منتدى الفرح المسيحى

منتدى الفرح المسيحى (https://www.chjoy.com/vb/index.php)
-   كتب البابا شنودة الثالث (https://www.chjoy.com/vb/forumdisplay.php?f=25)
-   -   كتاب حياة الإيمان (https://www.chjoy.com/vb/showthread.php?t=239079)

Mary Naeem 28 - 12 - 2013 05:17 PM

رد: كتاب حياة الإيمان
 
إيمان دون أن يرى
إيمان لا يعتمد على الحواس، وينطبق عليه قول الرب "طوبى للذين آمنوا دون أن يروا" (يو 20: 29). ليس مثل العلماء الذين لا يؤمنون بشيء، إلا إذا أحضروه في معاملهم، وتيقنوا منه بأبصارهم وأجهزتهم. وليس مثل الصدوقيين الذين أنكروا وجود الملائكة والقيامة والأرواح (أع 23: 8)، لأنهم لا يرون شيئًا من ذلك كله..

Mary Naeem 28 - 12 - 2013 05:18 PM

رد: كتاب حياة الإيمان
 
إيمان الثقة والاختبار

إنه ليس الإيمان بالله الذي نقرأ عنه في كتب اللاهوت، أو في المعاهد الدينية، أو في الكنائس وفي فصول التعليم الديني على أنواعها. وإنما إيمان بالله الذي اختبرناه في حياتنا، وعاشرناه، وأدخلناه في كل تفاصيل حياتنا، واختبرنا عمليًا قول داود النبي "ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب" (مز 34: 8)..
ووجدنا أن الله عجيب عجيب، إلى أبعد الحدود، فوق ما يتصور العقل.. حياتنا كلها مجرد عشرة معه، ذقنا فيها حلاوته وحبه ورعايته، ورأينا أيضًا قوته وجلاله. وجربنا كيف يدخل في مشاكلنا، بطرق ما كانت تخطر على عقولنا. ونتيجة للاختبار، صارت لنا ثقة، غير مبنية على الكتب، وإنما على ما لمسناه بأيدينا.. لذلك إيماننا إيمان حقيقي راسخ في قلوبنا.

Mary Naeem 28 - 12 - 2013 05:19 PM

رد: كتاب حياة الإيمان
 
إيمان قوي

وهو الإيمان الذي يستطيع كل شيء (مر9: 23). ويمكنه أن ينتصر على كل عقبة. ولا يرى أمامه شيئًا مستحيلًا . بل كما قيل عن زر بابل "من أنت أيها الجبل العظيم؟! أمام زر بابل تصير سهلًا" (زك 4: 7). إنه الإيمان الذي يستطيع أن يضع قدمه في الماء، لكي يعبر البحر الأحمر في أيام موسى النبي (خر 14: 22)، وأن يعبر نهر الأردن في أيام يشوع (يش 3). ويستطيع أن يمشي في داخل الغمر العظيم، والمياه تحيط به مثل سور، عن يمين وعن شمال، دون أن يخاف.. إنه الإيمان الذي يستطيع أن يضرب الصخرة فيتفجر منها الماء (خر 17: 6). وهو الإيمان الذي يسير في الصحراء بلا زاد وبلا مرشد، يجمع طعامه من المن النازل من السماء يومًا بيوم (خر 16: 15-23).
إنه الإيمان القوى الذي استطاع أن ينقل الجبل المقطم على يد سمعان الدباغ، أيام البابا ابر آم بن زرعه. وهو الإيمان القوى الذي استطاع به إيليا النبي أن يقول "لا يكون طل ولا مطر في هذه السنين إلا عند قولي" (1مل 17: 1).
وهكذا "لم تمطر على الأرض ثلاث سنين وستة أشهر. ثم صلي فأعطت السماء مطرًا" (يع 5: 17، 18). وهكذا استطاع أن يغلق السماء ويفتحها. ما أكثر الأمثلة عن هذا الإيمان القوى. ولكن هناك أمثلة أخرى عن هذا الإيمان القوى،

Mary Naeem 28 - 12 - 2013 05:20 PM

رد: كتاب حياة الإيمان
 
إيمان لا يتزعزع

إنه إيمان ثابت، لا يتأثر مطلقًا بالعوامل الخارجية: فهو يؤمن بمحبة الله سواء كان على جبل التجلي أو على جبل الجلجثة. يؤمن بمحبة الله الذي يعطيه من سارة نسلًا في ظروف تدعو إلى اليأس، تمامًا تمامًا كما يؤمن بمحبة الله وهو يقول له: خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحق، وأصعده هناك محرقة على الجبل الذي أريك إياه (تك 22: 2).
أن إبراهيم وهو يرفع بيده السكين على ابنه اسحق، ما كان يشك مطلقًا في محبة الله، ولا في صدق مواعيده..
لم يتزعزع إيمانه مطلقًا في هذا الإله، ولا في أنه سيكون له من اسحق نسلًا مثل نجوم السماء ورمل البحر في الكثيرة.. إن الإيمان الثابت لا يتغير بالظروف الخارجية المحيطة به، لأن ثقته ثابتة في الله، وسلامه القلبي لا يستمده من الظروف الخارجية، إنما من الله نفسه ومحبته وصدق مواعيده.

Mary Naeem 28 - 12 - 2013 05:21 PM

رد: كتاب حياة الإيمان
 
الإيمان كموهبة
هناك إيمان عادى، وإيمان يعتبر موهبة من الروح القدس. ولا شك أن هذا له درجة عالية تفوق الإيمان العادي بكثير.. يقول القديس بولس الرسول في حديثه عن المواهب، فأنواع مواهب موجودة، ولكن الروح واحد.. ولكنه لكل واحد يعطى إظهار الروح للمنفعة. فإنه لواحد يعطى بالروح كلام حكمة.. ولآخر إيمان بالروح الواحد. ولآخر مواهب شفاء بالروح الواحد.." (1كو12: 4-9). وهكذا أيضًا وضع الإيمان ضمن ثمار الروح (غل 5: 22). ويبدو هنا أننا لا نستطيع أن نفصل الإيمان عن عمل الروح القدس: إما من ثمار الروح، وإما من مواهب الروح. ولكل منهما درجته..

Mary Naeem 28 - 12 - 2013 05:22 PM

رد: كتاب حياة الإيمان
 
الإيمان السليم

ما أكثر ما يؤمن الناس بأفكار، أو مذاهب، سياسية أو اجتماعية ، ويعطيهم إيمانهم بها قوة على التنفيذ، وعلى نقلها إلى عقول الناس.. ولكننا نود في هذه الصفات أن نتحدث عن الإيمان السليم، الذي يكون له طابع روحي وصلة وطيدة بالله "الإيمان العديم الرياء" (1تي 2: 5) ، "الإيمان المسلم مرة للقديسين" (يه3).. هذا الإيمان الطاهر النقي فكرًا وسلوكًا. وهذا يجعلنا نقول:
إن الإيمان، ليس هو مجرد عقيدة، إنما هو حياة.. أو هو حياة مؤسسة على عقيدة. أو هو عقيدة اختبارية عاشها الناس، وليست مجرد أفكار في الكتب.
وما نريد أن نتحدث عنه في هذا الكتاب في موقع الأنبا تكلا هيمانوت هو هذه الحياة، حياة الإيمان..

Mary Naeem 28 - 12 - 2013 05:27 PM

رد: كتاب حياة الإيمان
 
علاقة الإيمان بالسلام وعدم الخوف
من صفات المؤمن، أن يكون قلبه مملوءًا بالسلام والهدوء. لا يضطرب مطلقًا، ولا يقلق، ولا يخاف، لأنه يؤمن بحماية الله له.. وهو يحتفظ بسلامه الداخلي، مهما كانت الظروف الخارجية تبدو مزعجة. يخاف الشخص الذي يشعر أنه واقف وحده. أما الذي يؤمن أن الله معه فلا يخاف..
1- هوذا داود النبي يقول "إن يحاربني جيش، فلن يخاف قلبي. وإن قام على قتال، ففي هذا أنا مطمئن" (مز 27: 3) . وإن سألته عن السبب في هذا، يجيب في نفس المزمور "الرب نوري وخلاصي، ممن أخاف؟! الرب حصن حياتي، ممن أرتعب" (مز27: 1) لقد اختبر الرب ومعونته وحمايته، فقال عندما اقترب إلى الأشرار ليأكلوا لحمي، مضايقي وأعدائي عثروا وسقطوا" (مز 27: 2).


إنه لا يستمد سلامه من تحسن الظروف الخارجية من حوله، إنما يستمد سلامه من عمل الله فيها ومعه.
لذلك فهو يقول في مزمور الراعي "إن سرت في وادي ظل الموت، لا أخاف شرًا "لماذا؟ "لأنك أنت معي" (مز 23: 4). إن كان لك هذا الإيمان، أن الله معك، فلن تخاف، مهما حاربك جيش، أو قام عليك قتال، حتى إن سرت في وادي ظل الموت.
2- ولعل هذا السلام وعدم الخوف، نراهما في مقابلة إيليا النبي لآخاب:
كان آخاب الملك يفتش عن إيليا النبي في كل مكان لكي يقتله. ومع ذلك فإن إيليا ذهب ليتراءى لآخاب. ولما حذره عوبديا من الخطر، أجاب إيليا "حي هو رب الجنود الذي أنا واقف أمامه، إني اليوم أتراءى له" (1 مل 17: 14،15). وقد كان. قابل إيليا آخاب الملك، ولم يخف منه. بل وبخه على عبادته للأصنام (1مل 17: 18). إيليا لم يكن يخاف، لإيمانه أنه واقف أمام رب الجنود.
3- وبالمثل كان داود في لقائه مع جليات الجبار.
داود -الصبي الصغير- كان بالإيمان مملوءًا بالسلام لا يخاف جليات، بل يتكلم بثقة.. ويقول لشاول الملك "لا يسقط قلب أحد بسببه" (1 صم 17 : 32). أما الملك وكل جيشه فكانوا خائفين، ومرتاعين جدًا. لأنهم لم يكونوا ناظرين إلى الله الذي لا يرى مثلما كان ينظر داود.. بل كانوا مركزين أبصارهم في هذا الذي يرونه أمامهم "الرجل الصاعد" الذي "طوله ست أذرع وشبر، وقناة رمحه كنول النساجين، ووزن درعه خمسة آلاف شاقل نحاس" (1 صم17: 4-7). داود رجل الإيمان، لما دخل إلى ميدان المعركة أدخل الله معه، وأدخل روح الإيمان والاطمئنان إلى قلوب رجال الحرب بقوله "من هو هذا الأغلف حتى يعير صفوف الله الحي.. لا يسقط قلب أحد بسببه "1 صم 17: 26، 32). وقال لذلك الجبار "أنت تأتي إلى بسيف ورمح. وأنا آتى إليك باسم رب الجنود" (1صم 17: 45). أعني أنت تأتي إلى بال التي ترى، وأنا آني إليك بالذي لا يرى.
وسنلاحظ أن اسم الله لم يفارق لسان داود. وكان يمنحه سلامًا
وبهذا الإيمان، وهذا السلام القلبي، وبهذه الثقة تقدم داود إلى ذلك الجبار المرعب، وقال له في يقين الإيمان "اليوم يحبسك الرب في يدي.. فتعلم كل الأرض أنه يوجد إله.. لأن الحرب للرب" (1صم17:46،47) (اقرأ مقالًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). حقًا إن الرجل المؤمن لا يعرف الخوف، مهما كانت الظروف مخيفة من حوله.. سلامه القلبي لا يفارقه مطلقًا.. بل يمنحه الإيمان أيضًا شجاعة وبسالة.
4- في وسط الضيقة، أيًا كانت، نرى الإيمان يعطى سلامًا.
ضيقة تحل باثنين: أحدهما مؤمن والآخر غير مؤمن. فيضطرب غير المؤمن ويخاف ويقلق، ويتصور أسوأ النتائج، وتزعجه الأفكار.. أما المؤمن فيلاقيها بكل اطمئنان، وبسلام قلبي عجيب. وقد يسألهُ البعض عن شعوره إزاء الضيقة فيقول هذه المشكلة، سيتدخل الله فيها ويحلها، وستؤول إلى الخير "وقد تسأله كيف سيتدخل الله؟ فيجيبك: أنا لا أعرف. ولا يهمني هذا. إنما أعرف أننا لا نهتم بمشاكلنا، فالله هو المتهم بالكل..
حقًا إني لا أعرف كيف ستحل المشكلة. ولكني أعرف الله الذي سيحلها.
وهكذا يقوده الإيمان إلى الاطمئنان. وهكذا أولاد الله يعيشون دائمًا في سلام. بل وفي فرح، شاعرين أن الله معهم، هو الذي يتولى كل أمورهم، ويعمل من أجلهم ما لا يستطيعون عمله لأجل أنفسهم..
5- إن يونان -حتى وهو في بطن الحوت- لم يفقد إيمانه وسلامه.
بل إنه صلي إلى الرب وهو في بطن الحوت، صلاة كلها إيمان، وقال في ثقة "ولكنني أعود أنظر هيكل قدسك" (يون 2: 4). ونذر للرب نذر للرب نذرًا وقال: "أما أنا فبصوت الحمد أذبح لك. وأوفي بما نذرته. للرب الخلاص" (يون 2: 9). حتى وهو في بطن الحوت، كان يرى خلاص الرب. وكان يرى أنه سيخرج منه، ويرى الهيكل المقدس، ويذبح للرب ويوفي نذوره.
إنه الإيمان مصدر كل سلام وراحة. لا خوف فيه ولا قلق.
6- فإذا قل الإيمان، حينئذ يخاف الإنسان.
بطرس في إيمانه استطاع أن يمشى مع الرب فوق الماء، ناسيًا كل قوانين الجاذبية. فلما تذكرها وخاف حينئذ سقط، فوبخه الرب قائلًا "يا قليل الإيمان لماذا شككت" (متى 14:31). وهكذا ربط الرب بين الخوف والشك وقلة الإيمان. وحقًا إنه ترابط عجيب:
الشك يضعف الإيمان. وضعف الإيمان يؤدى إلى الخوف. والخوف يسبب السقوط.
وبنفس الوضع نتحدث عن التلاميذ لما هاجت عليهم الأمواج في السفينة. رؤيتهم الأمواج تغطي السفينة، بينما الرب نائم فيها، جعلتهم يشكون في اهتمام الرب بهم. والشك أضعف إيمانهم، فخافوا. لذلك وبخهم الرب قائلًا "ما بالكم خائفين يا قليلي الإيمان"(متى 8: 26).
في كل مرة تخاف، وبخ نفسك على قلة إيمانك.
قل لنفسك أين هو إيماني بأن الله موجود، وبأنه ضابط الكل يرى كل شيء؟


