![]() |
رد: كتاب الاستشهاد في فكر الآباء "مارتيريا"
من صلوات الشهداء بابياس ورفقاؤه قبل استشهادهم ”سنة 284 م“ سألهم الوالي أن يترفقوا بشبابهم ويُنكِروا مسيحهم، فقالوا له ”هذه طِلباتنا التي لم نكُف عن أن نسألها من ربنا، خلال صلواتنا البسيطة، ونحن نشعُر بسعادة عظيمة إن استجبت لنا“، وأجاب أحدهم ”إنني أخشى الآلام الفائِقة الوصف التي تنتظرني إن ارتدِت عن إيماني، أمَّا عن العذابات التي تُعدِّها لي فإني أتقبلها حتى أنجو من العذابات التي بعد الحياة، هذه التي أُعِدَّت لكم وللشيطان أبيكم، إنكَ تُريد أن تسخر بي بهذه الوسيلة مع أنني أينما وُجِدت أكون أنا نفسي منزِلًا يسكُن فيه إلهي يسوع المسيح، الذي بفضلِهِ أحتمِل كل عذاباتِكُم“. وعندما أمر الحاكِم ببتر يدي سابينوس ورِجليه، كان يصرُخ ”هذا كله يُزيد من مجدي الأبدي“. |
رد: كتاب الاستشهاد في فكر الآباء "مارتيريا"
من صلوات بابيلاس قبل استشهاده الشهيد بابيلاس: هذا الأسقف قابل أمر الملك بقطع رأسه بفرح وبشاشة ثم أخذ يُصلِّي، وعاد ليقول في رِقَّة للجلاَّدين ”أكمِلوا أوامِر الملك يا أولادي“. |
رد: كتاب الاستشهاد في فكر الآباء "مارتيريا"
من صلوات بتروكليوس قبل استشهاده هدده الإمبراطور ”سأحرقك بالنار، إن لم تذبح للآلهة“، فأجابه ”أنا نفسي ذبيحة حيَّة لله إذ دعاني لأنعم بالاستشهاد“. |
رد: كتاب الاستشهاد في فكر الآباء "مارتيريا"
من صلوات الشهيد ببلياس قبل استشهاده ”سنة 177 م“ هذه الشهيدة تعبت من شدة العذاب، وكاد الوالي يستخدِمها ليهدِم نفسية المسيحيين، وبعد ذلك حدث افتقاد عظيم من الله، وظهرت مراحِم المسيح بطريقة لا تُوصف يندُر أن تُرى، لكنها ليست بعيدة عن قُدرة المسيح، فإنَّ الذين تراجعوا عند القبض عليهم أول مرَّة سُجِنوا مع الآخرين، وتحمَّلوا آلامًا مُرَّة... كان فرح الاستشهاد ورجاء المواعيد ومحبة المسيح وروح الآب سندًا للآخرين، أمَّا هؤلاء فكانت ضمائِرهم تُعذِّبهم جدًا، حتى كان من الممكن تمييزهم بمجرد النظر إلى وجوههم وهم يُساقون، السابِقون خرجوا فَرِحين، يتجلَّى المجد والنعمة على وجوههُم، قيودهُم ذاتها كانت وكأنها حُلِي جميلة لعروس مُزينة بحُلِي ذهبية وقد تعطَّروا برائِحة المسيح الذكية، حتى ظن البعض أنهم تعطَّروا بعُطور أرضية، أمَّا هؤلاء، فكانوا أذِلاء، مُنكسري الخاطِر، مُكتئبين، مملوئين بكل أنواع الخِزي، وكان الوثنيون يُعيِّرونهم كخسيسين وضُعفاء. كأنَّ هؤلاء قد نالوا تأديبًا على إنكارهم للإيمان، لم يفرِضه أحد عليهم بل جاء التأديب نابِعًا من الداخِل... هذا وكان منظرهم يسنِد إخوتهم إذ رأوا بأعيُنهم عاقِبة إنكار الإيمان في هذا العالم الحاضِر، لكنهم بلا شك كانوا في موضِع حُب وشفقة إخوتهم وتعزيتهُم، يفتحون لهم باب الرجاء كشُركاء معهم في الشهادة للرب بقيامِهِم بعد السقوط. |
رد: كتاب الاستشهاد في فكر الآباء "مارتيريا"
من صلوات الشهيد برصنوفيوس قبل استشهاده الشهيد برصنوفيوس Barsenuphius: ظهر له ملاك الرب، وطلب منه أن يمضي إلى الوالي ليعترِف بالسيِّد المسيح، ففرح جدًا، وعندما وصل إلى الوالي وجده يقرأ منشور يأمر فيه المسيحيين بالسُّجود للأصنام، فغار القديس واندفع بقُوَّة نحو الوالي وخطف منه المنشور ومزَّقه، غضب الوالي جدًا وأعد أتونًا ضخمًا ألقى فيه القديس لينال إكليل الاستشهاد. |
رد: كتاب الاستشهاد في فكر الآباء "مارتيريا"
من صلوات الشهيدان بروتاسيوس وجرفاسيوس قبل استشهادهما الشهيدان بروتاسيوس وجرڤاسيوس: أمر الوالي بضرب بروتاسيوس بقسوة ووحشية حتى سقط القديس ميتًا تحت الجَلَدَات ليستريح أبديًا في الرب، وحاول الوالي أن يُغري جرڤاسيوس بوعود كثيرة، وإذ رفض صار يُهدِّده، إلاَّ أنَّ القديس لم يُبالِ بالتهديدات مُعلِنًا أنَّ الموت بالنسبة له هو طريق التمتُّع بالحياة إلى الأبد، عندئذٍ قُطِعت رأسه، وطُرِحت جُثتيهِمَا خارِج المدينة لتأكلهُما وحوش البرية، إلاَّ أنَّ القديس أمبروسيوس بإعلان سماوي بنى لهم كنيسة وزيَّنها روحيًا بهما، وقد حضر القديس أُغسطينوس اكتشاف جسدهُما وبُناء كنيستهِما في ميلان. |
رد: كتاب الاستشهاد في فكر الآباء "مارتيريا"
من صلوات الشهيدة بربتوا وفيليستاس قبل استشهادهم الشهيدة بربتوا Perpetua وفيليستاس Felicity: ”قرطاچنَّة 203 م“ كان لأعمال الشُهداء بربتوا وفيليستاس أهمية كبيرة في الكنيسة الأولى، ففي القرن الرَّابِع، كانت تُقرأ في كنيسة شمال غرب أفريقيا حتى خشى القديس أُغسطينوس لئلاَّ يمزِج الشعب بين هذه الأعمال وأسفار الكتاب المُقدس، فكان يُحذِّر من ذلك وإن كان كثيرًا ما تحدَّث عن هؤلاء الشُهداء لحث الشعب على الجهاد الروحي. دخلت بربتوا مع زُملائها السجن فراعها هول منظره، كان ظلامه لا يُوصف ورائِحة النتانة لا تُطاق فضلًا على قسوِة الجُند وحرمانها من رضيعها الذي عجزت بسبب سوء تغذيتها وجوعها في السجن عن إرضاعه، فكانت تقول ”في نفس تلك الفترة وبعد أيام قليلة تعمَّدنا حيث أعلن لي الروح القدس عن الآلام الجسدية التي سأتحمَّلها وبعد بضعة أيام أخذونا إلى زنزانة تحت الأرض وكنت مُرتاعة جدًا لأني لم أتعوَّد أبدًا على هذه الظُّلمة الشديدة... وكان حاضِرًا معنا الشماسان المغبوطان اللَّذان قاما بالخدمة معنا هما ترتيوس وبونبونيوس وكنت قد وضعت طفلًا فأرضعته لأنه كان يتضور جوعًا وفي هلعي وخوفي أرسلت إلى أُمي وعزِيت أخي وأودعت ابني إليهِما ليرعياه... ثم جاءني أخي وقال لي (أختي العزيزة: أنتِ فعلًا محل كرامة ومجد عظيمين فاطلُبي أن يُعزِّيكِ الله برؤيا لتعرفي نهايِة الأمر هل بآلامِك أم بنجاتِك؟)، ولمَّا كنت أعرِف أنَّ الرب خصَّني بامتياز التحدُّث معه، الذي كانت رحمِته بي عظيمة وحُبُّه واهتمامه بي لا يُوصف، تجاسرت فوعدت أخي قائِلةً (غدًا سوف أُخبِرك) وتضرعت إلى الله وكان ما رأيته مُذهِلًا وعجيبًا حقًا: فقد رأيت سُلُّمًا ذهبيًا ارتفاعه عجيب يبلُغ ارتفاع السماء، كان السُّلَم ضيِقًا جدًا لا يسع إلاَّ شخصًا واحِدًا يصعده، لم يكن يتسِع في عرضه لشخصين معًا، بل يصعد عليه واحد فواحد وعلى جانبي السُّلَم ثُبِّتت كل أنواع الأسلحة الحادة، فكانت هناك سيوف ورِماح وخطاطيف وخناجِر حتى إذا ما تسلقهُ أحد بغير اهتمام أو لم يكن ناظِرًا إلى أعلى فإنه يتمزق إربًا من جراء تلك الأسلحة الفتَّاكة التي تُقطِّع جسده. وصعدت أنا على السُّلَم حتى بلغت نهايته وهناك رأيت بُستان لا تبلُغ العين مداه وفي وسط البُستان رجُل أبيض الشعر جالِس في ملابِس راعي قامته عظيمة وعلى منكبيهِ حَمَلاَن يُرضِعها لبنًا وحوله وقوف ربوات ربوات يلبِسون أردية بيضاء مُتسربلين بالقُوَّة، فرفع رأسه ونظر إليَّ ومن بين يديهِ أخذ قطعة جُبن أبيض، وأعطاني إياها فأخذتها بيدين مقبوضتين وأكلتها حينئذٍ قال الجميع " أمين " وعند سماع صوتِهِم استيقظت من نومي وفي فمي مذاق حُلو لا أستطيع وصفه وقصصت هذه الرواية على أخي وأعلمته أنَّ الأمر سينتهي بآلامي واستشهادي فتوقف في ذلك الحين كل رجاء لنا في العالم. وتكررت الرُؤى فيما بعد وأُعلِنَ لبربتوا في إحداها إنها في قُوَّتها واستشهادها ستنتصِر على الشيطان.