إلا أنه كان ذا مكانة وتقدير عال عند آباء الكنيسة المشهورين، مثل أغسطينوس الذي يتحدث عنه بكل حب وتوقير وبالاديوس الذي يصفه بكل إجلال واحترام.
وإن كانت ترجمة روفينوس المنقحة والمزيدة لكتاب "التاريخ الكنسي" ليوسابيوس القيصرى تُعد من إسهاماته في التاريخ المسيحي، إلا أن العمل العظيم الذي يُنسب إليه هو الهستوريا موناخورم أو تاريخ الرهبنة في مصر.
الهستوريا موناخورم: تاريخ الرهبنة في مصر

Historia Monachorum in Aegypto
وهو يروى قصة زيارة سبعة من الأخوة -من بينهم كاتب هذا العمل- لبراري مصر أثناء شتاء عام 394، 395 م.، ويصف الكثير من النساك والمتوحدين من أقصى الصعيد إلى أقصى الشمال.
وأختلف العلماء والدارسون في تحديد شخصية كاتب هذا العمل الهام، فنهم من رأى أنه روفينوس، ومنهم من قال أنه تيموثاوس بطريرك الإسكندرية كما قال سقراط في تاريخه، وفريق ثالث قال أن سقراط قد أخطأ بينما المقصود ثيموثاوس الشماس، وآخرون يعتقدون انه الراهب بترونيوس الذي صار أسقفًا على بولونيا.
ويستعرض هذا الكتاب أحاديث عن آباء صعيد مصر وآباء نتريا والقلالى وشيهيت، مع وصف لأقاليم اكسيرنيكوس (البهنسا) ونتريا ومنف والرهبان المقيمين بها، ومجموع الآباء المذكورين في هذا العمل هم 25 أبًا.
ولهذا الكتاب مكانة هامة متميزة، وكان له أكبر الأثر في التعريف برهبان مصر في الشرق والغرب، فلعب دورًا مثيلًا لذلك الذي قام به كتاب التاريخ اللوزياكى لبالاديوس، والذي غالبًا ما يُكتب معه في المخطوطات.
ونص هذا العمل موجود في نسختين يونانية ولاتينية، وكان يُظن قبلًا أن النسخة اللاتينية والتي وضعها روفينوس هي الأصل وأن النسخة اللاتينية والتي وضعها روفينوس هي الأصل وأن النسخة اليونانية هي ترجمة لها (ولهذا كان يُعتقد أن روفينوس هو كاتب هذا العمل)، لكن ثبت حديثًا أن النسخة اليونانية هي الأصل وأن النسخة اللاتينية ليست إلا ترجمة قام بها روفينوس.

Mary Naeem 15 - 05 - 2014 05:50 PM

رد: كتاب الآباء المؤرخون: مصادر التاريخ الكنسي
 
يوحنا كاسيان

JOHN CASSIAN
وُلد يوحنا كاسيان نحو عام 360 م. (اكتفينا هنا بعرض موجز لسيرة وأعمال كاسيان إذ أفردنا له كتابًا كاملًا ضمن هذه السلسلة اخثوس ΙΧΘΥΣ بعنوان "القديس يوحنا كاسيان")، ونال تعليمًا أدبيًا في شبابه، ونحو عام 380 م، انضم كاسيان وصديقه جرمانوس إلى دير في بيت لحم حيث قضى هناك عدة سنوات وتأدب بآداب أديرة سوريا، ثم قدم إلى مصر مع صديق جرمانوس ليتتلمذ على أيدي قديسيها.

وبعد أن قضى الصديقان سبع سنوات في مصر، عادا إلى ديرهما في بيت لحم، لكن ما لبثا أن زارا مصر مرة ثانية.
وبعد ذلك ذهب كاسيان إلى القسطنطينية حيث سامه القديس يوحنا فم الذهب شماسًا، وهناك شهد كاسيان وجرمانوس الأحداث التاريخية المؤدية إلى خلع ونفى فم الذهب.
وفي عام 404 م. ذهب إلى روما حاملًا رسالة التماس إلى البابا أنوسنت Innocent من أكليروس القسطنطينية يؤيدون فيها القديس يوحنا فم الذهب، ومكث هناك لفترة من الوقت، وربما كانت سيامته كاهنًا بيد أنوسنت في ذلك الوقت.
ومن روما عاد كاسيان إلى فرنسا حيث استقر في مرسيليا وأسس ديرين وسط الغابات الكثيفة، أحدهما للرهبان ويُقال أنه بُني على قبر القديس بقطر وهو شهيد من عصر دقلديانوس والآخر دير للعذارى.
ولما كان لكاسيان من خبرة ودراية بالأنظمة الرهبانية في مصر، كان يُنظر إليه كمرجع ومصدر ثقة، ويُعد هو المنظم والمدبر الأول للرهبنة الغربية إذ نقل كل التراث القبطي من تعاليم وتسابيح وصلوات إلى الغرب.
أما عن الدور التأريخي الهام الذي لعبه كاسيان، فنراه جليًا عند دراستنا لكتابيه "المناظرات"و "المؤسسات":
المناظرات: أو المقابلات Conferences وهي أحاديث كاسيان
وجرمانوس مع مشاهير الآباء الأقباط والتي يقدمون فيها التعاليم الرهبانية القبطية.
المؤسسات: وفيه شرح كاسيان القوانين الرهبانية، والخطايا الثمانية التي تعيق الإنسان في جهاده الروحي.
ويُعد هذان العملان من الأعمال الهامة في التأريخ للرهبنة والنسك القبطي في القرن الرابع، إذ يمدنا بصورة حية عن الأنظمة والتقاليد الرهبانية في ذلك الوقت مع التعريف بآباء تلك الفترة.
وبجانب هذين العملين التاريخيين كتب كاسيان بحثًا في سبع مجلدات "عن التجسد ضد نسطور".

Mary Naeem 15 - 05 - 2014 05:52 PM

رد: كتاب الآباء المؤرخون: مصادر التاريخ الكنسي
 
بالاديوس

PALLADIUS
هو مؤلف "التاريخ اللوزياكي Historia Lausiaca - Lausiac History" وهو من أهم الوثائق التي تمدنا بمعرفة عن تاريخ الرهبنة القبطية في القرن الرابع (1).
وُلد بالاديوس في غلاطية نحو عام 363 أو 364 م، ولا نعرف شيئًا عن أسرته إلا من إشارة وردت في تاريخه ونعرف منها أن أباه كان لا يزال على قيد الحياة حتى عام 394 م.، وأن أخاه وأخته قد اختاروا الحياة الرهبانية، ومن كتابه "الحوار" نعرف أن أخاه كان يُدعى بريسون وأنه كان أسقفًا، وقد نال بالاديوس تعليمًا وافيًا في الدراسات الكلاسيكية(2).
ولما بلغ بالاديوس عامه الثالث والعشرين، ترهب في جبل الزيتون حيث تتلمذ على الأب اينوسنت عندما كان روفينوس وميلانيا يعيشان هناك، وفي حوالي عام 388 م.، قدم إلى مصر ليتتلمذ على نساكها، وبعد أن قضى عامًا في الإسكندرية تعلم فيه على يد ديديموس الضرير وتتلمذ للقديس ايسيذروس السكندري الذي علمه بدايات الحياة النسكية، تتلمذ على يدي دروثيوس Dorotheus الناسك في صوامع المتوحدين خارج المدينة على بعد خمسة أميال.