وأين إيماني بمحبة الله، وبتدخله في مشاكل، وبقدريه على كل شيء، وأين إيماني بأن الله صانع الخيرات، وبأنه لابد سيصنع معي خيرًا؟! هذه الأفكار كلها تقوى إيمانك، وتمنك سلامًا، وثقة بعمل الله.
الإيمان مريح للنفس. لأن الذي يؤمن بوجود الله، لا يشعر بالوحدة. بل يثق أن هناك قوة إلى جواره
إنه يؤمن بوجود هذه القوة القادرة على كل شيء، التي تسانده، والتي كلها حب وعدل. وهي تعمل الخير الجميع، وتتراءف على كل من هو في ضيقة.. وإذ يطمئن إلى هذه القوة الإلهية الحافظة، يمتلئ قلبه سلامًا، ولا يقلق ولا يخاف.. أما غير المؤمن، فإذ لا يثق بقوة خفية تسنده، نراه يتعب، ويقف وحيدًا في ضيقاته فاقدًا للسلام..
7- القديس بطرس كان في السجن، وقد نام نومًا ثقيلًا.
مع أن هيرودس الملك، لكي يرضي اليهود، كان قد قتل القديس يعقوب بن زبدي أحد الاثني عشر، وأمر بالقبض على القديس بطرس وألقاه في السجن "مسلمًا إياه إلى أربعة أرابع من العسكر ليحرسوه". وكان مزمعًا قتله بعد الفصح (أع 12: 1-4). وعلى الرغم من السجن، ومن الحراسة المشددة، ومن توقع القتل.. نام بطرس في السجن، واثقًا من وجود حراسة إلهية تحرسه، أكثر من حراسة العسكر عليه. وكان نومًا ثقيلًا، لدرجة أن الملاك الذي أتى لينقذه، ضربه في جنبه ليوقظه (أع 12: 7).. أي سلام قلبي هذا، الذي يجعل إنسانًا في مثل هذه الظروف ينام، وهو في السجن، وفي نفس الليلة التي كان فيها هيرودس الملك مزمعًا أن يقدمه للقتل..!
إنه الإيمان بحفظ الله، إن أراد له حياة على الأرض..
أو الإيمان بالأبدية السعيدة، إن شاء الله له أن يستشهد.
وفي كلتي الحالتين، الأمر يدعو إلي الفرح. بذلك كان السلام يملأ قلبه. وكان ينام في هدوء. وما كانت الأمور الخارجية تزعجه.. ولعله كان هناك سبب آخر لهذا السلام، وهو أنه "كان بطرس محروسًا في السجن. وأما الكنيسة فكانت تصير منها صلاة بلجاجة إلي الله من أجله" (أع 12: 5).
الإنسان المؤمن هو الذي يستطيع أن ينام في حضن الله ويستريح.
إنه يسلم حياته وكل مشاكله للرب. ويقول للرب: ما دمت أنت قد استلمت هذه الموضوعات، فأنا سوف لا أشغل نفسي بها. إنها قد انتهت بالنسبة إلى، وانتقلت إلى يديك أنت، وأنا واثق أنك ستصنع كل خير. أما أنا فمطمئن إلى عملك، وسأنام وأستريح. لذلك حسنًا قيل في المزمور إنه "يعطي أحباءه نومًا" (مز 127: 2).
8- دانيال النبي والثلاثة فتية، مثال للإيمان المملوء بالسلام.
دانيال كان ينتظر أن يلقى في جب الأسود، ومع ذلك لم يفقد سلامه، ولم يفقد أيضًا شجاعته. واحتفظ بإيمانه، وصلي إلى الله إلهه بكل مجاهرة، وبلا خوف. في جب الأسود، كان قلب دانيال أقوى من قلوب جميع الأسود التي معه.. وكأنه يقول: وماذا إن ألقوني في جب الأسود؟ أليس الرب هناك أيضًا. أو ليس هناك ملاكه يسد أفواه الأسود.. وكذلك الثلاثة فتية ما خافوا من أتون النار. لاشك أن الإيمان يخلق في قلب كل شجاعة وجرأه، وينزع منه كل خوف.
9- وهكذا كان القديسون في طريقهم إلى الاستشهاد.
كانوا يغنون أغاني الفرح، ويسبحون الله، وهم في طريقهم إلى الموت. وما كان الموت يزعجهم، ولا العذاب. كان إيمانهم بالحياة الأخرى، وبالأبدية السعيدة، وبعشرة الرب في الفردوس، كل ذلك كان يملأهم سلامًا بل وفرحًا، بل أيضًا اشتياقًا إلى الموت، مغنين مع بولس الرسول "لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح. فذاك أفضل جدًا" (في 20: 23). إن الموت لا يخيف المؤمن، بل يفرحه..
10- في كل ضيقة وصعوبة وعقبة، المؤمن لا يخاف، ولا يفقد سلامه.
المؤمن ينتصر على العقبات، دون أن يخاف منها. يشعر أن الله سيحل الصعوبات التي تصادفه يتركه وحده فيها. أما غير المؤمن فربما الصعوبات تصيبه بالتردد والخوف. وبعدم إيمانه يجبن. بل عدم الإيمان قد يصور له صعابًا ومخاوف غير موجودة، كأن "الأسد في الطريق . الشبل في الشوارع" (أم26: 13). أما المؤمن فلا يخاف مطلقًا مهما صادفته المصاعب والمتاعب. إنه يلاقيها كلها في هدوء وفي اطمئنان واثقًا بعمل الله معه.
11- بهذا الإيمان والاطمئنان، وقف القديس أثناسيوس يحارب الأريوسية.
بكل ما كان للأريوسية من صلة بالإمبراطور، وتأثير عليه وعلى حاشيته. بل بكل ما كان لها أيضًا من تضليل للشعب، وضغط على الأساقفة وإقناع لبعضهم، وإثارة جو عام من الشك. حتى قيل لهذا البابا المؤمن:
[العالم كله ضدك يا أثناسيوس ] فأجاب [وأنا أيضًا ضد العالم ]
وهكذا لم ترهبه قرارات النفي من الأباطرة، ولا قرارات الحرم من بعض الأساقفة، ولا الشكوك المنتشرة في كل مكان، ولا الاتهامات الباطلة التي يلصقونها به. وإنما ظل يطوف من بلد، بكل ثقة، يعلم ويقنع، ويزيل الشكوك، ويثبت الناس في الإيمان، ويكتب الردود والمقالات، ويدحض براهين الأريوسيين.. إلى أن انتصر أخيرًا، الإيمان على يديه. وقال القديس جيروم:
[مر وقت، كاد فيه العالم كله أن يصبح أريوسيًا، لولا أثناسيوس ]
هذا هو الإيمان الذي لا يعرف خوفًا ولا اضطرابًا، ولا تهزه الأحداث، بل يحتفظ بسلامه وسط النيران المتقدة إلى أن يطفئها الله.. إن إيمان القديس أثناسيوس بالعقيدة التي كان يدافع عنها، منحه قوة جبارة، وقف بها ضد جميع المقاومات. وكل قوة أثناسيوس، إنما تكمن في إيمانه، الإيمان الذي يستطيع أن يصنع الأعاجيب.
12- بالإيمان بشر أناس بالمسيح في بلاد تأكل لحوم البشر ولم يخافوا.
ودخلوا في مجاهل أفريقيا، وفي الغابات، وفي مناطق خطرة حتى من جهة طبيعتها ومناخها أهلها. ولم يخافوا. إيمانهم بالله الحافظ لهم، أعطاهم قوة وشجاعة. وكذلك إيمانهم بخيرية وأهمية العمل الذي يقومون به، أهمية أن يوصلوا كلمة الله للنفوس التي هناك حتى لا تهلك في عدم إيمان. كل هذا أعطاهم قوة، ونزع الخوف من قلوبهم، فتمموا عملهم،ولم تثنهم عنه الغربة، ولا قسوة المناخ، ولا وحشية الناس، ولا خطورة الطبيعة..


13- بالإيمان أخذ أبونا نوح معه الوحوش في الفلك ولم يخف.
مادام الله قد قال له خذها معك اثنين، إذن فسيأخذها. والله الذي أصدر الأمر سيحفظه منها. وستكون معه كما كانت مع آدم في الفردوس، يعيش معها بلا خوف، وبكل سلام في القلب.. وقد كان. أبونا نوح كان مؤمنًا بكلمة الله له، لذلك لم يخف.
14- بل إن كل من آمن بفكرة، يعطيه الإيمان بها قوة لتنفيذها.
وهكذا كان المصلحون في كل زمان ومكان. آمنوا بفكرة، فجاهدوا بكل قوة لتنفيذها. وبسبب إيمانهم احتملوا الكثير من الضيق، حتى أكملوا عملهم. غاندي مثلًا آمن بحق الإنسان في الحرية، وآمن بسياسة عدم العنف. وأعطاه هذا الإيمان قوة عجيبة إستطاع بها أن يجرر الهند، وأن يعطى الحقوق للمنبوذين متساوين مع إخوتهم. واستطاع أن يحتمل الكثير لكي لا يسلك أتباعه بعنف، ولا يلاقون العنف بالعنف. إيمانه بالفكرة أعطاه القوة على تنفيذها، فكم بالأكثر بما لا يقاس: الإيمان بالله.
15- بل حتى الإيمان بالعلم يصنع الأعاجيب. مثال ذلك رواد الفضاء .
وأقصد كمثال إيمانهم بما قيل لهم عن منطقة انعدام الوزن. وكيف أن الإنسان فيها يمكن أن يمشى في الجو دون أن يسقط. من من الناس يجرؤ أن يمشى فى الجو دون أن يخاف. أما الذي جعلهم ينفذون ذلك فهو إيمانهم الأكيد ببحوث العلماء الذين قالوا بهذا. والإيمان يعطى قوة وشجاعة. فكم بالأكثر الإيمان بالله .
إن الفرق بين أشجع الناس وأخوف الناس، هو الإيمان.
إن الشخص الجريء هو الذي لديه إيمان، بأنه لن يحدث له ضرر ما، أو هو المؤمن بلزوم عمله وضرورته مهما حدث له، أو هو المؤمن بصفة الشجاعة وعدم الخوف. أما الجبان فهو على عكس هذا كله .
16- أيضًا الإيمان بالأبدية، يعطى الإنسان راحة وسلامًا.
إذ يوقن أنه لابد سينال حقه، إن لم يكن على الأرض، ففى السماء. ولا يكن مظلومًا هنا وهناك. كذلك سينال سعادته كاملة: ما لم يتحقق منها هناء، سيتحقق بكل تأكيد في النعيم الأبدي. وهكذا يعيش مرتاحًا، ولو كان مثل لعازر المسكين.
17- الإيمان بقوة الصليب، يمنع الخوف.
الذي يؤمن بالصليب وقوة الصليب وعلامة الصليب، كثيرًا ما يشعر باطمئنان إذ يحتمي وراء هذا الصليب. فإن تعرض لخوف أو خطر، ورشم ذاته بعلامة الصليب، يمتلئ قلبه سلامًا، ويحس أن قوة تحميه، وتمنع عنه الخوف، ويحس أن قلبه دخلته قوة لم تكن فيه من قبل وصارت له علامة الصليب سلاحًا.
وهناك إنسان آخر له إيمان كبير بفاعلية المزامير.
يتلوها في أي وقت، أوفي وقت الحاجة، فيشعر أن المزمور فيه قوة خاصة، تطمئن قلبه وتمنحه سلامًا. فإن كان خائفًا مثلًا، وتلا مزمور 91 ( الساكن في ستر العلى)، أو 23 (الرب ير عانى)، أو 27 (الرب نوري وخلاصي).. للوقت يشعر بسلام داخله، وبأن قوة المزمور قد حلت عليه. نحن نعرف أن المزامير قد بالروح (متى 22: 43، 44). وأنها كجزء من الكتاب، قالها داود مسوقًا بالروح القدس (2بط 1: 21). لذلك لها قوة بلا شك.
آخرون لهم إيمان في أرواح القديسين وعملها لأجلهم.
لذلك يشعرون بسلام، حينما يطلبون صلاة ومعونة قديس يحبونه ويثقون بدالته عند الله. أذكر بهذه المناسبة راهبًا أثيوبيًا متوحدًا، كان يعيش في مغارة في وادي النطرون. في إحدى المرات ضل طريقة بالليل، إذ كان يشكو وقتذاك من ضعف في بصره. وأقبل عليه الليل والظلام. فرسم دائرة واسعة على أرض الصحراء، وحوطها بعلامة الصليب من كل ناحية، ونام داخلها. وفي الصباح رأى آثار الدبيب والحيوانات خارج الدائرة، ولم تستطيع أن تدخلها لتؤذيه. أتذكر منذ زمن طويل، أنني كنت مسافرًا في سفينة، وقد هاجت الأمواج جدًا عليها، وخاف الركاب. ونظرت فرأيت من بين الركاب معنا إنسانًا طيبًا جدًا كنت أثق كثيرًا بقداسته. فاطمأن قلبي. وقلت في داخلي "من المحال يسمح الله بغرق السفينة، وفي داخلها هذا الإنسان الطيب الذي يحب الله". ونجت السفينة فعلًا، ولم يحدث لها أي ضرر. لقد كان مجرد وجود هذا الإنسان الطيب سببًا في السلام وتقوية الإيمان. وربما كان هذا شعور ركاب آخرين.. إن القصص الاختيارية في هذا المجال، لا تدخل تحت حصر. وكلها تقوى الإيمان. ولكنى لست أرى الآن مجالها..
نكتفي بهذا الجزء وندخل في علامة أخرى من علامات الإيمان..