وفي رؤيا أخرى تصِف فيها رفيقها في الاستشهاد ساتوروس وهو يشهد قبول جميع أرواح الشُهداء في السماء. ثم اقتُيدت إلى ساحِة الاستشهاد ليفتِك بها ثور هائِج. طرحوها أرضًا فسقطت على رُكبتيها وتمزَّق رداؤُها حتى تعرَّى جسدها فسترت عُريها بالجزء المُمزق من الثوب في تسليم عجيب وتحمُّل للألم لا يُوصف... ثم نهضت من سقطتها عندما رأت وصيفتها فيليستاس مسحوقة تدمي، مدَّت لها يدِها وأقامتها في اتضاع وحُب شديد ووقفتا معًا جنبًا إلى جنب وعندما سكتت وحشية الغوغاء من عامة الناس دُعِيتا إلى بوابة التعذيب... أمَّا هي فكما لو كانت قد استيقظت من النوم قد صارت بعمق في الروح القدس في دهش بدأت تنظُر حولها وقالت وسط دهشِة الجميع (لا أعرِف كيف قادونا إلى ذلك الثور الهائِج) عندما سمعت ما حدث لم تُصدِّق إلاَّ عندما رأت في جسدها آثار الجِراح وتمزيق ثوبها فقالت للجميع اثبتوا في الإيمان، ولا تتزعزعوا ولا تُفرطوا وليُحِب بعضكم بعضًا، ولا تجزعوا لألمي“. أمَّا العبدة الصغيرة فيليستاس فقد كانت تُعاني من آلام الوِلادة قبل استشهادها بيومين فقالت لها إحدى القابِلات باستهزاء ”أنتِ تتألمين الآن هكذا فماذا أنتِ فاعِلة عندما يُلقونِك للوحوش؟“، تحاملت على نفسها وأجابتها بهذا القول: ”الآن أنا أتألَّم آلامي الطبيعية ولكن فيما بعد سيكون هناك من يتألَّم عني“، لقد أكَّد المسيح حضوره بكيفية منظورة ومحسوسة فيمن قدَّموا حياتهم من أجل اسمه. |
رد: كتاب الاستشهاد في فكر الآباء "مارتيريا"
من صلوات الأنبا بسادة قبل استشهاده عندما سُجِنَ كان يخرج من ظُلمة السجن كمن كان في وليمة، بوجه مُشرِق ومُتهلِل، وعندما حُكِم عليه بقطع الرأس، ارتدى ثِياب الخدمة الكهنوتية... ولمَّا التقى به أحد الشمامِسة سأله عن سبب ارتدائهُ هذه الثِياب في الطريق؟ أجاب قائِلًا: ”يا ابني أنا ذاهِب إلى حفل عُرسي... وقد عِشت السنين الطويلة مُشتاقًا لهذا اللقاء“.... |
رد: كتاب الاستشهاد في فكر الآباء "مارتيريا"
من صلوات الشهيد أبوفام الأوسيمي قبل استشهاده عندما دُعِيَ للشهادة لَبَسْ أفخر الثِياب، ومنطق نفسه بمنطِقة من ذهب وركب حُصانًا، وكان يقول: ”هذا هو يوم عُرسي الحقيقي، هذا يوم فرحي وسروري بلِقاء مَلِكي وإلهي سيِّدي يسوع المسيح“، وقد استُشهِد بمدينة فاو بصعيد مصر (طِما)... |
رد: كتاب الاستشهاد في فكر الآباء "مارتيريا"
من صلوات الشهيد أبوانا قبل استشهاده الشهيد أبوانا من شبشير منوفية: ذهب ليُوبِخ المُرتدين، فأتوا به إلى الوالي ليقول له شهادته: ”مكتوب من يرُد رجُلًا خاطِئًا عن طريق ضلالتِهِ يُخلِّص من الموت والرب يستُر على خطاياه، من أجل هذا أتيت إلى هذا المكان لكي أرُد النِفوس الضَّالَّة إلى معرِفة الخلاص الذي للمسيح“. |
رد: كتاب الاستشهاد في فكر الآباء "مارتيريا"
من صلوات الشهيد سانكتوس قبل استشهاده الشهيد سانكتوس (الشهيد شماس ليون): خلف أعمال الشُهداء الظاهِرة يكمُن كل لاهوت الاستشهاد في الكنيسة الأولى، لقد كانوا يطلُبون الموت ليحظوا بنعمة الاقتداء بالآلام وموت المسيح المُخلِّص، فالمسيح نفسه يتألَّم في الشهيد، وهو الذي غلب مرَّة ما بَرِحَ يغلِب فيهم... ويُحدِّثنا يوسابيوس القيصري عن الشماس سانكتوس أنَّ: ”المسيح المُتألِم داخله أعلن مجدًا عظيمًا، غالِبًا أعداءهُ، مُظهِرًا للذين هم من خارِج، إنه حيثما يوجد حُب الآب لا يوجد أي شيء يُخيف، وحيث يوجد مجد المسيح إلهنا لا يوجد شيء يُؤلِمنا“. لقد كانت محبة المسيح ورجاء الخلاص فيه جوهر إيمان الشُهداء وسِر ثباتهُم، وكان الشهيد تلميذًا حقيقيًا للمسيح A true disciple of Christ يتبع آثار خُطى آلامه، من أجل المجد العتيد. ولو نظرنا إلى مصادِر رسالِة ليون سنجد أنَّ الإنجيل الرَّابِع وسفر الرؤيا كانا مصدرين من أهم مصادِر الإلهام للكاتِب، فمسيح القديس يوحنا هو الشاهِد الأعظم للحق، والشهيد يتبعه، وهكذا وُصِف سانكتوس بأنه كان ”ثابِتًا في اعترافه، مُنتعِشًا ومُتقوِيًا بالنبع السمائي الذي لا ينضب، نبع ماء الحياة“، ورأى الشُهداء في حيوية وفرح السابقين لهم في الاستشهاد، تحقيق وعد الله في (يو 16: 2)، لذلك كان المُرتد يُوبخ كابن للهلاك (يو 17: 12).. وفي رسالِة ليون كثير من الفقرات الوارِدة في سفر الأعمال ورسائِل بولس الرعوية، مع بعض التأثيرات من الأدب اليهودي المُتأخِر والتشابُهات بين الرسالة وأعمال المكابيين. |
رد: كتاب الاستشهاد في فكر الآباء "مارتيريا"
من صلوات الأنبا ديسقورس البابا قبل استشهاده البابا ديسقوروس الأسكندري البطريرك أل 25: عذَّبِته الملكة كنخريا وتهجَّمت عليه، فصفعته صفعة شديدة اقتلعت ضرسين من أضراسه نظرًا لشيخوخته، وما لبث أن انهال عليه رجال القصر وأوسعوه ضربًا أمَّا هو فقال ”من أجلك نُمات كل النهار“، ثم جمع ضرسيهِ وشعر لحيته وأرسلهُما إلى شعبه بالأسكندرية مع رسالة يقول فيها: ”هذه ثمرِة جهادي لأجل الإيمان، اعلموا أنه قد نالتني آلام كثيرة في سبيل المُحافظة على إيمان آبائي القديسين“. |
رد: كتاب الاستشهاد في فكر الآباء "مارتيريا"
من صلوات الجندي بقطر قبل استشهاده مارِبقطر الجُندي: ”الأسكندرية سنة 177 م“ إنَّ الآلام التي سأُعانيها لن تُميتني بل تهِب لي الحياة الأبدية، شكرًا ليسوع إلهي الذي أعطاني هِبة الاحتمال، حاشا لي أن أضحِّي لقِطع من الخشب أو لكُتل من الحجر وأسجُد لها... بل أضحِّي فقط للإله الحي الحقيقي خالِق السموات والأرض، إنه إله آبائنا، أصغي يا رب لخاطِئ سيتألَّم بسبب محبته لك.. احفظ يا إلهي جسدي من ألسِنة النيران لكي يُؤمِن هؤلاء القوم أنكَ الإله الحقيقي.. استمروا في تعذيبي أيها المُعدمون، ولكن لن تُرهِبوني لأنَّ يسوع إلهي يُقوِّيني، فلن تخور مُقاومتي، وإني مُستعِد لكل ألم لاقتناء الهِبات التي وعد بها الله وحده أولاده المُحبين. أشكُرك يا سيِّدي الرب لأنكَ عزِّيت قلبي تعزية هذا مقدارُها!! يا إلهي اقبل روحي.. |
