![]() |
رد: كتاب رحلة إلى قلب الإلحاد
هل استطاع المُلحدون تفسير ظاهرة الموت؟ وماذا كان موقفهم عند مواجهته؟ س54: هل استطاع المُلحدون تفسير ظاهرة الموت؟ وماذا كان موقفهم عند مواجهته؟ ج: أشد ما يقلق الإنسان المُلحد هو لحظة الموت، وأكبر عقبة في حياته مشكلة الموت، حتى أنه قد يلجأ للانتحار للتخلص من رهبة هذه اللحظة التي تقلقه، فالإنسان المُلحد يُحار في مشكلة الموت ولا يجد حلًا لها، ويساق قسرًا إليه وهو منزعج. أما الإنسان المؤمن فهو مطمئن يشعر أن الحياة والموت في يد الله، وأن ساعة الانتقال لا تخصه على الإطلاق، إنما تخص الله المُحب، الذي يدبرها على أحسن ما يكون. وفي اللحظة المناسبة يُنقل الإنسان الأمين من أرض الشقاء والعناء إلى الراحة والنعيم، لا تقف نظرة الإنسان المؤمن عند القبر والتعفن والتحلل والتراب، إنما ينظر المؤمن للجسد كخيمة يخرج منها وينطلق إلى الحرية الأبدية، والجسد في نظره مثله مثل زوائد الأظافر أو قصاصات الشعر التي لا يهتم بها.. الموت بالنسبة للمُلحد هو قبر وظلمة وتراب وفناء أما بالنسبة للإنسان المؤمن فهو سماء ونور وخلود.. القبر بالنسبة للإنسان المُلحد هو مستقر أما بالنسبة للإنسان المؤمن فهو عبور. ويظن الجنين أن الحياة في بطن أمه هي الحياة الوحيدة ولا حياة غيرها، ولكن لو قُدّر له أن يُفكر، فلابد أن يتساءل قائلًا: لي ذراعان ورجلان ينمون، فلماذا وأنا لست في حاجة إليهما الآن؟! ولي عينان بينما أعيش هنا في ظلمة حالكة.. فما فائدتهما وأنا لست في حاجة إليهما الآن..؟! ألعل كل هذا من أجل حياة مقبلة؟! وهذا ما يكتشفه عندما يولد ويبصر ويتحرك ويحبو ثم يمشي على الأرض الرحبة، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام المقالات والكتب الأخرى. ولو سأله أحد: أتريد أن ترجع إلى حياتك الأولى في بطن أمك، فبلا شك أنه سيرفض، ويقول: هنا أفضل جدًا، وهكذا نحن نفهم حياتنا على الأرض، فهي مقدمة لحياتنا المقبلة، وهي فرصة لخدمة الآخرين وعمل الخير ونشر الملكوت والتدريب على الإحساس بوجود الله، واختيار للنصيب الصالح، وهي المدخل للحياة الأبدية. أما المُلحدون فهذه الحياة الأرضية بالنسبة لهم تكاد تكون بلا قيمة، فبالاسم أنهم أحياء لهم مظهر الحياة وشكلها، وفي الحقيقة أن الموت يزحف على حياتهم، وبعضهم يتصنَّع الشجاعة، فقال " مارك توين": "أنا لا أخاف الموت. لقد كنتُ ميتًا مليارات الأعوام قبل أو أولد، ولم يسبب لي ذلك أية مضايقات" (79) وكتب " توماس جفرسون " عند قرب غروب حياته أكثر من مرة لأصدقائه قائلًا بأنه يواجه النهاية القريبة بدون أي أمل أو خوف (راجع وهم الإله ص 164). لقد فشل المُلحدون في استيعاب فكرة الموت، وفشلوا عما ستكون الحياة بعد الموت؟ وعجزوا عن استيعاب أن الموت هو القنطرة التي تقلنا إلى الحياة الأبدية، وانزعجوا جدًا من مواجهة الموت، فشوبنهاور الذي ادعى الشجاعة وقال أن الحل الوحيد لمشاكل الإنسان هو الانتحار، لم يجرؤ على الانتحار، بل عندما انتشرت الكوليرا في برلين أسرع بالفرار منها وهاجر بعيدًا. ومثَّل الموت مشكلة المشاكل للمُلحدين، فما أبشع الموت من منظار ماركسي، فالموت هو الظلمة الطاغية والنهاية المآساوية والفناء الذي لا يحمل أي نوع من الرجاء، ومما يذكر هنا أنه عندما صُدم كارل ماركس بموت ابنه كتب إلى صديقه " لاسالي " يقول "لقد هزني موت ابني هزة عنيفة، وإني أشعر بفقدانه، كأنما حدث ذلك بالأمس فقط. أما زوجتي فقد انهارت تمامًا تحت وطأة الضربة القاصمة" (80) و"تاليران " في مواجهة الموت كان يصرخ " أنني أقاسي ويلات اللعنة" (81) و"ميرابو " كان يهمس قائلًا " هيا إليَّ بالمُخدر.. حتى لا أفكر في الأبدية" (82) وشارل التاسع ملك فرنسا كان يصرخ " يا للدماء.. يا للمذابح.. يا للمشورات الرديئة التي أتبعتها.. لقد ضعت للأبد" (83) و"توماس باين " Thomas Paine صاحب كتاب " عصر العقل " قال في لحظاته الأخيرة " آه إني على استعداد أن أدفع كل العوالم - لو أُعطيتها - في سبيل سحب كتابي " عصر العقل " آي يا رب ساعدني، يا يسوع المسيح أعني، كن معي. أنه الجحيم بعينه أن تتركني وحيدًا" (84) وكان يصرخ " يا رب ساعدني. اللهم ساعدني. يا يسوع المسيح ساعدني" و"ياروسلافسكي " هتف وهو على فراش الموت أمام ستالين قائلًا " أحرقوا كل كتبي. أنظروا. أنه هنا ينتظرني. أحرقوا كل مؤلفاتي" (85). و"فولتير " Voltiare قبيل موته بثلاثة أشهر أخذ يعاني من تبكيت الضمير، حتى أن زملائه أقرُّوا بأن موته كان أشد فظاعة من موت أي شخص آخر، وقد طلب قسًا وأظهر رغبته في الرجوع لله، وكتب إقرارًا يعلن فيه رفضه للإلحاد والمُلحدين، وكان يقول لمن يحيط به من المُلحدين " أذهبوا.. انصرفوا.. ما أحقر المجد الذي جلبتموه لي " وكان يلتمس الرحمة أحيانًا فيقول "لقد هجرني الله والبشر وليس أمامي سوى الجحيم. يا سيدي، أيها المسيح. يا يسوع المسيح " وأحيانًا أخرى كان يجدف على اسم الله المبارك، وقال للطبيب الذي يعالجه أنني مستعد أن أعطيك نصف أملاكي لو جعلتني أعيش ستة أشهر، وعندما قال له الطبيب: يا سيدي لا يمكنك أن تعيش ستة أسابيع، قال فولتير "سأذهب إلى الجحيم" ومات بعد فترة وجيزة (راجع نورمن أندرسون - العقل والإيمان طبعة 1955م ص 101، 102) وقال " فرنسيس نيوبورت " Francis Newport " أنني أعلم بوجود إله، لأنني أتأثر دائمًا بتأثيرات غضبه. كما أنني أعلم أيضًا بوجود جحيم لأني قد تناولت الآن في قلبي عربون ميراثي هناك. قد أهنتُ خالقي، وأنكرتُ مخلصي. قد انضممت إلى صفوف المُلحدين والكافرين، وظللت في هذا الطريق رغمًا عن تبكيت ضميري المتكرر - إلى أن صرخ - أثمي متطلبًا دينونة الله العادلة. إلى أين أنا ذاهب؟ إني محكوم عليَّ بالهلاك الأبدي، قد أصبح الله عدوًا لي وليس لي معين.. " ثم صرخ بأنين يُمزق الأحشاء - كأنه قد خرج عن نطاق البشر - قائلًا " يا لها من آلام لا تُطاق - آلام الجحيم والهلاك! - ومات كذلك" (راجع نورمن أندرسون - العقل والإيمان ص 102). هذا هو موت المُلحدين الفظيع المُزعج، أما الإنسان المؤمن فهو واثق عند موته، مهما كانت آلام الجسد، فالذين جازوا في عذابات رهيبة جراء إيمانهم كانوا يتمسكون بهذا الإيمان للنفس الأخير، فيقول "ريتشارد وورمبراند": "حينما كنت بين جدران السجن.. كنت أسمع أنين البعض في لحظاتهم الأخيرة، وكنت أصغي إليهم في النهاية وهم يرددون {هو الله. الله موجود} وما أحلى أن تنتهي حياتنا وهذا التأكيد العظيم على شفاهنا مشيرًا إلى اليقين الثابت في أعماقنا" (86) كما يقول أيضًا: "وأولئك وسط العذابات والاضطهادات في قلب السجون، إذ بالله يُشرق عليهم بنور الإيمان في ساعاتهم الأخير فيهتفون {الله الله وليس سواه}" (87). ويقول "نيافة الأنبا موسى" أسقف الشباب " اللانهائية.. حقيقة منطقية. لاشك أن العقل محدود. بينما الأرقام غير محدودة، وأقصد رقم " اللانهاية " فإذا ما حلقنا بالفكر في آفاق المستقبل لنحصي سنوات ما بعد سنة 2003 سوف نقول 2004 ثم 2005 ثم 2006 لنصل إلى " مستقبل لا نهائي غير محدود " هو " الأبدية " إذ يستحيل أن تحد حدودًا للأرقام، أو نهاية لها. فإذا ما رجعنا بفكرنا إلى الأعوام الماضية فسوف نقول 2002 ثم 2001 ثم 200.. وسوف نصل أيضًا إلى ماضي سحيق لانهائي.. هو " الأزلية " إذًا هناك كائن أزلي (لا بداية له) أبدي (لا نهاية له) وهذا الكائن اللانهائي هو الله، مهندس الكون الأعظم، واجب الوجود، الحياة المانحة للحياة، والخالق الذي خلق الكل.. فالله الأصل، علة كل المعلولات، وأساس كل الموجودات.. الوجود الأول، واجب الوجود، وخالق الجميع" (88). |
رد: كتاب رحلة إلى قلب الإلحاد
المادة حقيقة ثابتة نلمسها ونحسها وندركها، فهل عدم إدراك الله بالحواس يعني عدم وجوده؟ س55: المادة حقيقة ثابتة نلمسها ونحسها وندركها، فهل عدم إدراك الله بالحواس يعني عدم وجوده؟ ج: كم من الأمور التي لا يدركها الإنسان بالحواس الجسدية، ولكنه يؤمن بوجودها؟ فلا أحد يرى الكهرباء، ولا القوة المغناطيسية ولا الموجات الصوتية والضوئية ولكن يؤمن بوجودها، ويستفيد بها، وهناك كائنات دقيقة لا تراها العين المجردة لكننا نراها تحت المجهر، وهناك أصوات خافتة لا تلقطها الأذن البشرية ولكن تلتقطها أذن بعض الحيوانات، وأيضًا أجهزة التصنت، فعين الصقر ترى أرنبًا يحاول أن يختفي بين الحشائش على ارتفاع كيلومترًا ونصف، لأنها تُكبر الصورة ثمان مرات، وأذن الغزال ترصد حركة الزلزال قبل حدوثه بعشرين دقيقة. بل أن هناك فرقًا بين عالم الحقيقة وعالم الظواهر، فالسراب هو من عالم الظواهر وليس بحقيقة، والمجداف المكسور في الماء ليس هو كذلك. إذًا فعدم إدراك الله بالحواس لا يعني على الإطلاق عدم وجوده، إذ أننا ندركه بالإيمان، والإيمان يكمل العيان، مثل أجهزة التكبير كالتلسكوب والميكروسكوب فأنها تكمل عمل العين المجردة، فالعين المجردة ترى إلى حد مُعين وتقف، أما أجهزة التكبير فأنها تُكمل ما لا تراه العين المُجردة.. عندما سمع " نابليون " أن أحد جنوده يُنكر وجود الله لأنه لا يراه، استدعاه وسأله: هل عندك عقل؟ فأجاب الجندي: نعم يا سيادة القائد. قال له نابليون: أنا لا أصدق فدعني أشج رأسك لأرى عقلك. فقال الجندي: يا سيد أسألني، ومن إجابتي تستدل أن لي عقلًا يُفكر. فقال له نابليون: إن كنت لا ترى العقل ومع هذا تؤمن به لأن آثاره واضحة في التفكير والنُطق، فكيف تُنكر وجود الله مع أن آثاره واضحة في الكون والإنسان وكل الخليقة. وعندما كان أحد الفلاسفة المُلحدين يُحاضر البسطاء ويقنعهم أننا لا نرى الله لأنه ببساطة غير موجود، ثم سأل أحد الفلاحين البسطاء: هل تؤمن بالله؟ فأجاب بالإيجاب، فسأله المُحاضر: هل رأيت الله لتؤمن به؟ قال الفلاح: وأيضًا أنا لم أرى أحد من اليابانيين، ومع ذلك فأنني أعلم أنهم موجودين، وأن جيشنا قد حاربهم. وأنت تحارب الله، إذًا لابد أن يكون موجودًا حتى وإن كنتُ لا أراه بعين جسدي. وقصة المُدرسة مع البنات الصغيرات قصة مشهورة إذ أخذت تسألهن: ما هذا؟ يجيبون شجرة، ما هذه..؟ نافذة.. ما هذا؟ عصفور، وفي كل مرة تُكرر عبارتها نحن نرى الشجرة إذًا الشجرة موجودة، ونحن نرى النافذة إذًا النافذة موجودة.. إلخ، وانتهت بسؤال: من منكم يرى الله؟ فصمتت البنات الصغيران، فعلقت قائلة: لأنه ببساطة غير موجود، فتصدت لها فتاة صغيرة مؤمنة وأعادت نفس الأسئلة بنفس الصياغة ولكنها أنتهت إلى سؤال: من منكم يرى عقل المُدرسة..؟ فصمتت البنات، فقالت: ليس معنى أننا لا نرى عقل المُدرسة أنها بلا عقل. بل أننا لو أدركنا الله بالحواس البشرية فأنه لن يكن إلهًا غير محدود، ويقول الفيلسوف "توما الأكويني": "أن الله ليس كما نتصوَّره أو نفهمه بمداركنا العاجزة، فإذا عرفنا الله بمفهومنا يكفُ عن أن يكون إلهًا، فالعقل البشري أضيق من أن يحد اللامحدود، ولكننا نستطيع أن نعرفه فقط، لا أن نصل إلى إدراكه" (89) وقال الفيلسوف الهندي " مانو": "الإله هو الكائن الذي لا يمكن أن تحويه الحواس المادية، وليس بمقدور العقل أن يدركه على ما هو عليه، وذلك لاستحالة الكائن الجزئي أن يحوي الكائن الكُلي" (90). ويربط "نيافة الأنبا موسى" بين العقل والإيمان فيقول "أن العقل ليس ضد الإيمان، ولا الإيمان ضد العقل!! الإيمان لا يصادر العقل أو يلغيه، ولكنه يؤكد على محدودية العقل، ثم يكمل هو - أي الإيمان - المشوار معنا. تمامًا مثل التلسكوب، والعين المجردة. فالعين المجردة محدودة في إبصارها، ترى حتى مسافة معينة، ولا تستطيع أن تدرك تفاصيل الأمور البعيدة، مثل القمر مثلًا، العين تراه قُرصًا جميلًا طالما تغزَّل فيه الشعراء، أما التلسكوب فيستطيع أن يُقرب الأمور البعيدة، ويجعلنا نرى الكثير من التفاصيل والتضاريس في هذا القمر، الأمر الذي تعجز عنه العين المُجردة المحدودة. العقل مثل العين المُجردة.. محدود، والإيمان مثل التلسكوب.. يُكمل لنا المشوار، ويقرُّ لنا الحقائق البعيدة وغير المحدودة، مثل الله والأبدية، لهذا يقول معلمنا بولس الرسول " بالإيمان نفهم أن العالمين أُتقنت بكلمة الله" (عب 11: 3) أي أن الإيمان يشرح لنا ما لا يستطيع العقل إدراكه، فالعقل محدود، والله غير محدود، وهيهات للمحدود أن يحتوي غير المحدود. هكذا يكون المنطق!" (91). إن اختبار وجود وجود الله لا يمكن إثباته عن طريق التجارب المعملية، إنما يحتاج فقط إلى الإيمان، والإيمان أمر أعتاد عليه الإنسان، فهو ليس غريبًا عنه، بل يمارسه الإنسان في حياته العادية، فهو يؤمن بالطبيب الذي يذهب إليه، ويؤمن بالقطار الذي سيقله من مكان إلى آخر ولذلك يتوجه إلى محطة القطار ويستقل القطار، ويؤمن الإنسان أنه في بداية كل شهر سيقف أمام الصراف ليتسلم راتبه، أو يصدق أن راتبه سيصل لحسابه بالبنك، والإصرار على استخدام المنهج العلمي لإثبات وجود الله يشبه من يحاول أن يستخدم التليفزيون في قياس الإشعاع الذري. |
رد: كتاب رحلة إلى قلب الإلحاد