Mary Naeem 28 - 12 - 2013 05:31 PM

رد: كتاب حياة الإيمان
 
علاقة الإيمان بنقاوة القلب
لاشك أنك تخجل أن تخطئ أمام إنسان بار تحترمه.
وقد تكون في حضرته في منتهي الحرص، تستحي من أن ترتكب شيئًا مشينًا أمامه. لا تحب أن يأخذ عنك فكرة سيئة، أو أن تسقط من نظره. بل قد تحترس أيضًا من الخطأ أمام أحد خدمك أو مرءوسيك، لئلا يحتقرك في داخله، أو يقل احترامه لك..
لذلك فغالبية الخطايا في الخفاء، إما بسبب الخوف أو بسبب الاستحياء. هكذا قيل عن الخطأة إنهم (أحبوا الظلمة أكثر من النور لأن أعمالهم شريرة) (يو19:3). وقال الرب عن أعدائه المتآمرين عليه (هذه ساعتكم وسلطان الظلام) (لو35:22).
فإن كنت تخجل أو تخاف من إنسان يراك، فكم بالأولي الله؟
فإن آمنت تمامًا بأن الله موجود في كل مكان أنت فيه، يراك ويسمعك ويرقبك، فلا شك سوف تخجل أو تخاف من أن ترتكب أي خطأ. أمام الله. ولهذا فإن القديس يوسف الصديق عندما عرضت عليه الخطية، رفض الخطية قائلًا: (كيف أفعل هذا الشر العظيم واخطئ إلى الله) (تك9:39).


اعتبر أنه أخطأ إلي الله. كسر لوصاياه. وعدم احترام له، إذ يفعل الشر قدامه بلا حياء.. فهل عندك هذا
الشعور؟ هل تضع الله أمامك في كل خطية تحارب بارتكابها. وهل تذكر ما قاله الرب لكل ملاك من ملائكة السبع (في سفر الرؤيا). إذ قال لكل منهم :.
(أنا عارف أعمالك) (رؤ2:2، 9، 13، 19، رؤ1:3، 8، 15).
لو عرفت هذا ستخجل وتخاف، وتمتنع عن الخطية، لأن خوف الله سيكون أمام عينيك باستمرار في كل مرة تحاول أن تخطئ.
بل إنك تشعر بالاستحياء من أرواح الملائكةوالقديسين.
إن كنت أؤمن من كل قلبك أن ملائكة الله حالة حولنا (مز7:34). وأننا (صرنا منظرًا للعالم، للملائكة والناس) (1كو9:4).. حينئذ لابد ستخجل من الملاك الذي حولك، والذي لقداسته لا يحتمل رؤية بعض الخطايا فيتركك وكذلك لابد ستخجل من أرواح القديسين ومن أرواح أقربائك ومعارفك.. وبهذا الخجل تبعد عن الخطية، وتقتر إلي حياة النقاوة..
وإن كنت تؤمن أن الله قدوس، ستخشي أن تظهر نجاساتك أمام هذه القداسة غير المحدودة. وفي كل مرة تقول في صلاتك (قدوس قدوس قدوس) ستشعر في داخلك بخزي عظيم علي الماضي، ولا تجرؤ علي ارتكاب الخطية في المستقبل. إن أشعياء النبي عندما سمع السارفيم يسبحون الرب بهذه التسبحة (قدوس) صرخ قائلًا (ويل لي قد هلكت. لأني إنسان نجس الشفتين) (أش6: 3،4).
إن كنت تؤمن أن الله فاحص القلوب وقارئ الأفكار..
وأنه يعلك كل ما يخطر علي فكرك وفي قلبك من مشاعر وخطط وتدابير، حينئذ كنت تخاف من معرفته لدواخلك وتخجل من قدسيته، وتبتعد عن هذه الأفكار والمشاعر، فتصل إلي حياة النقاوة.
لعلك تقول:
أنا أؤمن بكل هذا: أؤمن أن الله موجود، وأنه ير كل شيء ويسمع، وأنه يفحص القلوب ويقرأ الأفكار. ومع ذلك أنا لا أزال في أخطائي. أجيبك علي هذا بأنه:
ربما تؤمن بكل هذا نظريًا. ولكنك لا تحيا حياة تليق بإيمانك ..
إن، الذي يحيا في هذا الإيمان بأن الله يراه، والملائكة تراه، وأرواح المنتقلين تراه. عمليًا لو وضع هذا الفكر في قلبه، لكان يخجل، وتصغر نفسه في عينيه، ولا يجرؤ أن يكمل خطاياه. ولكن علي رأي أحد الآباء -كما ورد في بستان الرهبان- كل خطية يسبقها إما الشهوة، أم التهاون، أو النسيان.
لعل الإنسان يكون أثناء الخطية ناسيًا الله وملكوته.
ولعله يكون ناسيًا أنه صورة الله ومثاله، إن كان يؤمن حقًا بهذا. ولعله يكون ناسيًا أيضًا كل وصايا الله، وكل إنذاراته، مع أنه نظريًا يؤمن بكل هذا، ولكن لا يحياه. هو كما قلنا: له اسم المؤمن، وليس له حياة المؤمن..
لذلك: إن كنت تؤمن بالأبدية، فضع الأبدية أمامك لكي لا تخطئ .
عن الذي يؤمن حقًا بأن الموت يأتي كلص (1تس2:5) والذي يؤمن بأن الله عادل. ولقد قال إنه سيأتي ليجازي كل واحد حسب أعماله (رؤ12:22). والذي يؤمن بالحياة بعد الموت، والدينونة، والثواب العقاب،والوقوف أمام الله في ذلك اليوم الرهيب الذي فيه تفتح الأسفار، وتكشف النيات والأفكار، وتعلن كل أعمال بني البشر أمام الكل. الذي يؤمن بهذا حقًا إيمانًا عمليًا، من الصعب عليه أن يخطئ، بل يجد رادعًا داخله يثنيه، خوفًا وخجلًا.. وتراه دائمًا يستعد لملاقاة الرب في ذلك اليوم..
ولماذا أتكلم عن الدينونة، إني أقول من ناحية أخري:
إن كنت تؤمن بمحبة الله، فإنك تخجل أن تجرح محبته.
كثيرًا ما تقول (الله محبة) (1يو4: 8، 16). ولكنك أثناء الخطية، لا تكون في حالة إيمان عملي بمحبته. بل ربما لا تكون هذه المحبة في فكرك إطلاقًا. أم كنت تؤمن حقًا بأن المحبة هي الرباط المقدس الذي يربطك بالله، فكيف يمكن أن تخطئ؟ (المولود من الله لا يخطئ) (1يو9:3).
بل أنت لا تخطئ، إن كنت تؤمن بالفضيلة كمنهج حياة.
كثيرون يتحدوثون عن الفضيلة، ويدعون الآخرين إليها، ويمجدونها كثيرًا. ولكنهم لا يجبونها., لا يؤمنون عمليًا بأن تكون الفضيلة هي منهج حياة لهم. وإن آمنوا بذلك عمليًا لعاشوا في حياة النقاوة، منكتين أنفسهم بشدة علي كل ضعف..
أيضًا الذي يؤمن بفناء هذا العالم، يزهده ولا يخطئ.
مثلما كان يقول داود النبي (غريب أنا علي الأرض، فلا تخف عني وصاياك) (مز19:119). (غريب أنا عندك، نزيل مثل جميع آبائي) (مز12:39). وهكذا عاش رجال الإيمان في كل جيل (أقروا إنهم غرباء ونزلاء علي الأرض.. يبتغون وطنًا أفضل.. سماويًا) (عب11:13،16) زهدوا كل شيء في هذه الدنيا وأطاعوا قول الرسول) (لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم. لأن العالم يمضي وشهوته معه) (1يو2: 15،17).
وبهذا الإيمان عاشوا في العالم، دون أن يعيش العالم فيهم.
وكان هؤلاء (الذين يستعملون العالم، كأنهم لا يستعملونه) (1كو31:7).وبهذا الإيمان علي نطاق أكبر عاش الرهبان والمتوحدين وسكان الجبال زهد ونسك (وهم لم يكن العالم مستحقًا لهم، تائهين في براري وجبال وشقوق الأرض) (عب38:11) وشهد لهم بالإيمان..
وهكذا يفعل الإيمان، في تنقية القلب. وكما قال الرسول:
(هذه هي الغلبة التي تغلب العالم، إيماننا) (1يو4:5).
إيماننا بأن يعيش علي الأرض (غير ناظرين إلي الأشياء التي تري، بل إلي الأشياء التي لا تري. لأن التي لا تري وقتية، أما الني لا تري فأبدية ) (2كو18:4). نعم إن الإيمان بفناء العالم، هو الذي يجعلنا نغلب العالم، ونتنقى من العالم وما فيه.
إن الإيمان بالأبدية، يعطي الإنسان يقظة في ضميره.
وهكذا يكون له باستمرار ضمير حي: يحكم علي كل عمل، ليس فقط من جهة نجاحه أو فشله، أو من جهة نتائجه في حياتنا الحالية. وإنما يحكم علي الأمور بمنظار الأبدية. لأن كل تصرف يتصرفه، له داخله في مصيره الأدبي، وبرما في مصائر الناس. فكل خير يعمله محفوظ له في السماء . وكل خطأ يقترفه في حق الناس أو في حق نفسه، سيعطي عنه حسابًا في يوم الدين.
وأيضًا الإيمان بوجود الله أمامنا، يمنح القلب اتضاعًا.
يمنحه اتضاعًا في القلب، واتضاعًا في التصرف. ويمنحه خشية وخشوعًا لأنه واقف أمام الله. مثلما قيل عن القديس بطرس، إذ كان يصيد (بعد القيامة)إنه لما عرف أن الرب قد أتي (أئتزر بثوبه، لأنه كان عريانًا) (يو7:21).
في حضرة الرب يقف كل إنسان في خشوع. وبقدر إحساسه بوجود الله، علي هذا القدر يكون خشوعه. وهكذا يختلف الناس في شعورهم أثناء الصلاة، فمنهم من يركع ومن يسجد، أمام عظمة الله غير المحدودة. أما الذي يكون جالسًا أثناء الصلاة، فماذا أقول عنه؟
والإحساس الدائم بوجود الله -حتى في غير وقت الصلاة- يجعل الإنسان في اتضاع دائم، لأن العظمة هي الله وحده. وتعاظم الإنسان عمل ضد الإيمان..
لذلك فنحن نري الملائكة القديسين في هذا الخشوع الدائم.
يقول الكتاب عن طغمة السرافيم (لكل واحد ستة أجنحة: باثنين يغطي وجهه، وباثنين يغطي رجليه، وباثنين يطير) (أش2:6). فإن كان الملاك الساراف، يغطي وجهه ورجليه في حضرة الله، من بهاء عظمة الله، فماذا نقول نحن؟ وكيف ينبغي أن نكون خاشعين وفي أتضاع قدامه..
إلي هذه الدرجة نري الإيمان ينقي القلب، ويمنحه خشية وحياء واتضاعًا..
فالذي يؤمن بأهمية الله بالنسبة إليه، يخشي من اقتراب الخطية، لأنها انفصال عن الله. وما أخط أن ينفصل إنسان عن الله.
أما الذي لا يؤمن بخطورة الخطية، وبخطورة نتائجها الروحية، فإنه يتساهل معها ويسقط، ويفقد نقاوته. أنظر مدي شعور داود بخطورة الخطية حينما قال الرب (لك وحدك أخطأت، والشر قدامك صنعت) (مز51). وانظروا إلي يوسف الصديق، إذ يؤمن أنه حينما يخطئ إلي أحد، إنما (يخطئ إلي الله) (تك9:39).
كل هذه المشاعر الإيمانية إما إنها تجعل الإنسان يمتنع عن الخطية مثل يوسف أو ينسحق بعدها مثل داود. وكلا الأمرين من علامات نقاوة القلب.