رد: كتاب الاستشهاد في فكر الآباء "مارتيريا"
من صلوات أبا هور سرياقوسي قبل استشهاده الشهيد أباهور السرياقوسي: اعترف الشهيد أباهور الصبي أمام الوالي: ”ربي يسوع المسيح قال في إنجيله المُقدس الذي يترُك أباه أو أمه أو أخاه أو أخته أو زوجة أو أولاده من أجل اسمه القدوس ومن أجل بشارِة الإنجيل يأخذ مائة ضِعف وحياة أبدية يرِثها، من أجل هذا نحن نموت على اسمه القدوس ونرفع أجسادنا قُربانًا مقبولًا يُرضيه“. |
رد: كتاب الاستشهاد في فكر الآباء "مارتيريا"
من صلوات الشهيد اسحق الدفراوي قبل استشهاده لمَّا رأى الخلقتين (أداة التعذيب)، صاح ”يا ربي يسوع المسيح أعني، كما أرسلت ملاكك وخلَّص الثلاثة فتية من أتون النار المُتقِدة كذلك أنقِذني يا ربي، لئلا يقولوا أين هو إلهك، أيها الرب الإله ضابِط الكل وسيِّدي يسوع المسيح اقبل إليَّ ولا تبعِد عني“. |
رد: كتاب الاستشهاد في فكر الآباء "مارتيريا"
من صلوات شهداء الكتيبة الطيبية قبل استشهادهم القديس موريس قائد الكتيبة الطيبية ”الأقصر“ كتبوا خِطابًا للإمبراطور مكسيميانوس، قالوا له فيه: ”أيها القيصر العظيم – إننا جنودك، ولكننا في ذات الوقت عينه عبيد الله، فنحن ندين لك بالخدمة العسكرية، أمَّا الله فندين له بولاء قلوبنا، ونحن نأخذ منك المُرتب اليومي، أمَّا الله فسننال منه الجزاء الأبدي، أيها القيصر العظيم لا يُمكننا بحال من الأحوال أن نُطيع الأوامِر المُخالِفة لله، وما دامت أحكامك مُتفِقة مع أحكامه فنحن نُنفِذها، أمَّا متى تعارضت مع أحكامه فلن نقبلها، لأنه ينبغي أن يُطاع الله أكثر من الناس، وولائنا لأوامره فوق كل الأوامِر مهما كان مصدرها، ولسنا ثُوَّارًا لأنَّ لدينا الأسلحة وبها نستطيع أن نُدافِع عن أنفُسنا، لكننا نُفضِّل أن نموت أبرياء على أن نعيش مُلوثين، وإننا على أتم استعداد لأن نتحمَّل كل ما تصُبُّه علينا من عذابات، لأننا مسيحيون ونُعلِن مسيحيتنا جِهارًا“. واصطفُّوا جميعًا في شجاعة وثبات، وحين كان الواحِد منهم يسمع اسمه كان يرمي أسلحته على الأرض ويُقدِّم ظهره للسياط وعُنُقه للسيف. |
رد: كتاب الاستشهاد في فكر الآباء "مارتيريا"
من صلوات شهداء إسنا الأماجد قبل استشهادهم المدينة المُباركة إسنا، كانت بتضحياتها مثلًا للساكنين ببلاد الصعيد، هذه المدينة العريقة التي اختلط تُرابها بدِماء شُهدائها الكثيرين ولا زالت تنطِق بأمجادهُم وعن إيمانهُم حتى الآن، ومن هؤلاء الشُهداء: الأُم دولاجي وأولادها الأربعة. |
رد: كتاب الاستشهاد في فكر الآباء "مارتيريا"
من صلوات الأم دولاجي وأولادها الأربعة قبل استشهادهم ذهب الوالي أريانوس إلى المدينة وقابل أربعة صُبيان يسوقون دابَّة تحمِل بطيخًا من الحقل، فاستوقفهُم وأراد أن يختبِر فيهم مدى تغلغُل المسيحية فأمرهُم أن يسجُدوا للأوثان، فرفض الصِبية بكل حزم. وسُرعان ما وصل الخبر إلى أُمهم الشُجاعة ”دُولاجي“ التي تُعد مفخرة من مفاخِر الشُهداء، فأسرعت من بيتها إلى الحقل حيث أولادها الأربعة يقفون في حضرِة الوالي. وقفت الأم دولاجي أمام الوالي مُلتفِتة إلى أولادها تبِث فيهم الإيمان، وعندما أُلقِيَت مع أولادها في السجن، ظهرت لها العذراء أُم المُخلِّص تُشجِّعها وتُخبِرها أنَّ المسيح أعدَّ لهم جميعًا مكانًا أبديًا في ملكوت السموات. وعندما صدر الأمر بالقتل بالسيف تقدَّمت دولاجي الأُم لتُقدِّم أولادها واحدًا واحدًا، ليُقتلوا قبلها، ويذكُر التاريخ أنَّ الوالي أمر بذبحهُم على رُكبتيها إمعانًا في القسوة عليهم، وبعد الصُبيان قُطِعَت رأس الأُم دولاجي، وهي في غمرِة صلواتها وتراتيلها للمسيح... |
رد: كتاب الاستشهاد في فكر الآباء "مارتيريا"
عيد النيروز في المنهج الكنسي الليتورجي النيروز عيد شُهداء مصر، وهو من أعظم الأعياد في كنيستنا القبطية وبداءِة السنة الليتورچية.. لا توجد كنيسة على الأرض يقوم تقويمها الزمني على ذكرى شُهدائها غير كنيسة مصر، لكي تظل أُم الشُهداء كنيسة شاهِدة وشهيدة للمسيح على مر الدُّهور، لقد بدأ التقويم القبطي سنة 284 م سنة اعتلاء دقلديانوس الطاغية لعرش الإمبراطورية، لكي نعيش الشهادة بحسب تاريخ كنيستنا وتقويمها الذي يُذكِّرنا بالآلاف من شُهدائها الذين ذُبِحوا في تلك الحُقبة من الزمان، مُجددين ميلاد الكنيسة مُفتدين الإيمان بالدم، فأنعشوا شبابها وأضافوا إلى حياتها جديدًا من الحياة الأبدية والخلُود. ففي حُكم دقلديانوس لم توجد بلد في بلاد مصر إلاَّ وقد تخضَّب تُرابها بدم الشُهداء، ذلك الطاغية الذي أصدر أحكامًا بالإعدام لأكثر من 800.000 قِبطي، حتى أنه تمادى فسفك دم بطريركها القديس بطرُس الأول المعروف بخاتِم الشُّهداء، وكان آخر من سُفِكَ دمه إبان حُكمه المشئوم.. لذلك جعل الأقباط سنة حُكم هذا الطاغية مبدأ لتقويمهم، فنقول: إنَّ هذه السنة هي سنة 1707 للشُّهداء أو لدقلديانوس الكافِر. واختصت مصر وحدها بجعل تقويمها يبدأ بهذه الأيام الدموية المُؤلِمة، لأنها أُم الشُّرفاء، التي لو وُضِع شُهداء العالم كله في كفة ميزان وشُهداءها هي في الكفة الأخرى لرجحت كفة المصريين، ويقول المُؤرِخ يوسابيوس القيصري عن شُهداء مصر: ”أُلوف من الرجال والنِساء والأطفال، ماتوا ميتات مُختلفة، مُحتقرين الحياة الحاضِرة من أجل تعاليم مُخلِّصنا“. لقد بذل المصريون دمائِهِم من أجل محبتهُم للملك المسيح، لا أيامًا قليلة أو وقتًا قصيرًا، بل سنوات طويلة بكل بسالة وحماس وغِيرة ونشاط.. فقدَّم الأقباط أعلى ذكصولوجية حُب لشخص المسيح الرأس، لا على مستوى الكلام ولكن على مستوى قبول الموت والرفض والتعذيب والقطع من أرض الأحياء، والمسيح رب الكنيسة وعريسها اليوم، وفي ذِكرى عيد النيروز، طالب مثل هذه الذكصولوجية الصادِقة الأمينة باستعداد صبغة الدم، وينبغي على الذين يُعيِّدون عيد النيروز في ذكرى شُهداء كنيستنا القبطية، أن يكونوا خير خلف لخير سَلَفْ، مُستعدين لشهادِة الدم. وبالنيروز صار تقويمنا وتاريخنا كله قصة حُب للمسيح حتى الدم، وبه أضحت السنة القبطية مُزدحِمة بالبطولات والشهادات التي تتكرر تذكاراتِهِم كل عام، فيُصبِح يومنا مشهد استشهادي، نكون فيه نحن شُهودًا وشُهداء. وتحتفِل الكنيسة بعيد النيروز وتبدأ به السنة القبطية، ونُصلِّي باللحن الفرايحي حتى عيد الصليب، الفترة من ”1 توت إلى 17 توت“ كإعلان للفرح بآلام وبتذكار الشُهداء، وعلامِة الغلبة والنُّصرة للذي انتصر فيهم، الرأس الذي يوحدنا به وبكل سحابِة الشُّهود والشُهداء. |