لقطة للتاريخ 2 | نظرة تأمل الهدف من هذه اللقطة يا صديقي هو أن أكشف لك قليلًا عن المآسي التي عانت منها البشرية بسبب الإلحاد، إله القتل، فالإنسان متى فقد الإيمان، واعتقد أنه ليس إله، ولا ثواب ولا عقاب، يتدنى لمستوى أدني من الحيوانات المتوحشة، فقد يفترس غيره أو يفترس نفسه. فإحدى الفتيات كانت توزع بعض البشائر وتعلم الأولاد عن المسيح سرًا، فقرَّروا اعتقالها، ولكنهم أجلوا الاعتقال إلى يوم زفافها، وفي يوم زفافها هرع البوليس السري إلى داخل بيتها فمدت يديها ليكبلوها بالقيود، وهي تقبّل السلاسل وتقول: "أشكر عريسي السماوي يسوع من أجل هذه الدرَّة التي قدمها لي في يوم زفافي. أشكره لأنه حسبني أهلًا أن أتألم من أجله " بينما كان الأهل يولولون، والعريس يتحسر لوعة، ولاسيما أنهم يعرفون أهوال سجن الإلحاد، وبعد خمس سنوات أُفرج عنها وكأنها أكبر من سنها بثلاثين عامًا، والأمر الرائع أن عريسها كان مازال في انتظارها، فلاقته، وهي تقول له: إن ذلك كان أقل ما يمكنها أن تفعله من أجل المسيح. (راجع العذاب الأحمر ص 46، 47). ويصف " رتشارد كتشام " مدى ما كان يعانيه سجين الإلحاد في سجون الشيوعية فيقول "قبل أن يبدأ استجواب السجين يُلقى في عدة أنواع من الزنزانات، النوع الأول يضم هؤلاء الذين ضُربوا ضربًا وحشيًا مُبرحًا أثناء استجوابهم، والتالي يضم من اعترفوا فعلًا، والثالث يبقي النزلاء شهورًا دون أن يعرفوا ما سوف يحدث لهم.. وبعد ذلك ينتقل إلى الحبس الانفرادي في زنزانة ضيقة تبلغ مساحتها مترًا مربعًا، صُممت بحيث لا يستطيع السجين الجلوس أو النوم فيها، بل يضطر إلى الوقوف أو الانحناء طوال الوقت.. وليس هناك نوافذ في هذه الزنزانة بل فيها مصباح كهربائي يُضاء ليلًا نهارًا. وبعد بضعة أيام يمضيها السجين في هذه الزنزانة الضيقة.. يأتي حارس صامت بالسجن (ويقود السجين) في ممرات ضيقة طويلة تبدو كأن لا نهاية لها.. وأخيرًا يصل السجين إلى غرفة الاستجواب.. وقد يتخذ الاستجواب أحيانًا صورة حديث عادي.. وفي أحيان أخرى يُضرب السجين ضربًا مُبرحًا حتى يفقد وعيه، ثم يُلقى عليه الماء البارد ليفيق، ويستأنف مستجوبوه ضربه مرة أخرى.. يُعاد السجين إلى زنزانته ليوقظه الحارس من نومه عند منتصف الليل، ثم مرة أخرى عند الفجر.. يُحرم السجين من أن يغتسل، كما يُمنع من ممارسة أي تدريب بدني.. تغشى عينا السجين من أثر الضوء الوهاج الذي يُسلَط على وجهه، ويلاحقه المُحقق بأسئلة مفاجئة ثعلبية.. ويهدَّد السجين بأن تنتقم السلطات من عائلته، وتمر الأيام والسجين يعاني الحرمان من النوم، ويذوق مرارة الاستجوابات الطويلة التي يتوالى عليه فيها محققون مختلفون، كل منهم يحل محل زميله ولا يتقيد مُطلقًا بما كان قد سأله من أسئلة. ويُرغم السجين على الوقوف أو الجلوس في أوضاع غير مريحة حتى يكاد يفقد الوعي، فتحل فيه الحاجة إلى النوم محل أي شعور آخر، حتى الشعور بالجوع والعطش، وإذا حُرِم السجين من النوم مدة كافية، اعترته حالات الهزيان، فيتخيل أن الحشرات تحوطه، وأن الفئران تصعد إليه، والضباب يرتفع أمام عينيه، وأخيرًا وتحت ضغط الانهيار الجسدي والعصبي والعقلي، يصبح السجين راغبًا بل متشوقًا إلى توقيع اعترافاته" (92). نظرة تأمل:الزهور المضيئة: جاء في مجلة العلم عن الزهور المضيئة " تم العثور على أغرب نوع من الزهور وقد أُطلق عليه " زهرة الكونفولفولوس " ترسل هذه الزهور الغامضة من داخلها ضوءًا يشبه المصباح الخفيف" (93) وجاء في مجلة العلم أيضًا عن قنديل البحر المضيء " قنديل البحر حيوان بحري ذو جسم هلامي وشكل يشبه المظلة ويحمل لوامس مُزودة بحويصلات لاسعة، وتطفو هذه الحيوانات فوق سطح الماء بالقرب من الشاطئ، وتُهدّد السبَّاحين بالتهاب جلودهم بالمادة اللاسعة التي تفرزها.. لماذا سُمي هذا الحيوان قنديل البحر؟ إن كلمة قنديل معناها المصباح المضيء، فهل الأمر كذلك؟ الحقيقة أن هذا الحيوانمن الكائنات البحرية المضيئة والعجيبة، حتى إنك إذا نظرت إلى ماء البحر في ليلة مظلمة فإنك تشاهد مياه البحر قد أضاءها عدد لا يُحصى من الكرات المضيئة التي يسطع ضوءها بضوء فسفوري خافت، ثم يخبو ويضئ مرة أخرى كأنها هي نجوم تسطع في كبد السماء" |
رد: كتاب رحلة إلى قلب الإلحاد
الفصل الثالث: تأليه الإنسان ورفض السلطة الإلهيَّة
|
رد: كتاب رحلة إلى قلب الإلحاد
هل وجود الله يحد من حرية الإنسان ويُلغي كرامته ووجوده؟ وهل نجح الإلحاد في أن يهب السعادة للإنسان؟ س56: هل وجود الله يحد من حرية الإنسان ويُلغي كرامته ووجوده؟ وهل نجح الإلحاد في أن يهب السعادة للإنسان؟ قال المُلحدون أن الإنسان هو إله هذا الكون، وقال " كارل ماركس": "أن الإلحاد هو إبراز الإنسان بواسطة إلغاء الدين" (95) وقال " فويرباخ": "أن نقطة التحوُّل الكبرى في التاريخ ستكون في اللحظة التي سيعي فيها الإنسان أن الإله الواحد هو الإنسان نفسه" (96) كما قال أيضًا أن الإنسان هو إله نفسه " الإنسان الذي يؤمن بالله لا يؤمن بنفسه، فالله هو الإنسانية، لا أكثر ولا أقل، والدين يجب أن يموت، فيقوم على أنقاضه عالم على مقاييس الإنسان، الذي يلزمه أن يكون إله نفسه" (97) وقال " إيتان بورن " أن وجود الله ضد وجود الإنسان " يجب ألاَّ يكون الله، حتى يكون الإنسان" (98) وظن " باكونين " أن وجود الله يسلب الإنسان حريته فقال " أن كان الله موجودًا فلستُ بحرٍ. أنا حر فالله إذًا غير موجود" (99) ورأى " سارتر " أن حرية الإنسان تطرد فكرة وجود إله، فقال " إذا انفجرت الحرية مرة أخرى في روح الإنسان، لم يبق للآلهة على هذا الإنسان أية سلطة" (100). ولسان حال المُلحد: أنني لا أريد ملكوتًا سماويًا لأنني بشر، إنما أنا في حاجة إلى ملكوت أرضي، وأخذ الإنسان يحلم بفردوس أرضي يجد فيه سعادته، فقال " فيشينسكي " سكرتير الدولة في رومانيا " ستبني هذه الحكومة فردوسًا أرضيًا، وعليه لن نكون بحاجة إلى فردوس سماوي" (101) وصدقه الكثيرون، فقام أحد الكهنة ويُدعى" سرجيوس " بتكوين كنيسة باسم " الكنيسة الحيَّة " وقال " ليس قصدنا أن نعيد بناء الكنيسة إنما هدمها وإبادة الديانة كليًّا" (102). ج : لنا على كل ما سبق التعليقات الآتية:1- الصورة التي وضعها المُلحدون عن الله صورة مغلوطة وغير حقيقية، فالإله كما تصوَّره المُلحدون هو إله ينافس الإنسان في الوجود، إله نادم لأنه عندما خلق الإنسان وهبه حرية الإرادة، ولذلك فهو يسعى دائما لإخضاع الإنسان وإذلاله والحد من حريته عن طريق وصايا ثقيلة، فالإنسان الذي يؤمن بوجود الله هو بمثابة عبد ذليل لسيد قاسٍ، يحاسبه على أقل خطأ يرتكبه، وقد أعد له العذاب الأبدي. إله سيفرح ويُسر بعذاب الإنسان في جهنم النار.. وهكذا كان تصوُّر الملحدين المقلوب عن الله، ولذلك نادوا بإنكار وجود الله لكيما يظهر ويبرز الإنسان للوجود، فالإنسان الذي يؤمن بالله، لا يستطيع أن يؤمن بنفسه، لأن وجود الله ضد وجود الإنسان، ووجود الله ضد حرية الإنسان، ولكيما ينال الإنسان حريته ينبغي أن يرفض السلطة الإلهية، وأن يكون الإنسان إله نفسه. ولم يدرك الملحدون الصورة الحقيقية لله، ولم يدركوا أن الله نبع يفيض على كل أحد، وشمس تشرق على كل أحد، وخير يعم على الكل، وحب يشمل الجميع.. شاء بإرادته أن يخلق الإنسان حرًّا مريدًا، ولم يندم قط على أنه وهب حرية الإرادة للإنسان، حتى لو استخدم الإنسان هذه الحرية ضد الله ذاته، ورفضه وجدَّف عليه، بل أنه لا يقبل الإنسان إلاَّ إذا جاء إليه بكامل إرادته.. الله لا يقبل إلاَّ البشر الأحرار، والله لم ولن يكون عدوًا للإنسان قط، فالإنسان الذي جبله الله على صورته هو موضع حبه واعتزازه.. الله أب يتراءف علينا أكثر من أنه سيد يحاسبنا ويعاقبنا.. تنازل وأخذ شكل العبد وجاز الموت، موت العار والسخرية من أجل إنقاذ أولاده من فم الموت.. وضع نفسه عنا إلى الموت، فليس حب أعظم من هذا.. أنه يسعى لخلاص ونجاة كل أحد، وقد أعد لنا ملكوتًا يتسع للجميع، وفي احترامه لحرية الإنسان فأنه لن يجبر أحد قط للدخول لهذا الملكوت السماوي السعيد، وحقًا قال القديس أغسطينوس أن الذي خلقك بدون إرادتك لن يخلصك بدون إرادتك. وأوضح " الأب خوان إرياس " أنه من المستحيل أن يؤمن بالإله كما صوَّره الملحدون، ونقتطف عبارات قليلة من مقاله:
2- يجهل الإنسان المُلحد سبب خلقة الله للإنسان، فالله لم يخلق الإنسان ليسخره، ولا ليسلب حريته، ولا حتى ليعبده، لأن الله كامل في ذاته متكامل في صفاته، فهو لم يكن محتاجًا إلى عبوديتي بل أنا المحتاج إلى ربوبيته. خلق الإنسان لكيما يتمتع بنعمة الوجود في حضرته، فالإنسان هو وليد ونتاج محبة الله، ولهذا عندما أراد أن يخلقه رتب له الكون كله، ودبر له كل احتياجاته، ثم خلقه على أفضل صورة ممكنة، إذ خلقه على صورته ومثاله، وتوَّجه ملكًا على الخليقة كلها، " وقال الله لنعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا. فيتسلطون على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى البهائم وعلى كل الأرض وعلى كل الدبابات التي تدب على الأرض. فخلق الإنسان على صورته.. وباركهم الله وقال لهم أثمروا وأكثروا املأوا الأرض وأخضعوها وتسلَّطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدب على الأرض" (تك 1: 26-28) وترنَّم داود النبي قائلًا " فمن هو الإنسان حتى تذكره وابن الإنسان حتى تفتقده. وتنقصه قليلًا عن الملائكة وبمجد وبهاء تكلّله. تسلطه على أعمال يديك. جعلت كل شيء تحت قدميه. الغنم والبقر جميعًا وبهائم البر أيضًا. وطيور السماء وسمك البحر السالك في سُبُل المياه. أيها الرب سيدنا ما أمجد أسمك في كل الأرض" (مز 8: 4-8). ويقول "القديس غريغوريوس النيزنزي": "أيها الإنسان تأمل في كرامتك الملوكية. أن السماء لم تُصنع على صورة الله مثلك ولا القمر ولا الشمس ولا شيء مما يُرى في الخليقة. انظر.. لا شيء في الموجودات يستطيع أن يسع عظمتك" (104). وقد دعى الكتاب المقدَّس الله " ينبوع المياه الحيَّة" (أر 17: 13) والينبوع في طبيعته يفيض على الآخرين، والله كينبوع يفيض حبًا " لأن الله محبة" (1 يو 4: 8) فعلاقة الله مع الإنسان هي علاقة حب وعطاء " هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له حياة أبدية" (يو 3: 16)،وقال لتلاميذه الأطهار " ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه" (يو 15: 13) وفي محبته انحنى وغسل أرجل تلاميذه (يو 13: 5) وفي محبته يقول "هآنذا واقف على الباب وأقرع. إن سمع أحد صوتي وفتح الباب أدخل إليه وأتعشى معه وهو معي" (رؤ 3: 20) فالله لا يقتحم حرية الإنسان، إنما يدعونا للحرية " إن حرَّركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارًا" (ي 8: 36).. " فإنكم إنما دُعيتم للحرية أيها الأخوة" (غل 5: 13).. " وحيث روح الرب هناك حرية" (2 كو 3: 17). 3- الله لا يسعى للحد من حرية الإنسان، بل وهبه حرية الإرادة للدرجة التي يستطيع فيها أن يرفض وجود الله في حياته، ويجدف على إسمه المبارك، والله لن يجبر أحد قط على دخول ملكوته، ويقول الفيلسوف المسيحي " أوليفيه كلمانت": "الله يتقدم ويعلن عن حبه، ويرجو أن يحيا الإنسان عليه.. فإذا رُفِض أنتظر على الباب. ومقابل كل الخير الذي صنعه لنا لا يطلب إلاَّ حبنا، ولقاء هذا الحب يعتقنا من كل دين" (105) وقال " بردياييف " بعد عودته إلى الإيمان " أن كرامة الإنسان تفترض وجود الله.. وإنكار الله يجر مع إنكار الإنسان" (106). ويقول "القمص تادرس يعقوب": "الله ليس عدو لحرية الإنسان كما كرَّر الماركسيون، ولا يقوم وجوده على عجز الإنسان وذله، إنما خلق الإنسان على صورته ليقبل خالقه صديقًا له.. نرى الله يجري وراء الإنسان ليضمه إليه لا ليحطمه، ويرفعه إلى ما فوق الحياة الزمنية. حتى بعد السقوط سمع السيد المسيح كلمة الله يقول {لا أعود أسميكم عبيدًا لأن العبد لا يعلم ما يعمل سيده، لكنني سميتكم أحباء لأني أعلمتكم بكل ما سمعته من أبي} (يو 15: 15). وجود الله لا يقوم على إهدار حياة الإنسان وكرامته، إنما نزل الله إلينا لكي يرفعنا إليه، وقد جاء اللاهوت الشرقي في القرون الأولى ملخصًا في العبارة المشهورة التي كرَّرها كثير من الآباء وإن كان بأسلوب مختلف: {صار الله إنسانًا، لكي يصير الإنسان إلهًا}. إن ما يحمله الملحدون المعاصرون من شوق نحو الألوهية إنما هو عطش داخلي نحو الأبدية يقوم خلال الصورة التي تمتع بها الإنسان دون سائر الخليقة الأرضية. وكما يقول كوستي بندلي: {أماني الإنسان اللامحدودة هي في الإنسان صورة الله غير المحدود الذي يدعوا إلى مشاركته حياته}. لقد ظن ماركس أن يقيم من نفسه إلهًا لنفسه بإنكاره وجود الله، ولم يدرك أن ما في داخله من شوق نحو الألوهية إنما هو ثمرة خلقه على صورة الله، وإن كانت قد انحرفت في اتجاهاتها" (107). ويقول "القديس غريغوريوس النيزنزي": "الإنسان إذ حُلق على صورة الله يجب أن يتمتع بكل خيرات سيده وبين هذه الخيرات الحرية" (108). ويقول "بردياييف": "أن الحرية في الحياة الدينية واجب الإنسان. مُلزم بأن يحمل عبء الحرية وليس له الحق بأن يتخلص منه، الله لا يقبل إلاَّ البشر الأحرار. أنه لا يحتاج إلاَّ إلى بشر أحرار.. الدين المسيحي إنما هو الحرية في المسيح. الخلاص القسري مستحيل وبدون جدوى" (109). وعندما قال " سارتر " أن الإنسان يشبه في علاقته بالله المقص في يد الصانع، رد عليه " شاول ميللر " قائلًا: "أن هذا المفهوم للخلق يفترض أنه لا يمكن أن تكون للإنسان أية ذرة من الحرية والمبادرة كما هو وضع مقص الورق الذي هو سلبي تمامًا بين يدين من يصنعه أو يستعمله" (110) كما قال " إذا كان الخلق هو صنع أدوات فلم يعد للإنسان سوى أن يدع نفسه يُستخدم من صانعه، في هذه الحالة لم يعد بوسعنا أن نرى في العالم سوى أمرين: إما السلبية المخزية، سلبية عبيد يزحفون أمام إله طاغية أو الاكتفائية المتكبرة، اكتفائية كأن يدَّعى أن لا أب ولا أم له" (111) وأيضًا قال " هكذا فالمخلوق كيان قائم بذاته مستمد من الله فمن هذا الكيان القائم بذاته بالضبط يستمد المخلوق قوة التمرد على الله، فيقبل الله بأن يستخدم المخلوق تلك الحرية التي وهبه إياها لينقلب عليه ليكون " إلهًا دون إله".." (112). وأحد العائدين للإيمان من الشيوعية، عندما سُئل: ما أكثر موقف تأثرت به وقادك للإيمان بالمسيح؟ أجاب: موقف يسوع مع تلميذي عمواس، إذ لم يرد أن يقحم نفسه عليهما، فلم يدخل البيت إلاَّ بعد أن ألزماه بذلك، فالسيد المسيح له المجد لا يفرض نفسه على أحد بالقوة، إنما الشيوعيون هم الذين لا يكفون عن فرض مبادئهم بالقوة، وذلك من خلال الضغط والإلحاح عبر المدرسين بالمدارس، وفي الإذاعة والتليفزيون والسينما والاجتماعات والرحلات والدراسات، حتى أن المؤمنين داخل السجون كانوا يتعرضون لعملية غسل المُخ، فلمدة سبعة عشر ساعة يوميًا يظلون يذيعون عليهم عبارات بعينها: "الشيوعية حسنة.. الشيوعية حسنة.. الشيوعية حسنة.. المسيحية سخيفة.. المسيحية سخيفة.. المسيحية سخيفة.. ليس من يحبكم فيما بعد.. ليس من يحبكم فيما بعد.. ليس من يحبكم فيما بعد.. فاستسلم.. استسلم.. استسلم". 4- لا يمكن أن تهب الشيوعية الإنسان السعادة الحقيقة، لأنها أختزلت كل أبعاد الإنسان في بُعد واحد هو البُعد البيولوجي، والإنسان ليس جسدًا فقط، فالأمور الجسدية لا تُشبع إلاَّ الجسد فقط، أما روح الإنسان فستظل قلقة طالما هي بعيدة عن الله، ولذلك يمتزج الإلحاد دائمًا بالكآبة والقلق حتى لو كان الإنسان المُلحد يعيش في رغدة من العيش، ولكنه سيظل جائعًا للامحدود، ويقول "وورمبلاند " مهما زادت إمكانات الإنسان الشيوعي المادية، فأنه يظل قلقًا، مكتئبًا، حزين النفس. بينما الإنسان المؤمن الذي سُجن من أجل إيمانه، ويتعرض للجوع والعرى ويفترش الأرض في زمهرير شتاء سيبيريا، وقد قُيدت قدماه بسلسلة غليظة، وتقرَّح جسده، حتى أن الحشرات صنعت منه وليمة، ومع كل هذا فإن هذا الإنسان البائس المسكين يفيض قلبه بالسلام ويترنم بمدائح الخلود ويتمسك بإيمانه وإلهه للنفس الأخير، فما هو السر الذي يملأ الكأس بالأفراح، حينما تتناقص مباهج الحياة، ويُسكَب فيها العلقم؟ أليس لأن هناك عنصر آخر في كيان الجسد، وهو الروح (راجع جواب المسيحية على الإلحاد الشيوعي ص 157) والكاتب الكبير المُلحد " فاديف " بعد أن أنهى كتابة روايته " السعادة " والتي قال فيها أن السعادة تأتي من العمل الدءوب من أجل الشيوعية أطلق الرصاص على نفسه وانتحر (العذاب الأحمر ص 138) وقال المُفكر المُلحد " دانتك " أن " أول نتيجة للإلحاد -إذا عم- أن يكثر الانتحار حتى يصير كالوباء" (113). وإن كانت المسيحية تهتم بالفرد اهتمامها بالجماعة، فإن الشيوعية تُضحي بالفرد في سبيل الجماعة، فاستولت الشيوعية على كل الأملاك الشخصية، وحارب الشيوعيون كل ما هو شخصي، حتى أنه عندما ضُبط شخص معه كتاب " علم النفس الشخصي " صرخ فيه الضابط: شخصي! أليس كذلك؟ دائمًا شخصي لِمَ لا جماعي؟! ثم تعرض هذا الشخص للسجن. |