وإذ اعتلت صحته، ذهب إلى نتريا (3) حيث كان هناك بعض الرهبان الذين عاصروا القديس أنطونيوس والقديس أمون، ثم ذهب إلى القلالي حيث قضى 9 سنوات أولًا مع مكاريوس السكندري قس هذه البرية، ثم مع إيفاجريوس البنطي الشهير بمار أوغريس والذي كان له أكبر الأثر على بالاديوس، ومن هناك ذهب لزيارة القديس يوحنا التبايسي الأسيوطي الشهير الذي تنبأ له بأنه سيصير أسقفًا إذا غادر البرية.
وعندما مرض بالاديوس ثانية، رجع إلى الإسكندرية للعلاج (4)، ولكن الأطباء نصحوه بالعودة إلى فلسطين لأن الجو هناك أنسب لصحته، فغادر مصر في الغالب في نهاية عام 400 م.، بعد نياحة إيفاجريوس البنطي بزمان قليل، بينما كانت مهاجمة القديس ثيوفيلس البطريرك السكندري للأوريجانيين على أشدها.
وسيم بالاديوس أسقفًا على هيلينوبوليس Helenpolis في بيثينية Bethynia وسرعان ما دخل في غمار الجدال الأوريجاني وفي عام 403 م. دافع عن القديس يوحنا فم الذهب، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى.وفي عام 405 سافر إلى روما أيضًا للدفاع عن ذهبي الفم أمام البابا أنوسنت، وفي العام التالي نفاه الأمبراطور أركاديوس إلى سيناء في مصر، ثم أمضى أربع سنوات في صعيد مصر في مدينة Antinoopolis وزار في ذلك الوقت أديرة تلك المنطقة.
وفي عام 412، 413 م. سُمح له بالعودة من المنفى، فعاد إلى غلاطية، وكان في ذلك الوقت بحسب سقراط قد نُقل من كرسي هيلينوبوليس إلى كرسي أسبونا Aspona في غلاطية، وهناك نحو عام 419، 420 م. كتب عمله "التاريخ اللوزياكي"، وقد تنيح قبل مجمع أفسس الذي انعقد عام 431 م. بزمان قليل.
التاريخ اللوزياكي Λαυσιακον - Historia LLausiaca

وقد سُمي هكذا لأنه أهداه إلى لوزوس Lausus الذي كان يعمل في بلاط الإمبراطور ثيودوسيوس الثاني.
وقد كتبه عام 419-420 م. عن "أصدقاء الله Φιλοθεοσ" أي الرهبان، وهو يقدم وصفًا للحركة الرهبانية في مصر وفلسطين وسوريا وآسيا الصغرى في القرن الرابع، ولذلك يُعد مصدر جل هام لتاريخ الرهبنة المبكر.
ويأخذ هذا العمل شكل سلسلة من سير أهم وأشهر آباء ورهبان تلك الفترة، خاصة رهبان مصر، ويتحدث بالاديوس في الجانب الأكبر من العمل عن الرهبان الذين عرفهم شخصيًا، أو عن هؤلاء الذين استطاع أن يجمع عنهم شهادة أناس يعرفونهم خاصة في براري نتريا والقلالي أو الأسقيط، أما معرفته بالأديرة الباخومية فقد استمدها من إحدى الوثائق القبطية. ورغم أن العمل في ألفاظه وأفكاره يحمل أثار إيفاجريوس البنطي إلا أنه ليس هناك أي إشارة إلى آية نظرية نسكية عقلانية، لكن مجرد سرد للسير والحقائق.
وبجانب هذا العمل التاريخي الهام جدًا، وضع بالاديوس عملين آخرين كان لهما أيضًا قيمتهما التاريخية العالية.
2) حوار عن حياة القديس يوحنا فم الذهب.

Dialogue on the Life of St. John Chrysostom
ويُعد هذا الكتاب أهم عمل تاريخي سجل السنوات الأخيرة من حياة القديس ذهبي الفم، وقد كتبه نحو عام 408 م. عندما كان في المنفى في سيناء، وهو حوار خيالي يُفترض أنه يحدث في روما بعد نياحة فم الذهب عام 407- 408 م. بزمان قليل، بين أسقف شرقي وبين شماس روماني يُدعى ثيودور، ويتضمن أساسًا دفاعًا عن فم الذهب.
3) عن شعب الهند والبراهمة

On The People Of India and The Barahmins
وهي رسالة صغيرة محفوظة تحت اسم بالاديوس، وتتكون من أربعة أقسام، لكن يبدو أن القسم الأول فقط من وضع بالاديوس، ويصف هذا العمل خبرات دارس مصري في رحلته إلى الهند، والنص كله محفوظ في ترجمة لاتينية تُنسب إلى أمبروسيوس.

Mary Naeem 15 - 05 - 2014 05:53 PM

رد: كتاب الآباء المؤرخون: مصادر التاريخ الكنسي
 
سلبيسيوس ساويرس

SULPICIUS SEVERUS
يخبرنا ساويرس نفسه بلقبه "سلبيستوس"، والجانب الأعظم من معرفتنا بسيرته نستقيه من عمل جناديوس "مشاهير الرجال" ومن رسائل صديقه بولينوس Paulinus.
وُلد في عائلة أرستقراطية في Aquitaine نحو عام 360 م. ودرس القانون والكلاسيكيات وعمل بالمحاماة.
عندما تنيحت زوجته، ترك الحياة العامة (1) وتعمد عام 381 م. ومتبعًا مثال صديقه بولينوس، اتجه إلى الحياة النسكية إذ تأثر بمثال ونصيحة مارتين أسقف تورز Martin of Tours والذي كان يزوره دومًا، واستقر ساويرس في ضيعة في جنوب فرنسا حيث عاش مع مجموعة من أصدقائه في شركة رهبانية.
ويذكر جناديوس أنه كان كاهنًا، رغم أن معاصريه يذكرون أنه كان علمانيًا، وقد تنيح بين عامي 420 م، 425 م.
وتتركز أهمية ساويرس التاريخية في عمله "التاريخ Chronicle "والذي أصدره بعد عام 400 م، ويصف فيه التاريخ المقدس منذ الخليقة وحتى عام 400 م. بأسلوب كلاسيكي راق، مستعينًا بالأعمال الوثنية بجانب الأعمال المسيحية.
وقد اعتمد في عمله هذا، على الكتاب المقدس، ولكنه اهتم بالتاريخ أكثر من اللاهوت والعقيدة، فعندما يتحدث عن الهرطقات، إنما يفعل ذلك لكي يسرد تتابع الأحداث فقط، كما اعتمد على ترجمة جيروم لكتاب "التاريخ" ليوسابيوس القيصري، وقد وصلنا كتاب ساويرس "التاريخ" في مخطوطة واحدة من القرن الثاني عشر (2).
وبجانب هذا العمل التاريخي، كتب حياة مارتين، وثلاث رسائل، وكتاب "الحوارات" (3).
ويذكر جناديوس أن ساويرس مال في آخر أيامه إلى البيلاجية، ومن الإشارات الواردة في أعماله نعرف أنه عاش حتى عام 420 م.