رد: كتاب الاستشهاد في فكر الآباء "مارتيريا"
تطويب و تكريم الشهداء في الطقس القبطي إنَّ السر في تطويب الشُهداء هو أنهم يُمجِّدون الله بموتِهِم، كما يقول الإنجيل بخصوص استشهاد بطرس الرسول: ”مُشيرًا إلى أيَّة مِيتة كان مُزمِعًا أن يُمجِّد الله بها“ (يو 21: 19).. لقد اعتبر هرماس ”أحد الآباء الرسوليين“ أنَّ الاستشهاد والشهادة عمل يفوق الوصايا، لذلك يكون جزاؤُها فائِقًا ومجدها أكثر ودالَّتها أوفر. ليس هذا فحسب بل والشهيد مُطوب بحسب قول الرب: ”طوبى لكم إذا عيَّروكُم وطردُوكُم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من أجلي كاذِبين. افرحوا وتهلَّلُوا....“ (مت 5: 11-12). ولأنَّ كنيستنا كنيسة شَرِكَة مع القديسين، وشَرِكَة مع جماعة المُؤمنين لذلك فيما نحن نُطوِب الشُهداء نطلُب صلواتهُم وطِلباتهُم في ديالوج رائِع، وكذلك يطلُب القديس أغناطيوس قُبيل نواله إكليل الشهادة ”ليتَ روحي تتقدَّس بصلواتكُم ليس الآن فقط، بل وعندما أبلُغ الله مقصدي“. وأكَّد القديس أُغسطينوس في كتابه ”مدينة الله“ إنَّ أقدر من يُمثِّل جسد المسيح كذبيحة هم الشُهداء، لذلك فيما نحن نُكرِمهُم، نُكرِّم المسيح، الذي أخبرنا أنَّ من يُكرِّمهُم يُكرِّمه هو شخصيًا. كذلك القديس مارأفرآم السُّرياني، طوَّب الشُّهداء وتشفَّع بالأربعين شهيدًا الذين من سبسطية. ومن فرط تكريم الكنيسة لتطويب الشُهداء نجد القديس فم الذهب يحِث رَعِيته قائِلًا: ”أكثِروا من تردُّدكُم على أماكن الشُهداء حيث فيها الصحة لأجسادكُم والسلام لنفوسكُم“. لذلك تشمل ليتورچيات الكنيسةقراءِة سِيَر الشُّهداء في السنكسارcuna[arion وتطويبهُم، فيقول القديس باسيليوس الكبير ”امدح الشهيد بكل إخلاص لكي تنمو محبة الاستشهاد في قلبك وتنال دون أن تذوق الاضطهاد، أو حريق النار أو ضرب السِياط، نفس المُجازاة التي فاز بها هؤلاء الشُهداء“. وتُعلِّمنا الكنيسة أن نُطوِّبهُم ونُوقِد لهم الشموع، وأن نطلُب بأسمائِهِم، ونذكُر أعمال شهادتِهِم ونجمع مديحنا ونكتُب أسماءنا في سِجِل فخرِهِم. وللقديس فم الذهب تعليم جميل عن كيفية تطويبنا للشُّهداء فيقول: ”إنَّ احتفالاتنا وتطويبنا للشُّهداء لا يكون في تناوُب الأيام فقط بل بمعرِفة كمالاتِهِم، هل اقتديت بالشهيد؟ هل غِرت من فضيلته؟ هل ركضت في نهج تعاليمه؟ وإلاَّ فليست الأيام أيام تطويب الشُهداء، وأنت لم تحتفِل بعيد الشهيد لأنَّ كرامِة الشهيد في الاقتداء به، وتطويبنا للشُّهداء في أن نمتثِل بهم“. |
رد: كتاب الاستشهاد في فكر الآباء "مارتيريا"
رتبة الشهداء ومكانتهم في العبادة الليتورجية القبطية تتمسَّك كنيستنا أُم الشُهداء، بحق الشهيد في إكليل الشهادة، وترسِمه دائِمًا حول رأس كل شهيد، لأنه إكليل البِّر الذي يهِبُه الرب الديَّان العادِل للذين يُحِبون ظهوره (2تي 4: 6)، ذلك الإكليل الذي شاهده كثيرون عيانًا وهو يُوضع على هامة الشُهداء لحظِة شهادتهم الأخيرة. وتُكرِّم كنيستنا القبطية الذين شهدوا للمسيح بموتِهِم، تكريمًا عظيمًا، جنبًا إلى جنب في درجِة الرسولية، لذلك يُذكر الشهيد في الطقس الكنسي الليتورچي بعد الرُّسُل الأطهار مباشرةً، وقبل جميع القديسين حتى لو كان هذا الشهيد موعوظًا، فمعمودية الدم تجعله يرقى إلى رُتبة تُماثِل الرُّسُل على اعتبار أنه كارِز بدمه، بل وتُكرِّم الكنيسة الشهيد حتى ولو كان طِفلًا، تضعه في درجة أعلى من القديسين بل والمُعترفين أيضًا. أمَّا الذين شهدوا ولم تبلُغ شهادتهُم حد سفك الدم، تُلقِّبهُم الكنيسة (بالمُعترفين – أومولوجيتيس)، فهم شُهداء أحياء ازدحم بهم القرن الرَّابِع، فجازوا العذابات والسُّجون، ولكنهم لم يُقدَّموا للموت، لذلك رفعتهُم الكنيسة إلى درجِة الأسقفية بعد انتهاء حُكم دقلديانوس، وظلَّت رُتبة الشُهداء والمُعترفين في الطقس الكنسي أعلى من أي لقب كنسي، حتى أنَّ البابا أثناسيوس الرسولي لقَّبهُ البعض ”بالمُعترِف“ بسبب ما وقع عليه من مِحَن وضيقات، فرتُبة المُعترفين في الكنيسة أعلى من كل رُتبة كهنوتية. وقد جاء في التقليد الرسولي للقديس هيبوليتيس ما نصه: ”فإذا كان المُعترِف قد جاز السجن والقيود من أجل ”الاسم المُبارك“ فلا ينبغي أن تُوضع عليه اليد حتى ينال الشموسية أو القسوسية بسبب اعترافه، بدون رسامة أو وضع يد“. |
رد: كتاب الاستشهاد في فكر الآباء "مارتيريا"
سلام الشهداء يقول القديس كبريانوس أسقف قرطاچنة الشهيد ”إنَّ سلام الشهيد هو من سلام الله، وكل من ينال سلامًا من شهيد كأنه قد ناله من الله“. وفي سلام الشُهداء يقول القديس باسيليوس الكبير سنة 329 م في عِظته الشهيرة عن الأربعين شُهداء سبسطية: ”هؤلاء الأربعون يُدافِعون عن بلدنا كخط دِفاع من حصون وقِلاع لكنهم لا يُغلِقون على أنفُسهُم، إنما يجولُون في كل موضِع، والعجب أنهم يزورون البيوت غير مُتفرقين كلما يستضيفهُم أحد من الذين يتشفعون بهم فهم يسيرون معًا كخورس واحد مُتحِد!! أيتها الجُوقة المُقدسة.. أيتها الزُمرة الطاهِرة.. أيها الحُرَّاس العموميون للجنس البشري، والشُّفعاء المُشارِكون في همومنا، الذين لهم دالَّة عظيمة جدًا“. ويستغيث القديس مارأفرآم السُرياني طالِبًا السلام فيقول ”السلام لكم أيها الشُهداء جزيلوا القداسة.. صلُّوا إلى الرب من أجلِنا نحن الخُطاة البائِسين، ليسكُب علينا الله نِعمته الإلهية ويُنير قلوبنا على الدوام بأشعة محبته المُقدسة“. وسلام الشهيد يجعلنا نتلمس معونتهُم وبَرَكَتهُم وهِبَتهُم وصلواتهُم، ونحيا عبادتنا وعقيدتنا بروحانية، ونتسلَّم وديعة الإيمان مُخضبَّة بالدِماء مصونة مختومة بالآلام والجِهاد والدموع والعذابات، فعندما نُعطي السلام للشُّهداء، نأخذ معونة من الذي أعانهُم. |
رد: كتاب الاستشهاد في فكر الآباء "مارتيريا"