Mary Naeem 28 - 12 - 2013 05:34 PM

رد: كتاب حياة الإيمان
 
بساطة الإيمان
بساطة الإيمان، كثير من المفكرين يشتهونها ولا يجدونها.
مر أحد الفلاسفة علي فلاح بسيط، يصلي في حرارة شديدة وهو ساجد في خشوع، يكلم الله بلجاجة ودالة، كأنه واقف أمامه.. فقال: أنا مستعد أن أتنازل عن كل فلسفتي، مقابل أن أحصل علي شيء من إيمان هذا الرجل البسيط، الذي يكلم من لا يراه، بكل هذه الثقة..
لقد شعر الفيلسوف بأن هذا الرجل البسيط، يمتلك شيئًا ثمينًا لم يستطع هو بكل فلسفته أن يحصل عليه.. وهو الإيمان.
بساطة الإيمان (تصدق كل شيء) يختص بالله، ويقبله لا فحص وبلا جدال.. أعني ذلك الجدال الذي يشتهر به العقلانيون..
وهذه البساطة تذكرنا بإيمان الأطفال، الذين يؤمنون بكل الحقائق اللاهوتية والروحية، في ثقة كاملة لا تشك ولا تكذب، ولا تقدم أي اعتراض من العقل. ولعل هذا من الأسباب التي دعت السيد المسيح يقول لتلاميذه (إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأطفال، فلن تدخلوا ملكوت السموات) (مت3:18). قد يكون إيمان الطفل أكثر براءة وبساطة وصدقًا. إيمان حقيقي لا شك فيه. ليت إيمانك يكون قويًا، كإيمان طفل.
أنا لست أوافق الذين يقولون إن الأطفال غير مؤمنين..
هوذا بولس الرسول يقول لتلميذه تيموثاوس (إنك منذ الطفولية تعرف الكتب المقدسة القادرة أن تحكمك للخلاص، بالإيمان في المسيح يسوع المسيح) (2تي15:3). وما أعظم امتداح الرب للطفل الذي أممه وسط تلاميذه (مت17: 2،3).
الذي يسلك في بساطة الإيمان، يعيش بعيدًا عن تعقيدات العقل.
ويعيش بعيدًا عما يقدمه العقل من شكوك وأفكار، وربما من أضاليل. حقًا إن العقل من الله. ولكنها كثيرًا ما تضل إن تعدت عن الإيمان.
الإيمان هو نوع من التجلي، يقدمه الله للعقل لكي يستنير .
وإن وقف العقل وحده، فإنه يتعب صاحبه بأفكاره.. لو كان الصبي داود يعتمد علي عقله وفكره لخاف من جليات مثلما شاول وكل الجيش ولكنه أعتمد علي الإيمان البسيط، الذي قال به جليات (اليوم يحسبك الرب في يدي) (1صم46:17) ولكن كيف يحسبه الرب في يده؟ هذا شيء لم يفكر فيد داود، وإنما تركه إلي الله نفسه، لأن الحرب للرب ما قال (1صم46:17). هذا هو الإيمان. وبه انتصر داود أكثر من الذين كانوا يستخدمون العقل ميزانًا للأمور..
في الإيمان البسيط، المسألة ليست تفكير، إنما مسألة ثقة.
وحتى إن قال العقل إن الحرب لابد أن تبحث ما مدي توازن القوي في القتال، وكيف تتفوق إحداها؟ فالإجابة بسيطة: هي أن الله إذا دخل المعركة فإنه سيغير الفكرة البشرية عن ميزان القوي، فيصبح الطفل داود ومعه قوة الله أقوي بكثير من جليات الجبار بدون هذه القوة. وهنا نري أن الإيمان مع بساطته لا يتعارض من العقل وموازينه..
الذي يحيا بالإيمان البسيط، يعيش بلا هم.
لأن الهم غالبًا ما يأتي نتيجة التفكير الكثير، الذي يفكر في المشاكل بطريقة عقلانية. ولكن في بساطة الإيمان يعمل الإنسان ما يستطيعه، ويترك العنصر الأهم لله نفسه، ولا يحمل همًا. وإيقانه بأن الله يعمل، يعطيه سلامًا في القلب، ولا يسمح للهم بالسيطرة علي مشاعره.
الذي له الإيمان البسيط لا يحمل همًا، لأنه قد ترك تدبير أموره إلي الله. وإذ وثق بحسن تدبير الله لحياته، صار لا يهتم بالغد، لأن إله الغد هو المهتم به. وكل ما يحدث له في حياته يتلقاه بعبارة (كله للخير)
(كل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبون الله) (رو28:8).
أما الذي يضع تفكيره مكان التدبير لإلهي، فإنه يتعب كثيرًا ويحمل همومه بدلًا من ان يحملها الله عنه
كذلك مما ينزع الهم، ثقة الإيمان البسيط باستجابة صلاته.
ولعلك جميعكم تعرفون قصة تلك البلدة التي أتعبها الجفاف لعدم سقوط المطر فقر أهلها إقامة يوم للصلاة من أجل ان يسقط الله مطر علي الأرض. وذهب الكل لكي يصلوا. ولكن طفلة ذهبت وهي تحمل معها مظلة (شمسية) فلما سألوها عن ذلك، قالت: أننا سنصلي من أجل المطر؟ ماذا نفعل إذن، حينما يستجيب صلاتنا ويسقط المطر، وليست معنا شمسيات؟! لقد كان لها الإيمان باستجابه الصلاة. ومن أجل إيمانها انزل الله المطر.
هذا الإيمان البسيط، له قوته بالنسبة إلي المعجزات والرؤى.
لقد حدث المعجزة بالنسبة إلي شخص، ولا تحدث بالنسبة إلي شخص آخر لأن الأول في بساطة الإيمان يصدقها ويقبلها. أما الآخر فإن الصعوبات التي يقدمها عقله، تجعله يشك في داخله من جهة إمكانية حدوثها.
ونفس الوضع يحدث بالنسبة للرؤى. البعض يري المناظر الإلهية والاستعلانات ببساطة إيمان. والبعض لا يراها بتعقيدات عقله. والأمر واضح جدًا كما حدث في ظهور السيدة العذراء بكنيستها في الزيتون بالقاهرة.
العقل يحاول أن يحلل كل شيء علميًا، وإلا فإنه لا يصدق. بينما الإيمان يحتاج إلي تصديق، في بساطة بعيدة عن تعقيدات العقل..
لذلك فالمعجزات والرؤي تحدث بالأكثر مع البسطاء. أما (العقلاء كثيرًا). الذين ينكرونها ويستهزئون بمصدقيها، فإنها لا تحدث لهم إلا نادرًا، لكيما تجذبهم إلي الإيمان، أو لتكون شاهدًا عليهم (يو22:15).
أن اليهود لم يصدقوا حتى معجزة منح البصر للمولود أعمي، وقالوا له إن الذي شفاه رجل خاطئ!!(يو24:9). كان العقل يضع أمامهم مشكلة الشفاء في يوم السبت، لكي يضيع بها إيمانهم (يو16:9).
لذلك حسنًا قال السيد المسيح عن هؤلاء وأمثالهم، وممجدًا للبسطاء )أحمدك أيها الآب.. لأنك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء. وأعلنتها للأطفال) (مت25:11).
حقًا هؤلاء الأطفال يقصد بهم البسطاء في إيمانهم. أما هؤلاء الحكماء والفهماء في هذه الآية، فهم المعتزون بإدراكهم وفهمهم، والمعتمدون علي عقلهم وحده بعيدًا عن الإيمان. حتى أن بعض الروحيين أمسك رأسه بين يديه وقال (أن هذه هي الثمرة التي أكل منها آدم وحواء).. يقصد المعرفة البعيدة عن الله....
في إحدي الليالي، قبل رهبنتي، كنت راجعًا من زيارة أحد الآباء في الجبل. وكان الظلام قد أنتشر فقيل لي (لا ترجع وحدك إلي الدير لئلا تضل الطريق) وكنت أعرف الطريق جيدًا. وأؤمن بإرشاد الله فيه، ومع ذلك قلت (إن ضللت طريقي، سأبيت في الصحراء حتي الصباح. وكنت مؤمنًا من أعماق بستر الله في هذا، وبخاصة لأن كثيرًا من الأعراب يبيتون في الصحراء بلا خوف، ولكن قيل لي أنك بسيط أزيد مما يجب، ولا تعرف الجبل. لأن الجبل مملوء بالحشرات والدبيب، وهناك خطر الوحوش أيضًا، وأخطار أخري من جهة الجو.. وظل (العقل). ينصب في أذني، ليزيل ما في قلبي من بساطة الإيمان. ورجعت ليلتها إلي الدير مع أحد الآباء. ولم يعطني (العقل) وقتذاك فرصة أختبر فيها عمل الله مع السائرين ليلًا في الصحاء، ولا حتى اختبار الإعرابي الذي يبيت كل ليلة هناك، وتبيت معه عناية الله وستره..
أشكر الله إنني عوضت ذلك فيما بعد حينما سكنت في الجبل وحدي.
إن العقل يمكنه يصور خطورة في كل مكان. وفي نفس الوقت لا يعطي مجالًا للتفكير في عمل الله. ووعلي العكس يطرح غير المؤمن في عقدة الخوف.
ليس معني هذا أن يلقي الإنسان بنفسه في التهلكة، بلا حكمة. وإنما إذا أحترس بقدر طاقته، ثم وجد فيما يسمونه خطرًا، فحينئذ بكل بساطة يثق في حفظ الله وستره. ويغني مع داود النبي (يسقط عن يسارك ألوف، وعن يمينك ربوات. وأما أنت فلا يقتربون إليك) (مز91).
الإيمان البسيط يثق بأن يد الله تتدخل للإنقاذ ولحل كل مشكلة.
هو يثق تمامًا أن الله كمحب للبشر، وكصانع للخيرات، لابد سيتدخل في المشكلة -حسب وعوده لأولاده- وتمتد يده لحلها.
أما كيف يحدث هذا؟ فهذا ما لا يسأل عنه الإيمان البسيط.
إنه يتقبل عمل النعمة في بساطة، دون أن يفحص كيف تعمل.
وكم من مرة حاولنا أن نحل مشاكلنا بطرق بشرية . ثم فشلت هذه الطرق جميعها. ولم تأت بنتيجة. وكانت بصمات الله واضحة، فوق كل فكر.
الإيمان البسيط يثق بعمل الله، عقيديًا، وعن طريق الخبرة.
إيمان يدخل الإنسان في دائرة الاختبارات. والاختبارات تعمق الإيمان وتنبيه علي أسس واقعية وليس علي مجرد أسس نظرية. والإيمان والاختبار يقولون بعضهما بعضًا. حتى يصل الإنسان إلي يقين بديهي وهو بساطة الإيمان.
الإيمان البسيط يثق أن كل شيء مستطاع، وليس هناك مستحيل.
إنه يوقن تمامًا أن الله قادر علي كل شيء، ولا يعسر عليه أمر (أي2:42). مهما كان صعب الفهم أو صعب الحدوث. إنه بقول الرب (غير المستطاع عند الناس، مستطاع عند الله (لو27:18).
وأنا لا تدهشني عبارة (كل شيء مستطاع عند الله) إنما تذهلني عبارة (كل شيء مستطاع للمؤمن) (مر23:9).
وهكذا فإن الإيمان البسيط الموقن بهذا، يرتفع فوق كل الشكوك.
إنه إيمان قوي، أقوي من كل شط. لأن الشكوك هي من عمل العقل، والعقل معتز بمقاييسه. أما المؤمن اجتاز مرحلة العقل، وعاش في مجال ا‘لي منها وأعمق. فأعلي من الشكوك توجد بساطة الإيمان.
مشكلة الدين، أن البعض يحاول أحيانًا أن يحوله إلي فلسفه، وإن يخرجه من القلب، ومن الروح ليحصره في نطاق العقل.
وهذا هو الأمر الذي حاربه القديس بولس الرسول بكل قوته، فقال إن كرازته كانت (لا بحكمة كلام، لئلا يتعطل صليب المسيح ) (1كو1: 17-20).
يقينًا أن المؤمن البسيط، الذي يكتنز إيمانه في أعماقه، فوق مستوي الفحص هو أقوي إيمانًا من بعض علماء اللاهوت، الذين يستمدون إيمانهم من الكتب التي يظنون أن أهم فيها حياة.. وقد يكون إيمانًا يمكن أن تزعزعه أفكار عقلية مضادة..
درب نفسك علي حياة الإيمان البسيط. وانتفع بما مر في حياتك أو حياة غيرك من خبرات. ولا تجعل كثرة التفكير تبعدك عن الإيمان!