رد: كتاب رحلة إلى قلب الإلحاد
إن كان الإلحاد لا يهب السعادة، فهل اللاأدرية تهب السعادة والحرية للإنسان؟ س57: إن كان الإلحاد لا يهب السعادة، فهل اللاأدرية تهب السعادة والحرية للإنسان؟ ج: اللاأدرية ليست مذهبًا حديثًا، إنما هي مذهب قديم ظهر سنة 340 ق.م. وكان من قادته المشهورين " سيشرون" و"أرسيزيلاس" و"كاردينا " وأصحاب هذا المذهب يقولون أننا لا نستطيع أن نجزم بأمر ما، وليس لنا رأي مُحدد في القضايا الإيمانية، ولا نجيب بالنفي ولا بالإيجاب، لأن حكم البشر يختلف من شخص إلى آخر، فما يراه أحد الأشخاص صوابًا يراه الآخر خطأً، والعكس صحيح، بل أن الشخص الواحد قد يختلف حكمه في قضية معينة بحسب أحوال هذا الشخص ومزاجه، بل أن القوانين والشرائع نفسها متباينة، ولذلك يصعب الإجابة على أمر ما بنعم أو بلا، إنما الأفضل أن يقول الإنسان لا أدري. ويقول "سكريفن": "ومن الجائز أن اللاادري لم يصادف أبدًا في طول حياته وعرضها مُحاجة قوية تدافع عن الإيمان بالله، أو الإلحاد، قادرة على أن تحمله على الاقتناع بها.. أما اللاادرية بمعنى الامتناع عن اتخاذ موقف فهي ببساطة دلائل على غياب النشاط الفكري أو غياب القدرة على ممارسة هذا النشاط، أو الإفتقار إلى الشجاعة الأدبية" (114). وما أصعب الكلمات التي سجلها " و. و. ساندور " الذي آمن باللاادرية، حيث كتب يقول "دعني أقدم لكم إنسانًا يشعر بالوحشة والتعاسة أكثر من أي إنسان آخر في العالم.. هو إنسان يقول "لا أدري " فهو لذلك بلا إله ويسمونه مُلحدًا.. إنني لصاحب صلاحية خاصة في أن أُقدم لكم هذا الإنسان لأنني أنا هو. نعم، أنا نفس ذلك التعس " اللاأدري".. اللاأدريين انتشروا في كل مكان.. وربما يدهشكم أن تعرفوا أن " اللاادري " يحسدكم على إيمانكم بالله وثقتكم بالحياة بعد الموت ويُغار من رجائكم المبارك بأن تلاقوا أحباءكم في الأبدية حيث لا وجع ولا موت، وتمنى (اللاادري) أن يعتنق إيمانكم لكي يتعزى به.. وأما هو فليس له إلاَّ القبر وانحلال المادة الأولية.. أتساءل: هل هذا العبث هو غاية الحياة البشرية وثمر مجهوداتها..؟! قد يتظاهر " اللاادري " بالشجاعة ويواجه الحياة بابتسام ولكنه ليس سعيدًا.. وإذ يقف منزهلًا أمام سعة الكون وجلاله، وهو لا يعلم من أي أتى أو لماذا جاء، وينظر بهول إلى فسحة الفضاء وعدم محدودية الوقت، ويشعر بصغر نفسه وضعفها وقصر حياته. ألاَّ تظنون أنه مثلكم يريد أن يكون له إيمانًا يستند إليه ورجاءًا يقويه؟! أنه هو أيضًا يحمل صليبًا.. فاللاادري.. يتأثر تأثرًا عظيمًا من قوة إيمانكم إذ يشاهد كيف يتغير السكارى ويتجدَّد الإباحيون وقد رأى المرضى والشيوخ والمتروكين وهم يتعزون، وأعجبته أعمال هذا الإيمان الخيرية من إنشاء المدارس والمستشفيات والملاجئ.. إن هذه الأرض في نظره ما هي إلاَّ رمث طافٍ في بحور الأبدية لا نور لها ولا أُفق، وفي قلبه وجع وهم لأجل الطافين عليها معه أن يحملهم التيار إلى حيث لا يدرون" (115). ويكاد الإنسان اللاادري أن يكون قد فقد حريته، أما الإنسان المؤمن فأنه يعيش في ملء الحرية الحقيقية، وفيما يلي بعض فقرات مما قاله " الأب خوان إرياس " عن الحرية، حيث يقول:
|
رد: كتاب رحلة إلى قلب الإلحاد
لقطة للتاريخ 3 | نظرة تأمل وكان القبض على مؤمن في بلاد الإلحاد يعني تجويع أسرته، فيقول "ريتشار وورمبلاند": "فما أن يُعتقل أحد أعضاء الكنيسة السرية، حتى تلسع عائلته " دراما " مؤلمة، فتصبح إعانتها ممنوعة قانونًا منعًا باتًا. هذا هو مخطط الشيوعيين المدروس لكي يضيفوا إلى آلام الزوجة المنكوبة وأولادها الذين تركهم الزوج خلفه، وعندما يُساق المؤمن إلى السجن وغالبًا إلى العذاب والموت لا تكون الآلام إلاَّ في طورها البدائي. أما عائلته فتعذب إلى ما لا نهاية، وأقول لكم الحق أنه لولا المؤمنون العاديون في البلدان الحرة والذين أرسلوا لي ولعائلتي المعونات المتنوعة، ما أمكننا أن نعيش لنكون بينكم ونسجل هذا الأسطر! هناك في هذا الوقت بالذات (1966م) موجة اعتقال شاملة ضد المؤمنين في روسيا وغيرها من البلاد الشيوعية، ويتصاعد عدد الشهداء يومًا بعد آخر. ومع أنهم يمضون إلى قبورهم، وبالتالي إلى مكافأتهم السماوية، غير أن عائلاتهم تعيش في أحوال يرثى لها، فنحن نستطيع، بل يجب علينا، أن نساعدهم.. لقد برزت إلى الوجود مرة أخرى الكنيسة الأولى بكل جمالها، تضحيتها، وتكريسها في البلدان الشيوعية.. أخوتنا هناك، لوحدهم وبدون أية معونة، يخوضون أعظم معركة عرفها القرن العشرون، تضاهي في بطولتها الكنيسة الأولى وتكريسها" (117). كما يصف " ريتشار وورمبلاند " قوة المحبة المسيحية التي تتصدى لعنف العذابات الشيطانية فيقول "لم نستطع أن نصلي كالمعهود لما كنا في معتقل ناءٍ، فقد طوانا جوع شديد إلى درجة أن أصبحنا فيها كالمعتوهين. وكنا أشبه بالهياكل العظمية. وقد كانت الصلاة الربانية أطول ما استطعنا احتمالها. فلم نتمكن من تركيز أذهاننا بشكل يساعدنا على ترديدها، وصلاتي الوحيدة التي كررت ذكرها كانت " أحبك يا يسوع".. لقد اقترف الشيوعيون فظائع وحشية لا يتصوَّرها العقل، ولازالوا يفعلون ذلك، ولكن {المحبة قوية كالموت.. مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفئ المحبة والسيول لا تغمرها} (نش 8: 6، 7).. هكذا هي المحبة، فهي تشمل الجميع، والمسيح الذي هو المحبة المتجسدة، لن يتوقف عن عمله إلى أن يربح الشيوعيين أيضًا0 طُرح أحد القسس في زنزانتي وهو شبه ميت، فقد سالت الدماء من وجهه وجسمه بعد أن كانوا ضربوه بضراوة. وقد شتم بعض المساجين الشيوعيين على فعلهم ذلك، أما هو، بعد أن غسلنا جروحه، قال: {أتوسل إليكم ألاَّ تشتموهم. ألزموا الصمت لأني أريد أن أصلي من أجلهم" (118). نظرة تأمل:عمل الحواس: نظرة إلى الطريقة التي يدرك بها الإنسان عن طريق الحواس تخبرنا بالمبدع العظيم، فالإنسان يرى ما يحيط به عندما تسقط الحزم الضوئية المنعكسة من الأجسام (الصورة) على القزحية، وتنعكس على الشبكية في مؤخرة العين، وتتحوَّل هذه الصورة عن طريق الخلايا العصبية من حزم ضوئية إلى إشارات كهربائية تنتقل إلى مركز الإبصار في مؤخرة المخ، ومركز الإبصار هذا الذي يعيش في ظلام دامس يقدر أن يدرك حقيقة ما يحيط به، إذًا نحن ندرك عالمًا مليئًا بالألوان ومختلف الأشكال ومضيئًا من خلال مركز الإبصار الذي يلفه الظلام الدامس.. وإذا فحصت المخ فلن تجده إلاَّ قطعة لحم مادية من البروتينات والدهون.. فكيف يقوم بهذا العمل العجيب؟ إنه الإعجاز الذي يخبر بعظمة الخالق. وقس على ذلك بقية الحواس، فالسمع يتم عن طريق الإشارات الكهربائية التي تصل إلى مركز السمع بالمخ، بالرغم من إن مركز السمع معزول تمامًا عن مصدر الصوت الخارجي، . والشم يأتي عن طريق الروائح التي تصل إلى الشعيرات الدقيقة في تجويف الأنف، ثم تنتقل إلى المخ عن طريق إشارات كهربائية، فبالرغم من أن الرائحة لا تصل إلى المخ ولكن الإشارات الكهربائية التي تترجم هذه الروائح تجعل الإنسان يُميّز بين رائحة الفواكه والأزهار وبين الروائح الكريهة، وما قيل عن البصر والسمع والشم يقال أيضًا عن التذوق الذي يتم بالجزء الأمامي من اللسان، ثم يُترجم إلى إشارات كهربائية تُرسل للمخ، وأيضًا اللمس ينتقل إلى المخ عن طريق الأعصاب الحسية الموجودة على الجلد فيشعر بنعومة أو خشونة أو برودة أو سخونة الجسم.. إلخ. |
رد: كتاب رحلة إلى قلب الإلحاد
الفصل الرابع: الدين أفيون الشعوب
|
رد: كتاب رحلة إلى قلب الإلحاد
ماذا رأى المُلحدون في الدين؟ س58: ماذا رأى المُلحدون في الدين؟ ج: رأى المُلحدون في الدين أنه يُسكّن آلام الشعوب ويخدعها فتخضع لرجال الدين والحكام أملًا في الملكوت السماوي، فالدين في نظرهم هو أفيون الشعوب الذي يُغيّب هذه الشعوب عن وعيها، والدين هو المسئول عن الصراعات التي تنشأ بين الشعوب، ولو لم يكن هناك دينًا لعاش العالم بصورة أفضل، وأن الدين يؤدي للاستسلام للأمر الواقع ويوقف استخدام العقل، فكل ما هو مجهول أو غير مُرضي ينسبه الإنسان لله، وقال المُلحدون أن الإنسان الذي يعاني في هذه الحياة يتوَّهم أن هناك إلهًا في السماء يتصرف في كافة الأمور، فليس على الإنسان إلاَّ الاستسلام له حتى ينجو من عذابه، وحتى ينال ملكوته الآتي، ويصور "جورج كارلتن" هذا الإله الذي يعذب الناس بالنار الأبدية، فالذين يؤمنون به يتصوَّرونه شخصًا مختفيًّا يعيش في السماء ويراقب كل واحد في كل لحظة من كل يوم، وأنه يُنهي عن مخالفته، فمن يخالفه يتعرض للعقوبة في مكان خاص ملئ بالنار والدخان والحريق فيتعذب هناك ويعاني ويحترق ويختنق ويصيح ويصرخ إلى أبد الآبدين، ومع هذا فإن هذا الإله يحب الإنسان (راجع ريتشارد دوكنز - وهم الإله ص 130). وقال " كارل ماركس " أن الدين هو " تغرُّب الإنسان بالهروب إلى ما يُسمى إله" (119) أي أنه يرى الدين هروب من الواقع، كما قال عن الدين أيضًا " هو قلب عالم لا قلب له. أنه فكر من لا فكر له. أنه أفيون الشعوب.. من يحدثني عن الله يبغى أن يسلبني مالي وحياتي" (120) فهو يوضح أن الذي يؤمن بالدين يصير مثل إنسان بلا قلب نابض وبلا عقل يفكر، وأن رجال الدين هم الذين اخترعوا الدين لسلب أموال الرعية. وقال المُلحدون أن الحكام هم المستفيدون من الدين، لأن الدين يسهل الهيمنة والسيطرة على عقول الناس، فمن يخالف الحاكم أو رجل الدين، فأنه يخالف الله المتصرّف والمُتحكّم في شئون هذه الحياة، ومن يخالف الله سيلقى حتفه في النار الأبدية، فالدين يؤدي للخضوع للحكام الجبابرة الدكتاتوريين، والدين يمثل بيئة جيدة يرتع فيها الحاكم المستبد، وهذا ما قال به " نابليون بونابرت " أن " الدين شيء ممتاز لإبقاء العامة من الناس هادئين" (121) كما قال الفيلسوف " سينيكا " أن " الدين من قِبل العامة يعتبر حقيقيًا، ومن قِبل الحكماء كاذبًا، ومن قِبل الحكام مفيدًا" (122) بل وربط البعض بين الدين والشر فقال " أستيفن واينبرغ " الأمريكي الذي حصل على جائزة نوبل " الدين إهانة لكرامة البشر، معه وبدونه، هناك طيبون يفعلون الخير وسيئون يفعلون الشر، ولكن لتجعل الطيبين يفعلون الشر فأنك تحتاج للدين" (123) كما يقول "بليز باسكال": "لا يقترف الإنسان عملًا شريرًا بسرور وبشكل كامل إلاَّ إذا فعلها بسبب قناعة دينية" (124). كما قال المُلحدون أن الدين هو الذي أنشأ الصراعات في العالم بين البروتستانت والكاثوليك في أيرلندا الشمالية، وبين الهندوس والمسلمين في الهند، مما تسبب في قتل مئات الألوف وتشتت الملايين، وبين المسلمين والمسيحيين كما حدث في مبنى التجارة بأمريكا في 11 سبتمبر 2001م، وتفجيرات لندن ومدريد طمعًا في الجنة (راجع ريتشارد دوكنز - وهم الإله ص 121، 140 - 143) كما يقول "ريتشارد دوكنز " أيضًا " تخيل.. عالمًا بلا دين، لا انتحاريين، لا حملات صليبية، لا مؤامرة بارود، لا تقسيم للهند، لا حرب فلسطينية إسرائيلية، لا مذابح صرب - كروات - إسلام، لا اضطهاد لليهود كونهم " قتلة المسيح " لا مشاكل في شمال أيرلندا. لا " جرائم شرف"، لا إنجيلي بهندام لامع على التليفزيون الأمريكي يجز أموال السذج. تخيل أنه لا وجود لطالبان ليفجّروا تماثيل أثرية. لا قطع للرؤس بشكل علني، ولا سوط على جلد أنثى لأن أحدًا رأى بوصة منها" (125). وقال المُلحدون أن الدين يوقف عقل الإنسان، فكل سؤال عن أمر مجهول سنجد إجابته " هو الله"، وقالوا لو وضعنا لافتة " الله " أمام كل شيء نجهله فما كنا سنكتشف شيء على الإطلاق، ويقول "ريتشارد دوكنز": "لماذا يعتبر الله شرحًا لكل شيء؟ هو ليس شرحًا - بل بالأحرى هو فشل في الشرح.. هو عبارة " لا أعرف " متنكرة بالروحانيات والطقوس" (126) ويرى " برناردشو " أن السعادة التي يهبها الدين هي سعادة وهمية مثل سعادة الرجل السكران، فيقول "الواقع بأن المتدين أسعد من المشكوُّك (الإنسان الذي يشك في وجود الله أي المُلحد) لا يتعدى كونه أكثر من أن السكران أسعد من الصاحي" (127). ولذلك جندَّت الشيوعية جميع وسائل الإعلام لسحق الإيمان بالدين، وكتبت مجلتهم " العلم والدين " تقول "الدين مناوئ للشيوعية. إنه يعاديها.. إن برنامج الحزب الشيوعي يحتوي على ضربة قاضية للدين. أنه برنامج يسعى إلى خلق مجتمع إلحادي حيث ينتهي فيه الإنسان من عبودية الدين مرة وإلى الأبد" (128). وعندما قال " باسكال " مهما ضعفت الدلائل التي تشير إلى وجود الله، فأنه من الأفضل للإنسان أن يؤمن بالله، فإن كان الله موجودًا فالإنسان سيستريح في الأبدية، وإن لم يكن موجودًا فالإنسان لن يخسر شيئًا، هاجمه المُلحدون قائلين أن هذا الإيمان بإله مشكوك في وجوده لا يعد إيمانًا، بل يعد مضيعة لوقت الإنسان الثمين وتضحية لا مبرر لها. ولنا على كل ما سبق التعليقات الآتية:1- الدين يمنح النفس سلامًا وهدوءًا، ولا يُغيّب الإنسان عن الواقع الذي يعيشه، والإنسان المسيحي دائمًا أمينًا في عمله، ودائمًا يحاول أن يعمل الأفضل ويعمل الخير، وبهذا فهو يسعى دائمًا لتحسين الواقع بدون استخدام العنف، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام المقالات والكتب الأخرى. ونظرة إلى المجتمع المسيحي الأول لنرى كيف تغيَّرت أخلاق الوثنيين الشرسة وعباداتهم المرذولة المرتبطة بالزنا وتقديم الذبائح البشرية إلى مجتمع مثالي تتجلى فيه كافة الفضائل المسيحي. 2- يجب أن نفرق بين مبادئ الدين وتصرفات الأشخاص، فإذا كان الإلحاديون يدينون الحملات الصليبية، أو الصراع البروتستانتي الكاثوليكي أو غيرهما فكل هذه أخطاء لأشخاص لا يصح أبدًا احتسابها على الدين.. هل حمل السيد المسيح سيفًا أو طلب من أتباعه أن يحملوا سيوفًا يطيحون بها الرقاب؟!! كلاَّ.. هل هناك مبادئ للقسوة والعنف في الدين المسيحي..؟ كلاَّ، ويكفي أن يطَّلع المتشكك على الموعظة على الجبل ليدرك على الفور مدى سمو مبادئ الدين. أما الصراع الفلسطيني الإسرائيلي فهو ليس على الإطلاق بسبب الدين، فإن اليهود كانوا يعيشون في فلسطين والشرق الأوسط ومصر جنبًا إلى جنب مع المسيحيين والمسلمين، إنما هذا صراع على أرض مغتصبة قد أغتصبها العدو الإسرائيلي من أصحابها، وأذلوهم وأذاقوهم المرار، وعن اضطهاد اليهود لأنهم قتلوا المسيح فهذا لم يحدث منذ صلب المسيح وموته وقيامته وحتى القرن العشرين من المسيحيين الأتقياء، بل ما حدث هو العكس إذ أضطهد اليهود الكنيسة الأولى منذ نشأتها، وما حدث من اضطهاد لليهود في ألمانيا هو وليد النازية وليس وليد المسيحية، وما فعله هتلر باليهود كان يبرّره بآيات إنجيلية، وفي الحقيقة كان هذا نتيجة صراع سياسي بين السامية والآرية، واقتناعا بالنظرية الداروينية في البقاء للأصلح.. وهلم جرا. 3- من يريد أن يعرف عن الدين المسيحي ليرجع للكتاب المقدَّس، وتاريخ الكنيسة ليدرك مدى سمو تلك المبادئ، ومدى قداسة تلك الحياة المسيحية، ويكفي أن نذكر هنا جزءًا من خطاب أحد الفلاسفة المسيحيين (أرستيدس) في القرن الثاني الميلادي للإمبراطور هدريان حيث يقول "أن المسيحيين على الرغم من الاضطهادات التي تقع عليهم، يتجهون إلى أعدائهم بروح المحبة، مقدمين لهم النصح، فيتحولون إلى أصدقاء.. أنهم يقابلون الإساءة بالإحسان. أما زوجاتهم، أيها الملك، فهن في عفاف العذارى.. وهم لا يسجدون لإله آخر غير الله، ويحيون حياتهم في ملء الاتضاع والوداعة. أما الغش والخداع فلا مكان له في حياتهم، وهم يحبون بعضهم بعضًا، ويشتركون في احتياجات الأرامل والمحتاجين منقذين اليتامى من أيدي الظالمين، وهم في إحسانهم يعطون دون افتخار، وحينما يلتقون بإنسان غريب، يصطحبونه إلى بيوتهم بروح الفرح والكرم.. أنهم كأناس يخافون الله، يطلبون منه الطلبات التي يثقون بأنه يجيبها وأنها تتفق مع إرادته، ولأنهم يعرفون طيبة الإله الصالح من نحوهم، فإن حياتهم تفيض بكل الجمال الذي يزين هذا الوجود، والصلاح الذي يفعلونه لا يبوقون بالبوق منادين به في الأسواق حتى يراهم الناس، ولكنهم يخفون حسناتهم ويفعلونها في السر، كمن يخفي كنزًا ثمينًا. وهم يبذلون جهدهم ليحيوا حياته بلا لوم كمن هم عتيدون أن ينظروا وجه مسيحهم، وينالوا منه المواعيد.." (129). 4- لم يحدث قط أن الدين المسيحي كان ضد العقل، ولم يحدث قط أنه أوقف استخدام العقل، بل أن هناك عددًا ليس بالقليل من العلماء كانوا من رجال الدين مثل كوبرنيكوس، ومندل وغيرهما الكثير، ومعظم العلماء الذين كشفوا عن حقائق علمية جبارة كانوا يؤمنون بالله، ولنا عودة لهذا الموضوع في إجابة السؤال القادم. 5- لولا صحة الدين المسيحي ما كان الآلاف والملايين يسلمون حياتهم للموت من أجل إيمانهم، فالتضحية بالدم هي أعظم أنواع التضحيات، وهذا ما فعله الشهداء، إذ قدموا حياتهم رخيصة على مذبح الإيمان، فقد تمسكوا بإيمانهم ولم يتمسكوا بحياتهم الأرضية، وقد آزرتهم السماء وأشرق الله عليهم بقبس من نوره، وأرسل لهم ملائكته يعضدونهم، فجازوا في الماء والنار منتصرين، ووصلوا إلى فردوس الفرح متهللين، إذ وجدوا ما يقدمونه لعريسهم السماوي، حياتهم كل حياتهم. أما الإنسان الشيوعي فلن تجد لديه الدافع أن يبذل نفسه من أجل عقيدته الإلحادية، إنما هو يعلم أن حياته الأرضية هي كل رأس ماله، وكل ما يملكه إذ لا رجاء له في الحياة الأبدية. في إحدى المرات ذهب ضابط ليقابل قسًا في هنغاريا بمفرده، فلما اقتاده هذا القس إلى غرفة وأغلق الباب، ألتفت الضابط للصليب المُعلَّق على الجدار وقال للقس محتَّدًا " إنك تعلم أن هذا الصليب هو كذب وبُهتان، فهو ليس أكثر من مجرد خدعة تستخدمونها أنتم أيها القسوس لتغشوا هذا الشعب المسكين.. اعترف لي أنك لم تؤمن يومًا أن يسوع المسيح هو ابن الله الحي" (130). فابتسم القس وقال: أنا أؤمن بأن يسوع المسيح هو ابن الله الحي أيها الشاب المسكين، فهذه هي الحقيقة، وصرخ الضابط وقد صوَّب مسدسه نحو القس قائلًا: إن لم تعترف لي أن هذا كذب لسوف أطلق عليك النار. القس: أنا لا أستطيع أن أعترف بذلك لأنه غير صحيح، فربنا يسوع المسيح هو ابن الله بالحق والصدق. فألقى الضابط بمسدسه على الأرض وأحتضن القس والدموع تترقرق في عينيه قائلًا " هذا هو عين الحق والصواب. هذا هو الصدق، فأنا أيضًا أؤمن بذلك، ولكنني كنتُ مُتشكّكًا فيما إذا كان الناس مستعدين أن يستشهدوا في سبيل إيمانهم هذا. إلى أن تحققت من ذلك بنفسي. آه، إنني لشاكر لك، فقد قويت إيماني، والآن فأنا أستطيع أن أموت من أجل المسيح، فقد أريتني كيف يمكن أن يكون ذلك" (131). 6- لقد تجسَّمت وصايا الإنجيل في المسيحيين الأمناء الذين تحملوا الاضطهادات المريرة من جلاديهم، والأمر المُدهش أنهم لم يكرهونهم ولم يبغضونهم ولم يصبوا عليهم اللعنات، إنما كانوا يحبونهم من كل قلوبهم، ويودون خلاصهم، ويغفرون لهم كما غفر السيد المسيح له المجد لصالبيه، ويقول "ريتشار وورمبلاند " الذي ذاق العذابات المُرة في المعتقلات " ومع أنني أمقت النظام الشيوعي مقتًا شديدًا فأنا أحب الشيوعيين أنفسهم. أجل، أنني أحبهم من كل قلبي، ومع أن الشيوعيون يستطيعون أن يفتكوا بالمسيحيين، غير أنهم ليس بإمكانهم أن يقتلوا محبتهم نحو قاتليهم. فليست لدي أية مرارة أو ضيق نحو الشيوعيين أو نحو الذين عذبوني" (132).. كما يقول أيضًا " قابلت مؤمنين حقيقيين في سجون شيوعية مُثقَّلة أرجلهم بسلاسل حديدية يزيد وزنها على خمسة وعشرين كيلوغرامًا، مُعذَبين بأسياخ حديدية محمأة بالنار، مُرغمين على ابتلاع كميات من الملح دون أن يُقدم لهم الماء فيما بعد، جياعًا مجلودين ومتألمين من البرد، ولكن بذات الوقت كانوا يصلون بحرارة من أجل معذبيهم الشيوعيين. هذا ما لا يمكن للعقل البشري أن يُفسره، فهو محبة المسيح التي انسكبت في قلوبنا بالروح القدس" (133). وعندما سُمح لأحد المحكوم عليهم بالإعدام، بمقابلة زوجته، قبل تنفيذ الحكم قال لها " عليك أن تعرفي يازوجتي العزيزة أنني أحب قاتليَّ، فهم لا يعلمون ماذا يفعلون، وطلبي إليك أن تحبيهم أنت أيضًا. لا تسمحي للمرارة أن تستقر في قلبك ضدهم باعتبارهم سفاحي زوجك المحبوب" (134). 7- من الأمور التي توضح حقيقة العقيدة المسيحية، أن الذين أضطهدهم الشيوعيون لم يكفوا عن الكرازة لهم، بل كانوا يتفننون في كيفية توصل كلمة الله لهم، فكان " ريتشار وورمبلاند " يرسل ابنه الصبي " ميهاي " مع بعض رفاقه إلى الجنود الروس المنتشرين في شوارع وحدائق رومانيا، ويسلمونهم سرًّا بعض الأجزاء من الأسفار المقدَّسة، وهؤلاء الجنود الذين طالما حُرموا من أولادهم لسنين طويلة بسبب انشغالهم بالحروب، كانوا يفرحون بهؤلاء الأولاد ويأخذون منهم البشائر ويقدمون لهم الحلوى، وبواسطة هذه الطريقة عرف عدد كبير من الجنود المُلحدين الله وآمنوا به. وفي عيد استشهاد بطرس وبولس الرسولين شق " ريتشار " طريقه إلى المعسكر الروسي بحجة شراء بعض الساعات من الجنود الروس، فالتف حوله بعض الجنود يعرضون ما معهم من ساعات، فأخذ يتعلل: هذه باهظة الثمن، وهذه صغيرة، وتلك كبيرة. ثم سألهم بنوع من المزاح: من منكم اسمه بطرس أو بولس؟ فوجد منهم من تسمى بهذا الاسم أو ذاك، فقال لهم: هل تعلمون من هو بطرس أو بولس؟ فأجابوه بالنفي، فأخذ يقص عليهم.. فقال أحدهم: أنتَ لم تأتِ من أجل الساعات بل من أجل البشارة بالمسيح، وهؤلاء الجنود محل ثقة، فاستمر في حديثك، وإذا أقبل أحد الجنود غير الموثوق فيهم سأضع يدي على ركبتي فتتحدث عن الساعات، حتى إذا ذهب هذا الشخص ورفعت يدي، يمكنك أن تستكمل حديثك، وتكررت اللقاءات حتى آمنوا (راجع العذاب الأحمر ص 22، 23). ورغم أنه كان غالبًا عضوًا من كل أسرة من أهل رومانيا يُلقى في غياهب السجون يلاقي الأهوال، ولا يعرفون عنه شيئًا، ورغم ضيق يد المؤمنين الذي حافظوا على إيمانهم سرًّا، فإن الكارزين بالمسيح كانوا يقفون في الشوارع يرنمون ويعظون، وقبل أن تصلهم الشرطة كانوا يختفون عن الأنظار، وكان البعض يجاهر بإيمانه متحملًا تبعة ذلك من عذابات تصل إلى حد الموت، ففي إحدى المرات أندفع شخصان نحو رئيس الحكومة " جورجيو جيوديج " وشهدا أمامه عن المسيح، فأمر بالزج بهما في السجن، ولكن شهادتهما أثمرت لأن جورجيو وهو في نهاية حياته طريح الفراش عاد للإيمان بالمسيح، وكان المؤمنون يطبعون النبذات التي تحمل صور كارل ماركس، وتحت عنوان " الدين أفيون الشعوب " وعلى الصفحات الأولى اقتباسات عن ماركس ولينين وستالين، ثم تحمل الصفحات التالية رسالة الخلاص، وطالما قاموا ببيع هذه النبذات وسط المظاهرات الشيوعية واختفوا عن الأنظار قبل القبض عليهم. وكان ثمن كرازة السجين لزملائه الضرب المُبرح، وفرح الكارزون السجناء بالكرازة، وفرح الشيوعيون بضربهم، فكان صفقة متعادلة بين الطرفين، فأحد الأشخاص ضبطوه يكرز لزملائه فلم يدعوه يستكمل جملته، وحملوه إلى غرفة الضرب، ثم أعادوه مرضضًا داميًا، وما أن أستعاد قدرته على الكلام حتى أكمل جملته وحديثه لزملائه الذين التفوا حوله، ورأوا فيه صلابة الإيمان المسيحي (راجع العذاب الأحمر ص 53). وتحوَّل المؤمنون الأحرار إلى كارزين في الخفاء، ويقول "ريتشار وورمبلاند": "تعترف الصحف الشيوعية أن الجزارين يضعون النشرات المسيحية ضمن الأوراق التي يلفُّون بها اللحوم المُباعة (للمؤمنين) وكذلك تعترف الصحافة الروسية بأن المؤمنين العاملين في دور النشر الشيوعية، يعودون إلى مطابعهم في الليل لطبع ألوف النشرات المسيحية، ثم يغلقونها مرة أخرى قبل شروق الشمس، وتعترف الصحافة الروسية أيضًا أن بعض الأولاد قد حصلوا على أجزاء من الإنجيل.. ووضعوها في جيوب معاطف أساتذتهم المعلَّقة في غرف المعاطف في المدرسة، فجميع أعضاء الكنيسة من رجال ونساء وأولاد هم إرسالية عظيمة، أشداء، نشيطون ورابحون للنفوس في كل بلد شيوعي" (135). وهكذا كانت الكنيسة قوية في هذه الظروف الرهيبة، فيقول "ريتشار وورمبلاند": "ومع أن الكنيسة السرية في البلاد الشيوعية فقيرة ومتألمة، لكنها لا تضم أعضاء فاترين. وأن اجتماعا دينيًا فيها لأشبه باجتماع في تاريخ الكنيسة الأولى في القرن الأول، فالواعظ لا يجيد العلوم اللاهوتية.. الآيات الكتابية غير معروفة كما يجب في البلدان الشيوعية، لأنك قلَّ ما تجد كتابًا مقدَّسًا فيها. أضف إلى هذا كلمة، فقد يكون الواعظ رجلًا قضى سنين عديدة في السجن بلا كتاب مقدَّس" (136). والأمر الجميل أنهم كانوا يصلون في الغابات المنعزلة، ويصف " ريتشار " هذه اللحظات فيقول "لقد أُستبدلت زقزقة الطيور الجميلة موسيقى الأرغن، وكان شذا الورود العطرة بخورًا لنا.. وكانت شموعنا متمثلة بالقمر والنجوم التي أضاءتها الملائكة. إنني أعجز عن وصف هذه الكنيسة وجمالها، وكم من مرة أُلقي القبض على المؤمنين بعد اجتماع سري وزجُوا في السجن! وهنا يتقلد المؤمنون السلاسل الحديدية على أعناقهم بسرور كما تتقلد العروس حليها الجميلة والمُقدَّمة لها من حبيبها. كما أنك تحصل في السجن على قُبلات يسوع وعناقه، فلا تستبدل مكانك بقصور الملوك، والحق يُقال فأنا لم أجد مؤمنين سعداء بالحق إلاَّ في الكتاب المقدَّس وفي الكنيسة السرية وفي السجون الشيوعية" (137). 8- لماذا يركز المُلحدون على ضحايا الصراعات الدينية، وكأن الشيوعية صاحبة أيدي بيضاء لم تُسفك دماء معارضيها، والحقيقة أن أيدي الشيوعية حمراء تقطران دماء ملايين الشهداء، فشهداء الشيوعية في القرن العشرين يعادلون شهداء المسيحية خلال 1900 عام. أن المسيحية لا تُبيح على الإطلاق دماء المعارضين، ولكنها تُدين الأفكار الخاطئة وتفحصها حتى لا يسقط فيها البسطاء. |
رد: كتاب رحلة إلى قلب الإلحاد