Mary Naeem 15 - 05 - 2014 05:55 PM

رد: كتاب الآباء المؤرخون: مصادر التاريخ الكنسي
 
سقراط المؤرخ

Socrates of Constantinople
وُلد (1) في مدينة القسطنطينية (2) نحو عام 379 م. أو 380 م. وتعلم على يدي أمونيوس وهيلاديوس وهما اثنان من معلمي البلاغة والنحو، وكانا من كهنة الأوثان في مصر، وهربا منها بعد انهدام السيرابيوم في زمان البطريرك ثيوفليس.
وقضى سقراط معظم أيامه في القسطنطينية وكان يفتخر بمواطنته فيها ويروي الكثير عنها، وقد درس القانون واشتغل بالمحاماة لبعض الوقت، واستجابة لطلب شخص يُدعى ثيودورس Theodorus (3) كتب تكملة للتاريخ الكنسي الذي وضعه يوسابيوس القيصري.
ويرى بعض المؤرخين أنه كان من اتباع نوفاتيان الهرطوقي ودليلهم على هذا هو أنه يذكر أسماء الأساقفة النوفاتيين الذين تتابعوا على القسطنطينية (4)، ويذكر أسماء آخرين(5) في أماكن أخرى، ويعرف مشاكلهم وأمورهم الداخلية (6)، ويسجل نقدهم للقديس يوحنا ذهبي الفم (7).

إلا أن البعض الآخر من الدارسين يدافع عنه، ويقولون أن كل ما ذكره عن النوفاتيين في تاريخه، إنما كتبه بسبب موضوعيته الكاملة، علاوة على عدم اهتمامه بالاختلافات اللاهوتية والعقيدية، فهو يتناول باقي الهرطقات بنفس الطريقة
وقانون الإيمان الذي كتبه سقراط بسيط جدًا، وأهم ما فيه هو عقيدة الثالوث، وفيه يدافع عن قانون الإيمان النيقاوي ضد الآريوسية وسائر الهرطقات التي تهاجمه، وكان يؤمن بالوحي والإلهام في في المجامع المسكونية تمامًا مثل الوحي الذي في الكتاب المقدس، وكان مقتنعًا بأنه لابد أن يقبل -دون نقاش- قرارات المجامع، كما يقبل تعاليم الكتاب المقدس بتسليم.
وقد دافع عن أوريجانوس، وهاجم ميثوديوس ويوستاثيوس وأبوليناريوس (8) لأنهم حاولوا التقليل من شأن العلامة السكندري، إذ كان يرى أن خلاف أو جدال حول الأمور العقيدية هو غير ضروري، ويحب أن يحيل النقاط والموضوعات العقيدية إلى الإكليروس ليجيبوا عليها ويفصلوا فيها، لا يتردد في الاعتراف بعدم معرفته وعدم قدرته على الإجابة على التساؤلات اللاهوتية، وكان يحترم الكنيسة ومؤسساتها ويوقر ويجل رجال الإكليروس بسبب نعمة الكهنوت المعُطاة لهم، ورغم أنه انتقد فم الذهب وكيرلس الكبير، إلا أن الأسقف عنده محاط بهالة من القداسة والراهب هو نموذج التقوى والنسك.
كذلك كان سقراط قارئًا ودارسًا للكتابات والأعمال الوثنية، وكان يرى أن دراستها ضرورية من أجل الرد على الوثنيين في الجدالات العقيدية.
تاريخه الكنسي

يذكر سقراط في عمله هذا أن دوافعه لكتابته كانت محبته للتاريخ خاصة تاريخ الأيام والأحداث التي عاصرها هو، واحترامه للعلامة يوسابيوس القيصري أبو التاريخ الكنسي، وطلب ثيودورس الذي يُهدي غليه العمل.
ويستهل كتابه بشرح هدفه وهو المعالجة التاريخية لما أغفله يوسابيوس في تاريخه، وإعادة شرح كل ما لم يشرحه يوسابيوس شرحًا وافيًا (بحسب رأي سقراط)، وهكذا يبدأ عمله بجلوس قسطنطين على العرش في سنة 306 م.، وينتهي عمله بعام 439 م.، وهكذا تضمن تاريخه 133عامًا، وينتهي عمله بجلوس الإمبراطور ثيودوسيوس الصغير على العرش، وهي نفس نهاية عمل سوزومين.
ولا نعرف لماذا لم يستكمل سقراط كتابه ليغطي فترة زمنية أحدث من ذلك، لكن ربما يكون هذا بسبب مفهومه عن أن التاريخ لا يُكتب إلا في أزمنة الاضطرابات والجدالات وليس في أزمنة السلام، والفترة بعد عام 439 م. كانت فترة سلام وهدوء.
والفترة التي أرخ لها كانت مليئة بالأحداث، إذ عُقدت فيها أهم المجامع:

مجمع نيقية عام 325 م
مجمع القسطنطينية عام 381 م.
مجمع أفسس الأول 431 م.
مجمع أفسس الثاني 449 م
مجمع خلقيدونية عام 451 م
ففي هذه الفترة استراحت الكنيسة من الحروب الخارجية، وبدأت تواجه حروبا داخلية من الهراطقة والمبتدعين والمنحرفين عن الإيمان.
ومن الناحية الجغرافية، كان عمل سقراط محصورا في الشرق، فلا يتحدث عن الكنيسة الغربية إلا في الأمور التي تتصل بالشرقية، وقسم العمل إلى سبع كتب بحسب تتابع الأباطرة في القسم الشرقي من الإمبراطورية الرومانية.
والكتب السبعة تغطى فترة حكم 8 أباطرة شرقيين، اثنان منهما (يوليان 361: 363 م. – وجوفيان 363: 364 م) كان تاريخيهما موجزين فوضعا في كتاب واحد، وبعد ذلك أفرد المؤلف لكل إمبراطور كتابا خاصا به.
الكتاب الأول: الكنيسة تحت حكم قسطنطين الكبير 306: 337 م.
الكتاب الثاني: الكنيسة تحت حكم قسطنطين الثاني 337: 360 م.
الكتاب الثالث: الكنيسة تحت حكم يوليان وجوفيان 360: 364 م.
الكتاب الرابع: الكنيسة تحت حكم فالنس 364: 378 م.
الكتاب الخامس: الكنيسة تحت حكم ثيودوسيوس الكبير 379: 395 م.
الكتاب السادس: الكنيسة تحت حكم أركاديوس 395: 408 م.
الكتاب السابع: الكنيسة تحت حكم ثيودوسيوس الصغير 408: 439 م. وهي الفترة التي كتب فيها العمل.
وكما يتضح من عنوان العمل "التاريخ الكنسي" كان هدف العمل الأساسي هو التأريخ للأحداث الكنسية، لكن المؤلف يجمع بين التأريخ للكنيسة والتأريخ الأحداث السياسية وأمور الإمبراطورية.
وكان سقراط يسعى دوما للوصول إلى المصادر الأولية، وجانب كبير من هذا العمل مأخوذ من التقليد الشفاهي، إذ كان يحاول الوصول إلى وصف شهود العيان بقدر الإمكان (9).
ومن الأعمال المكتوبة، استخدم "التاريخ الكنسي" و"حياة قسطنطين" للعلامة يوسابيوس القيصرى (10)، وكذلك أعمال روفينوس، وكتاب "الأعمال" لمؤلفه أرشيلاوس Archelaus وكتاب "مجموعة من أعمال المجامع" لمؤلفه سابينوس Sabinus والذي ينتقده لعدم موضوعيته.
كما استعان بكتاب "الإنسان الثابت- انكوراتوس" للقديس أبيفانيوس، وأعمال أثناسيوس (11) "الدفاع -عن المجامع- عن قانون الإيمان"، وأيضًا أعمال إيفاجريوس (12) وبالاديوس (13) ونسطور (14) وأوريجين (15).
وهو على معرفة بالكتاب المسيحيين السابقين لأوريجين مثل إيريناؤس وكلمنضس السكندرى وسرابيون وآخرين، لكن يبدو أنه لم يستخدم كتاباتهم كمراجع في عمله.
كذلك استعان بكتاب آخرين ووثائق رسمية ورسائل أسقفية ورعوية، وقرارات وأعمال ووثائق أخرى لا يذكرها بالتدقيق.
وبالجملة يعتبر استخدامه لكافة هذه المصادر والمراجع دليلا على شمولية كتابه بالنسبة للزمان والظروف التي كتب فيها.
ومن أهم السمات والمميزات في تاريخ سقراط هي الموضوعية التامة، فهو أكثر الكتاب المسيحيين في أيامه موضوعية في تاريخه للهراطقة والمبتدعين، وكي يحافظ على هذه الموضوعية لم يمدح أحدا قط ما عدا الإمبراطور ثيودوسيوس الصغير.
كذلك يتميز أسلوبه بالبساطة والسهولة، فمن بداية الكتاب وهو يعلن رغبته في استخدام لغة سهلة واضحة غير متكلفة.
لكن من مآخذ هذا العمل كانت الأخطاء العديدة في تأريخه للقديس باسيليوس الكبير وللقديس غريغوريوس النزينزى ويوسابيوس غيرهم، وأيضًا جهله بأمور الكنيسة الغربية.
والنص الذي وصلنا هو الإصدار الثاني الذي نشره سقراط من هذا العمل، ذلك انه بعد أن نشر كتابه للمرة الأولى اكتشف أن بعض المصادر التي اعتمد عليها قد جانبها الصواب، خاصة روفينوس، والذي اكتشف أخطائه التاريخية من خلال قرائته لمؤلفات القديس أثناسيوس.
وقد استعان سوزومين بتاريخ سقراط في كتابة تاريخه الكنسي، وفي بدايات القرن السادس ترجمه ابيفانيوس السكولاستك (أى الدارس أو المتعلم) مع تاريخ سوزومين وثيودورت.
وأفضل مخطوطتين موجودتين ترجعان إلى القرن 10، 11 وقد عثر على ترجمة أرمنية لهذا العمل وترقى إلى القرن السابع ونشرت عام 1897 م.

Mary Naeem 15 - 05 - 2014 05:57 PM

رد: كتاب الآباء المؤرخون: مصادر التاريخ الكنسي
 
سوزومين المؤرخ

Sozomen - Σωζομενός
ولد سوزومين ما بين عاميّ 370 م. وعام 380 في شمال غزة بفلسطين، واسمه بالكامل هو سالامينوس هرمياس سوزومين Salaminus Hermias Sozomen، ومن المؤكد انه تعلم على أيدي الرهبان (2)، إذ كان الطابع النسكي هو السائد في هذا الإقليم (نتيجة لتأثير القديس هيلاريون الكبير الملقب بأنطونيوس غزة والشام) وقد تعرف سوزومين على عدد كبير من الآباء الرهبان الذين يذكر أسمائهم، وجميعهم كانوا تلاميذ القديس هيلاريون.
لذلك كان يؤكد على أن الحياة النسكية هي الفلسفة الحقيقية، ويعمل على إعلان مجيئه وإخلاصه لمؤسسيها في تأريخه، إذ أراد أن يذكر آباء الرهبنة وقادتها العظماء في الأماكن المختلفة، بل وجعل ذلك سمة لمعالجتها التاريخية لحياة الكنيسة.

بيد أنه ليس هناك أي دليل على أنه كان راهبًا، فمع إعجابه بعظمة الرهبنة الروحية، إلا أنه لا يقول أبدا أنه اتبع هذا الدرب المقدس، بل انه ينكر على نفسه حقه أو قدرته على اتباع تلك السيرة الملائكية.
وكان الجانب الأعظم من دراسته باللغة اليونانية، والتي كان بارعا فيها، بل انه صار واحدا من أبرع الكتاب في أيامه كما يذكر فوتيوس المؤرخ.
ومن معرفته بالأسماء السريانية والأرامية، ونطقه السليم لها، ومعرفته الواسعة بتاريخ الكنيسة السريانية، نستدل على انه كانت له معرفة مثيلة على الأقل بإحدى لهجات تلك اللغة.
وتتضح معرفته باللغة السريانية من مقارنته بين أعمال مار آفرام في لغتها الأصلية وبين ترجمتها في اللغة اليونانية، ومن حديثه عن الرهبان السريان (3)، وكذلك استخدامه للوثائق التي كتبها مسيحيو سوريا وفارس خاصة اديسا Edessa، وذلك كي يحفظ تاريخ الكنيسة الفارسية وتاريخ شهدائها الكثيرين (4).
أما عن معرفته باللغة اللاتينية، همن الصعب الفصل في هذا الأمر، فمن ناحية، يحتم عليه عمله كمحامى أن يفهم لغة القضاء أي اللاتينية لأن كل الأحكام والقوانين كانت مكتوبة باللغة اللاتينية، ومن الناحية الأخرى، عندما يستشهد بالوثائق اللاتينية، ينقلها عن ترجمات يونانية (5).
وكان سوزومين ذا ثقافة عالية ومعرفة ودراية بالفلسفات والكتابات الأدبية غير المسيحية (6).
أما عن تعليمه المسيحي، فقد كان يعترف بقانون الإيمان النيقاوي، ويقر بعدم درايته التامة بالأمور اللاهوتية (7)، إذ بعد أن يسرد نص رسالة القديس غريغوريوس النزينزي إلى نكتاريوس Nectarius يقول (8) للقارئ انه لا يستطيع القول أنه يفهم أو يشرح هذه الأمور بسهولة.
كذلك نجده يدافع في تاريخه عن القديس يوحنا فم الذهب (9) ضد الاتهامات التي وجهت إليه، مثل تلك التي ذكرها سقراط في تاريخه.
تاريخه الكنسي