Mary Naeem 28 - 12 - 2013 05:37 PM

رد: كتاب حياة الإيمان
 
حياة التسليم
إن الذي يؤمن بمحبة الله له، وسهره علي راحته، وبحكمة الله وحسن تدبيره لحياته، وبأن الله صانع الخيرات، يعمل لأجله كل خير. هذا يمكنه أن يسلم حياته لله، يديرها كيفما يشاء.
بهذا الاقتناع يحيا باستمرار في طاعة الإُيمان.
إنه يسلم حياته وهو مطمئن وسعيد..
أما الذي لا يحيا في حياة التسليم، فإنه علي عكس يعيش قلقًا علي حياته ويظل يفكر: ماذا أكون؟ وكيف أكون؟ ومتى أكون؟ وهل ينبغي أن أغير ما أنا فيه؟ وبأية وسيلة؟ أم أظل كما أنا؟ ويتعبه التفكير، وغالبًا ما يفقد سلامه ويظل في سعي مستمر، ومناقشة الأمور مع نفسه، إلي غير نهاية. ولا يفكر مطلقًا أن يستريح، ويترك الأمر لله مثل رجل الإيمان.
الإنسان المؤمن عندما يسلم حياته، لا يشترط عليه شروطًا، ولا يطلب منه ضمانات، ولا يراقب الله في عمله معه.
إنه واثق بالله كل الثقة، في محبته، وفي حكمته، وفي قدرته. مؤمنًا أن الله يعرف ما هو الخير له أكثر مما يعرف هو. لذلك يسلم حياته في يد ى الله، وينساها هناك. وهكذا نراه لا يحمل همًا. مادام هو مؤمنًا بعمل الله من أجله. لا يمكن أن يقلق ويهتم، ولا يمكن أن يتعب نفسه بالتفكير. فالمؤمن يحيا في راحة، أكثر من الذي يفكر لنفسه ويتعبه تفكيره..
كثيرون لا يقبلون التسليم لله، إلا إذا فشلت طرقهم البشرية!
منهجهم الأساسي هو الاعتماد على الذراع البشرى كل الاعتماد: إما اعتدادًا بذهنهم وقدراتهم وحيلهم، أو لتعودهم هذا الأسلوب، أو لخطأ عقيدي عندهم، أو اقتناعًا بأن الله لا يلجأ إليه الإنسان إلا في حالة العجز والفشل الكاملين! حينئذ يأتون إلى الله، لأنهم جربوا حيلة وكل وسيلة وما وصلوا إلى غايتهم، ولأن فكرهم تعب وأنهك بلا فائدة. فلم يبق سوى الله!
ليس هذا هو الإيمان، إنما هذا هو الاضطرار إلى الله.
الإيمان هو أن تلجأ إليه في الصغائر، كما تلجأ إليه في الكبار.
قال السيد المسيح "بدوني لا تقدرون أن تعلموا شيئًا" (يو 15: 5). ذلك لأن كل طاقة لنا هي من عنده.. حتى الفكر الصائب، وحتى مجرد الإرادة الطيبة، وحتى القدرة على العمل. وذكاؤنا هذا الذي نعتمد عليه، هو أيضًا من عنده. وما أصدق قول الرسول "لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا لأجل تعلموا لأجل المسرة" (فى 2: 13).
إن عملنا فى الواقع، هو أن نشترك مع الله،في عمله لأجلنا.
وهذه هى شركتنا مع البيعة الإلهية، شركتنا مع الروح القدس: نشترك مع الله في العمل. كما قال القديس بولس الرسول عن نفسه وعن زميله أبولس "نحن عاملان مع الله" (1كو3: 9). وكل عمل لا يشترك الله معنا فيه، لا يكون عملًا مقدسًا، ولا عملًا مباركًا. وتسليمنا الإرادة لله، هو نوع من الشركة معه، نكون فيه كآلات طَيِّعَة بين يديه تعمل مشيئته. هو يسيرها كيفما يشاء. وهى تعمل بفكره وإرادته، أو بتسليم إرادتها لإرادته، كشركة الحواس مع المخ
إن أخطر ما يهدد الحياة الروحية، هو استقلال الإنسان عن الله.
وهذه هي الخطية الكبرى التي وقع فيها شاول الملك فرفضه الله (1صم 16). كان يعمل بفكره وبتدبيره، بعيدًا عن مشورة الله وعن شركته. ولا يرى أنه محتاج إلى أن يشترك الله معه في العمل. وكأنه يقول: مادمت أستطيع أن أعمل هذا العمل، فسأعمله، بكل قوة، وبكل سرعة، وحتى بدون صلاة.. لأن إرادتي وحدها هي التي سوف تعمله..! وبدون اعتماد على الله. وإن فشلت، ألجأ إليه! مادام الله قد وهبني عقلًا وإرادة، فلماذا لا أستخدمهما؟!.. وكثيرون مثل شاول..
الله قد وهب البشرية العقل والإرادة. ولكن ليس لتستقل عنه!
وليس لكي تعتد بذاتها. فالكتاب يقول "وعلى فهمك لا تعتمد" (أم 3: 5). ولنتذكر أن خطيئة الإنسان الأول، كانت محاولته الحصول على المعرفة بعيدًا عن الله (تك 3 ) ومتى بدأ الإنسان يقول "أنا أعرف، وأنا أقدر، فما الحاجة في هذا الأمر إلى الله؟! "يكون حينئذ قد بعد عن الإيمان بالله بالأنا (الذات) الـEgo..
أما المؤمن فلا يكتفي بالاعتماد على الله، بل يسلمه كل شيء..
ويقول له: حياتي هي صنع يديك، وهى الآن بين يديك، افعل بها ما تشاء. حيثما تسيرني أسير، وكيفما تصيرني أصير. أنا ليست لي إرادة خاصة، فإرادتي الوحيدة هي أن أصنع إرادتك، وأن أتحد بإرادتك، فأريد ما تريده أنت، أنت يا صانع الخيرات.. لست أقول عن شيء إنني أعرف. فكل معرفة الإنسان هي جهالة عند الله (1كو 1: 20). المعرفة الحقيقية هي من عندك يا رب وحدك. أنت هو الحكمة (1كو 1: 24). أنت "المذخر فيه كل كنوز الحكمة والعلم" (كو2: 3).
ولأنني أعترف أنني لا أعرف لذلك سلمت حياتيفي يديك.
أنت تعرف الخير أكثر مما أعرفه. وأنت تعرف الخير لي أكثر مما أعرفه لنفسي. وأنا واثق بحكمتك وبحسن تدبيرك لحياتي. حتى إن شئت لي التجربة أو الضيقة، فأنا أقبلها باعتبار أنها خير خالص هو من يديك. ولولا ذلك ما كنت أنت المحب ترضاها لي. حقًا في حالات كثيرة، لا تعرف أين هو الخير!
إن حياة التسليم لا تعرف الشكوى ولا التذمر، بل تقبل كل شيء برضى وفرح..
مادمت يا أخي تثق بحكمة الله في تدبيرك، فلماذا إذن أنت تشكو أو تتذمر أو تتضجر. إذا دخل التذمر إلى حياتك، فافحص نفسك جيدًا، لئلا يكون إيمانك قد ضعف وأنت لا تدرى.
الذي يحيا حياة الإيمان والتسليم، يحيا دائمًا في فرح وفي شكر.
إنه لا يشكو بل يشكر، الابتسامة لا تفارق شفتيه، والبشاشة لا تفارق وجهه، والفرح لا يفارق قلبه . إنه يؤمن بحكمة الله ومحبته. ويؤمن أن مشيئة الله دائمًا صالحة ومفيدة. وهو يخضع لمشيئة الله في فرح..
لا يخضع لمشيئة الله في تغصب واضطرار. وكأن قلبه يقول لله: "ماذا أفعل يا رب؟ أنت هو القوى وأنا الضعيف. وكل ما تعمله أنا أقبله. وأنا منتظر نهاية هذا الأمر..!!". لا شك أن هذا كلام إنسان متعب في داخله، يتكلم بكلام تذمر في أسلوب تسليم. وليس التسليم هكذا..
إذن ما معنى "لتكن مشيئتك" في حياة الإيمان وحياة التسليم؟
الإنسان المؤمن يقول يقول في رضى قلبي كامل: أنا يا رب خاضع لمشيئتك، لأني أحب مشيئتك من أعماقي، وأثق بك وبها. مشيئتك هذه أصلحت أفكاري، وأصلحت أحكامي على بعض الأمور، وعدلت مساري وطريقي.. ما أجمل طرقك يا رب "ما أبعد أحكامك عن الفحص، وطرقك عن الاستقصاء" (رو11: 33). مشيئتك هذه هي أجمل أغنية في فمي، وأحلى الأخبار في أذني. فلتكن مشيئتك إذن، لأنه لا توجد مشيئة أخرى أيًا كانت أصلح منها. إلى جوارها أشعر بجهالة أية مشيئة تتعارض معها، سواء كانت لي أو لغيري..
ليست حياة التسليم، هي الخضوع لسياسة الأمر الواقع، دون اقتناع!
وليست هي الخضوع لسياسة الضغط الإلهي (!) الذي يفرض سلطانه عليك فرضًا! وأنت مضطر أن تخضع له سواء أردت أو لم تردد!! لا يا أخوتي، ليس هذا هو معنى عبارة "لتكن مشيئتك ". فحياة التسليم تعلمنا أن نشعر بأن مشيئة الله هي الخير الكامل، وهى أصلح ما يصلح لنا، وهى سبب فرحتنا وبهجتنا، ولهذا كان داود النبي يتغنى بأحكام الله. ويقول للرب: أحكامك هي درسي. أحكامك هي لذتي. أنا أتأمل أحكامك وأدرسها (مز119) .
التسليم لله ينبغي أن يكون تسليمًا حقيقيًا، وليس حسب الظاهر.
البعض يظن أنه يسلم حياته لله، بينما يفرض على الله خططه!
كلما يتصرف الله في حياته، يحاول أن يستوقف الله، ويقول له: انتظر يا رب لأرى ما أنت فاعل بي. لا يصلح هذا الأمر. اعمل كذا وكذا لأستريح. وهكذا يود أن يشتغل عند الله وزير تخطيط. هو يخطط، والله ينفذ!! كلا، ليس التسليم هكذا، إنما هو أن تترك الله يعمل حسبما يشاء، وترضى بما يعمل. ولا تقاوم خطط الله بتصرفاتك. لا تقاوم مشيئة بما تعمله حسب هواك..
الإنسان المؤمن يترك التدبير الله. ولا يقبل أن يدبر نفسه بنفسه.
ماذا كانت خطية أبينا آدم سوى أنه بدأ يدبر نفسه: كيف يصل إلى المعرفة؟ كيف يصير مثل الله؟ كيف يكون نفسه ويبنيها.. وهكذا سقط.
وخطية الشيطان، هي أنه بدأ يدبر نفسه، ويبنيها ويكبرها حسب هواه!
"أصعد إلى السموات. أرفع كرسي فوق كواكب الله.. أصعد فوق مرتفعات السحاب. أصير مثل العلى" (أش 14: 13، 14). إنها خطط تشبه أحلام اليقظة، رسمها الشيطان لنفسه "فانحدر إلى أسافل الجب".
وبالمثل الذين بنوا برج بابل، جلسوا يخططون لبناء أنفسهم، ففشلوا.
قالوا "هلم نبن لأنفسنا مدينة وبرجًا رأسه في السماء. ونصنع لأنفسنا اسمًا لئلا نتبدد على وجه الأرض" (تك11:4). فكان تخطيطهم ضدهم. وما خشوه، هو الذي صاروا إليه "فبددهم الله على وجه كل الأرض" (تك11: 9). أما الإنسان الروحي فلا يفعل هكذا، بلفي حياة التسليم يقول:
"إن لم يبن الرب البيت، فباطلًا يتعب البناءون" (مز127:1).
الله هو الذي يبنينا وليس نحن. إذن نسلمه أنفسنا ليبنيها.
وهكذا نعيش في راحة، مطمئنين إلى عمل الله فينا، وإلى نجاح عمله. نقف ونتأمل، فنرى عجائب من تدبيره. واثقين أنه يعمل الخير، مهما كان الذي يحدث أمامنا غريبًا، أو صعبًا، أو ضد ما كنا نرجوه.
ليس المهم أن نفهم ما يعمله الله. إنما المهم أننا بالإيمان والتسليم نتقبله.
والكتاب المقدس حافل بأمثلة التسليم في حياة رجال الإيمان:
1- ابونا إبراهيم مثلًا، كانت بداية قصته مع الله، هي قول الله له "أترك أهلك وعشيرتك وبيت أبيك، إلى الأرض التي أريك" (تك12:1).
وأبونا إبراهيم لم يسأل لماذا؟ ولا إلى أين؟ بل أطاع..
هذه هي حياة التسليم، التي لا تجادل ولا تناقش، بل تقبل وتطيع، بلا تردد. تدع فهمها جانبًا، وتركز على أمر الله.
2- وهكذا كان نوح في الفلك، وكان يونان في بطن الحوت، وكان موسى في البحر الأحمر..في حياة تسليم كامل.
إنها طاعة الإيمان. مادام الله يريد هذا، فنحن لا نناقشه. وما هو عقلنا المحدود الضعيف، حتى يناقش الله غير المحدود، كلى الحكمة..؟! إن موسى في بدء إرساليته جادل الله فى كيف يدخل إلى فرعون (خر3)، ولكنه لما نما في الإيمان والتسليم لم يجادل في دخوله البحر الأحمر..
3- القديسة العذراء مريم عاشت كمثال لحياة الطاعة والتسليم.
مع كل محبتها للبترولية، قيل لها أن تخطب لرجل وتعيش معه في بيت واحد، فأطاعت. وأرسل لها الله ملاكًا يقول لها إنها ستحبل وتلد، فقالت له "هوذا أنا أمة الرب. ليكن لي كقولك" (لو1: 38).. ومع ولادتها لله الكلمة، ورؤيتها كل ما أحاط بهذا الميلاد من معجزات، قيل لها أن تهرب به إلى مصر وتتغرب هناك، فقبلت كل ذلك في طاعة الإيمان . وفي تسليم أيضًا رجعت من مصر، وقبلت أن تسكن في الناصرة (متى2:23)، التي قيل إنها لا يخرج منها شيء صالح (يو1:46). وكان شعارها في حياة التسليم هذه، عبارتها الخالدة "ليكن لي كقولك".
4- ولعل الإيمان والتسليم يظهران في حياة الرسل في طاعتهم التلقائية لقول الرب "اتبعني" أو "هلم ورائي".
هكذا قال الرب لمتى (لاوى). وهو في مكان الجباية (مر2:14) فلم يناقش وإنما "ترك كل شئ وقام وتبعه" (لو5: 28). ولم يفكر مطلقًا في كل مسئولياته وعمله. وبالمثل لما دعا الرب بطرس وأندراوس وباقي الرسل، يلخص القديس بطرس كل قصص هذه الدعوة بقوله للرب (تركنا كل شيء وتبعناك) (لو 28:18). أنها طاعة الإيمان التي تتبع الرب حيثما ذهب، بلا سؤال، بلا استفسار، بلا تفكير في المستقبل. وكما سنشرح أن كلًا منهم أطاع وهو لا يعلم إلي ين يذهب (عب 8:11)
ونحن كثيرًا ما ندعي، فنحاول أولًا أن نطمئن على مستقبلنا.
لذلك نسأل الكثير من الأسئلة. ونحصل على ما نستطيعه من الضمانات وبكل هذا تخرج من الإيمان إلي العيان.. إلي المستقبل الذي نراه بعيوننا ونطمئن إليه، وليس إلي المجهول الذي نراه، ونقبله بحياة التسليم والطاعة..
5- من أمثلة حياة الإيمان والتسليم والطاعة، أرميا النبي.
سار وراء الله بالإيمان، في طرق لم يفكر مطلقًا أن يسير فيها.. وأخيرًا لخص خبرته في حياة التسليم في عبارة عميقة قال فيها (عرفت يا رب أنه ليس للإنسان طريقة ليس لإنسان يمشي أن يهدي خطواته) (أر 23:10). ولماذا لا يهدي خطواته؟ لأن الله هو الذي يقود هذه الخطوات ويهديها..
هذه هي حياة التسليم، أن تسير وراء الله، وليس وراء فكرك
تسير ليس وراء هواك ورغباتك، وليس وراء مشيئة الناس أو مشورة الناس إنما وراء الله نفسه الذي يقود حياتك. يضعها في أي وضع وفي أي موضع، حسب أعماق حكمته. فاسأل نفسك هل الله هو الذي يقود حياتك؟ أم تقودها رغبة معينة، هي التي تحدد تصرفاتك ومسير خطواتك؟
6- من الأمثلة العجيبة في حياة التسليم: يوسف الصديق
أظهر له الله بالرؤى أنه سيصير سيدًا لأخوته، وسيجدون له جميعهم (تك 10:37) فماذا كان تحقيق الوعد؟ أخذه إخوته وألقوه في بئر ليقتلوه. ثم باعوه كعبد. وسحبه المديانيون من البئر ليبيعوه للإسماعيليين (تك 28:37). ثم بيع لفوطيفار ليخدم في بيته..
وفي كل هذا لم يحتج يوسف متذمرًا على الرب وعلى أحلامه..
بل سكت. وسلم في هدوء لما سمح به الرب، وسلك بكل أمانة وإخلاص وقبل الحياة كخادم.. ولكنه رضى بالبلوى، والبلوى لم ترض به! فإذا بتهمة باطلة رديئة تلفق ضده، ويلقي به في السجن كفاعل أثم..!
ولم يحدث أن يوسف سأل الرب لماذا؟.. أو أين هي وعودك؟
سكت في مثل رائع لحياة التسليم وطاعة الإيمان. ولم يتذمر مطلقًا. وفي المرة الوحيدة التي خرج فيها قليلًا جدًا عن حياة التسليم، وقال لرئيس السقاة بعد أن فسر له حلمه (حينما يصير لك خير، تصنع إلي أحسانًا، وتذكرني لفرعون، وتخرجني من هذا البيت) (تك 14:40).. لما فعل هذا، أجاب الوحي الإلهي على هذا الطلب بقوله (ولكن لم يذكر رئيس السقاة يوسف، بل نسيه) ( تك 23:40)..
ولكن الله لم ينس يوسف، الذي بقى في السجن في حياة التسليم، حتى أخرجه الله منه بمجد عظيم..
7- ومن أمثلة حياة التسليم وطاعة الإيمان: داود النبي.
كان (يرعى الغنيمات القليلات في البرية). وأرسل له الله صموئيل النبي ومسحه ملكًا. ولكنه لم يسلمه من الملك شيئًا.. وبقى يرعي الغنيمات القليلات، دون أن يتذمر. ثم اختير خادمًا للملك شاول المرفوض من الله الذي بغته روح رديء من قبل الرب (1 صم 14:16).. ولم يحتج داود.
لم يقل أنا الملك المختار من الله. فكيف أخدم هذا المرفوض؟!
بل في حياة التسليم تقبل الوضع. وكان يهدئ شاول الملك حينما تبغته الشياطين.. وظل شاول يطارد داود ناقش الله، أو قال له أين مواعيدك؟ أين أستحق كل هذا؟!.. بل انتظر، في هدوء وفي تسليم، خلاص الرب. وقد كان..
8- ومن أمثلة حياة التسليم: تلاميذ الرب:
دعاهم الرب للخدمة كما قال لبطرس وأندراوس (هلما ورائي فأجعلكما صيادي الناس) (متى 19:4) ومرت ثلاث سنوات وهم يتبعونه، دون أن يخدموا. ولم يصيدوا أحد. ثم صلب الرب. وخافوا، وأغلقوا على أنفسهم في العلية لئلا يصيدهم اليهود.. ومع كل ذلك لم يشكوا. وبقوا في حياة الإيمان والتسليم. وأخيرًا بعد حلول الروح القدس، تمم الرب وعده. وفي يوم واحد تمكن بطرس بعظة واحدة من أن يصيد ثلاثة آلاف نفس.. ولو أنه كان كل يوم يصيد نفسين، ما وصل إلي هذا الرقم كله، ولكن حياة التسليم تقول للرسول:. وانتظر الرب) "انتظروا الرب. تقو وليتشدد قلبك" (مز 14:27) نعم يا رب سأنتظر وعدك في صيد الناس. ولكن هل إلي ثلاث سنوات وأكثر؟ أنه لكذلك. ولكن (ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التي جعلها الله في سلطانة وحده) (أع 8:1)
أن حياة التسليم لا تناقش الرب في مدى الانتظار الطويل لمواعيده، أنها لا تقول له لماذا يا رب تجعل بطرس ينتظر أكثر من ثلاث سنوات ليصير صيادًا للناس؟ ولماذا تترك إبراهيم ينتظر خمسة وعشرين عامًا حتى تحقق له وعدك في ميلاد إسحق؟ ولماذا تترك داود في مذلته من شاول عشرات السنوات، حتى تحقق له اختيارك له ملكًا..؟
إن حياة التسليم لا تشك، وتري في الانتظار حكمة إلهية.
فقد كان داود صبيًا حين اختياره. وكان الانتظار نافعًا له حتى يكبر وينضج، وحتى يزداد الناس حبًا له يومًا. كذلك كان الانتظار نافعًا لبطرس حتى تكتمل تلميذته للرب، وحتى يحين موعد حلول الروح القدس لينال به قوة هو وسائر الرسل. كذلك كان الانتظار نافعًا اسحق، ليصير ابنًا للموعد..
9- من أجمل الأمثلة في حياة التسليم: تقديم اسحق محرقة.
لقد صبر ابرآم خمسًا وعشرين سنة، حتى ولد له اسحق، ابنه المحبوب الذي أخذ المواعيد من أجله. وفرح به فرحًا لا يوصف. وكبر اسحق. وإذا بالرب يقول لأبينا إبراهيم "خذ ابنك وحيدك، الذي تحبه، إسحق.. وأصعده محرقة على أحد الجبال الذي أريك" (تك22:2).. أي قلب يمكنه أن يحتمل هذا؟! وأي عقل يسمع هذا ولا يشك..؟!
ولكن أبانا إبراهيم في حياة التسليم، لم يناقش، ولم يتردد في التنفيذ. بل بكر صباحًا، وأخذ إسحق ليذبحه.. ولم يحسب نفسه أحن من الله.. ولم يشك في محبة الله ولا في حكمته.. إن الطاعة لا تكون في الأمور السهلة فقط، وإنما تظهر في قمة سموها في الأمور التي تبدو صعبة جدًا في التنفيذ.
حياة التسليم تظهر في الدخول من الباب الضيق والطريق الكرب.
مادمت أنت يا رب موافقًا على هذا الباب الضيق، فإنه يكون أصلح الأبواب للدخول.. ولا نناقشك بل نفرح بذلك، ونرى أنك تختبر به محبة أولادك، ونقاوة قلوبهم، وتعد به لهم أكاليل ملكوتك..
وبهذا الإيمان، استقبل الشهداء والمعترفون كل أنواع الآلام في فرح. وكل أولادك يا رب كانوا (يحسبونه كل فرح حينما يقعون في تجارب متنوعة) (يع 2:1).