هل دعت المسيحية للخنوع والجبن والمهانة والخسة؟ س59: هل دعت المسيحية للخنوع والجبن والمهانة والخسة؟ قال " كارل ماركس": "أن المبادئ الاجتماعية للدين المسيحي تفسر جميع المعاملات الدنيئة التي يقاسيها المستضعفون من قِبل مستغليهم، إما على أنها عقاب عادل للخطيئة الأصلية وإما على أنها محنة تفترضها حكمة الرب على المختارين. إن المبادئ الاجتماعية للدين المسيحي تدعو إلى الجبن واحتقار الذات والمهانة والخساسة! وبكلمة واحدة إلى جميع صفات الرعاع.. وبوجيز الكلام: المبادئ الدينية المسيحية خنوعة" (138). ج: 1- المسيحية ترفع من قيمة الإنسان، وتقدس الحياة الإنسانية، وتؤكد أن الإنسان هو الكائن الوحيد في الكون كله المرئي وغير المرئي الذي خُلق على صورة الله، وقال القديس "غريغوريوس النيزنزي": "أيها الإنسان تأمل كرامتك الملوكية. إن السماء لم تُصنع صورة الله مثلك، ولا القمر، ولا الشمس، ولا شيء يرى في الخليقة.. أنظر! لا شيء في الموجودات يستطيع أن يسع عظمتك" (139) ومن أجل الإنسان تنازل الله وتجسد آخذًا صورة عبد لكيما يعيد للإنسان حياته الأبدية، ويرفعه إلى ملكوته.. المسيحية هي الطريق الوحيد للملكوت، وبدون المسيح تصير الحياة بؤسًا وشقاءً وتعاسة في هذه الحياة وفي الحياة الأخرى.. جاء السيد المسيح الإله المتجسد إلينا لكيما تكون لنا حياة ولكيما يكون لنا أفضل.. في ميلاده ترنمت الملائكة مُعلنة رسالته السمائية إذ جاء لكيما يحل السلام على الأرض ويصالح الأرضيين بالسمائيين والإنسان مع الله " المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة " وقد أوصانا بصنع الخير مع بعضنا لبعض، حتى أنه في اليوم الأخير سيطوُّب الخراف الذين عن يمينه قائلًا " لأني جعتُ فأطعمتموني. عطشت فسقيتموني. كنتُ غريبًا فآويتموني. عريانًا فكسوتموني. مريضًا فزرتموني. محبوسًا فأتيتم إليَّ" (مت 25: 36). 2- الكتاب المقدَّس هو دستور المسيحية، ومن آياته وجد المسيحيون مددًا وسندًا في الشجاعة التي أظهروها على مدار ألفي سنة تجاه كل إنسان متعسف ظالم حتى لو كان إمبراطورًا، وقد أوصانا السيد المسيح بعدم الخوف قائلًا " لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها. بل خافوا بالحري من الذي يقدر أن يُهلك النفس والجسد كليهما في جهنم" (مت 10: 28) وحذَّر الله من الخوف والاستكانة قائلًا " وأما الخائفون.. فنصيبهم في البحيرة المتقدة بنار وكبريت" (رؤ 21: 8) ويفخر التاريخ المسيحي بملايين الشهداء الذين ضحوا بحياتهم في رضى وفي حب لجلاديهم من أجل التمسك بإيمانهم. 3- نهى الكتاب المقدَّس عن الظلم، وأوصى بإجراء العدل على الأرض، وهناك عشرات الآيات التي تؤكد هذه الحقيقة، نذكر منها القليل جدًا:
4- دافع الآباء القديسون عن المظلوم والمقهور والفقير، فمثلًا قال القديس يوحنا ذهبي الفم " بينما كلبك متخم، يهلك المسيح جوعًا"،وقال أيضًا " ماذا ينفع تزيين مائدة المسيح بأوان ذهبية إذا كان هو نفسه يموت جوعًا؟ فأشبعه أولًا حينما يكون جائعًا، وتنظر فيما بعد في أمر تجميل مائدتك بالنوافل" (140). وقال " القديس باسيليوس الكبير": "الخبز الذي تخبئ هو ملك الجائع، وملك العريان ذاك المعطف الذي يتدلى في خزائنك، لحافي القدمين يعود الحذاء الذي يتهرأ في بيتك، وللمعوز النقود التي تدخر" (141). 5- كل ما فعلته الشيوعية المُلحدة أنها أخذت مبدأ حياة الشركة المسيحية، كما كانت تعيش الكنيسة الأولى ولكنها أساءت استخدامه، فاضطهدت بإفراط أصحاب العقائد المخالفة للشيوعية المُلحدة، وأخيرًا أعلنت فشلها الذريع في منح الإنسان السعادة. |
رد: كتاب رحلة إلى قلب الإلحاد
هل عندما ربط الإلحاديون العلم بالإلحاد، والدين بالخرافات والأساطير كانوا على حق؟ س60: هل عندما ربط الإلحاديون العلم بالإلحاد، والدين بالخرافات والأساطير كانوا على حق؟ ج: أصدر " كاي نيلسن " Kai Nielsen الذي تمتع بشهرة كبيرة في الإلحاد كتابه " الفلسفة والإلحاد " سنة 1985م وأيضًا كتابه " الشكل والحداثة " سنة 1989م ويرى " نيلسن " أن الإنسان الذي يملك القدرة على التفكير لا يُعقل أن يؤمن بالدين، ويقول "أن العقيدة الدينية غير معقولة. ومن ثم ينبغي علينا رفضها" (142) كما يقول "أنه لا يشعر بأدنى حاجة إلى اعتناق آية عقيدة دينية" (143). ويقول "د. رمسيس عوض " عن " جابرييل فاهانيان " Vahanian " ويذهب فاهانيان إلى أن العلم نقطة تحوُّل في تاريخ الحضارة المسيحية، فقد أستقل العلم بنفسه عن الدين المسيحي وأكتشف أنه ليس بحاجة إلى الإله الوارد ذكره في الكتاب المقدَّس كي يفهم الطبيعة ويسيطر عليها. وبهذا أتجه العلم إلى الإلحاد وأقترن بالمذهب الإنساني.. ويعلن (فاهانيان) بصراحة أننا لسنا بحاجة إلى الإله الواحد الذي ورد ذكره في الكتاب المقدَّس" (144). ولنا على ما سبق التعليقات الآتية:1- كان هناك علماء أجلاء من رجال الدين المسيحي، ولو كان الدين ضد العلم ما ظهر مثل هؤلاء الرجال، فنيقولاس كوبر نيكوس (1473 - 1543م) كان رجل دين مسيحي من بولندا، ويعتبر هو مؤسس علم الفلك الحديث علاوة على أنه درس الطب والفلسفة والقانون، وقال بأن الشمس هي مركز الكون بعد أن كان العالم كله يظن أن الأرض هي مركز الكون، وقال أن الأرض تدور حول نفسها مرة كل يوم، وتدور حول الشمس مرة كل عام، وسجل هذا في كتابه " دوران الأجرام السماوية " ولكن هذا الكتاب لم ينتشر إلاَّ في سنة وفاته 1543م، وقد أهدى كتابه إلى بابا روما.. وجريجور مندل Gregor Mendel (1822 - 1884م): هو راهب نمساوي، جاء عنه في مجلة العلم أنه " كان ابنا لفلاح نمساوي فقير.. وُلِد عام 1822م وأصبح راهبًا، وبعد أن تلقى بعض الدراسات في الرياضة والعلوم في جامعة فيينا عاد إلى حياة الرهبنة في دير بمنطقة " بوهيميا " حيث بدأ تجاربه الشهيرة في عالم النبات التي قادته إلى اكتشاف وجود الجينات، وتوفي سنة 1884م بعد داروين بعامين" (145) كما كان قد كتب عنه " الأستاذ عبد المنعم السلموني " في مجلة العلم أيضًا سنة 2002م يقول "سوف يظل القس.. جريجور مندل علمًا بارزًا باعتباره رائد علم الجينات وصاحب القوانين الأساسية في علوم الوراثة والتي يعود تاريخها إلى القرن التاسع عشر وتفسير كيفية انتقال الصفات الوراثية من الآباء والأجداد إلى الأحفاد. وكان مندل خلال فترة شبابه راهبًا بأحد الأديرة اليوغسلافية، ينتمي إلى مدرسة القديس أوغسطين، عندما تمكن من اكتشاف قوانين الوراثة وذلك نتيجة للتجارب المضنية التي أجراها على نباتات البسلة. أستمر مندل في تجاربه لمدة 15 عامًا متصلة خلال فترة الرهبنة.. وظل يعمل في صبر ودأب وعشق على هذه النباتات في حديقة الدير الذي كان يقع في قرية برن الهادئة.. تمكن بجهوده الخارقة من تسجيل نتائج هذه التجارب على مدار 15 سنة من العمل المتواصل.. استطاع مندل أن يصوغ مصطلحين مازالا شائعي الاستخدام حتى الآن في علوم الوراثة وهما " الصفات السائدة" و"الصفات المتنحية " تخلى مندل عن نشاطه العلمي بعد تعيينه رئيسًا للدير في عام 1871م حيث لم يجد الوقت الكافي للاستمرار في تجاربه. ورغم عظمة الإنجاز العلمي الذي حققه فأنه لم يكن قد تلقى غير قدر يسير من التعليم حيث لم يدرس سوى أربعة " تيرمات " بجامعة فيينا شملت الفيزياء التجريبية والكيمياء وقليلًا من الأحياء. ويرى العلماء أن بساطة مندل في عمله كانت أساس نجاحه، وأن إحدى المعجزات التي حققها أنه أكتشف شيئًا بالغ التعقيد وصاغه في أفكار بسيطة للغاية، كما أنه أتبع أسلوبًا فعالا في تحليل الظواهر البيولوجية لم يعرفها أحد من قبله، وكان أول من استخدم الرياضيات والإحصاء في علم البيولوجيا.. وشأن العلماء العظام لم يجد مندل التقدير اللائق به أثناء حياته، إلاَّ أنه منذ أسابيع قليلة تمت إقامة معرض للاحتفال بإنجازاته على بُعد أمتار قليلة من الدير الذي كان يعمل به" (146). 2- قال " فرنسيس بيكون" (1561 - 1626م) " أن القليل من الفلسفة يميل بعقل الإنسان إلى الإلحاد، ولكن التعمق فيها ينتهي بالعقول إلى الإيمان.. إذا أمعن (العقل) النظر وشهد سلسلة الأسباب كيف تتصل حلقاتها فأنه لا يجد بدًا من التسليم بالله" (147) وعلى نفس القياس نستطيع أن نقول أن القليل من العلم قد يقود للإلحاد أما التعمق في العلم مع اتضاع النفس فأنه حتمًا يقود لله، لأن كل من العلم الصحيح والدين الصحيح هو من الله، فلا تعارض بينهما على الإطلاقوقال " شانت " أستاذ الطبيعيات الفلكية في جامعة تورنتو " أنني لا أتردد في أن أؤكد أن هناك على الأقل تسعين في المائة من الفلكيين، قد وصلوا إلى اليقين بأن هذا الوجود ليس نتيجة الصدفة العمياء. ولكن تحكمه نواميس عقل عظيم" (148). وقال " أنسلم " رئيس أساقفة كنتربري (1033 - 1109م) " أنني لا أسعى للمعرفة لكي أؤمن، بل إني أؤمن لكي يُمكّنني الإيمان أن أعرف، ولذلك أيضًا أنا أعتقد أنني ما لم أؤمن فإني لا أعرف" (149) وقد دلَّل أنسلم على وجود الله معتمدًا على أن الإنسان له الكمالات النسبية، إذًا لابد أن يكون هناك الله الذي له الكمال المُطلق، فمثلًا: أ - فكرة الخير: يعشق الناس الخير، وإن كانوا يتباينون في مدى محبتهم للخير، ولكن ثمة علة واحدة لجميع أنواع الخير، وهذه العلة هي الله، فالله هو الخير المُطلق. ب - فكرة الوجود: فالأشياء تشترك جميعًا في الوجود، ولكل موجود علة، وهذه العلة هي الله، فهو الواجب الوجود وحده، وهو الموجود بذاته ولم يوُجِده أحد. ج- فكرة الكمال: الكائنات مختلفة من جهة الكمال، فالإنسان أكمل من الحيوان، ودرجات الكمال تختلف، وكمال الكائنات نسبي، أما الكامل بذاته كمالًا مُطلقًا، وهو مصدر كل كمال هو الله وحده. وعن ارتباط العلم الصحيح بالدين الصحيح، يقول "الأستاذ رأفت شوقي": "ونتساءل كيف أن العلم الذي هو حقيقة ثقافية وحضارية وإنسانية رائعة قد أصبح عند البعض عائقًا عن الإيمان بالله..؟ إن العلم (هو) سعي نحو الحقيقة، والحقيقة تحرّر الإنسان وتساعده على النضح والرُقي وتقربه إلى الله مصدر كل حقيقة، والعلم يكشف لنا عن عمل الله وحضوره في الكون وحكمته وقدرته.. إن العلم أعطانا صورة عن امتداد الكون وعظمته وجماله تفوق الصورة التي كانت لدى القدماء، كما أوضح فكرة صنع (عمل) الله في خلقه ومخلوقاته. إن العلم يساعد الإنسان على الإيمان بما ذُكر في الكتاب المقدَّس من حقائق علمية، إذ جاءت الاكتشافات العلمية العديدة متفقة على ما ذكره الكتاب المقدَّس من حقائق" (150). 3- يوضح "نيافة الأنبا غريغوريوس" أسقف البحث العلمي أن فكرة العلم ضد الدين فكرة قديمة بالية، فيقول "أن الإلحاد المُعاصر لم يعد قادرًا على أن يهاجم الله في ذاته لأن سلاحه في هذه المُهاجمة قد انكسر ولم يعد العلم سلاحًا مناسبًا في يد المُلحدين يعينهم على تحقيق ما يريدونه.. بل أن العلم في زماننا الحاضر صار قادرًا أكثر من أي وقت مضى على أن يقدم على وجود الله أدلة لا حصر لها ابتداء من ذرة الرمل إلى الأجرام السماوية إلى المجرات السابحة في الفضاء اللانهائي.. أنه لا حصر للأدلة التي يقدمها العلم الحقيقي اليوم على وجود الله في كافة فروع المعرفة الإنسانية سواء في علم الفلك أو علم التشريح أو علم الأحياء من نبات إلى حشرات إلى حيوان إلى إنسان.. ففي كل يوم تتجمع أدلة جديدة وبراهين جديدة على وجود الله، بحيث أصبحت هذه الأدلة لا تُحصر ولا يستطيع إنسان أن يزعم اليوم باسم العلم أن لديه دليلًا واحدًا على عدم وجود الله، وكما يقول بعض العلماء أن كل ما في الكون يتحدث عن وجود الله.. لم يعد الذين يريدون الإلحاد قادرين على أن يستخدموا العلم في إنكار وجود الله، لأن العلم خيب آمالهم، وردا أسلحتهم خائبة وبرهن على نقيض ما ظنوا |
رد: كتاب رحلة إلى قلب الإلحاد
لقطة للتاريخ 4 لقطة للتاريخ: الهدف من هذه اللقطة يا صديقي هو أن أكشف لك قليلًا عن المآسي التي عانت منها البشرية بسبب الإلحاد، إله القتل، فالإنسان متى فقد الإيمان أو اعتقد أنه ليس إله، ولا ثواب ولا عقاب، يتدنى لمستوى أدنى من الحيوانات المتوحشة، قد يفترس غيره أو يفترس نفسه، أو كليهما. ويقول "ريتشار وورمبلاند " أنه أثناء التحقيق معه " استمر التعذيب والوحشية دون هوادة، وعندما فقدتُ وعي وأصبحت كالثمل بحيث لم أستطع أن أقدم لمعذبيَّ أية اعترافات، اقتادوني إلى غرفتي مرة ثانية. وهناك تركوني مُلقى على الأرض دون عناية وشبه ميت، إلى أن استعدت بعض قواي ونشاطي ليعودوا إليَّ مرة أخرى للاستجواب. لقد قضى كثيرون نحبهم عند هذا الحد، ولكن قوتي عادت إليَّ بصورة غريبة، وفي الأعوام التي تلت، والتي قضيتها في سجون عديدة، كسروا أربع فقرات من عمودي الفقري وعظامًا أخرى كثيرة، وقد نقروا في جسمي اثنتي عشرة نقرة بالسكاكين وفتحوا فيه ثماني عشرة ثغرة أخرى كيًا بالنار.. فقد ضربوني بوحشية ولكموني بقسوة ضارية! أهانوني واستهزأوا بي! أجاعوني، ضغطوا عليَّ واستجوبوني" (152). وبعد ثماني سنوات ونصف أفرجوا عن " ريتشار وورمبلاند " سنة 1956م لمدة أسبوعين ألقى خلالها عظتين مُثبّتًا المؤمنين حاملًا في جسده سمات الرب يسوع. ثم عادوا وقبضوا عليه ليقضي ثلاث سنوات أخرى في ظروف أصعب وأشد ضراوة، وبلغ إجمالي ما قضاه في سجن الإلحاد أربعة عشر عامًا. أما زوجته فقد قُبض عليها وذاقت الأهوال حتى أكلت العشب كالثيران، وتُرك ابنه " ميهاي " بدون عائل، وكانت مساعدة عائلات الشهداء والمساجين تُعتبر جريمة، فعندما قدمت سيدتان المعونة للصبي الصغير ميهاي تعرضتا للضرب المُبرح حتى أصيبتا بالشلل التام، وعندما استضافت سيدة أخرى ميهاي ضُربت حتى تساقطت جميع أسنانها، وعندما اهتز إيمان الصبي " ميهاي " وهو في سن الحادية عشر من عمره، وعمل كعامل صغير لكيما يجد لقمة العيش، وإذ سُمح له بمقابلة أمه من وراء القضبان الحديدية وظهرت في حالة يرثى لها نحيلة ومتسخة وهي ترتدي ملابس السجن البالية ويديها خشنتين من قسوة العمل، فتعرف عليها بصعوبة بالغة، وكانت أول كلماتها لابنها " آمن بيسوع ياميهاي " ولم يسمح لها الحراس بأكثر من هذا، إذ جذبوها بوحشية وجروها بعيدًا عن ابنها الذي راح يبكي، ومن هذه اللحظة اشتد إيمانه بالله قائلًا " لنفرض أنه لا توجد للمسيحية أية حجج سوى تلك التي ملكتها أمي فهذا الآمر يكفيني" |
رد: كتاب رحلة إلى قلب الإلحاد