بدأ سوزومين في كتابة تاريخه الكنسي في النصف الثاني من عام 443 م. وانتهى منه تقريبا عام 447 أو 448 م، وقد كتبه ليكون تكملة لتاريخ يوسابيوس القيصري (10).
ومن الفصل الأول من تاريخه الكنسي (11)، نعرف أن هذا لم يكن عمله الأول، بل كان وضع قبلا ملخصا لتاريخ الكنيسة منذ صعود المسيح وحتى عام 323 م، ولكن هذا العمل قد فقد.
ويتكون "التاريخ الكنسي" لسوزومين من 9 كتب يسبقها إهداء إلى الإمبراطور ثيودوسيوس الثاني، وهو يقدم قائمة بمحتويات العمل توضح لنا أن نهاية الكتاب الأخير والتي تغطى الأحداث من عام 425: 439 م. قد فقدت، وهي كما يلي:
الكتابان الأول والثاني: تاريخ الكنيسة أثناء حكم قسطنطين
الكتابان الثالث والرابع: تاريخ الكنيسة أثناء حكم أبناء قسطنطين
الكتابان الخامس والسادس: تاريخ الكنيسة أثناء حكم يوليان وجوفيان وفالينتينيان وفالنس

الكتابان السابع والثامن: تاريخ الكنيسة أثناء حكم جراتيان وفالينتينيان وحتى هونوريوس
الكتاب التاسع: تاريخ الكنيسة أثناء حكم ثيودوسيوس
وفى تاريخه، أراد أن يثبت أن العناية الإلهية تقود الكنيسة وترشدها (12)، كما أكد على أن عقيدة الكنيسة الجامعة هي العقيدة الأصلية الحقيقية، ويتحدث عن الأسفار المقدسة بكل وقار واحترام، ويتحدث أن الرمزية هي منهج التفسير (13).
ورأى أن قانون الإيمان هو نهائي أي لا يضاف إليه شيء أو ينقض منه شيء، لكنه لم يكتبه ضمن تاريخه خوفًا من أن يطلع عليه غير المعتمدين (14).
ونجد في تاريخه دليلا على تكريم أجساد القديسين، وهو يذكر منهم (15): ميخا، حبقوق، زكريا، يوحنا المعمدان، اسطفانوس، الأربعين جنديًا، وهيلاريون الكبير، ولكن أهم البركات الروحية هو صليب المسيح والمسامير التي دقت في يديه فهي كنوز مقدسة روحية تصنع العجائب التي لا تنتهي.
والمسيحية عنده هي ديانة مسكونية وهي الوحيدة، ويتتبع انتشارها في شتى الاتجاهات، لذا كان أول مؤرخ بقدم وصفا أشمل للمسيحية في سوريا وفلسطين، ويتحدث عن بعض أبعاد الحياة المسيحية والألم في أديسا، ولكنه لا يتحدث على الإطلاق عن الكنيسة في إفريقيا، ويروى القليل جدا عن الكنيسة في الغرب، وذلك فيما يتعلق بصلتها بالشرق، ويهتم بالحديث عن العمل الكرازي قصة الكنيسة في أيبيريا، أرمنيا، الهند، القوط.
وكما ذكرنا سلفًا، كان يوقر الرهبنة كمثال ونموذج وغاية للحياة المسيحية (16)، وكان يرى فيها فلسفة جهاد من أجل نصرة الروح على الجسد ومن أجل اقتناء الكمال، وهي أعظم فلسفة نالها الإنسان من الله وتفوق كل عرفة آخرى، وأعظم وأهم أعمال الرهبنة هو تلمذة النفس وضبطها وعبادة الخالق وتحرير الروح من أمور هذا العالم.
ولأن سوزومين كان معاصرًا لسقراط، لذلك كان هناك تشابه بينهما، وهناك صفحات طويلة كاملة تتطابق في العملين أو تختلف فقط في كلمات قليلة، وهكذا يتأكد أن أحدهما كان يعتمد على الآخر، ويؤكد الدارسون أن سوزومين كثيرا ما ينقل نصوص سقراط، رغم أنه لا يذكر ذلك (17).
إلا انه استعان بعدد من المصادر بنفسه، وهناك الكثير من الصفحات التي لا نجدها في تاريخ سقراط، لكن توجد فقط في تاريخ سوزومين، مثل الحديث عن اضطهاد المسيحيين في فارس أثناء حكم سابور الثاني Sapor II والذي استقاه بالتأكيد من أعمال شهداء فارس، وقد استعان بمصادر غريبة أكثر من سقراط، ويرى فوتيوس (18) أن أسلوبه أفضل من أسلوب سقراط، رغم أن حسه التاريخي ورؤيته النقدية تبدو أضعف من معاصره، إذ وجد الكثير من الخرافات والأساطير طريقها إلى تاريخه.