Mary Naeem 28 - 12 - 2013 05:41 PM

رد: كتاب حياة الإيمان
 
لا يعلم إلى أين يذهب
هكذا سار أبونا إبراهيم وراء الله، إلى المجهول.. لم يكن يعلم إلى أين الطريق، إنما كان واثقًا أن الله يصحبه في الطريق، ويرشد خطاه..
وهكذا حدث مع آبائنا الرسل الأطهار، لما دعاهم الرب فتبعوه.
وهم لا يعلمون إلى أين.. إذ لم يكن للمسيح مقر معروف، بل لم يكن له أين يسند رأسه ( لو9:58). كان يطوف المدن والقرى يعلم ويشفى، مع أنه لم تكن له وظيفة رسمية في المجتمع اليهودي.. ولم يكن له دخل مالي معروف. وحتى لما دعا تلاميذه، قال لهم "لا تحملوا ذهبًا ولا فضة ولا نحاس في مناطقكم.. ولا تحملوا معكم شيئًا للطريق" (متى 10:9، مر 6: 8).
ولو سألت أحد تلاميذه وقتذاك: ما هو عملك؟ وما هو مستقبلك مع المسيح؟ لوقف وأوقفك معه، أمام علامة استفهام كبيرة لا يعرف لها جوابًا، سوى حياة التسليم.. يكفيه أنه سائر مع المسيح، مع أنه معه وفي وجوده لا يعمل شيئًا.. المسيح يعمل كل شيء، وتلاميذه مجرد متفرجين.

<!--[endif]-->3-خذوا مثالًا لذلك القديس مار مر قس الرسول حينما دخل الإسكندرية:
دخلها وهو لا يعلم إلى أين يذهب، إذ لم تكن هناك كنيسة يستقر فيها، ولم يكن له هناك شعب، ولا مسكن.. بل على العكس كانت الوثنية في كل مكان، وكانت اليهودية تقاوم الإيمان جاء مارمرقس إلى مصر، وأرشد الله خطاه إلى إنيانوس، وما كان في فكره هذا الأمر وما حدث لمارمرقس، حدث تقريبًا لباقي الرسل. تتنوع الأمكنة والأسماء، ولكن قلب الموضوع واحد. وكأن كل رسول كان يقول:
لو كانت الخدمة عملًا بشريًا، لكان يهمني أن أعرف خطية مسيري. أما والخدمة عمل إلهي، فلا يهمني إلى أين أذهب. أنا مع الله. حيث قادني أسير.
4- يوحنا المعمدان كان يرى أن واجبه هو أن يشهد للحق. فشهد للحق وقال لهيرودس الملك "لا يحل لك" ولم يهتم بعد ذلك إلى أين يذهب: إلى السجن، إلى الموت.. ليكن ما يكون. رسالة الله تتم في طاعة إيمانية كاملة. أما الحياة، وأما المصير، فهما مسلمان الله.. إلى التمام. وهكذا كان بولس الرسول يشهد للرب.. وبعد ذلك لا يهمه إلى أين يذهب: "أشدة أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عرى أم خطر أم سيف"، يقول في ثقة بحياة التسليم "لكنن في هذه جميعها، يعظم انتصارنا بالذي أحبنا" (رو8: 35،37). بهذا الأسلوب، سار أولاد الله جميعهم في طريق الحياة في حياة التسليم.
كل ما يهمهم هو أن الله يقودهم. ولكن لا يعنيهم إلى أين.. ولكنهم واثقون بالإيمان، أنه سيقودهم إلى المراعى الخضراء، وإلى ينابيع الماء الحي. خبرتهم مع الله تجعلهم مسرورين بقيادته، واثقين بمحبته.
5- إسحق بن إبراهيم حمل الحطب وراء أبيه، ولم يعلم إلى أين يذهب.
كل ما تعلمه في حياته، هو التسليم والطاعة، وبهما سار حتى إلى المذبح. وربطه إبراهيم أبوه ووضعه على المذبح فوق الحطب (تك22)، ورفع عليه السكين. كل هذا وإسحق في تسليم كامل. لم يشك في محبة الله.. وانتصر على طول الخط. بتسليمه هذا، كسب طاعة الإيمان، وكسب حياته، وكسب وعود الله..
6- لعازر الدمشقي لما سافر ليختار زوجة لإسحق، ما كان يعلم إلى أين يذهب.
ولكنه سلم خطاه لله ليرشده. ودبر الله له كل شيء بطريقة عجيبة وقف أمامها مذهولًا. وتم كل شيء حسبما طلب منه سيده إبراهيم. ولهذا قال "الرب أنجح طريقى" (تك 24: 56). ولعل لعازر الدمشقي كان يقول "لم أكن أعلم إلى أين أنا أذهب. لكنى كنت أعلم تمامًا أن الله ذاهب معي". ونفس الوضع تقريبًا حدث ليعقوب في رحلته إلى خاله لا بان. وما أجمل قول الرب له "هاأنا معك. أحفظك حيثما تذهب" (تك28:15).
7- الشعب في البرية، أتراه كان يعلم إلى أين يذهب؟!
ما كان يعلم شيئًا. كان الله يقوده يومًا بيوم. وكان يرتحل بإرشاد إلهي، ويقف بإرشاد إلهي، ويقف بإرشاد إلهي. وكان هذا الإرشاد يتمثل في السحابة تظلله نهارًا، وعمود النار يهديه ليلًا.. والشعب في تسليم كامل لقيادة الله، لا يسأله إلى أين..؟ وما كانت أمام موسى النبي خطة لمسيرة، وكأنه يقول: يكفينا يا رب أن تكون سحابتك فوق رؤوسنا، وعمود النار أمامنا. نحن لا نحدد مسارنا، إنما تحدده مشيئتك الصالحة. أما نحن فيسعدنا أننا تحت قيادتك. حيثما سارت سحابتك نسير . وحيثما حلت نستظل تحتها.. يفرحنا أننا نرى فوق تابوت العهد الضباب الذي يمثل وجودك. فلتتحرك خيمة الاجتماع في البرية نحو المجهول. إنه مجهول بالنسبة إلينا. ولكنه في علمك ومعرفتك منذ الأزل. وهذا يكفينا، لكي نسلم خطانا لهذا المجهول، ونحن في ملء الثقة بأننا في طريق كنعان.
8- القديس الأنبا أنطونيوس أب جميع الرهبان، حينما دخل إلى الجبل، أتراه كان يعلم إلى أين يذهب؟! وكذلك القديس الأنبا بولا أول السواح..
وأيضًا كل السواح والمتوحدين حينما توغلوا في البرية الجوانية، ما كان أمامهم هدف مكاني معين يقصدونه. كل ما كان أمامهم هو الهدف الروحي وهو أن ينفردوا بالله في حياة السكون والهدوء، مسلمين حياتهم بالكلية له "تائهين في البراري والجبال وشقوق الأرض".. تسأل كل واحد من التائهين في البراري: أتعلم أين أنت؟ فيجيبك:
على خريطة المكان، لست أعلم أين أنا..
ولكن على خريطة الحب، أعلم أنني في حضن الآب.
9- ولعل البعض يسأل: أما ينبغي أن يحسب كل إنسان حساب النفقة، حسب وصية الرب نفسه (لو14:28)؟ إن حياة الإيمان، هي أبعد ما تكون عن علم الحساب الذي يقصدونه. إذن ما الذي يقصده الرب بأن يجلس الإنسان أولًا ويحسب النفقة؟
حساب النفقة هو: هل عندك من الإيمان ما يكفى؟
هل عندك من الإيمان ما تسلم به الأمر كله لله لكي يدبره؟ إنك تفعل ما تستطيعه. ولكن هذا هو أقل المطلوب. أما العنصر الأساسي فهو إيمانك بما يفعله الله، وتسليمك له كل الأمر.. وهذا كان منهجنا، حينما كنا نريد أن نبنى كنيسة أو أي مشروع للخدمة والرعاية. لم يكن السؤال الأساسي هو "من أين التكاليف؟"، إنما كان السؤال الأساسي هو: هل الله موافق على هذا البناء أم لا؟ فإن كان موافقًا فهو الذي سيقوم بكل تكاليفه. وما علينا إلا أن نبدأ، ويد الله تكمل العمل معنا "وإن لم يبن الرب البيت، فباطلًا يتعب البناءون" (مز127: 1).
الإيمان هو أن تغمض عينيك، وتبصر الله.
طالما أنت تفتح عينيك، فأنت تسير بالحواس الجسدية. أما إن أغمضت هذه العين الجسدانية، حينئذ سوف تسلك بالقلب والروح. إن تأكدت بحواسك الروحية أن الله سيذهب معك في طريق سر فيه ولو كان في وادي ظل الموت. يقينًا هناك سوف لا تخاف شرًا لأن الرب معك (مز23).
10- هذه هي حياة التسليم، التي فيها يختار الرب لنا ما نشاء، دون أن نختار نحن لأنفسنا. آخذين درسًا من قصة لوط وإبراهيم.
لوط اختار لنفسه السكنى في سادوم، الأرض المعشبة (تك14:10،11). وكان يعلم إلى أين يذهب. أما إبراهيم فلم يختر لنفسه شيئًا. إنما قال له الرب "ارفع عينيك وانظر.. جميع الأرض التي أنت ترى، لك أعطيها" (تك 10: 14،15).. وماذا كانت النتيجة؟ لوط سبى وهو في سادوم وأنقذه إبراهيم (تك 14). ثم احترق كل ماله في سدوم وخسر الكل.. وهكذا كانت حياة التسليم التي لإبراهيم ذات نتيجة أفضل.