شفاعة الشهداء وصلواتهم عنا يقول يوسابيوس القيصري المُؤرِخ الكنسي أنَّ بالاستشهاد يُصبِح للشهيد الحق بدمِهِ أن يُسمع صوته في إعطاء الشَرِكَة مرة أخرى للذين خرجوا عن الإيمان وتابوا، وطلب السلام والصفح والحِل للخُطاة. ويُعطينا القديس أُغسطينوس لمحة سريعة عن اعتقاده بشفاعِة الشُّهداء هكذا: ”فإذا وجدنا أنفُسنا غير مُستحقين أن نطلُب ونأخُذ، فعلينا أن نسأل بتوسُّط أصدِقاء العريس الشُهداء“. لذلك تعتبِر الكنيسة أنَّ شُهداءها هم شُفعاء دائِمون عند المسيح يحمِلون تِذكار إخوتهم الذين على الأرض كلما تراءوا أمام المسيح، لذلك يقول العلاَّمة أريجانوس بخصوص شفاعِة الشُهداء: ”إنَّ يوحنا (رؤ 6) يكتُب أنَّ أرواحهم لها عمل تحت المذبح، لأنَّ الذي يقترِن بالمذبح إنما يُؤدي خدمة الكاهِن وما هو الكاهِن إلاَّ (برسڤيتيروس) شفيع“. ويُؤكِد لنا القديس كبريانوس عقيدة الشفاعة بقوله: ”إنَّ الشُهداء سيدينون العالم مع المسيح، ومن هنا صارت شفاعتهُم أيضًا لدى المسيح، فمن الذي يدين؟ المسيح هو الذي مات... الذي أيضًا يشفع فينا (رو 8: 34)“. وتُعلِّمنا الكنيسة أُمِنا، أن لا نُقدِّم عبادة لأحد غير المسيح ربنا الذي ليس بأحد غيره الخلاص، لكننا نطلُب من الشُهداء أن يصلُّوا لأجلِنا.. لذلك لا تُقدِّم الكنيسة صلوات وتشفُعات عن الشُّهداء، بل تُقيم تِذكارات طلبًا لشفاعتهُم (بحسب تعبير المُؤرِخ يوسابيوس). ونفس التعليم نجده عند القديس أُغسطينوس ”أننا لا نُصلِّي من أجل الشُهداء، لأنهم أكملوا المحبة، لكننا نطلُب منهم أن يصلُّوا لأجلِنا، ومن الخطأ أن يُصلِّي أحد من أجل الشهيد“. وجعل القديس كيرلُس الأورشليمي شفاعة الشُهداء على مستوى الرُّسُل، عندما تحدَّث عن مجمع القداس الإلهي، فقال ”نذكُر أولًا رُؤساء البطارِكة والأنبياء والرُّسُل والشُهداء، حتى بصلواتهِم وشفاعاتهِم نجد نعمة عند الرب وتُقبل توسُلاتنا“، وتلك هي مُقدمة مجمع القداس الإلهي في كنيستنا إلى اليوم!! لقد توسَّل القديس إغريغوريوس النيصي طالِبًا صلوات الشهيد ثيئودور قائِلًا ”حارِب عنَّا كجندي، وكشهيد أسرع بالمعونة لإخوتك العبيد، لأنكَ أنت حر الآن لتتكلم عنَّا، لقد رحلت عن هذه الحياة التي لنا الآن، لكنك لا تجهل مصاعِبها..اجمع صفوف الشُهداء إخوتك.. ذكَّر بطرس وأيقِظ بولس ليكونا معك“. هذه هي الدَّالَّة التي تربُطنا بالشُهداء، فنعيش شَرِكَة السمائيين ومَعِيَة هؤلاء الشُهداء.. لكن تكريمنا لهم واستشفاعنا بهم لا يتضمن أي عبادة، لأننا لا نعبُد إلاَّ ابن الله الوحيد، أمَّا الشُهداء فهم تلاميذ الرب الذين اقتفوا آثاره، ونحن نحبهُم لأنهم جديرون بهذا لسبب محبتهُم المُنقطِعة النظير لِمَلِكهُم ومُعلِّمهُم المسيح. |
رد: كتاب الاستشهاد في فكر الآباء "مارتيريا"
تكريم أجساد الشهداء حسب التقليد الكنسي لقد حُسِبَت أجساد الشُّهداء منذ العصر المسيحي الأول (بدايات المسيحية) كذخائِر مُقدسة وروائِع ثمينة، تُوضع في أعظم الأماكِن وأقدسها تشبُّهًا بما جاء في سفر الرؤيا (6: 9) ”رأيت تحت المذبح نِفوس الذين قُتِلُوا من أجل كلمة الله ومن أجل الشهادة التي كانت عندهم“. ولعلنا نرى في تصميم القديس أمبروسيوس في وصيته على أن يُدفن جسده بجوار الشهيدين بروتاسيوس وجيرفاسيوس دليل على مدى ارتباط إيمان أمبروسيوس بقيمة أجساد الشُّهداء وشفاعتهُم. ويُشير قديس تورين (مكسيموس) إلى قيمة أجساد الشُّهداء وبركاتهُم بقوله: ”إنَّ أسلافنا أوصونا أن نلصق أجسادنا بعِظَام الشُّهداء حتى حينما يُشرِق المسيح على الشُّهداء يرفع عنَّا ضِمنًا ما فينا من ظلام“، ويقُص علينا المُؤرِخ يوسابيوس القيصري أنَّ المُؤرِخ هيجيسبوس رأى بنفسه جسد القديس يعقوب البار أخي الرب موضوعًا تحت المذبح في وضع بارِز.. ويقول أيضًا المُؤرِخ يوسابيوس أنَّ مِلكِيِة أي كنيسة لجسد شهيد أصبح غِنَى وشُهرة فائِقين، بالإضافة إلى صحة الإيمان والعقيدة، لذلك صارت الكنائِس تتسابق على قِنيِة هذه الأجساد الغالية، حتى أنَّ بعض الكنائِس سامت أساقفة مسئولين عن أجساد القديسين التي تحتفِظ ببركِتها. وبالرغم من إلحاح الشُهداء أنفُسهُم برفض أي تكريم لأجسادهُم، إلاَّ أنَّ الكنيسة وفاءًا منها لشُهدائها، الذين قدَّموا أجسادهُم مذبوحة ودِماءهُم مبذولة، رأت من الضروري بل ومن الواجِب أن تُكرِّم أجسادهُم، فبعض الشُهداء لم يُمانِعوا أن تُحتفظ أجسادهُم للتذكار، كما جاء على لسان الشهيدة بربتوا. ونلحظ في أقوال القديس إغريغوريوس النزينزي إيضاحًا لخبرتنا الكنسية التي تتعلَّق بشغفنا على تكريم رُفات القديسين، فنجده يقول في عِظته عن القديس كبريانوس الشهيد: ”إنَّ تُراب كبريانوس، بالإيمان، يستطيع أن يعمل كل شيء، والذين لجأوا إلى ذلك يعلمون صحة ما أقول“، لقد قدَّم لنا خِبرة عاشها جيله ولمسها هو بنفسه لذلك عمل وعلَّم بها. لذلك مهما كانت الكنيسة صغيرة وفقيرة، لكنها تضُم رُفات شهيد، تصير موضِع جذب لكثيرين، لأنَّ الشُهداء يعملون صيادين للناس بعد شهادتهُم، إذ يصطادون ربوات من الناس إلى مواضِع أجسادهُم ومقصورات رُفاتهُم الكريمة. ومنذ العصور الأولى أقامت الكنيسة هياكِل صغيرة تحوي أجساد شُهدائها، وكانت هذه الهياكِل أو الكنائِس تُسمَّى باسم ”مارتيريم Martyrium“ أي ”مكان شهادة“، وكلمة ”شهادة (مارتيريم)“ ترجمة حرفيَّة من اليونانية Μαρτύριον أي ”كنيسة صغيرة لذِكرى شهيد“.ولقد مرَّت الكنيسة بزمن كانت لا ترى فيه أي مذبح جدير بالتكريس إلاَّ الذي يحوي جزءًا من جسد شهيد!!! وكان الكاهِن الذي يُعيَّن على مذبح شهيد يُعتبر أعلى رُتبة من أي كاهِن آخر وكان يُسمَّى (مارتيراريوس) أي خادِم شهادة. لذلك يعتبِر القديس إغريغوريوس النيصي أنَّ عقيدتنا في تكريم أجساد الشُّهداء سببها أنَّ هذه الرُفات مصدر تهذيب للكنيسة، تطرُد الأرواح النجِسة وتأتي لنا بالملائِكة، فنطلُب بها ما هو لخيرنا، ونأخذ شِفاء لأسقامنا ولكل أوجاعنا، فهذه الأجساد ملجأ أمين للشفاعة عند الذين في شدة وكنز خيرات للفُقراء والمُعوزين. وتُكرِّم كنيستنا أجساد الشُهداء وتُضمِّخها بالأطياب، وتصنع الاحتفالات الروحية في المواضِع التي تضُم أجسادهُم.. · جسد الشهيد القوي أنبا موسى الأسود بدير البرموس العامِر. · وجسد الشهيد مارمينا العجائِبي بديره بمريوط. · وجسد الشهيد سيدهم بشاي بكنيسته بدمياط. · وجسد الشهيد أبو سيفين في مواضِع كثيرة. · وجسد الشهيد مارجرجس في مواضِع كثيرة. · وجسد الشهيد أبانوب النهيسي بكنيسته بسمنود. · وجسد السِت رِفقة بكنيستها بسنُباط. · وجسد الأم دُولاجي بإسنا. · وجسد العفيفة دميانة والأربعين عذراء بالبراري. · وأوِّل الجميع رأس القديس مارمرقُس الكاروز بالكاتدرائية المرقُسية بالأسكندرية. بالحق إنَّ كنيسة مصر كنيسة الأبكار المكتوبين وأرواح الأبرار المُكملين، كنيسة بطرُس خاتِم الشُّهداء وأبا بسخيرون القليني والأنبا صموئيل المُعترِف وكل الشُّهداء والمُعترفين. |