Mary Naeem 15 - 05 - 2014 05:59 PM

رد: كتاب الآباء المؤرخون: مصادر التاريخ الكنسي
 
فيلبس المؤرخ

Philip of Side / Philip Sidetes
كان فيلبس من مواليد Side في بامفيليا Pamphylia في أوائل القرن الخامس، وقد سامه القديس يوحنا ذهبي الفم شماسًا في القسطنطينية حيث صارا صديقين حميمين كما نعرف من إحدى رسائل فم الذهب (1)، وفيما بعد نال نعمة الكهنوت ورشح ثلاث مرات لبطربكية القسطنطينية وذلك في أعوام 426 - 428- 431 م. ولكنه لم يختار في أي منها (2).
وفى الفترة ما بين عاميّ 434، 439 م، أصدر عملا ضخما باسم "التاريخ المسيحي" يقع في 36 كتابًا، ويضم تاريخًا منذ خلقة العالم وحتى عام 426 م، ورغم انه لم يصلنا من هذا العمل إلا شذرات صغيرة، إلا أن سقراط وفوتيوس المؤرخ يقدمان لنا بعض المعلومات المفيدة عن هذا العمل، إذ ذكر سقراط (3) في تاريخه أن هذا التاريخ ضم وفرة من الموضوعات المتنوعة، وأن فيلبس أراد أن يثبت أنه لا يجهل العلوم الفلسفية والعلمية، فتحدث عن الجبر والفلك والحساب والموسيقى والجغرافيا، فجعل كتابه عديم الفائدة بالنسبة للمتعلم وأيضا بالنسبة لغير المتعلم، لأن غير المتعلم لن يقدر عظمة بيانه، والمتعلم سيناقد تشعبه في موضوعات عدة، وكذلك قدم سقراط بعض الأخطاء التاريخية التي وقع فيها فيلبس من حيث الترتيب الزمني للأحداث.
وفى أيام فوتيوس (4)، كان هناك 24 كتابا فقط من الـ36، كما يخبرنا فوتيوس في وصفه لأسلوب فيلبس، وقد رأى فوتيوس أن فيلبس كان يهدف إلى استعراض معرفته أكثر من أن يفيد القارئ، كما أن هذا العمل يحوى العديد من الموضوعات التي لا علاقة لها بالتاريخ.
ومن المحتمل أن الحجم الضخم للعمل أسهَم أيضاَ في ضياعه، وبالرغم من النقد الموجه إليه من سقراط وفوتيوس، إلا انه من المؤسف انه لم يصل إلينا، إذ أنه كان يتضمن معلومات وحقائق لم ترد في تاريخ يوسابيوس.
وبجانب هذا التاريخ، يذكر سقراط أن فيلبس كتب أعمالا أخرى عديدة، محاولا أن يدحض كتابات الإمبراطور يوليان الجاحد ضد المسيحيين (5)، بيد أننا لا نعرف شيئا عن هذا العمل الأخير.

Mary Naeem 15 - 05 - 2014 06:05 PM

رد: كتاب الآباء المؤرخون: مصادر التاريخ الكنسي
 
فيلاستورجيوس

PHILASTORGIUS - Philostorgius
ولد فيلاستورجيوس (1) نحو عام 368 م. في Botissus في Cappadocia Secunda، وفي العشرين من عمره ذهب إلى القسطنطينية حيث قضى معظم حياته، وكان تابعًا ومعجبًا جدًا بيونوميوس Eunomius الهرطوقى الآريوسى.
وبينما كان في القسطنطينية ما بين عام 425 وعام 433 م، وضع "تاريخ الكنيسة" في 12 كتابا، وأرخ فيه للفترة من عام 300 إلى عام 425 م، ورغم أن هذا العمل كان يبدو في ظاهره كتكملة لتاريخ الكنيسة الذي وضعه العلامة يوسابيوس، إلا أنه كان في حقيقة الأمر دفاعا عن آريوسية يونوميوس.
وقد كتب فيلاستورجيوس هذا العمل بحيث يبدأ كل كتاب بحرف من اسمه، كي في النهاية تكون الحروف الأولى من الكتب الاثني عسر اسمه كاملا.
ووصف فوتيوس (2) حجم ومحتوى وأسلوب ومنهج هذا العمل، وشرح أن روحه مختلفة عن باقي المؤرخين الكنسيين الآخرين، إذ يمجد الآريوسيين ويهين مستقيمي الإيمان، لذلك لا يعد عمله تأريخا بقدر ما هو مدح للهراطقة وهجوم على مستقيمي الإيمان، كما انتقد فوتيوس آريوسيته وعدم صدقه في تأريخه ومهاجمته للقديس غريغوريوس النزينزي والقديس باسيليوس الكبير.
وبجانب هذا الوصف الهام للعمل، نشر فوتيوس ملخصًا لهذا التاريخ وهو عبارة عن مقتطفات من الاثني عشر كتابا.
والشذرات المتبقية من هذا توضح أن فيلاستورجيوس قد استعان بمصادر قيمة لم تصلنا، خاصة الوثائق الآريوسية التي تقدم معلومات هامة عن تاريخ هذه البدعة وأهم قادتها.

Mary Naeem 15 - 05 - 2014 06:07 PM

رد: كتاب الآباء المؤرخون: مصادر التاريخ الكنسي
 
ثيودورت أسقف قورش

Theodoret of Cyrus / Cyrrhus - Θεοδώρητος Κύρρου
ولد ثيودورت (1) في أنطاكية نحو عام 393 م. وتلقى علومه في مدارس أديرتها، ثم انضم إلى دير نيكيرت Nicerte عام 416 م. واختير عام 423 م. أسقفًا لقورش وهي مدينة صغيرة بالقرب من أنطاكية، فحارب الوثنين واليهود والهراطقة.
ورغم أنه لا يمكن أن نثبت أن ثيودور اسقف الميصة المبتدع كان معلمه، ولا أن نسطور ويوحنا الإنطاكي كانا زميليه في الدراسة، إلا أنه سرعان ما دخل في غمار الجدال اللاهوتي الكريستولوجي بين القديس كيرلس السكندري وبين نسطور المبتدع الذي اعتنق ثيودورت مذهبه وبدعته.
ولأنه كان متأثرًا بالطبع بالأفكار اللاهوتية للمدرسة الأنطاكية، لذلك كان يتهم القديس كيرلس بأن الهرطقة الأبولينارية مُتَضَمَّنَة في تعليمه، وقد أعلن ذلك صراحةً في بدايات عام 431 م. عندما أصدر عملًا جَدَليًا بعنوان "دحض حرومات كيرلس الاثني عشر"، إلا أن هذا العمل قد فُقِدَ.
وفى مجمع أفسس الأول، أعلن ثيودورت تأييده ليوحنا الأنطاكي، وظل متمسكا بآرائه حتى بعد إدانة نسطور وبدعته، بل أنه أصدر عملًا في خمس كتب يهاجم فيه القديس كيرلس الكبير وقرارات مجمع أفسس الأول.
كذلك رفض قبول مصطلحات الاتحاد بين كيرلس وأساقفة الشرق، إلا أنه قبل الاتحاد في النهاية، لكن بعد أن أُسْقِط الطلب الرسمي بإدانة نسطور.

وسرعان ما دخل ثيودورت في جدال آخر حول البدعة الأوطاخية، وفي مجمع أفسس الثاني الذي رأسه القديس ديسقورس، خُلِعَ ثيودورت ونُفِيَ، لكن ما إن ارتقى الإمبراطور مرقيان العرش حتى أعاد ثيودورت إلى قورش.
وفى مجمع خلقدونية عام 451 م. قوبِل حضوره بموجة من الرفض الشديد، وعُقِدَت جلسة خاصة لبحث قضيته، وطُلِبَ منه بإصرار أن يحرم نسطور. وبعد تردد كثير استجاب لطلب الحاضرين، وقال "فليكن نسطور أناثيما هو وكل الذين لا يعترفون أن العذراء المباركة مريم هي أم الله، والذين يقسمون الابن الوحيد الجنس إلى اثنين".
لذلك أُعيدَ إلى كرسيه الأسقفي ثانية (2)، وظل في قورش لمدة سبع سنوات إلى أن مات عام 466 م.
وفى مجمع القسطنطينية الخامس (مجمع كاثوليكى) عام 553 م. أُدِينَت كِتابات ثيودورت ضد البابا كيرلس، كما أُدِينَت بعض عظاته ورسائله.
أعماله التاريخية:

1) تاريخ الرهبان History of The Monks

وهو أول أعماله التاريخية، ويسرد فيه في 30 فصلا سير 28 ناسكا وسير ثلاث أمهات ناسكات، وقد عاش أغلب هؤلاء المجاهدين بالقرب من أنطاكية وكانوا معروفين شخصيًا لثيودورت.
و العشرون فصلا الأولى تتحدث عن "مصارعين المسيح Atheletes of Christ” الذين انتقلوا إلى العالم الأبدي، أما العشرة فصول الأخيرة فتتحدث عن هؤلاء الذين لا يزالون في القتال والجهاد ومنهم سمعان العمودى (3)، وقد خص ثيودورت الفصول من 14: 25 لنساك إيبارشية قورش.
ويمكن أن يقارن هذا العمل بالتاريخ اللوزياكى لبالاديوس، لكن الأخير أكبر كثيرا، وقد كتب ثيودورت هذا العمل عام 442 م، وحفظ لنا عددا معقولًا من هذه السير في نسخة سريانية.
2) التاريخ الكنسي Historia Ecclesiastica

قدم ثيودورت في تاريخه الكنسي الأخبار التي أغفلها يوسابيوس (4)، ويشمل هذا العمل الفترة من 323 م. وحتى عام 428 م، مبتدئا بالجدال الأوريجاني ومنتهيًا بموت ثيودور أسقف الميصة الهرطوقي، ولا يذكر نسطور الذي جلس على كرسي بطريركية القسطنطينية سنة 428 م، ولا يتحدث قط عن الجدال النسطوري، وكان يهدف من هذا العمل أن يعلن نصرة الكنيسة على الهراطقة وخاصة الآريوسيين.
وتتمثل الأهمية التاريخية لهذا العمل في انه يحفظ عددا من الوثائق الهامة جدا والتي لم يحفظها أي عمل آخر عداه.
وقد انتهى ثيودورت من هذا العمل عام 449- 450 م. وهو في امنفى في اسبونا Aspona.
3) تاريخ الهرطقات History of Hersies

وهو آخر أعمال ثيودورت التاريخية، ويقع في خمس كتب: الأربعة كتب الأولى: تصف كل الهرطقات منذ بطرس ماغوس وحتى نسطور وأوطاخى.
والكتاب الخامس: يتعرض للأخطاء المتنوعة في التقديم المنهجي لتعليم الكنيسة في 29 فصلا.
ويذكر ضمن مصادره التي اعتمد عليها يوستين الشهيد (انظر كتاب "القديس يوستين والآباء المدافعون" ضمن هذه السلسلة اخثوس) كلمنضس السكندري، أوريجانوس، القديس ايرياناؤس أسقف ليون، يوسابيوس القيصري، يوسابيوس أسقف اديسا وآخرون.
4) عن مجمع خلقيدونية

يخبرنا زكريا البليغ (5) أن ثيودورت وضع كتابا عن مجمع خلقيدونية إلا أن هذا العمل قد فقد.
وبجانب هذه الأعمال التاريخية الهامة، وضع ثيودورت الكثير (6) من التفاسير للأسفار المقدسة مثل أسفار موسى، المزامير، نشيد الأناشيد، دانيال، حزقيال، أشعياء، أرميا، ورسائل بولس الرسول، كما كتب ضد الوثنين وضد اليهود، وترك عظات ورسائل.

Mary Naeem 15 - 05 - 2014 06:08 PM

رد: كتاب الآباء المؤرخون: مصادر التاريخ الكنسي
 
كاسيودورس

CASSIODORUS
هو (1) مؤلف وراهب روماني من عائلة شريفة المحتد، عمل في القضاء وارتقى في الدرجات السياسية حتى وصل إلى درجة حاكم.
وأسس ديرين في Vivarium بحسب المنهج البندكتى، حيث صار راهبًا بعد تقاعده عن الأعمال العامة سنة 540 م، وإذ لم يوفق في تأسيس مدرسة لاهوتية على غرار مدرسة الإسكندرية اللاهوتية، جعل ديره مؤسسة تعليمية وشجع على الدراسات العلمية والمسيحية وعلى نسخ المخطوطات، وبذلك أسس تقليدًا رهبانيًا للدراسة والبحث، فحفظ الثقافة الكلاسيكية في أوربا أثناء عصور الظلام.
وقد كتب كاسيودوروس أعمالا كثيرة لكن أهم ما يعنينا هنا هو أعماله التاريخية وهى:

1) كتابه "التاريخ الكنسي الثلاثي

“Tripartita Historia Ecclesiastica
وهو عبارة عن تجميع لتاريخ سقراط وسوزومين وثيودورت معًا، وكان صديقه أبيفانيوس قد ترجم كتبهم الثلاثة التاريخية إلى اللاتينية من أجل هذا الغرض.
وقد أراد كاسيودورس أن يكون هذا العمل تكملة واستمرارية لترجمة روفينوس المنقحة والمزيدة لكتاب يوسابيوس "التاريخ الكنسي"، رغم أخطاء "التاريخ الكنسي الثلاثي" إلا أنه أستخدم كثيرا في العصور الوسطى.
2) كتب تاريخيًا ضمن فيه الحقبة منذ آدم وحتى عام 519 م.

3) كتب أيضا تاريخًا لشعب القوط.

Mary Naeem 15 - 05 - 2014 06:08 PM

رد: كتاب الآباء المؤرخون: مصادر التاريخ الكنسي
 
إيفاجريوس المؤرخ

Evagrius Scholasticus - Εὐάγριος Σχολαστικός
وهو (1) مؤرخ كنسى من مواطنى Coele Syria, وكانت مهنته المحاماة في سوريا، وقد وضع عمله المعروف باسم "تاريخ إيفاجريوس" في 6 كتب، وأرخ فيه للفترة من مجمع أفسس الأول 432 م. إلى سنة 594 م، وهكذا تأتى أهميته من كونه تكملة لعمل يوسابيوس القيصرى، وقد نقل لنا أيضا من مصادر أصبحت اليوم في حُكْم المفقودة.
وعلى الرغم من افتقاره إلى العمق اللاهوتي وسرعة تصديقه وجمعه للأساطير الخرافية، إلا أنه شابه يوسابيوس كثيرًا في كونه قد استعان بكثير من أهم المصادر، وأدخل خلاصتها في كتابه.