Mary Naeem 28 - 12 - 2013 05:42 PM

رد: كتاب حياة الإيمان
 
ما يقوي الإيمان
الإيمان فضيلة كسائر الفضائل، يمكن أن تقوى أن تضعف.
وعلينا نحن، ليس فقط أن تحفظ إيماننا، وإنما أيضًا أن نسلك في كل الوسائل التي تجعله ينمو ويزداد (2 تس 1: 3، 2كو 8: 7).
فما هي الوسائل التي تقوى إيماننا؟ إنها:
1- الثقة بصفات الله
2- الثقة في صِدق مواعيد الله
3- النظر إلى الله وليس إلى الظروف المحيطة
4- قصص الإيمان، ومعاشرة رجال الإيمان
5- اتضاع القلب والفكر
6- الخبرة مع الله
7- أبصر الله في كل أمر
8- اتخذ الرب صديقًا لك
9- صلاة لأجل الإيمان

Mary Naeem 28 - 12 - 2013 05:43 PM

رد: كتاب حياة الإيمان
 
الثقة بصفات الله

أ ضع في قلبك باستمرار، أن الله صانع الخيرات، وذلك لكي تقوي إيمانك برعايته وحفظه. قل لنفسك باستمرار (كل الأشياء تعمل معًا للخير، للذين يحبون الله) (رو 28:8). وثق أن كل ما يصنعه الله هو خير، وأن كل ما يسمح به لابد يؤول إلي خير، مهما بدا الأمر غير هذا.
لقد كان الله يصنع خيرا مع يوسف، حينما سمح أن يباع كعبد، وأن يلقي في السجن ظلمًا. وكانت كل تلك الضيقات ضمن الخطة الإلهية لخير يوسف، ولخير المنطقة كلها. وهكذا قال يوسف لأخوته الذين باعوه (لستم أنتم أرسلتموني إلي هنا، بل الله) (تك 8:45)، (أنتم قصدتم لي شرًا. أما الله فقصد به خيرًا (تك 20:50)
ب- ثق أيضًا أن الله أب، وأنه محب، وأنه في محبته، لابد أن يعامل أولاده بحنان، ويعطيهم عطايا صالحة. وقد قال في أبوته الحانية أنه نقشنا على كفه (أش 16:49) و في أبوته يعطينا كل ما نحتاجه، دون أن نطلب.
ج مما يقوي إيمانك أيضًا ، أن تثق بأن الله قادر على كل شيء. هو يحبك. وهو يريد لك الخير، وهو قادر على صنع هذا كله، مهما كان الأمر صعبًا..
إن أبانا إبراهيم، حينما رفع يده بالسكين ليذبح ابنه وحيده إسحق، كان مؤمنًا بأن الله محب، وأنه لابد من وراء ذلك خيرًا. وكان مؤمنًا كل الإيمان بأنه سيكون له نسل من أسحق كنجوم السماء حسب وعد الله له..
نعم كان مؤمنًا أنه حتى لو مات أسحق، فإن الله قادر أن يقيمه من الأموات، ويحقق به وعده (إذ حسب أن الله قادر على الإقامة من الأموات أيضًا) (عب 19:11). هذا هو الله الذي آمن به، الذي يحيي الموتى، ويدعو الأشياء غير بالإيمان كأنها موجودة) (رو 17:4).
بالإيمان بقدرة الله على كل شيء، دخل موسى في البحر الأحمر وعبره. ودخل يشوع في نهر الأردن وعبره، كل منهما مع شعبه..
يحدد بمقدار حرف- كذلك ينبغي أن تثق بحكمة الله، وبأن كل تدابيره صالحة، حتى لو كنت لم تفهم بعد أعماق هذه الحكمة
إن أمنت بحكمة الله، تعيش في سلام، وتقبل كل شيء برضى. أما إن كانت (حكمتك) البشرية لا تثق بحكمة الله، ستعيش في تذمر وشكوى وتعب نفسي.. لذلك في كل ما يحدث لك ، قل له: أنا واثق يا رب بحكمتك وحسن تدبيرك. وإن كان فهمي الآن عاجزًا، لأبد أنني سأعرف بعد حين ما قصدته بي، كما عرف يوسف الصديق.
إن ثقتك بأن الله صانع الخيرات، وأنه أب محب، وحكيم في تدابيره، ويريد لك الخير وقادر على ذلك.. كل هذا يعمق إيمانك، ويمنحك سلامًا في قلبك..

Mary Naeem 28 - 12 - 2013 05:44 PM

رد: كتاب حياة الإيمان
 
الثقة في صدق مواعيد الله
لقد وعد الله أبانا ابرام بأنه سوف يعطيه نسلا، وأعطاه ولو بعد زمن. ووعده بأن نسله سيكون كنجوم السماء في الكثرة، وقد كان.. مع أن زوجته كانت عاقرًا، وكان هو قد تقدم في الأيام وشاخ.

ووعد الله شعبه بأنه سيرده من السبي. ورده كما وعد.
ووعد إيليا وقت المجاعة، بأنه سيعوله. وعاله بأعجوبة (1 مل 3:17-6). ووعد الله أمنا حواء بأن نسلها سيسحق رأس الحية (تك 15:3). وقد حقق هذا الوعد على الصليب في ملء الزمان.
ووعد الله بأنه سيسكب روحه على كل بشر (يؤئيل 28:2). وفعل ذلك في يوم الخمسين، وما زلنا هياكل لروحه القدوس (1كو 16:3)..
وعود الله كلها صادقة. ويعوزنا أن نتتبع وعود الله منذ القديم.
ولكن هناك وعودًا دائمة، يريحنا أن نحيا فيها بالإيمان.
وذلك كقوله (ها أنا معكم كل الأيام وإلي انقضاء الدهر) (متى 20:28)، حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي، فهناك أكون في وسطهم (متى 20:18)، (أعطيكم فمًا وحكمة لا يقدر جميع معانديكم أن يقاوموها) (لو 15:21) (لا تهتموا كيف أو بما يتكلمون، لأنكم تعطون في تلك الساعة ما تتكلمون به لأنكم لستم أنتم المتكلمين، بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم" (متى 10: 19، 20). وكذلك قوله عن الكنيسة إن أبواب الجحيم لن تقوى عليها (متى 16: 18). ليتنا نعيش في هذه الوعود بكل قلوبنا، لكي تقوى إيماننا.
وليتك : أيها القارئ المحبوب تجمع كل وعود الله وتقرأها باستمرار. وتقول لنفسك: لابد أن يكون الله صادق في وعوده. وبالتالي لابد أن أعيش سعيدًا بهذه الوعود الإلهية.. إن دوام التذكار لوعود الله، يطمئن النفس، ويقوى الإيمان..

Mary Naeem 28 - 12 - 2013 05:54 PM

رد: كتاب حياة الإيمان
 
النظر إلى الله، وليس إلى الظروف المحيطة

قبيل عبور البحر الأحمر، كل الظروف المحيطة كانت تدعو إلى اليأس. أما موسى النبي فإنه دعا الناس أن ينظروا إلى الله، وقال لهم "قفوا وانظروا خلاص الرب.. الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون" (خر 14: 13، 14). كذلك في حرب داود وجليات. لو نظر إلى الجبار القوى المتحدى، ليئس. لكنه بالإيمان نظر إلى الله الذي سيحبسه في يده (1صم 17) . نفس الوضع في معجزة الخمس خبزات والسمكتين. لما نظر التلاميذ إلى الطعام الموجود، والآلاف المنتظرة، قالوا "ما هذا لمثل هؤلاء؟!". ولكن المسيح نظر إلى فوق وبارك ولو نظر التلاميذ هكذا بالإيمان إلى فوق، لا طمأنوا ورأوا قوة الله. مرثا نظرت إلى قبر أخيها الميت منذ أربعة أيام، فقال قد أنتن. أما الرب فقال لها: ألم أقل لك إن آمنت ترين مجد الله (يو11:39، 40).
إذن علينا أن ننظر دائمًا إلى فوق، فيدخل الإيمان إلى قلوبنا.
ننظر إلى الله المحب القادر على كل شيء، ولا نركز أفكارنا في الظروف المحيطة. لا تنظر إلى قوة أعدائك، إنما أنظر إلى الله الذي ينقذك منهم. لا تنظر إلى الخطية التي "طرحت كثيرين جرحى، وكل قتلاها أقوياء" (أم 7: 26)، إنما أنظر إلى الرب يسوع الذي "يخلص شعبه من خطاياهم" ( متى 1:21).

Mary Naeem 28 - 12 - 2013 05:55 PM

رد: كتاب حياة الإيمان
 
قصص الإيمان، و معاشرة رجال الإيمان

وهكذا عندما أراد الله أن يعطى دروس في الإيمان، قال "تأملوا زنابق الحقل.. ولا سليمان في مجده كان يلبس كواحدة منها" (متى 6: 28، 29). فإن كان عشب الحقل.. "يلبسه الله هكذا "" أفليس بالحري يلبسكم أنتم يا قليلي الإيمان". وقال أيضًا "أنظروا إلى طيور السماء". وفي إحدى المرات، فعلت كما أمر الرب، ونظرت إلى عصفورة في حقل الدير.. أمامها الكثير من الحبوب. ولكنها التقطت اثنتين أو ثلاثًا، وتركت الباقي كله وطارت "لم تجمع إلى مخازن "كما قال الرب، كانت واثقة أنه في كل مكان تحل فيه، سيرزقها الله قوتها، فلماذا تخزن إذن؟ أو لماذا تترك الجو العالي الفسيح، وتقبع إلى جوار الحبوب لتخزن كما تفعل زميلتها النملة (القليلة الإيمان!) التي لا ترتفع إلى فوق..
وقد أعطانا الرب مثالًا شبيه في قصة (المن) وجمعه.
كانوا يجمعونه، على قدر حاجتهم، يومًا بيوم، دون أن يحزنوا.. والذين خالفوا هذه القاعدة وخزنوا منًا "تولد فيه الدود وأنتن" (خر 16: 20). كلما يقرأ الإنسان قصصًا عن الإيمان، والثقة بالله، والأعاجيب التي تحدث مع قديسيه، يمتلئ قلبه إيمانًا، ويحب هذه الحياة المملوءة إيمانًا.. كذلك كلما يعاشر رجال الإيمان، يتعلم منهم، وتثيره حياتهم وعمل الله معهم، لكي يتمثل بإيمانهم"(عب 11: 7). لذلك قال أحد الآباء "شهية هي أخبار القديسين"..
من أجل هذا سجل لنا الكتاب سيرًا من الإيمان، لنتأثر بها ونتعلم.
ولكي تقوى إيماننا، إذ نرى أمامنا أمثلة عملية لحياة الإيمان التي نشتهيها. ونرى أمامنا الطريق الذي سلكه رجال الإيمان. وكيف عاملهم الله، وكيف تعاملوا هم معه.. وماذا أيضًا؟
إن كانت القراءة، فإن المعاشرة تأثيرها أعمق بلا شك لذلك عاشروا الذين يتصفون بالإيمان، وامتصوا الإيمان منهم. فإن الإيمان يناله الإنسان بالتسليم، أكثر مما يناله بالتعليم. أنظروا كيف يعيشون، وكيف يظهر الإيمان في حياتهم، وكيف يتعاملون مع الله، وكيف يتصرفون إزاء الأحداث..