رد: كتاب الاستشهاد في فكر الآباء "مارتيريا"
تِذكارات الشهداء وأعيادهم تصنع الكنيسة لشُهدائنا تِذكارات تُعيِّد فيها لهم، لكي تتمثَّل بهم لأنهم امتثلوا بالمسيح الذبيحة الكامِلة، وفيما هي تحتفِل بتذكاراتِهِم تضعهُم أمامها بحسب قول العلاَّمة أوريجانوس ”فلنضع أمامنا السبع الشُّهداء المكابيين وأُمهم“، وفي عِظة للقديس باسيليوس الكبير يقول: ”اُذكروا الشُهداء يا من تمتعتُم برؤياهُم في الأحلام، اُذكُروا الشُهداء يا من حضرتُم وأوقدتُم الشموع هنا ليكونوا لكم عونًا في صلواتكُم، اُذكُروا الشُهداء يا من أخذتُم عونًا لكم في أعمالكُم إذ تطلبونهم بأسمائِهِم، اُذكروا الشُهداء يا من عُدتُم من بعد ضلال، اُذكُروا الشُهداء يا من تعافيتُم من بعد مرض، ويا من أنقِذ أطفالكُم من الموت.. تذكَّروا أعمالهُم واجمعوا مديحكُم جميعًا، واكتُبوا أسماءكُم علنًا في سِجِل فخرِهِم، ووزعوه على بعضكُم، مُخبرين بما يعرفه كل واحد للآخرين“.. لذلك من تقاليد كنيستنا الليتورچية منذ القرون الأولى، الاحتفال بذكرى الشُهداء بالسهر والتسبيح والألحان والصلوات حتى الصباح، ويتضِح ذلك من قول القديس يوحنا فم الذهب لشعبه في إحدى هذه الليالي ”هوذا قد قلبتُم ليلتكُم إلى نهار بقيامكُم طوال الليل ساهرين، فالآن لا تُحوِّلوا النهار إلى ليل بالانحلال والخلاعة“. وتحتفِظ كنيستنا القبطية ليومنا هذا بتِذكارات الشُهداء حسب تقويم الكنيسة والسنكسارcuna[arion، فتُقيم لهم الأعياد والتِذكارات بالسهر والتعييد والتماجيد والقُدَّاسات الإلهية، ونوال بركِة مواضِعهُم كما كان منذ شهادِة يوستين المُدافِع سنة 165 م. وهذا يكون من جيل إلى جيل. كما وتُقيم الكنيسةالأغابي بعد القداس احتفالًا وتوقيرًا لهم، وقنَّن البابا أثناسيوس الرسولي تِذكارات الشُهداء، قانون 91: ”ومن أجل الشُهداء، فلتكُن أعيادهُم باحتفاظ عظيم وترتيب عظيم، تُعمل لهم اجتماعات ويُقيم الشعب الليل كله في المزامير والصلوات والقراءات“. وعن تأثير وفاعِلِيِة أعياد الشُهداء وبركات تذكاراتِهِم يقول القديس فم الذهب ”إنَّ تِذكار الشُهداء يُؤثِّر تأثيرًا مُذهِلًا على أفكار الشعب، لأنه يُشدِّدهُم ضد مُحاربات إبليس ويُحصِّنهُم إزاء الأفكار والتصورات الشريرة ويهِبهُم هدوءًا نفسيًا كبيرًا“. وعن كيفية الاحتفال بتِذكار الشُهداء يُؤكِد العلاَّمة ترتليان على حِرص الكنيسة على إقامِة الافخارستيا في يوم ذِكرى استشهادهُم الذي هو ميلادهُم الجديد للحياة السعيدة، فموت الشهيد هو في الحقيقة ليس موتًا بل حياة أبدية، ولهذا احتمل كل عذاب واحتقر الموت. كذلك ذكر المُؤرِخ ثيؤدوريت كيف كانت احتفالات الكنيسة الأولى بأعياد الشُهداء وتِذكاراتِهِم الوقورة بالألحان والتراتيل السمائية والعِظات المُقدسة والصلوات والدموع. وأورد أيضًا المُؤرِخ يوسابيوس القيصري عن بوليكاربوس الشهيد سنة 168 م. فيقول: لقد اعتزموا بمشيئة الله أن يجتمعوا حول قبره ليُعيِّدوا لميلاده (أي يوم استشهاده) بفرح وتهليل لتكريم آلامه ليكون ذلك نموذجًا للأجيال المُقبِلة. وتعييدنا للشُّهداء ليس تفضُّلًا منَّا على الشُهداء، لأنهم مُكرَّمون في الكنيسة ويتطلعون إلينا من حامِل الأيقونات بعد أن اشتروا أماكِنهُم بالدم وفي تمجيدنا للشُّهداء بالتسبيح والذكصولوجيات والقِراءات والألحان إنما نُمجِّد إيمانهُم ومحبتهُم للمسيح، ونُمجِّد أمانتهُم حتى الدم نفتخِر بها ونحتفِل ونُعيِّد لأجلها. لقد أمر القديس باسيليوس الكبير بكل حزم أن يتجمع الناس في أماكِن أجساد الشُّهداء بهدف الصلاة والاحتفال بذكراهُم وأخذ بركاتهُم بعد أن انتقلوا للفردوس. وللقديس باسيليوس عِظات كثيرة في تِذكار الشُهداء، مثل الشهيدة چوليتا Julitta (يوليطا) سنة 306 م، والشهيد بارلام Barlaam الذي يقول عنه ”إنَّ النار امتحنته، وأشعلت يده، لكنها ظلَّت ثابِتة!!“. ووجَّه القديس باسيليوس نِداءًا إلى الفنانين الذين اعتادوا أن يسجِّلوا بألوانهُم مِثل هذه المشاهِد العظيمة: ”هلُمُّوا يا من ترسِمون معارِك الشُهداء، هيا زيِّنوا بفنكُم وجه هذا الضابِط الذي في جيشنا، لم أستطيع أنا سوى أن أرسِم صور باهِتة لهذا الشهيد المُكلَّل والبطل المُتوج... هيا أنتُم، استخدموا كل مهارتكُم وكل ألوانكُم لإكرامه“. وذَكَر القديس في عِظة أخرى عن الشهيد چورديوس، يقول: ”وصدر الأمر، أين السِياط؟ ليمُد جسده على العجلة... احضروا أدوات التعذيب، أعِدُّوا الوحوش، النار، السيف، الصليب...، كم هو امتياز (چورديوس) فلن نقدِر أن نُميته سوى مرَّة واحدة، أجاب (چورديوس): لا، أنه لأمر مُحزِن لي أنني لن أقدِر أن أموت من أجل المسيح مرَّات ومرَّات!! واجتمعت كل المدينة في بُقعة الاستشهاد.. ولَفَظ (چورديوس) آخر كلِماته: ”دعوني أستبدِل الأرض بالسماء“.. وتقدَّم دون أن يتغيَّر لونه أو تتبدَّل قَسَمَات وجهه الفَرِحَة وكأنه لا يتقدَّم لمُقابلة قاتِلِيه بل ليُسلِّم نفسه بين أيدي الملائِكة“.. |
رد: كتاب الاستشهاد في فكر الآباء "مارتيريا"
هل انتهى عصر الاستشهاد وبطلت الشهادة؟ لكن ماذا بعد؟ هل انتهى عصر الاضطهادات، وبَطُلَت الشهادة؟ إنَّ الشهادة عمل كل مُؤمِن دُعِيَ عليه اسم المسيح واقتبل نِعمة عهد المعمودية، وصار له المسيح نصيبًا... فحالِة الاضطهاد هي الحالة العادية للكنيسة في العالم (2تي 3: 12)، لذلك فالاستشهاد هو المسيحية بعينها، وهو إعلان عن صليب المسيح الذي صار لنا نعمة ومجد وتَبَعِيَّة... فالاستشهاد الباطني موضوع علينا، وإن كان الاستشهاد بالدم هو أكمل وسيلة لتبعِيَّة المسيح وتحقيق الوجود المسيحي، فهو لن يكون الوسيلة الوحيدة لأنه ليس مُقدَّمًا للجميع بل للذين أُعطِيَ لهم، والله يُتوِج خُدَّامه وهو يطلُب إيماننا العامِل.. لذلك يقول أنبا باخوميوس أب الشَرِكَة أنه ليس فقط تقطيع الأعضاء والحرق وحدهُما هما استشهاد!! بل تعب النُسك واحتمال الآلام والأمراض واحتمالها بشُكر هو الشهادة ”من أجلك نُمات كل النهار“. وللشهادة مجالات كثيرة، فالقداسة يمكن أن تُحسب مُساوية للاستشهاد، تلك هي المحبة الكامِلة وإنكار الذات والبذل والتكريس والعفاف والتلمذة كبُرهان على استعداد النَّفْس للاستشهاد، فالتكريس والبتولية ونذر الرهبنة صارت طُرُقًا مُماثِلة جدًا للاستشهاد، والعذارى والرهبان والمُكرسين صورة مُماثِلة للشُّهداء، حتى أنَّ القلاية تُعَدْ مكان شهادِة الراهِب الدائِمة. وللقديس يوحنا فم الذهب مفهومًا عام ومُتسِع عن الاستشهاد: ”وقد يقول قائِل أنه ليس وقت الاستشهاد فماذا أفعل؟ هل تظُن أنَّ الاستشهاد على خشبة فقط هو الذي يصنع الشهيد، لو كان لحُرِم أيوب من إكليله وهو يُماثِل ألف شهيد؟!!“. ويشهد البابا أثناسيوس الرسولي عن العظيم أنبا أنطونيوس: ”وعندما توقف الاضطهاد أخيرًا وأكمل المغبوط بطرس الأسقف شهادته، انصرف أنطونيوس في مغارته وبقى هناك وكان كل يوم شهيدًا أمام ضميره“.. لذلك سُمِيَت مغارِة القديسان مكسيموس ودوماديوس بمكان شهادِة الغُرباء، إنها شهادِة الحُب وشهادِة النُسك وشهادِة البتولية وشهادِة العِبادة وشهادِة الحواس والجسد.. ويُوصينا العظيم أنبا أنطونيوس الكبير ”قدِّموا جسدكم هذا الذي تلبِسونهُ واجعلوا منه مذبحًا، اجتهدوا أن تُقدِّموا ذواتكُم كذبيحة لله دائِمًا“. حقيقةً أنَّ الاستشهاد بالدم له كرامة وبركة خاصة ولكن الحياة النُّسكيَّة هي بمثابِة استشهاد يومي بالإرادة لذلك كل مسيحي إنما هو شاهِد وشهيد وعصر الاستشهاد لم ينتهِ حتى ولو انقضى زمان الاضطهاد، والعظيم أنبا أنطونيوس هو أوِّل من عاش الاستشهاد بدون سفك دم.. هناك حروب أخرى على المسيحي أن يخوضها كل يوم، نعني بها القِتال ضد الشهوات والصِراع ضد الرغبات، لذلك يسرِد لنا المُؤرِخ الكنسي يوسابيوس القيصري عن الكهنة والشمامِسة والخُدَّام الذين ماتوا بسبب كثرِة زياراتِهِم للمرضى وخدمتهُم بحُب مسيحي فانتقلت إليهم العدوى ومات البعض منهم، إنه لا يمكن أن يكون قد نَقَصهُم شيء من الاستشهاد. فإن لم نكُن على استعداد لأن نموت لآلامه فحياته ليست فينا، والاستعداد القلبي للشهادة يُحسب أنه شِهادة (بحسب تعبير ذهبي الفم)، والشهادة وإن كانت بإمكان الجميع إلاَّ أنَّ تحقيق ذلك نعمة تُعطَى للقليلين، لذلك حياتنا كلها شهادة كُبرى. وأفاض القديس فم الذهب في الحديث عن مجالات الشهادة فقال: ”إذًا فاحتمِل المشقات كلها ببسالة، لأنَّ هذا يُحسب لك استشهادًا“...وأضاف قائِلًا: ”ليس الشهيد هو فقط من عُلِّقَ على الصليب، بل من تألَّم أكثر من شُهداء كثيرين، لأنَّ كثيرين تحمَّلوا السِياط، لكنهم لم يحتمِلوا فُقدان مُمتلكاتِهِم... هذا نوع آخر من الاستشهاد“. بل يعتبِر أنَّ كل احتمال له بركته ودلالته فيقول: ”هل سقطت فريسِة مرض عِضال، هل رضيت أن تحتمِله بجَلَدْ وبلا وَجَلْ حتى لا تلجأ لأعمال السِحر؟ هذا سيأتي لك بإكليل الاستشهاد، ثِق في هذا، لأنه كما يحتمِل الشهيد آلام العذابات بجَلَد مُقابِل أن لا يسجُد للتمثال، هكذا أنت تحتمِل مشقات مرضك دون أن تلجأ لأعمال السِحر للشفاء منها“.. لذلك فالإنسان المسيحي شهيد بالليل، وشهيد بالنهار، شهيد يُمات كل النهار لكي تظهر حياة يسوع في جسده المائِت، شهيد في حياته اليومية، شهيد في أخلاقياته، إنها الشهادة السِّرِّية الداخلية، شهادِة الضمير التي هي وصية للجميع وكل من يتخلَّى عن مشيئته الخاصة فهذا يُسفك دمه (بحسب قول القديس برصنوفيوس). إنه صلب الجسد والأهواء والشهوات (غل 5: 14)، ألسنا جميعًا مدعوين إلى هذه الشهادة التي تحدَّث عنها القديس كبريانوس عندما فرَّق بين شهادتين ”شهادة حمراء“ شهادِة الدم، و”شهادة بيضاء“ هي شهادِة المحبة المُضحية والبذل وحمل الصليب والنُسك والسلوك بلا عثرة... تلك التي قال عنها القديس ميثوديوس الشهيد أسقف أولمباس ”إنَّ حياة التكريس والبتولية هي استشهاد ليس في لحظة واحدة قصيرة بل هي استشهاد مُمتد طوال الحياة“. |
رد: كتاب الاستشهاد في فكر الآباء "مارتيريا"
شهادتنا نحن اليوم ما أحوجنا إلى أن نعيش الشهادة الحيَّة لنصير شُهداء أمام ضمائِرنا، ما أحوجنا إلى المُناخ الطاهِر، ما أحوجنا إلى قداسِة حياة أعضاء الكنيسة، إلى حياة الفرح والتهليل كشهادة حيَّة على غلبِة العالم والظروف المُحيطة بنا، ما أحوجنا إلى كلمة الحق والعكُوف على الصلاة والتسبيح وشهادِة الحُب والوداعة والعِفَّة والطاعة والتجرُّد، ما أحوجنا للقلب الواحد والفِكر الواحِد والروح الواحِد، أليست هذه هي الشهادة بعينها!!! ما أحوجنا إلى الجو المُقدَّس والروحانية غير المُزيفة، ما أحوجنا إلى ثبات الرَّعِية وضبط الرُّعاة، ما أحوجنا إلى التدبير والمشورة والعمل الهادِف والبُناء الذي به نُحضِر كل إنسان كامِلًا في المسيح يسوع، ما أحوجنا إلى شهادِة الشبع وخدمة الحُب والذبائِح والصلاة وأعمال الرحمة، تضحية بحياة الجسد وناموس الطبيعة، تضحية بالعواطِف (الأم دُولاجي والسِت رِفقة)، تضحية بأمور هذا العالم، فهل من شهادة في جيلنا المُعاصِر؟! إنَّ الكنيسة أُمِّنا تحثِنا على شهادِة Martyria مُعاصِرة يقوم بها الأعضاء بدافِع المحبة والغيرة المُقدسة والعطاء لكل الناس سواء خارِج أو داخِل الكنيسة وفي كل مكان من أجل الشهادة لأوامِر الله وكتابِتها على ألواح صدورنا ومن أجل ثِمار التوبة ورُسوخ الإيمان وغِنَى الفضيلة وخدمة الأحشاء (الأرملة واليتيم والغريب والضِيف)، ناشرين روح المسيح الهادِئة الوديعة الباذِلة، بالاعتدال والتعقُّل والحِشمة والصحو والرزانة، شهادة لمسيحنا المُحِب بالافتخار وبُرهان الروح ونقاوِة الضمير وحراسِة البيعة، والشهادة للحق بغير مواربة ولا ميل ولا عثرة ولا وقوع في الدينونة، تلك هي دعوتنا المُستمِرة لكي نُضِئ قُدَّام جميع الناس كنور من منارة لا يستطيع أن يُخفيه مكيال، ولنُصلِّي معًا: ”مُؤمِنِيك احسبهُم مع شُهدائِك“ |
رد: كتاب الاستشهاد في فكر الآباء "مارتيريا"
المراجع والحواشي