نظرة تأمل 4 أسماك السلمون وثعابين الماء: تخرج أسماك السلمون من المياه العذبة وتتجه للمياه المالحة لتعيش حياتها، وحينما يحين وقت التكاثر تقطع هذه الأسماك رحلة 4000 كم من المكان الذي تعيش فيه إلى المكان الذي خرجت منه للحياة في المياه العذبة، متخطية كل العقبات مثل الأمواج والتيارات المضادة، ثم تضع الأنثى نحو 3000 - 5000 بيضة، والذكر يقوم بتلقيحها، وبعد أن تكون هذه الأسماك قد بدأت رحلتها وهي لونها أحمر براق تصل في نهاية المطاف بعد رحلة الأربعة آلاف كيلومتر وقد أسوَّد لونها، وأُنهكت وتآكلت زعانفها الذيلية، وتتعرض للموت حتى تفيض مياه النهر بمثل هذه الأسماك الميتة، بينما تبدأ الصغار رحلتها عبر آلاف الكيلومترات لتصل إلى المكان الذي عاش فيه أسلافها، وهلم جرا.. ويقول الدكتور " كريسي موريسون".. " إن الطيور لها غريزة العودة إلى الموطن، فعصفور الهزاز الذي يعيش بالأبواب، يهاجر جنوبًا في الخريف، ولكنه يعود إلى عشه القديم في الربيع التالي، والحمام الزاجل، إذا تحيَّر بعض الوقت من جراء أصوات جديدة عليه وهو في رحة طويلة داخل قفص، فإنه عند خروجه يحوم برهة ثم يقصد قدمًا إلى موطنه دون أن يضل . وثعابين الماء متى اكتمل نموها، هاجرت من مختلف البرك والأنهار لعدة آلاف من الأميال في المحيط قاصدة كلها إلى الأعماق السحيقة جنوبي جزيرة برمودا على ساحل أمريكا الشمالية الشرقي وهناك تبيض ثم تموت. أما صغارها، تلك التي لا تملك وسيلة (بعد موت أمهاتها) لتعرف بها أي شيء سوى أنها في مياه قفرة، فإنها تعود أدراجها وتجد طريقها إلى كل نهر أو بحيرة أو بركة صغيرة حيث كانت أمهاتها، ومتى أكتمل نموها دفعها أيضًا ذلك القانون الخفي إلى الرجوع إلى نفس الجزيرة لتبيض ثم تموت هي أيضًا، وليستأنف صغارها أيضًا نفس الدور. ومن ثمَ لم يحدث قط أن صُيد ثعبان ماء أمريكي في مياه أوربا، ولا ثعبان ماء أوربي في مياه أمريكا.. فهل الذرات والهباءات إذا توحدت معًا في عصفور أو حمامة أو ثعابين ماء، يكون لها حاسة التوجه وقوة الإرادة اللازمة للتنفيذ، أم هو الله الذي خلقها بهذه الغريزة ويوجهها في طريقها حتى لا تحيد عن مسلكها" (العلم يدعو للإيمان ص 111 - 124) (154). ويقول الأستاذ ميشيل تكلا أن " هجرة ثعبان السمك المصري الذي يقطع أربعة آلاف ميل إلى أماكن وضع البيض في أعماق المحيط بالقرب من جزر الهند الغربية، ولكي يصل إلى المحيط الأطلسي لابد له أن يعبر البحر الأبيض ويعثر على مضيق جبل طارق، فكيف يفعل ذلك؟ لا يزال العلم غير قادر على تفسير هذه الظاهرة، والبحث متواصل لحل هذا اللغز، وليس أمام العلماء من شيء غير إرجاع هذه المقدرة الفذة إلى قوة الغريزة وفعلها.. الحقيقة إن الخالق العظيم وضع إبداعه في جينات مخلوقاته من الحيوانات والطيور.. فحكمة الحيوان تنبع مما غرسه فيه الخالق من غرائز. وإثباتًا لذلك فإن حيوان الخلد لديه تقنية فريدة في أنواعها لضمان إمداد نفسه بالغذاء الطازج من الديدان الأرضية الرطبة والملتوية، وإذا قتل الخلد الديدان التي يقتنصها فإنها تذبل في الحال وتتقلص ويصبح لا طعم لها، وبدلًا من ذلك يقوم الخلد بنزع نهاية رأس الدودة، وهو في هذه الحالة لا يقتلها بل يجعلها غير قادرة على الهرب، وهو يعمل ذلك بوحي من الغريزة.. كما إن لنوارس البحر طريقة فنية لفتح المحار المُحكم الغلق تثير أحيانًا دهشة الإنسان لقوة فعل الغريزة، يلتقط النورس محارة مغلقة ويطير بها إلى علو شاهق، ثم يلقي بها فوق صخرة فتنكسر على الأثر، ثم يهبط بسرعة البرق لالتهام محتوياتها.. وقد زودت الطبيعة طائر الغطاس أو كما يسمونه بالغواص الجهنمي بقدر كبير من البراعة في إخفاء عشه الذي يبنيه فوق المستنقعات، فعندما تقع عيناه على عدوه يتجه نحوه يسحب على الفور حصيرة من النباتات الغضة ويغطي بها عشه، ثم يغوص في الماء دون أن يحدث أي رجة، ويعود إلى الظهور بعد مائة قدم من المكان" |
رد: كتاب رحلة إلى قلب الإلحاد
الفصل الخامس: الكتاب المقدَّس و سفر الإلحاد
|
رد: كتاب رحلة إلى قلب الإلحاد
كيف قاوم المُلحدون الكتاب المقدَّس، وكيف تصدى الكتاب المقدَّس للإلحاد؟ س61: كيف قاوم المُلحدون الكتاب المقدَّس، وكيف تصدى الكتاب المقدَّس للإلحاد؟ ج:1- قاومت الشيوعية الكتاب المقدَّس أكثر بكثير جدًا من مقاومتها للمخدرات، وشنت هجومًا شرسًا عليه، فأدَّعت أنه كتاب حوى الأساطير والخرافات، فاليهود نسبوا الأساطير لأنبيائهم وإلههم يهوه في العهد القديم، ونسب المسيحيون المعجزات لمسيحهم، ومنعوا بكل ما أوتوا من قوة تداول الكتاب المقدَّس، ومنعوا دخوله إلى بلادهم، حتى كان هناك عطش شديد لكلمة الله، والأمر العجيب أنهم طبعوا الكتب التي تشكك في صحة الكتاب المقدَّس مثل " الكتاب المقدَّس المُضحك" و"كتاب مقدَّس لمؤمنين وغير مؤمنين " فما كان من المسيحيين إلاَّ المطالبة بزيادة الطبعات من هذه الكتب، ليس لأنها تُهاجم الكتاب، ولكن لأنها تحوي بعض آيات الكتاب فكان المؤمنون يفرحون بتلك الآيات. أما الرد على قولهم بأن الكتاب المقدَّس كتاب أسطوري فأرجوا من القارئ الحبيب الرجوع إلى كتابنا " مدارس النقد والتشكيك ج4 هل أُخذ سفر التكوين من الأساطير؟". وعندما هاجم الإلحاد قصة آدم وحواء والسقوط رد عليهم " ريتشار وورمبلاند " بأن حياتنا التي هي تكرار لحياة أبوينا الأولين تؤكد حقيقة القصة فقال "حياتنا تؤكد تاريخية أبوينا، فهي تكرار لحياة آدم وحواء. فهناك في طفولتنا نحيا في جنة البراءة والطهر، لا تزعجنا المشاكل أو الأتعاب، ولا ترهقنا المضايقات ولا تدخل الخطيئة إلى دائرتنا، ولكن سرعان ما تدخل الخطيئة إلى قلوبنا وتجد طريقها إلى جنة حياتنا، فنكسر الناموس الأدبي الذي عشنا بموجبه وننطوي على أنفسنا في اختفاء بعيدًا عن أعين القدير.. فإن كنا نقر بدخول الخطية إلى دائرتنا، فلماذا ننكرها على أبوينا" (156). 2- هاجم فلاسفة الإلحاد الكتاب المقدَّس بشراسة، فمثلًا " ريتشارد روبنسون " الذي وُلِد في إنجلترا في 12 أبريل 1902م، وعمل في مجال التدريس في جامعة ماربورج بألمانيا، وقد نشأ نشأة دينية، صدم أمه المتدينة عندما قال لها لم أعد قادرًا على الاستمرار في الإيمان بوجود الله، وقال عن الكتاب المقدَّس أنه " غامض ومشوش وغير أكيد" (157) وقال أن السيد المسيح يدعو للفرقة بين الآباء والأبناء، ويهدد الإنسان بالبكاء وصرير الأسنان، وسخر " شافتسيري " في كتابه " نصيحة إلى مؤلف " من بعض شخصيات العهد القديم كما فعل فولتير الذي عُرف بأسلوبه الساخر، وقال " برناردشو " عن الكتاب المقدَّس أنه " من أخطر الكتب الموجودة على وجه الأرض. أحفظوه في خزانة مُغلقة بالمفتاح". وتطاول " ريتشارد دوكنز " على الله قائلًا " لا جدال بأن إله العهد القديم هو أسوأ الشخصيات الخيالية: غيور وفخور بذلك، تافه، ظالم، عديم الرحمة، مجنون بالسيطرة، حقود، متعطش للدم، مبيد الشعوب، معقد من النساء والمثليين (الشواذ جنسيًا) عنصري، قاتل أطفال، ساحق، ذابح أبناء، ضار، مُصاب بداء العظمة، سادي.. نزوي حقود شرس" (158) وواضح مدى تجني دوكنز على الله الواحد، فليس هناك إلهين أحدهما للعهد القديم والآخر للعهد الجديد، إنما هو إله واحد، وأخذ " دوكنز " يكيل الاتهامات دون إقامة الأدلة، ودون تمحيص الأمر، وجميع هذه الاتهامات تم الرد عليها من قبل فيُرجى الرجوع إلى كتابنا " مدارس النقد والتشكيك ج2 ص 237 - 276". كما قال " ريتشارد دوكنز": "ربما يكون الكتاب المقدَّس عمل شاعري وخيالي، ولكنه ليس ذلك الكتاب الذي يجب أن تدرسه لأطفالك ليستقوا منه أخلاقياتهم" (159) وأيضًا قال " دوكنز": "أن تصفية الشعوب التي بدأت في عهد موسى أثمرت دمويتها في كتاب يشوع، كتاب ملحوظ في مذابحه المتعطشة للدم والخوف من الغرباء الذين يتوجب ذبحهم.. وقصة يشوع وتدميره لأريحا واحتلال أرض الميعاد بشكل عام، لا يمكن تمييزها عن غزو هتلر لبولونيا، أو مذبحة صدام حسين بالأكراد والعرب.. وعلى فكرة، أرجو ألاَّ تظن، بأن الشخصية الإلهية في تلك القصة كان لديها أي اعتراض على الذبح والتدمير اللذان رافقا احتلال الأرض الموعودة، على العكس فأوامره على سبيل المثال في سفر الخروج كانت مفصلة بعدم الرحمة" (160). ونترك " ترتن " ليرد على الاتهامات السابقة حيث يقول "القاضي الذي يحكم على مجرم بالإعدام لا نعتبره أثيمًا، والجلاد الذي ينفذ هذا الحكم لا ننظر إليه كمجرم، ونفس هذا المبدأ ينطبق على الأمم المتوحشة أيضًا، فمثلًا إذا أقرَّ حاكم البلاد على إنسان أنه مُستحق الموت وأرسل شخصًا لقتله، فعمل هذا الشخص لا يعتبر قتلًا بالمعنى الصحيح لأنه نفذ أمر الحاكم.. وعلى هذا المثال كان بنو إسرائيل تحت حكم الله المُطلق، وهو الحاكم المتسلط عليهم، وعندما كان الله يريد معاقبة شخص أو جماعة لاقترافهم إثمًا كان يأمر نبيًا أو ملكًا أو ربما الشعب كله لتنفيذ هذه الإرادة، وإذا تهاونوا في تنفيذ الحكم رأفة منهم، كان اللوم يقع عليهم، كما أن الجلاد في الوقت الحاضر يُعرّض نفسه للمذمة والعقاب إذا أحجم عن تنفيذ ما يؤمر به من قبل أولي الأمر والسلطان. فمثلًا عندما أمر الله بإبادة الكنعانيين أخبر بني إسرائيل صراحة بأنهم مأمورون من قِبله وعليهم تنفيذ أوامره وأنهم إذا أساءوا السلوك مثلهم سيبيدهم الله (لا 18: 28، تث 9: 5) ولم تكن هذه الطريقة المتبعة التي جرى عليها بنو إسرائيل في كل حروبهم وغزواتهم، مع أنها كانت شائعة بين الأمم الأخرى، ولكن الله أراد إيقاع العقاب الصارم بالكنعانيين بصفة استثنائية لكثرة شرهم الذي صعد أمامه، وقد كانوا في الحقيقة شعبًا نجسًا (لا 18: 20 - 25)" (161). وللمزيد من الرد يُرجى الرجوع إلى كتابنا " مدارس النقد ج 8 أسفار يشوع وقضاة وراعوث". 3- الكتاب المقدَّس هو كتاب الله الوحيد الموحى به من الروح القدس، ويحمل في طياته علامات صدقه، فهو يشهد لنفسه ولا يحتاج لشهادة أحد، فتعاليمه تعاليم إلهيَّة، وهو الكتاب الوحيد الذي يحمل الخلاص للإنسان، ويحمل الإنسان لملكوت السموات، ومن الأدلة الداخلية على صدق الكتاب هي النبؤات العديدة التي حواها داخل طيات صفحاته، وكثير منها كان يصعب أو يستحيل تصديقه في لحظة النطق به، فمن يقبل أن عذراء تلد (أش 7: 14) وتلد إلهًا (أش 9: 6)،لقد حوى الكتاب نحو ثلثمائة نبؤة عن السيد المسيح، نطق بها أنبياء مختلفين، ذوي ثقافات مختلفة، وأعمال وأعمار متباينة، وفي عصور متتالية، وفي عدة أماكن، وقد تحقَّق معظمها، حتى أن الأربعة والعشرين ساعة الأخيرة من حياة السيد المسيح على الأرض تحقَّق نحو ثلاثين نبؤة منها، ويقول "دكتور بيتر سونر " أحد علماء الرياضيات في إحدى جامعات أمريكا أن احتمال تحقق 48 نبؤة على شخص واحد هو احتمال ضئيل جدًا جدًا، ولو حُسب بلغة الأرقام فأنه يساوي 1: 10 17، ولتقريب المعنى قال لو غطينا أرض تكساس بالكامل بدولارات فضية بسمك 60 سم، وفي كل هذا الكم الهائل وضعنا علامة على دولار واحد، فإن فرصة عثورنا على هذا الدولار لأول مرة نبحث عنه هي فرصة ضئيلة جدًا جدًا وتساوي 1: 10 17. ولكيما يتخلص المُلحدون من هذا الدليل قالوا أن هذه النبؤات سُجلت في الكتاب بعد حدوثها ونُسبت لأشخاص عاشوا في عصور سابقة فقال سفر الإلحاد " أن ما يدعيه الكتاب المقدَّس من نبؤات، قد كُتبت بعد وقوع أحداثها بزمن" (162) ومما يُكذّب هذا الإدعاء أن هناك نبؤات تتحدى الزمن، مثل النبؤة عن خراب بابل وأنها لن تُعمَّر بعد، ولجمال هذا الموضوع أحيلك يا صديقي إلى كتابنا: أسئلة حول صحة الكتاب المقدَّس ص 77 - 101. وأيضًا الآثار هي شاهد صامت لا يمكن أن يكذب، ومازالت الأرض تُخرج من باطنها آثارًا تشهد لصحة ما جاء بالكتاب المقدَّس من الناحية التاريخية والجغرافية (راجع أسئلة حول صحة الكتاب المقدَّس طبعة ثانية ص 194 - 199). 4- تأثير الكتاب العجيب في تغيير النفوس فهو شاهد عظيم على سماوية هذا الكتاب، وعندما قال أحد المُلحدين أن الإلحاد عمل أمورًا مفيدة للعالم أكثر من المسيحية، رد عليه " أروتسيد " قائلًا " حسنًا أرجو منك أن تُحضر لي غدًا صباحًا مائة رجل تغيرت حياتهم بسبب الإلحاد، وأنا أُحضر لك في المُقابل مائة رجل تغيرت حياتهم بسبب المسيح" وعجز هذا المُلحد عن إحضار شخص واحد تغيرت حياته للأفضل بفضل الإلحاد، بينما هناك آلاف المُلحدين الذين أقبلوا ويقبلون على حظيرة الإيمان، فتتغير حياتهم للأفضل، بل يستردون حياتهم، فبعد أن كانوا يظنون أن حياتهم هي فقط الحياة القصيرة على الأرض يكتشفون أن حياتهم ممتدة للأبدية السعيدة، وبعد أن كانت حياتهم بلا معنى أصبح لحياتهم هدفًا أسمى، وهو ملكوت السموات، كما أن الذي يؤمن يتخلص من عقدة الذنب التي تلازم الإنسان الخاطئ ولا يستطيع منها فكاكًا، فيعرف أن هناك من حمل العقوبة عنه وأطلقه بريئًا، وأنه " لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح" (رو 8: 1) والذي يؤمن يتخلص من مشاعر الوحدة المقلقة للنفس، فليس هو وحيدًا في هذا الكون الشاسع إنما يشعر دائمًا أن الله مالئ كل مكان ومالئ عليه حياته. أما الإنسان المُلحد فبالرغم من الانفجار السكاني الذي يعاني منه العالم، فأنه يشعر أنه وحيد، ووحدته هذه تزداد يومًا فيومًا. و"داروين " نفسه صاحب نظرية التطوُّر أعترف بفضل الكارزين بالمسيحية، فكتب في يومياته ص 404، 425 يقول أنه لم يكن هناك بلدًا أسوأ من نيوزيلاند، قبل إيمانها، وعندما عاد إلى إنجلترا ووجدهم ينتقدون بشدة المُبشرين المسيحيين، دافع عنهم قائلًا " أن هؤلاء المُنتقدِين ينسون أو يتناسون ما قد صار في نيوزيلاندا من إلغاء الذبائح البشرية التي تُقدم تحت سيطرة كهنوت وثني لم يرَ العالم مثيلًا له في الشر، ومنع (الإيمان بالمسيح) قتل الأطفال، وأنهى الحروب الدموية التي لم تكن تشفق على طفل ولا على امرأة، وقلَّل الغش والسكر والفحشاء، وذلك بإدخال المسيحية فيها، ولو أرتطمت سفينة على جزيرة غير معروفة لصلى الإنسان صلاة حارة وتمنى أن يكون أهلها قد سمعوا بتبشير المُبشرين حتى يطمئن على حياته.. إن عمل المُبشر هو بمثابة عصا الراقي، فترى البيوت تُبنى والحقول تُحرث والأشجار تُغرس بأيادي نفس