Mary Naeem 15 - 05 - 2014 06:09 PM

رد: كتاب الآباء المؤرخون: مصادر التاريخ الكنسي
 
زكريا البليغ

Zacharias Rhetor - Zacharias Scholasticus - Zacharias of Mytilene
هو مؤرخ يعقوبي سرياني مشهور (1) من النصف الأول من القرن السادس (بعد عام 536 م.) ويُسمى زكريا الدارسZacharias Scholasticus وأيضًا زكريا الميتيليني Zacharias of Mitylene وهو من غزة، ودرس الآداب اليونانية واللاتينية في الإسكندرية عام 485: 487 م. في الوقت الذي كان فيه القديس ساويرس الأنطاكي يتلقى دروسه فيها، وإليه يرجع الفضل في النمو الروحي لساويرس الأنطاكي وفي اقتباله نعمة المعمودية المقدسة عام 488 م، وقد اشتغل زكريا بالمحاماة في القسطنطينية زمانًا، وبعد عام 527 م. سيم أسقفًا في ميتيلين Mitylene.
وتتمثل أهميته التاريخية في عمله "التاريخ الكنسي" وهو عمل عام لتأريخ الفترة من عام 450: 491 م، ولهذا العمل قيمته الثمينة خاصة للكنائس غير الخلقيدونية لأنه يؤرخ لمجمع خلقيدونية من وجهة النظر الأرثوذكسية المستقيمة، وقد حُفظ بالسريانية، وكذلك كان زكريا مؤرخًا للقديس ساويرس الأنطاكي وبطرس الأيبيري وأشعياء الناسك وتاودروس أسقف أنصنا بصعيد مصر وآخرين.
وبجانب هذه الأعمال التاريخية كتب حوارًا ضد الأفلاطونيين المحدثين، كما وضع أيضًا ردًا على البدعة المانية.

Mary Naeem 15 - 05 - 2014 06:10 PM

رد: كتاب الآباء المؤرخون: مصادر التاريخ الكنسي
 
يوحنا النيقيوسي

John of Nikiû
كان يوحنا النيقيوسي معاصرًا للفتح العربي لمصر أي في النصف الأول من القرن السابع الميلادي، وهو من مواليد نيقيوس منوفية، وترهب في دير الأنبا مقار الكبير ببرية شيهيت حيث عُرف بالبحث والعلم والمعرفة والإرادة.
عاصر هذا القديس أربعة من الباباوات هم البابا أغاثون (656 م) والبابا يؤانس الثالث (673 م) والبابا إيساك (681 م) ثم البابا سيمون الأول (684 م).
كان يوحنا النيقيوسي مشيرًا لهؤلاء الباباوات، فعُين سكرتيرًا للبابا أغاثون وللبابا يؤانس من بعده ثم الأنبا إيساك فالأنبا سيمون الأول.
رسمه البابا سيمون الأول أسقفًا على مدينة نيقيوس مسقط رأسه، وعُين مديرًا لأديرة وادي النطرون بعد أن عمل بجوار الآباء البطاركة.
وقد ترك لنا يوحنا النيقيوسي الأسقف مؤلفًا ضخمًا أرخ فيه للعالم من بدء الخليقة إلى ما بعد الفتح العربي بقليل، ويُعد من أفضل كتب التاريخ.
وقد وضع هذا المُؤَلف الضخم في حوالي 122 فصلًا باللغة القبطية، ويتحدث في الفصول الإحدى عشر الأخيرة عن الفتح العربي.
ولهذا العمل أهميته المتميزة في التأريخ لبطاركة كرسي الإسكندرية.

Mary Naeem 15 - 05 - 2014 06:11 PM

رد: كتاب الآباء المؤرخون: مصادر التاريخ الكنسي
 
ساويرس بن المقفع

Severus Ibn al-Muqaffaʿ - Severus of El Ashmunein
من أبرز الشخصيات (1) التي لمعت في تاريخ الكنيسة القبطية وأبرز الكُتاب المسيحيين الذين كتبوا باللغة العربية، وهو كاتب خصب يجيد اليونانية والقبطية والعربية، وله دراية واسعة بالكتاب المقدس وقوانين الكنيسة وطقوسها وعقائدها.
وله يرجع الفضل في معرفتنا بسير الكثير من بطاركة الكنيسة القبطية، ومع هذا فمعرفتنا بنشأته وسيرته قليلة، تعتمد على الاستنتاج أكثر من التواريخ المحددة، فمن المعروف أنه عاش في النصف الأخير من القرن العاشر، ويحتمل أن يكون البابا مقاره الأول البطريرك التاسع والخمسون (932- 952 م) هو الذي رسمه أسقفًا على الأشمونين، إحدى الإيبارشيات المشهورة في صعيد مصر. وقد عمّر طويلًا فعاش حتى الثمانين من عمره وعاصر البطاركة أنبا ثيؤفانيوس وأنبا مينا الثاني وأنبا ابرآم السرياني، ثم تنيح في أوائل عهد أنبا ثيوفيلس البطريرك الثالث والستين، وتُقدر مدة أسقفيته بثلاثين عامًا.
وكان لساويرس مكانة عظيمة في عصره، وكان موضع ثقة البطريرك أنبا ابرآم بن زرعة (البابا الـ62) فكان يبعث به إلى مجالس الخليفة المعز لدين الله الفاطمي، حيث كانت تجري مناقشات دينية بحضرته بين المسيحيين واليهود والمسلمين، فكان يدافع عن مسيحه وكنيسته في كل مجلس، ويخرج منها وقد أعلن صدق إيمانه وأفحم الغوغاء، وإلى جانب هذا كان مدافعًا صلبًا عن عقائد الكنيسة ضد البطريرك الخلقيدوني سعيد بن بطريق.
وساويرس كاتب خصيب، كتب الكثير من الكتب والميامر، وعُرف له حتى الآن 38 كتابًا موزعة على مكتبات أوروبا والدار البطريركية والمتحف القبطي وأديرة وادي النطرون، تتناول مختلف علوم الكنيسة من لاهوت وعقيدة وردود على البدع والخرافات التي شاعت في جيله، فضلًا على ردوده على اليهود والمسلمين والخلقيدونيين.
وكل كتاباته تنم عن عمق معرفة بالكتاب المقدس والتقليد الآبائي، وعن دراية باللغتين اليونانية والقبطية، لذا كانت حياته حافلة بالنشاط التعليمي والرعوي والذهني والدفاعي، وكان بحق أول كاتب قبطي يكتب بالعربية.
ومن أهم أعماله التاريخية -والتي جعلته واحدًا من أهم المؤرخين الأقباط- كتابه عن تاريخ بطاركة الإسكندرية الذي يحوي سير الآباء من مار مرقس حتى الأنبا شنوده (البابا الـ55).
ويؤكد التاريخ على أنه صرف زمانًا طويلًا من حياته في جمع شتات تاريخ بطاركة الكرسي المرقسي الرسولي من مختلف الأديرة وتنيح دون أن يكمل الكتاب حتى عصره، وقد تُرجم كتابه "تاريخ البطاركة" إلى لغات كثيرة، ويعتبر من أهم مصادر تاريخنا الكنسي والقومي، وكذلك ترجم القديس ساويرس بن المقفع التراث المسيحي من اللغة اليونانية والقبطية إلى اللغة العربية، كما وضع العديد من المؤلفات كرائد من رواد التعليم الديني، وأبًا من آباء التاريخ الكنسي.


الساعة الآن 10:05 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025