حياة الكنيسة في عصور الاستشهاد Origen ; Exhort. Ad Martyr. L. Eusb.: E.H.V. 2: 5. عائِلة الله عبر التاريخ Watson: Defenders of the faith. The Historic Martyrs of Primitive Church. الاضطهادات العشرة في العصر الروماني The Triumph of Christianity , Collier Series , New York , 1962 , P. 324. Schaff: History of the Christian Church , vol. 2. Tert.: de Idolatria. Justin Martyr: Apol. De Presense' , vol. 2. Documents of the Christian Church. موقِف المسيحيين وسط العالم في أيام الاضطهاد Tert, Apology, G. 24, 28 ; Ad. Scapul. C. 2 ; Justin in Mart. , Apol. i. 2,4. 12 ; Loctanyius , insitit. , v , 19 , 20 ; Erist. C. 54. ديمومِة الاستشهاد في المسيحية The Triumph of Christianity , by Jules Lebreton , S. J. , Jacques Zeiller , 1962 , p. 350 – 357. Olivier clement , Sources: Les Mystiques Chretienns des Origines. A.N.F: v. III , on Fasting. Justin Martyr. Apol. 1: 65 ; Tert. , Apol. Ch. 39. De Pressense: The Early Years of Christianity , vol. 2. ch. 2. Les Saints d'Egypte T. Tome 2 , pp. 96 , 97 (après S. Athanase Apologie de Fuga 6). Scaff , vol. 2. p. 369. Justin: Dialogue with Teyrpho. الشهادة كِتابيًا W.H.C.Frend , Martyrdom and persecution in the Early Church , ch. Iii , p. 89 – 91. الشهادة في التاريخ الكنسي القبطي Cypr. Epist. 34. Tert.. , scorpiac. Contra Gnostic , C. 15. Chrys. HOM. 43. de S. Roman. Euseb. , H.E.B I V , C. 15. Cypr. Ep. 39 or 34. De Rossi. , Rom. Scot. II. 181. وثائِق تاريخية عن أعمال الشُّهداء وعصر الاستشهاد Schaff , Vol. 2 , p. 77. Lactantius: De Mortibus Persectorum. الشهادة والاستشهاد في المفهوم الآبائي Acts of Martyrdom of st. Justin Martyr & his Companions , ch. 1 – 5. Cited in " From The Fathers To The Churches " p. 691. Farrer , Vol. 1 , p. 352. Quasten: Patrology , Vol, 1. p. 186 , 187. Eusebius: H. E 6: 11: 6. Treatise XI , Exhortation to Martyrdom , Addressed to Fortunatos. Butter's Lives of the Saints , Vol. 3. Cyprian: Exhortation ti Martyrdom , ch. 4. N. P. N. F. Vol. 10 , p. 180 , 181. Ambros. , opp. II , 1110. Chrys. Pp , 601 , ed. Mign. Chrys. Hom. 20 , 76. Bingh. Work , Vol. 7 , pp. 349 , 350. سيكولوچية الشُّهداء شُهداء ليون W. H. C. Frend , Martyrdom and Persecution in the Early Church. P. 1. 30. Louis Bauer: Le Consalateur Esprit Saint et vie de Groce. Eusebius , H. E. V. 2. 3 – 4. الأسقف فيلكس الشهيد Dix lecons sur le Martyre: par paul Allard. شُهداء أبيتين Prieres des Premiers chretiens. Text Choisies et traduits par A.G. Hamman. لوسيان ومرقيان Ruinars , Act a primorum Martyrum. روجتيان الموعوظ وأخوه دونتيان Ruinars. 323. بونيفان الطرسوسي Delehaye , Analecta Bellandiona vol. XXI. pp. 129 – 145. الشهيد نكفوروس Acta Sanctarum , Feb. , II. Analcta Bellandiana vol. XV , p. 299. الشهيدة تكلة Acts of Paul and Thekla,m A. N. F. vol. iii , p. 487. Mcerry's Dictinary oe Chritian Biography. Patrologia Orientales ,R. griffin – Naules homelies cathedrals de severe Antioche , Traduites et publies par Maurice Briere. Butter's Lives of saints , Sept 23. الشهيدة أجنس St. Ambrose: Concerning Verginity. الشهيد بابياس ورُفقاؤه Cheneau: les Saints d'Egypte , tome 2 , p. 318. الشهيد بابيلاس O'Leary: The Saints of Egypt , p. 94. الشهيد بتروكليوس Baring – Gould: Lives of Saints , Jan. 21. الشهيدة ببلياس Eusebius: Eccl. Hist. 5: 1: 25 , 26 , 32 – 35. الشهيد برصنوفيوس O'Leary: The Saints of Egypt , p. 210 , 211. الشهيدان بروتاسيوس وجرڤاسيوس Butter's Lives of Saints. الشهيدة بربتوا وفيليستاس H.Musurillo: The Acts of The Christian Martyrs, Oxford 1972, p. 106 – 131. Pass. Of perp. & Felic. Bustave Bardy: La Vie Spirituelle d'apras les peres des Trois Premiers Siecles. الشهيد سانكتوس Eusebius , H. E. v. 1. 23. & v. 1. 42 & 2. 2. W. H. C. Frend, Martyrdom and Persecution in the Early Church. P. 1 – 13. تكريم الشُّهداء في الطقس القبطي تطويب الشُّهداء Sim, 5, 3, 3. Eph. Syr. II355, 391. Chrys. , Hom. In Matt. 37. & pan. Mart. 2. رُتبِة الشُّهداء Mart. Polyc. 19; Euseb. H. E. v, 2, ch. 37, Acta Fuructosi. Greg. Dix, op. cit., p. 373. Hippolytos, ap. Trad. X. I., 82; Greg. Dix. Shape of Lit. , p. 373. سلام الشُّهداء Cypr. , Ep. XXIII. St. Basil , II. 55. شفاعِة الشُّهداء وصلواتهُم عنَّا Euseb. , Ecc. Hist. , v , I , 40 , II , 7 , 8. Origen , in Num. x , 2 , t. ii , p. 303. Cypr. Epist. VI. 2 , XV. 2 , XXX. 3. EUSEB. Const. apol. VIII , C. 13. Aug. in John. , tract. LXXXIV. Aug. , Sermon 159. V. 867. Cyril of Jer. , Cat. Must. 5 , 8 – 10. Greg. Nyss. iii , 578. تذكارات الشُّهداء وأعيادهُم Ambrose , opp. II , 1110. Max. of Taurin , Hom. IXXXI. Euseb. , H. E. , V , II. XX iii. Acta Perpetua 21. Greg. NAZ. , 1 , 449. St. Basil , II. 55. , on Mamas. P. 185. Greg. Nyss. iii , 378. Chrys. , Hom. 20 , 67. BINGH. Work , vol. 7, pp. 349, 350. De cor. Mil. 3. Theod. Graec. Cur. viii. St. Basil , The Regula Fasius Trctatae , XL , quoted by Rev. Blomfiel Jackson , N. P. N. F. , (Erdmans , Michigan , 1981) , Ser. 2, vol. VIII, PP. LXIX, LXX. المراجِع العامة - كتابات قداسِة البابا المُعظَّم الأنبا شنوده الثالِث. - كتابات الأب الموقر القُمص تادرُس يعقوب مَلَطِي. - الاستشهاد في المسيحية لنيافِة الأنبا يؤانِس أسقف الغربية المُتنيِح. - The Triumph of Christianity , Collier Series , New York, 1962. - Schaff: History of the Christian Church. - W. H. C. Frend, Martyrdom & Persecution in the Early Church. - A. N. F. V. III, on Fasting. - Eusebius: Ecclesical History. - H. Musurillo: The Acts of The Chritian Martyrs. Oxford 1972. - Cheneau: Les Saints d'Egypte, Tome 2. - St. Ambrose: Concerning Virginity. - Mcerry' Dictionary of Christian Biography. - Patrologia Orientales, R. Graffin – F Naules Home – lies Cathedrales de Severe Antioche Traduites et publies par Maurice Biere. - Butter's Lives of Saints. - Quasten: Patrology, vol. 1, p. 186, 187. |
الساعة الآن 05:19 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025