النيوزيلانديين. إن التحسن المُطرد الناتج عن انتشار الإنجيل في جزر البحر الهادي لهي من النوادر في التاريخ" (163). ومن الأمور الطريفة أن أحد أساتذة الشيوعية أراد أن يُعطي مثلًا عمليًا في أحد الاجتماعات ليُكذّب معجزة قانا الجليل، فأحضر ماء ووضع فيه مسحوق أحمر فتحوَّل الماء إلى اللون الأحمر وقال " هذه هي المعجزة بكاملها، فقد خبأ يسوع في كمه مسحوقًا من هذا النوع، وادَّعى أنه حوَّل الماء إلى خمر بتلك الصورة العجيبة! ولكنني أستطيع أن أفوق عمل يسوع، فأنا أقدر أن أُعيد هذا الخمر إلى ماء مرة أخرى" (164) ثم وضع مسحوقًا آخر فعاد الماء كما كان، ثم عاد ووضع من المسحوق الأول فتحوَّل اللون إلى الأحمر ثانية.. وتغاضى عن حقيقة أنه يسوع لم يقترب أساسًا إلى الماء، إنما كلَّف تلاميذه بأن يملأوا الأجران ماء، ثم أمر الحاضرين أن يستقوا، على كلٍ فإن أحد المؤمنين الحاضرين هذا الاجتماع قال: حقًا لقد أدهشتنا أيها الأستاذ الرفيق بما استطعت أن تفعله، ونحن نسألك الآن أن تفعل شيئًا واحد فقط، ألاَّ وهو أن تشرب جرعة واحدة من خمرك. الأستاذ: هذا ما لا قِبل لي أن أفعله لكون المسحوق مادة سامة. المؤمن: هذا هو الفرق الشاسع بينك وبين يسوع، فقد وهبنا يسوع بخمره رمز الفرح السماوي لمدة ألفي سنة تقريبًا، فيما حاولت أنت إن تسممنا بخمرك، فأُلقي القبض على هذا الشاهد الشجاع وطُرح في غياهب السجن. لقد أقتبس " شيكسبير " نحو 300 اقتباس من الكتاب المقدَّس، وقال " جان جاك روسو": "ما أحقر وما أتفه أقوال الفلاسفة بكافة متناقضاتها إذا قيست بالكتاب المقدَّس!! هل يمكن أن كتابًا ساميًا رفيعًا في بساطته يكون من صنع البشر؟" (165) وقال " جوته": "أن الكتاب المقدَّس يزداد جمالًا وبهاءًا كلما ازددنا تعمقًا في معرفته وفهمه" (166) وقال " جورج واشنطن": "فوق جمال الوحي فإن الكتاب المقدَّس له تأثيره المُثير على الإنسانية وتقديم البركات للمجتمع" (167) وقال " جرانت": "نحن مدينون لهذا الكتاب في كل مجالات التقدم التي وصلنا إليها والمدنية التي أشرقت شمسها علينا. وإلى هذا الكتاب وحده ينبغي أن نتجه كمرشَدين في المستقبل" (168) وكان " إبراهام لنكولن " رئيس الولايات المتحدة الذي ألغى نظام الرق والعبودية دائمًا يستهلم المشورة من الكتاب المقدَّس فيقول "طالما استلهمت النصيحة من الله واتجهت إليه في كافة خططي وما أتبعت طريقًا وسلكت سبيلًا دون اقتناع داخلي بأن الله يوافق عليه. وأنني أكون أغبى مخلوق لو قلت أنني قمت بتصريف الشئون والواجبات المُلقاه على عاتقي منذ أن جلست على هذا الكرسي دون الاستنارة التي نلتها ممن هو أكثر حكمة وقوة من البشر أجمعين" (169). 5- كان الكتاب المقدَّس هو العدة والسلاح للمؤمنين المُضطهدين في الدول الشيوعية، وأنظر إلى ما كتبه " ريتشار وورمبلاند " لمسيحي أوربا يلتمس منهم أن يرسلوا الكُتب المقدَّسة لهم، فيقول "لا تتخلوا عنا!. لا تنسونا!.. لا تهملونا!، قدموا لنا العدة التي نحتاج إليها، لأننا مستعدون أن ندفع ثمن استعمالها.. أنني أتكلم باسم الكنيسة التي خُنق صوتها. الكنيسة الخفية الخرساء، التي لا صوت لها كي تتكلم. أسمعوا أصوات إخوانكم وأخواتكم في بلاد شيوعية! أنهم لا ينشدون الهرب، أو يطلبون حماية أو حياة سهلة. أنهم يطلبون العتاد فقط لكيما يحموا شباب الجيل القادم من سُم الإلحادية. إنهم يطلبون الكُتب المقدَّسة لكي ينشروا كلمة الله، فكيف يمكنهم أن ينشروها إن لم تكن في حوزتهم. تشبه الكنيسة السرية جرَّاحًا كان يسافر في قطار، فاصطدم القطار بقطار آخر، وترك وراءه مئات الجرحى على الأرض بحالة رضوض وكسور وموت. فأخذ هذا الجرَّاح يتعثر بين هؤلاء المصابين وهو يصرخ " آه، لو كانت عدتي معي!.. آه، لو كانت عدتي معي!.. " فلو كانت عدته معه لاستطاع هذا الطبيب أن ينقذ حياة كثيرين، لأنه كان مستعدًا أن يقوم بالعمل، ولكن.. لكن نقصته عدة الطبابة. لذلك بقى مكتوف اليدين. هذا هو واقع الكنيسة الخفية، فهي مستعدة أن تضحي بكل ما تملك! وهي مستعدة بالتالي أن تستشهد في سبيل المسيح، وهي مستعدة أن تجازف بحياة سنين طويلة في سجون الشيوعية! ولكن.. لكن جميع استعداداتها لا تأتي بنتيجة إن لم تملك عدَّة العمل. فتوسل الأمناء والشجعان في الكنيسة السرية إليكم أنتم الأحرار هو هذا. قدموا لنا العدَّة من كتب مقدَّسة، بشائر وكتب مسيحية أخرى" (170). ووصل إلى ريتشار كُتب مقدَّسة مهرَّبة عبر الأسوار المنيعة، ومن كان يقوم بهذا العمل كان يُعرّض نفسه للاعتقال، وفي أحد الأيام جاء إليه رجلان قادمان من إحدى القرى للعمل في المدينة لاكتناز بعض المال بغية شراء كتاب مقدَّس قديم، ولم يصدقا أعينهم عندما قدم لهم ريتشار كتابًا جديدًا بلا مُقابل، وبعد أيام قليلة أستلم ريتشار رسالة شُكر حارة موقَّع عليها من ثلاثين شخصًا قسَّموا الكتاب المقدَّس إلى ثلاثين جزءًا استبدلوها فيما بينهم، فإن الشخص في الدول المُلحدة كان مستعدًا أن يتنازل عن بقرته التي تمثل كل ثروته مقابل الحصول على كتاب مقدَّس، وأحد الأشخاص أستبدل خاتم زواجه بعهد جديد (راجع العذاب الأحمر ص 187، 188).. حدث هذا في الماضي القريب، أما الآن فكم نشكر الله على شبكة الإنترنت التي أتاحت لكل إنسان في كل مكان أن يحصل على نسخة كاملة من الكتاب المقدَّس، بل من آلاف الكتب التي تفسر وتشرح الكتاب وتتحدث حوله.. شكرًا لك يا ربي يسوع المسيح.. تُرى هل هذه البركة العظيمة هي ثمرة صلوات ملايين شهداء الشيوعية الذين عانوا من غياب الكتاب المقدَّس عنهم!! |
رد: كتاب رحلة إلى قلب الإلحاد
ما هو سفر الإلحاد؟ وكيف يحقق غرضه بالرغم من أن الشيوعية قد جندَّت جميع أجهزتها للدعاية لهذا السفر؟ س62: ما هو سفر الإلحاد؟ وكيف يحقق غرضه بالرغم من أن الشيوعية قد جندَّت جميع أجهزتها للدعاية لهذا السفر؟ ج: لكيما تحارب الشيوعية الكتاب المقدَّس كان لابد أن تضع كتابًا بديلًا له، وهذا ما حدث إذ وضعت الشيوعية كتاب "سفر الإلحاد" ودعته سفرًا على مثال الأسفار المقدَّسة، ويتكون هذا السفر من سبعمائة صفحة، وشارك في تأليفه لفيف من الكُتَّاب المُلحدين في أكاديمية موسكو للعلوم سنة 1961م، وألبست الشيوعية هذا الكتاب ثوبًا مزيفًا من الأخلاق المسيحية السامية، بل وأشاد هذا السفر بالمسيحية، فجاء فيه عن المسيحية أنها " على خلاف كل الديانات القديمة رفضت كل حدود طبقية في تقديم عقائدها بمعنى أن عظاتها، وتعاليمها، قُدمت لكافة القبائل والشعوب والطبقات، وكذلك حطمت المسيحية في تعاليمها، كل الحواجز الاجتماعية، فالذين نشروا تعاليم يسوع قدموها لكل الناس دون تمييز لأصل أو جنس أو مركز اجتماعي" (171) كما شهد هذا السفر للاشتراكية المسيحية، فجاء فيه " أن المسيحية قد كسبت أتباعًا كثيرين من العبيد لأنهم وجدوا بين المسيحية فرصة أعظم للكرامة والحياة" (172). وأعتبر الشيوعيون أن " سفر الإلحاد " هو إنجيلهم فقاموا بطبعه بعدة لغات، وأصدروا منه طبعات عديدة، وقامت أجهزة الإعلام بالدعاية لهذا الكتاب عبر الراديو التليفزيون والسينما، وتم توزيعه على نطاق واسع حتى في الدول غير الشيوعية، ونادى سفر الإلحاد بأنه لا إله، ولا حياة أخرى، ولا قيامة للأجساد، وركز السفر على أن الحياة لم تأتِ من قِبل الله الخالق، إنما هي وليدة الصدفة، وقد رأينا من قبل أنه من المستحيل أن الصدفة تخلق الحياة (راجع إجابة س 44، 45، 46) كما هاجم سفر الإلحاد تعاليم السيد المسيح ودعوته للناس بالتوبة، قائلين بأن هذه التعاليم تقتل أفراح الحياة، ولا أدري أي أفراح يتكلمون عنها، وأية أفراح في الشيوعية الممتلئة كآبة وظُلمة وضيق وضجر، يعيش الإنسان بلا عون ولا سند في هذه الحياة فيشعر بالوحدة الموحشة، وفي النهاية يُساق الإنسان المُلحد إلى الموت بدون أدنى أمل ولا أقل رجاء في حياة أبدية سعيدة،قارن هذا بالمسيحيين الذي يجوزون أصناف الألم، وقد وقف الألم عاجزًا تمامًا أن ينزع فرحهم عنهم، فالفرح الذي بداخلهم أقوى من كل الآلامات والعذابات، وذهب التلاميذ فرحين بعد أن جُلدوا لأنهم حسبوا أنهم مستأهلين أن يهانوا من أجل اسمه، ويمكن يا صديقي أن تبحث في الكتاب المقدَّس عن طريق فهرس الكتاب أو برنامج البحث في النت عن كلمة الفرح ومشتقاتها مثل السعادة والسرور والتهليل.. إلخ. لتخرج بموضوع متكامل عن حياة الفرح في المسيحية. وأتهم " سفر الإلحاد " المسيحيين بالخنوع والجُبن والاستسلام وعدم الثورة ضد المظالم، ولو كان هذا حال المسيحيين ما كان يستشهد منهم آلاف وملايين على مر التاريخ. بل هم أبطال في الإيمان تحدوا كل عذابات الجحيم، وفشل أمامهم " ماوتسي تونج " بالرغم من أنه أباد منهم أعدادًا غفيرة، وقاوموا الشيوعية بالحب والصبر وطول الأناة، حتى قضوا عليها، فانهار أمامهم الحلم الشيوعي. إن سجون سيبريا وسجون كافة الدول الشيوعية تُكذّب هذا الاتهام الكاذب، وتنطق بشجاعة وبسالة وقوة وصلابة المسيحيين في مواجهة كل أساليب الإرهاب والتعذيب الذي يفوق الوصف، وقد فشلت كل عذابات الشيطان في ثني المؤمنين عن إيمانهم، وبسبب شجاعة وبسالة المسيحيين في مواجهة كل عذابات الشيطان والموت انهارت قديمًا أعظم إمبراطورية عسكرية عرفها التاريخ وهي الإمبراطورية الرومانية، وانهارت حديثًا أسوار الشيوعية التي أخفت وراءها الأيدي الحمراء والعذاب الأحمر. |
رد: كتاب رحلة إلى قلب الإلحاد
هل يمكن إلقاء الضوء قليلًا على سقوط الشيوعية على يد "ميخائيل جوربتشوف"؟ س63: هل يمكن إلقاء الضوء قليلًا على سقوط الشيوعية على يد " ميخائيل جوربتشوف "؟ ج: وُلد " ميخائل سرجيفتش جورباتشوف " في 2 مارس 1932م بعد إعلان الثورة السوفيتية سنة 1917م بنحو خمسة عشر عامًا، وكان والده يعمل ميكانيكي زراعة في مزرعة جماعية تابعة للدولة، وكان يحكم البلاد حينذاك " ستالين " خليفة " لينين " والذي أتبَّع نفس سياسة القمع واضطهاد المؤمنين وأضاف عليها أضعاف أضعاف، وعندما كان " ميخائيل " في نحو السادسة من عمره سنة 1938م تعرَّض للقبض عليه من السلطات بحجة أنه عضو في منظمة معادية للثورة، وبالرغم أنه نفى هذه التهمة عنه بشدة، وكان يؤكد لهم براءته من هذا الاتهام، إلاَّ أنه تعرَّض للضرب الشديد بلا رحمة، حتى أنهم كسروا ذراعه من خلال الضغط عليه في الباب، وأجلسوه على موقد ساخن، ووضعوا عليه معطف الغنم المبلل، وبعد أنه نال عذابات شديدة أُفرج عنه عندما تأكدوا من براءته. وعندما شبَّت نيران الحرب العالمية الثانية كان " ميخائيل " في التاسعة من عمره، شاهد الحروب التي دارت بين القوات الألمانية الغازية وبين القوات السوفيتية المدافعة وعاين الجنود الروس وهم ينسحبون في خزي وكآبة، وقد ارتسم الحزن مع الشعور بالذنب على وجوه هؤلاء الجنود، وسمع صوت الانفجارات الصادرة من المدافع الثقيلة ورأى السهام النارية تعبر في السماء مع صوت الصفير المخيف وحرب الشوارع التي دارت رحاها، ومعركة ستالنجراد، وموت ملايين من الإتحاد السوفيتي، كل هذا ترك ذكريات أليمة لدى " ميخائيل جورباتشوف " الذي أدرك وهو في عمره هذا أهوال الحروب. وفي سنة 1953 مات "ستالين" وكان عمر "جورباتشوف" حينئذ واحد وعشرين عامًا، وقد درس القانون في جامعة موسكو، فالتحق بالحزب الشيوعي، وكان يمثل الجيل التالي للثورة، وظل " ميخائيل " يتدرج سريعًا في مستويات الحزب، ولاسيما أنه عُرف بنشاطه وهمته في العمل، فصار موضع ثقة القيادات المركزية في موسكو في عصر " بريجنيف"، وكان يتولى رئيس جهاز المخابرات السوفيتية في ذلك الوقت " أندروبوف " الذي كان مطلعًا بكافة الأمور، ويدرك حقيقة الوضع داخليًا وخارجيًا، ومدى تردي الأوضاع وتفشي الفساد بين القيادات الحزبية السوفيتية، ومدى التفوق الأمريكي الاقتصادي والتكنولوجي والعسكري. وأراد " أندروبوف " إنقاذ ما يمكن إنقاذه، فجمع حوله القيادات الشابة المخلصة لوطنها، والتي لم يصبها العفن على حد تعبيره، فكان في طليعة هذه القيادات " ميخائيل جوباتشوف " ونجح " أندروبوف " في معاونة هذه القيادات ومساندتها، حتى تولت مناصب قيادية هامة،ودفع " أندروبوف " بميخائيل جورباتشوف إلى " اللجنة المركزية للحزب " ثم إلى " المكتب السياسي للحزب"، فصار جورباتشوف واحد من أثنى عشر رجلًا يحكمون الإتحاد السوفيتي، وقبل أن يتمكن " أندروبوف " من تطبيق سياسته في إصلاح الأوضاع السائدة، وافته المنية فجأة سنة 1984م، فخلفه " تشميننكو " رئيسًا لجهاز المخابرات السوفيتية، ومات سنة 1985م، فأصبح " ميخائيل جورباتشوف " في الصدارة، فتم اختياره أمينًا عامًا للحزب الشيوعي في مارس سنة 1985، ثم رئيسًا للإتحاد السوفيتي سنة 1988م. وتولى " ميخائيل جورباتشوف " السلطة وكانت نفسه عطشى للقضاء على الفساد، فطرح على العالم اصطلاح " الجلاسونست " أي شعار " المصالحة والمكاشفة"، فأطلق حرية التعبير لكشف الفساد والقضاء عليه، والأفواه التي كُمّمت على مدار نحو سبعين عامًا نطقت وصاح صوتها مسموعًا في الإتحاد السوفيتي الذي طالما قمع الحريات، وسفك دماء الملايين، وسريعًا ما طرح هذا البطل الهمام اصطلاحا آخر وهو " البيروسترويكا " التي ترجمها الكثيرون إلى " إعادة البناء " فانتشرت انتشار النار في الهشيم، وأخذ الكثيرون يرددونها حتى وإن لم يدركوا معناها، ولكن الجميع في الإتحاد السوفيتي كانوا سعداء بهذا الاصطلاح لأنه يحمل لهم بشرى الإصلاح والتجديد والبحث عن الأفضل. أما الوضع الأمريكي فقد أعلن " رونالد ريجان " بأن أمريكا لن تسمح لأي دولة أخرى في العالم بالتحوُّل إلى النظام الاشتراكي، وأنها ستبذل قصارى جهدها للقضاء على هذه الإمبراطورية الشريرة، ووجد " ميخائيل جورباتشوف " تشجيعًا كبيرًا من الغرب وأمريكا، وعندما زار " ميخائيل جورباتشوف " بريطانيا، والتقت به " مسيز تاتشر " رئيسة الوزراء امتدحته كثيرًا على فكره المتسع وعلى مجهوده في حركة إعادة البناء، وسرت موجة حماس عالمية لشعار " البيروسترويكا". وفي الداخل أنطلق " ميخائيل جورباتشوف " بروحه الخفاقة يزور البلاد، ويجتمع ببساطة مع الفلاحين والعمال، ويقول لهم " تعالوا نتجدد.. فالتجديد يبدأ منا نحن.. وعلينا أن نغير ما في أنفسنا بكل حزم وإصرار" (173). وفي اتضاعه كان " ميخائيل جورباتشوف " يتحدث باسم المكتب السياسي متفاديًا الحديث أو الإشارة إلى نفسه، وكأن المكتب السياسي هو صاحب قرار التغيير وإعادة البناء وليس هو، بل وتنازل للمستوى الشعبي للفلاحين والعمال حتى سمح لهم أن يخاطبونه باسمه مجردًا بعيدًا عن أية ألقاب من الرئيس أو الرفيق أو غيرهما، فسحر الناس بتواضعه وصدقه، وقد افتقدهم بعد عشرات السنين من الذل والمهانة. وفي 17 يناير 1987م في الاجتماع الموسع للجنة المركزية للحزب تكلم الرجل الشجاع " ميخائيل جورباتشوف " عن إهمال الرقابة، حتى صارت الملكية العامة كأنها بلا مالك، وهو ما تردَّد فيما بعد في مصر بأن القطاع العام ليس له صاحب، وفي شجاعة نادرة غير مسبوقة أنتقد ما أصاب أعضاء الحزب على جميع المستويات من فساد، ورشاوي، ودخول طفيلية، وتعاطي الخمور، والإسراف، مما أثقل كاهل الشعب الذي يئن تحت ثقل هذا الفساد، فلابد من التغيير، ولا بديل له، وقال " نحن الآن نتحدث محدقين أحدنا في عين الآخر.. لكن بودي أن أقول مرة أخرى: لا تردد أبدًا.. علينا أن نغير ما بأنفسنا بكل حزم وإصرار.. على الكل أن يفعلوا" (174) واستجاب الشعب السوفيتي لهذا النداء استجابة مدهشة، وأحس أن عملية التغيير هذه هي بمثابة الأكسجين الذي يتيح إنقاذ الإنسان الذي يتعرَّض للاختناق. وفي 25 ديسمبر سنة 1991م انتهت " البيروسترويكا " إلى حل الإتحاد السوفيتي بعد أن أقنع " جورباتشوف " الشعب السوفيتي بأن الديمقراطية هي الحل الوحيد، والوسيلة الوحيدة للتغيير، وبعد أن فتح قنوات للحوار بين السوفيت والغرب، وبعد أن سقطت المحرمات والمقدَّسات الشيوعية وتم التغيير بطريقة ثورية، وبدون إراقة قطرة واحدة من الدماء، وبدأت التعددية السياسية، وحرية الأديان، وسياسة الاقتصاد الحر والمنافسة، وسُمح بالملكية الخاصة، وكان من المفروض استكمال " البيروسترويكا " ولكن بسبب محاولة الانقلاب التي قام بها المعارضون للإصلاح سنة 1991م مما أضعف سلطة " ميخائيل جورباتشوف " كرئيس للإتحاد السوفيتي، كما أتفق قادة روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا على حل الإتحاد السوفيتي، فتم الحل بدون استكمال " البيروسترويكا". وفي هذا اليوم سجل التاريخ تهاوي الشيوعية وسقوطها بعد أن فشلت في منح الإنسان النجاح والسعادة. وصاحب حل الإتحاد السوفيتي مشاكل اقتصادية جمة، فانخفض إحتياطي الذهب من 2500 طن إلى 240 طن، وأرتفع ثمن كيلو اللحم من 2 روبل إلى مائة روبل، وارتفعت البطالة من صفر إلى 15 مليون، وبعد أن كان سعر الدولار 6ر0 من الروبل أصبح يساوي 1200 روبل، وصار أكبر جيش في العالم يبلغ 5ر3 مليون شخص يعاني من ضيق اليد، فبدأت عمليات بيع السلاح، وتداعت البحوث الفضائية بعد أن كان الإتحاد السوفيتي على قدم وساق مع الولايات المتحدة في أبحاث القضاء، وبدأت فترة احتضار النظام السوفيتي (راجع عبد الستار الطويلة - سقوط الحلم الشيوعي ص 129 - 136) وهذا لم يكن في قصد " ميخائيل جورباتشوف " على الإطلاق، ولم يكن قصده الاستسلام أمام النموذج الأمريكي، إنما كان قصده أن يستكمل منح المزيد من الحرية للشعب، وأن يستكمل التغيير المنشود. كما صرَّح بأن الصرب أيضًا وأمريكا يحتاجون إلى " البيروسترويكا " بالطريقة التي تناسبهم. أما مفكروا الغرب فقد ظنوا أنهم في منأى عن المشكلات التي واجهها الإتحاد السوفيتي. ولكن عندما جاءت الأزمة الاقتصادية سنة 2008، 2009م أتضح أن النموذج الغربي كان مجرد وهم، وأنه أفاد بالأكثر الأغنياء، ونال " ميخائيل جورباتشوف " جائزة نوبل للسلام. |
رد: كتاب رحلة إلى قلب الإلحاد
لقطة للتاريخ 5 الهدف من هذه اللقطة يا صديقي هو أن أكشف لك قليلًا عن المآسي التي عانت منها البشرية بسبب الإلحاد، إله القتل، فالإنسان متى فقد الإيمان، واعتقد أنه ليس إله، ولا ثواب ولا عقاب، يتدنى لمستوى أدنى من الحيوانات المتوحشة، قد يفترس غيره أو يفترس نفسه، أو كليهما. ويقول "ريتشار ووربملاند " وكانوا يعذبون المساجين بالجوع الشديد، فيقدمون لهم قطعة خبز كل أسبوع حتى صاروا أشبه بهياكل عظمية، وصاروا كالمعتوهين، حتى أن ريتشار لم يقوَ على تلاوة الصلاة الربانية، فكانت صلاته عبارة عن كلمتين فقط هما " أحبك يا يسوع " والأمر المُدهش أن هؤلاء المساجين كانوا يقدمون العشور من ضروراتهم.. كيف؟ يتخلون عن قطعة الخبز الخاصة بهم في الأسبوع العاشر لمن هو أضعف منهم. (راجع العذاب الأحمر ص 55، 73). حقًا أن هؤلاء الأبطال لم يحبوا حياتهم حتى الموت، فالشاب " ماتشيفيسي " الذي كان له من العمر ثمانية عشر عامًا وقد أصيب بمرض السل بسبب التعذيب وصعوبة السجن، وعندما علمت أسرته أرسلت له العلاج، فأعلمه ضابط السجن، وطلب منه مقابل تسليمه الدواء الذي سينقذ حياته أن يعطيه بعض المعلومات عن زملائه المؤمنين، فقال له " ماتشيفيسي ": إنني لا أود أن أبقى حيًّا فأستحي برؤية وجه خائن في مرآه. فأنا لا أستطيع أن أقبل هذا الشرط. إنني أفضل الموت على ذلك " ومات " ماتشيفيسي " بطلًا شهيدًا. (راجع العذاب الأحمر ص 56). وعندما تسلمت " كولموندة " جثة زوجها الذي قُتل في السجن وترك لها أربعة أطفال صغار، لاحظت علامات الأصفاد التي كبلت يديه، والحروق التي لحقت بيداه وأصابعه والأقسام السفلى من رجليه، ووخز السكاكين على القسم الأسفل من معدته، وانتفاخ رجله اليمنى، وعلامات الضرب التي برزت على رجليه الاثنين، فقد كانت الجثة كلها مشوهة بسبب الضرب، وتجمع المؤمنون نحو 1500 شخصًا في مسيرة ضخمة لتوديعه وكل منهم يعلم أن نهايته ربما تكون هي نهاية هذا الشهيد، وأكثر من هذا أنهم حملوا لافتات كُتب عليها " لي الحياة هي المسيح والموت هو ربح" (في 1: 21).. " لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها" (مت 10: 28).. " رأيت تحت المذبح نفوس الذين قُتلوا من أجل كلمة الله" (رؤ 6: 9). ويقول "ريشار وورمبلااند": "والنساء المسيحيات يلاقين عذابًا يفوق عذاب الرجال في السجن، فقد اغتُصبت الفتيات من حراس وحشيين.. والسخرية، بالإضافة إلى المناظر القبيحة، لهو أمر مُرعب، وقد أجبروا النساء على العمل الشاق في حفر القنوات، وكان عليهنَّ أن يقمنَ بالعمل كالرجال.. وقد أقاموا عليهنَّ بعض المراقِبات الساقطات الزاينات، فتسابقن في تعذيب المؤمنات، وقد أكلت زوجتي العشب كالثيران لتبقى حيَّة. وكذلك أكل السجناء الجرذان والحيَّات عند حفر قناة ليبقوا أحياء، وكان من أبهج تسليات الحراس أيام الآحاد هي أن يلقوا النساء في نهر الدانوب ليخرجوهنَّ من الماء مرة أخرى فيسخرون بهنَّ بنظرهم إلى أجسامهنَّ المبللة. وقد أعادوا الكرة مرارًا وتكرارًا، وهكذا فعلوا بزوجتي أيضًا" (175). وأشارت الصحف الروسية في إحدى المرات إلى القبض على اثنين وثمانين مؤمنًا بالمسيح ووضعهم في مستشفى الأمراض العقلية، وتحت وطأة العذاب مات أربعة وعشرون منهم فأشارت الصحف الروسية أن هؤلاء ماتوا بسبب الصلوات الطويلة.. فهل لنا أن نتصور ما عاناه هؤلاء الشهداء؟! وأشارت صحيفة "سوجتسكايس روسيا" في 4 يونيو 1963م إلى سيدة مؤمنة أخذوا منها أولادها الستة مدى الحياة لأنها علمتهم الإيمان المسيحي وحفزتهم على عدم لبس الطليعة الحمراء (راجع العذاب الأحمر ص 170، 171). |
رد: كتاب رحلة إلى قلب الإلحاد
نظرة تأمل 5 طائر الحمل: أما رحلة الطائر الحمل من إستراليا لليابان لكاليفورنيا بأمريكا والعودة فإنها تدعو للعجب العُجاب، ويقول دكتور موريس بوكاي (الذي طالما هاجم الكتاب المقدَّس مرددًا أقوال أرباب مدرسة النقد الأعلى) إن " جيه هامبورجر " J. Hamburgar في كتابه " القوة والضعف " يقول "أمسك صياد سمك ياباني في 27 مايو 1955م طائرًا كان مُعلَّمًا بحلَقة تحمل تاريخ 14 مارس من نفس السنة، وذلك في جزيرة بابيل بإستراليا، ويُعرف هذا الطائر في هذا الجزء من العالم باسم Mutton - Bird " or Short - Tailed Shearwater (الطائر الحمل أو جَلَم الماء قصير الذيل) وكان الإمساك بهذا الطائر بداية سلسلة اكتشافات أدت إلى تصحيح المعلومات الخاصة بالرحلة الضخمة التي يقطعها هذا الطائر المهاجر في كل سنة. وتبدأ نقطة انطلاقه من ساحل إستراليا، ومن هناك يطير شرقًا فوق المحيط الهادي ثم يدور في إتجاه الشمال على طول ساحل اليابان حتى يصل إلى بحر بيرنج Bering Sea حيث يستريح بعض الوقت. ثم ينطلق بعد هذه الوقفة، ولكنه يتجه جنوبًا هذه المرة، ليظل طائرًا بمحاذاة ساحل أمريكا حتى يصل إلى كاليفورنيا. ومن هناك يطير في طريق عودته فوق المحيط الهادي ليعود من حيث بدأ. هذه الرحلة السنوية التي يقطعها هذا الطائر، والتي تتخذ شكل العدد (8) ويبلغ طولها 15000 ميل، لا تختلف في مسارها ولا في التواريخ التي تتم فيها. فالرحلة تستغرق ستة أشهر وتنتهي في الأسبوع الثالث من شهر سبتمبر على نفس الجزيرة، وفي نفس العش الذي تركه الطائر منذ ستة أشهر مضت . أما ما يحدث بعد ذلك فهو أدعى للعجب: فعند عودة هذه الطيور تبدأ في تنظيف أعشاشها ثم تتزاوج وتضع الأنثى بيضتها الوحيدة في غضون الأيام العشرة الأخيرة من شهر أكتوبر. وبعد شهرين يفقس البيض وتخرج الأفراخ وتنمو بسرعة، فعندما يكون عمرها ثلاثة أشهر ترقب آباءها وهي تنطلق في رحلتها الرائعة، وبعد أسبوعين أي في منتصف أبريل تقريبًا تنطلق الصغار بدورها في طريقها الذي سلكه أباؤها بنفس المسار الذي سبق بيانه. أما ما ينطوي عليه كل ذلك فهو جلي واضح: ففي داخل المادة التي تنقل الصفات الوراثية لهذه الطيور، والتي تحتويها البيضة، لابد وأن توجد كل التوجيهات اللازمة لهذه الرحلة. وقد يقول بعض الناس أن هذه الطيور تسترشد بالشمس والنجوم وباتجاه الرياح السائدة على طول طريق الرحلة ذهابًا وإيابًا، ولا شك أن هذه العوامل لا تبرر الدقة الجغرافية والزمانية التي تتم بها الرحلة. وليس هناك ما يدعو للشك في أن التعليمات الخاصة برحلة الخمسة عشر ألف ميل مُسجلة - سواء مباشرة أو بصورة غير مباشرة - على الجزيئات الكيميائية المستقرة في نوى خلايا هذه الطيور، وتقوم بإصدار الأوامر. فكيف يمكن أن نتصوَّر القدر الهائل من المعلومات الشفرية - التي يلزم بالضرورة أن تكون مُتكّيفة مع عدد هائل من الظروف والأحوال المختلفة، يدخل في حسابها كلها البيئات المختلفة التي تجتازها الطيور، كل طائر بمفرده وبغير مُرشِد من أستراليا إلى بحر بيرنج ثم العودة - ملتزمًا التزاما صارمًا بجدول زمني غاية في الدقة؟ كيف يمكننا حتى أن نُعبّر عن العدد الخيالي من الأوامر التي يلزم أن تصدر على مدى ستة أشهر، وهي أوامر تتغير - حتمًا - وفقًا للظروف، خاصة مع تبدل الأحوال المناخية؟ ولابد أن تكون العدة قد أُعدت لأي طارئ مُحتمل الوقوع، ولا بد أن يكون قد وجد مكانه في رصيد المعلومات التي يحملها شريط الـDNA ومثار العجب بالنسبة للمرء هو كيف تم تخطيط هذا البرنامج وكتابته أصلًا، وهل من مخلوق يعلم الإجابة؟" (176). الإسكندرية في 1/1/2011م الانفجار على أعتاب كنيسة القديسين استشهاد 20 وإصابة 120 شخصًا |
رد: كتاب رحلة إلى قلب الإلحاد
المراجع
1- نيافة المتنيح الأسقف إيسيذورس - الإخاء والسلم بين الدين والعلم. 2- نيافة المتنيح الأنبا غريغوريوس - الإلحاد المعاصر وكيف نجابهه. 3- القمص بولس عطية بسليوس - دراسات في علم اللاهوت. 4- القس أنجيلوس جرجس - وجود الله وصوُّر الإلحاد. 5- الأب أنطوني م. كونيارس - الصليب والإستشهاد في القرن العشرين. 6- د. حليم عطية سوريال - تصدع مذهب داروين والإثبات العلمي لعقيدة الخلق. 7- د. فوزي إلياس - ستة أيام الخليقة بين العلم والدين. 8- ترجمة نظير عريان ميلاد - الكتاب المقدَّس ونظريات العلم الحديث. 9- برسوم ميخائيل - حقائق كتابية ج 1 . 10- دكتور رمسيس عوض - ملحدون محدثون ومعاصرون. 11- دكتور رمسيس عوض - الإلحاد في الغرب. 12- دكتور زكريا عوض الله - شهادات العلماء لإله السماء. 13- دكتور عبد الرحمن بدوي - نيتشه طبعتي 1939، 1956م. 14- فريدريك نيتشه - ترجمة جورج ميخائيل ديب - عدو المسيح. 15- سيرجي كورداكوف - ترجمة نشأت مرجان - شاول طرسوسي جديد - قصة ذئب شيوعي يتحوَّل إلى المسيحية. 16- بولس سلامة - الصراع في الوجود. 17- ريتشار وورمبلاند - تعريب كريم خاشو - العذاب الأحمر. 18- ريتشار وورمبلاند - ترجمة د. عزت زكي - جواب المسيحية على الإلحاد الشيوعي. 19- دكتور أنور عبد العليم - قصة التطوُّر. 20- هارون يحيى - خديعة التطوُّر. 21- دكتور كمال شرقاوي غزالي - التطوُّر بين الضلال وممارسة حق النقد. 22- أ. رأفت شوقي - الإلحاد نشأته وتطوُّره ج 1 23- أ. رأفت شوقي - الإلحاد بعض مدارسه.. والرد عليها ج 2 24- جون بول - الإيمان المسيحي - بين النظريات والإعلانات. 25- أ. م. بوشنسكي - ترجمة د. عزت قرني - الفلسفة المعاصرة في أوربا. 26- طمسون - ترجمة حبيب سعيد - هل من تناقض بين العلم والدين؟ 27- نورمن أندرسون من جامعة كمبردج - العقل والإيمان طبعة ثانية 1955م. 28- أنطوني دي كرسبني وكينيث مينوج - ترجمة ودراسة د. نصار عبد الله - أعلام الفلسفة السياسية المعاصرة. 29- بول ليتل - ترجمة وجدي وهبه - لماذا أؤمن؟! إجابات منطقية عن الإيمان. 30- إيريل البردويل - صوت من الأنقاض. 31- ريتشارد كتشام - ترجمة عزت فهيم - هذه هي الشيوعية. 32- تأليف وجمع القائمقام ترتن من فرقة المهندسين - كتاب البراهين العقلية والعلمية على صحة الديانة المسيحية - طبعة ثانية سنة 1925م. 33- خوان إرياس - ترجمة الأب كميل حشيمة اليسوعي - لا أؤمن بهذا الإله. 34- عبد الستار الطويلة - سقوط الحلم الشيوعي. 35- موسوعة ألفا أسئلة وأجوبة ج 2 . 36- ريتشارد دوكنز - وهم الإله. 37- بعض أعداد من مجلة العلم. |
الساعة الآن 07:20 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025