Mary Naeem 28 - 12 - 2013 05:56 PM

رد: كتاب حياة الإيمان
 
اتضاع القلب والفكر

الإنسان المتضع يقبل كل ما ياتى من الله برضى. أما الفكر المعتد بذاته فإن يناقش ويجادل، ويرفض ما لا يعجبه، فلا يصل إلى الإيمان الذي يصل إليه المتضع.
الإنسان المتضع يعترف أن عقله محدود، وكل قدراته محدودة، ولا يمكنه أن يستوعب الله غير المحدود، ولا يدرك أعماق حكمته وصفاته. لذلك يقبل في إيمان ولا يشك. وإن ضغط عله الفكر، ينسكب أمام الله ويقول "أحكامك يا رب فوق فهمي، وأعمالك فوق معرفتى. من أنا قدامك؟ وكل معرفتي هي جهالة أمامك.
أنا آخذ منك عن طريق التسليم، وليس عن طريق الفحص ..
أعطيني يا رب إيمان الأطفال، وليس إيمان الفلاسفة والحكماء (لو 10: 21). حادثة مثل إلقاء الثلاثة فتية في أتون النار، دون أن يحترقوا (دا 3: 25). هذه، هل نخضعها لفهمنا المحدود، أم نتقبلها بالإيمان في اتضاع الفكر الذي ينحني أمام المعجزة؟! والمعجزة هي عمل الله القادر على كل شيء.. الإيمان يحتاج إلى اتضاع الفكر وبساطة القلب، وأيضًا إلى: الخبرة مع الله.

Mary Naeem 28 - 12 - 2013 05:57 PM

رد: كتاب حياة الإيمان
 
الخبرة مع الله
الق نفسك في دائرة الله. عش معه واختبره. جرب الاتكال عليه. حينئذ سترى عجائب من عمله معك. أما إن كنت طول حياتك تحصر نفسك في دائرة إمكانيات الفكر، والذكاء البشرى، وخبرات المجتمع، ومشورات الناس، بعيدًا عن الله، تأكل كل يوم من شجرة معرفة الخير والشر، فكيف تصل إذن إلى الإيمان؟! إذن اختبر عمليًا وجود الله في حياتك. عاشره لتعرف من هو. وكما قال داود النبي "ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب" (مز 34: 8). ولعل سائلًا يسأل: وكيف ندخل في الخبرة مع الله؟

Mary Naeem 28 - 12 - 2013 05:58 PM

رد: كتاب حياة الإيمان
 
إبصر الله في كل أمر
الناس لا يقوى إيمانهم، لأنهم يعيشون في عالم، فصلوه عن الله.
كل ما يحدث في هذا العالم، يرجعونه إلى أسباب عديدة ولا يذكرون اسم الله كأنما الكون يدور.. بدون الله.
أ- مثال: العالم يستطيع أن يحطم الذرة، ويستخدم القوة النووية، ويصنع سفن الفضاء، ويصل إلى القمر، ويدور حول الكون، ويتعامل مع الإلكترونات.. ويصرخ الناس ويقولون: ما أعظم العقل البشرى! أو ما أعظم الشعب الذي اخترع كل هذه المخترعات..! ولا يذكرون اسم الله إطلاقًا.. أما المؤمن فيقول: مبارك أنت يا رب الذي خلقت هذا العقل البشرى، ووهبته كل هذه الإمكانيات، وكشفت له ما وضعته في الطبيعة من قوى.. إن كان عبيدك الترابيون يعرفون كل هذا، فكم وكم تكون أنت يا غير المحدود، القادر على كل شيء؟! وهكذا يقوى إيمان المؤمن بإرجاعه كل قوة وكل عجيبة إلى الله..
ب- مثال آخر: يمرض إنسان بمرض خطير. ويستطيع طبيب أن ينقذه من الموت فيشفى. وينذهل المريض وأقرباؤه من مهارة الطبيب، ويشكرونه في الجرائد ويمدحونه سبب الشفاء. أما الله فلا يتردد اسمه مطلقًا على أفواههم. ولكن المؤمن يقول: نشكر الله الذي شفى المريض، وكانت يده مع يد الطبيب.
ج- مثال ثالث: إنسان يتعرض لحادث تصادم يكاد يودى بحياته، لولا أن سائق العربة يوقفها بمهارة على بعد سنتيمترات من الرجل. ويصرخ الناس: يا لمهارة السائق! بينما المؤمن يقول: لقد منح الله هذا الإنسان عمرًا جديدًا..
ليتك في كل حادث، تبحث عن أصبح الله فيه، ليقوى إيمانك.
ابحث عن حكمة الله وعمل الله في كل ما يمر بك من الأحداث اليومية ن حينئذ ستجد الله كائنًا أمامك كل يوم، تلمسه وتتعامل معه، وتشعر بوجوده في كل ما يمر بك من صغيرة وكبيرة وبهذا يزداد إيمانك يومًا بعد يوم.
د- مثال رابع: المؤمن إذا مر على حديقة ورأى زهرة من الزهور، لا يكتفي بالتمتع بشكلها ورائحتها كما يفعل العلمانيون.. إنما يقف أمامها منذ هلًا ويقول: ما هذا الجمال الذي خلقته يا رب؟! وما الألوان العجيبة التي يعجز أمهر الفنانين عن أن يصنعوا مثلها.. لاشك أن الزهور الصناعية جميلة ومتقنة، ولكنها ليست في هذا التناسق، كما أنها لا حياة فيها، ولا نضارة، ولا رائحة لها. إنها جمال ميت..!
حقًا ، إن التأمل في البيعة بهذا الأسلوب، يقوى الإيمان..
أهل العالم يتأملون البيعة منفردة، قائمة بذاتها، وقد فصلوها عن الله. أما الذي يريد أن يقوى إيمانه فإنه يرى الله في الطبيعة.. أليست هي صنعة يديه؟.. وهكذا كان داود النبي يقول "السموات تحدث بمجد الله، والفلك يخبر بعمل يديه (مز19: 1). أتراك تعجب بليلة قمرية جميلة، دون أن تمجد الله خالق القمر؟! تذكر الله هكذا، ليكون الله بالنسبة إليك حقيقة عملية، وليس مجرد حقيقة عقلية تثبتها البراهين.. بهذا تحيا مع الله كل يوم.
إن أردت أن يقوى إيمانك، لا يفضل مخلوقات الله على الله.
لا تبهرك الطبيعة، ولا تنسى الله خالقها. لا يبهرك العقل البشرى وتصرفه في المادة. وإنما قل: عجيب أنت يا رب! كيف خلقت المادة هكذا، بهذا الخاصية وبهذا المفعول، بحيث يمكن للعقل أن يستخدمه في كل هذه الأغراض..! أترانا نعجب بطبيب يستخلص دواء من مادة معينة، بينما ننسى الله الذي وضع هذه الخاصية في تلك المادة، حتى يمكنها أن تخدم غرض الطبيب..!

Mary Naeem 28 - 12 - 2013 05:59 PM

رد: كتاب حياة الإيمان
 
إتخذ الرب صديقًا لك

لو فعلت هذا، لأمكن أن يقوى إيمانك، لأنك ستكون علاقة مع الله وتتحدث معه بدالة بلا خوف، فتتوطد صلتك به. كثيرون ينظرون إلى الرب كمجرد إله أو سيد. ولكن هل نظرت إليه أيضًا كصديق ومحب، تثق به وبمحبته وبإخلاصه لك. إنه يقرع على بابك، ويطلب إليك أن تفتح له كصديق، فيدخل ويتعشى معك وأنت معه (رؤ3: 20). إن قيلت صداقة الله ومحبته، ستدخل في الإيمان الحقيقي.. تشتاق إلى رؤياه كصديق، وتحكى له أسرارك، وتتمتع بعشرته ومحبته.. وتحرص كصدق له ألا خدش شعوره أو تغضبه. وهو نفسه سيكشف لك أسراره، كما كشف لإبراهيم (تك 18: 17). إن الله يريدك هكذا، لأنه قال "لا أعود أسميكم عبيدًا.. بل أحباء" (يو 15: 15).. اتخذه إذن كصديق أو كأب، تؤمن بأبوته ومحبته، كما تؤمن بسلطانه وقدرته. تحدثه عن أسرارك، ويحدثك عن أسراره.
من قصص الصداقة والصراحة مع الله، مسح إيليا لأليشع نبيًا.
قال الرب يومًا لإيليا النبي العظيم اذهب "مسح ياهو بن نمشى ملكًا على إسرائيل.. وامسح أليشع بن شافات، نبيًا عوضًا عنك" (1مل 19: 16). لم يقل إيليا: حسنًا يا رب أن أمسح ياهو ملكًا. ولكن كيف أمسح نبيًا عوضًا عنى؟ وهل استغنيت عن خدماتي؟ هل يحدث هذا بعد تعنى الكثير من أجلك، وبعد وقوفي ضد آخاب الملك وزوجته إيزابل، وبعد تخليصي البلاد من كل أنبياء ألعل وأنبياء السواري؟.. هل تغيرت محبتك لي ؟! لم يقل شيًا من هذا ، ولم يشك في محبة الله، بل فعل كما أمره، واثقًا من محبة الله ومن حكمته. بل اعتبرها دالة وصداقة بينه وبين الله، بها يشركه الله معه في تنفيذ الخطة الإلهية، حتى لو كان منها مسح نبي عوضًا عنه. فهذا لا يدل على أن الصداقة بينه وبين الله قد انتهت أو نقصت. بدليل أن الله رفعه إليه إلى السماء في مجد (2مل 2: 11). وبدليل أنه ظهر معه بعد زمن على جبل التجلي يتحدث إليه (9:4). إنها المحبة التي يصارحه بها الله، حتى في الأمور التي تمسه. وكان مسح نبي عوضًا عنه، مقدمة لترقيته إلى حالة أفضل، هي أعظم من نبي

Mary Naeem 28 - 12 - 2013 06:00 PM

رد: كتاب حياة الإيمان
 
صلاة لأجل الإيمان
أطلب من أجل إيمانك في صلاتك، لكي ينمو ويزداد.
قل له: أعطني يا رب أن أؤمن بك الإيمان كله. أعطني أن أحبك وأثق بك في كل شيء، وأؤمن أنك تفعل بي خيرًا مهما كانت الدنيا مظلمة أمامي. إشعرني بأن عقلي أصغر بكثير من أن يفهم حكمتك وأحكامك. أنا أعرف أنك صانع الخيرات، وأنك محب، وأنك ترى كل شيء، وقادر على كل شيء. ومع ذلك كثيرًا ما أضعف.. فأعن ضعف إيماني..

Mary Naeem 28 - 12 - 2013 06:01 PM

رد: كتاب حياة الإيمان
 
ما يُضعِف الإيمان
كلمات ترنيمة للأطفال عن الصلاة قبل الأكل: قبل الأكل الشيطان يعمل باستمرار، وبكل جهده، على إضعاف إيمان المؤمنين.
ويحاول هو وأعوانه "أن يضلوا ولو أمكن المختارين أيضًا" (متى 24: 24). ولا يكفى هؤلاء مجرد إضعاف الإيمان، بل يحاولون أن يوصلوا فريستهم حتى إلى الارتداد. وهكذا في آخر الأيام يرتد كثيرون عن الإيمان "تابعين أرواحًا مضلة وتعاليم شياطين" (1 تى 4: 1). وما أخطر قول الكتاب في المجيء الثاني للمسيح "ولكن متى جاء ابن الإنسان، ألعله يجد الإيمان على الأرض (لو 18: 8).
فما هي وسائل الشيطان في إضعاف الإيمان؟
إنها كثيرة: بعضها عنيف جدًا. وبعضها هادئ قد لا يحسه أحد:
1- الذات
2- سيطرة الحواس
3- إخضاع الإيمان للعقل
4- معاشرة الشكاكين
5- الانقياد و ضعف الشخصية
6- الخوف
7- الشهوة
8- الظروف الخارجية
9- ضلالات الشيطان
10- الشك

Mary Naeem 28 - 12 - 2013 06:03 PM

رد: كتاب حياة الإيمان
 
الذات
كثيرًا ما تقف الذات ضد الله، وترفضه لأنه ضد رغباتها الخاطئة:
تشعر الذات أن الله يحد حريتها، التي تشتهى أشياء لا يوافق الله عليها فلكي تتمتع بهذه (الحرية) أو بهذا التسيب، تنفصل عن الله، كما انفصل الابن الضال عن بيت أبيه ( لو 15: 11-14)، لكي ينفق ماله حسب هواه.. أو ترفض الله. ولعل الوجوديين الملحدين من أمثلة الرافضين لله. وهؤلاء صار شعارهم هو:
من الخير أن الله لا يوجد، لكي أوجد أنا..
وهؤلاء قد أخطأوا فهم المعنى الحقيقي للوجود، والمعنى الحقيقي للحرية. فليست الحرية هي أن يفعل الإنسان ما يشاء، فقد تكون مشيئته خاطئة. إنما الحرية الحقيقية هي أن يتحرر الإنسان من كل شيء يشينه.. يتحرر من العادات الرديئة التي تستعبده، ومن الشهوات الدنسة التي تنجسه. ويتحرر من سيطرة المادة عليه، هذه التي تمنع روحه من انطلاقها ومن العشرة مع الله التي هي الجود الحقيقي.. ومن معوقات الذات للإيمان، رغبة الإنسان في الشعور بذاته، في القوة والعظمة والكبرياء.. وهنا يرى الله منافسًا له..

وهكذا وجد هيرودس أن مولود بيت لحم سينافسه الملك، فرفض الإيمان به، وحاول أن يتخلص منه بقتله.. وكان من أمثال هيرودس أيضًا، الكتبة والفريسيون، الذين رأوا أن المسيح قد أخذ مكانتهم وشعبيتهم كمعلم. فقال بعضهم لبعض "أنظروا إنكم لا تنفعون شيئًا. هوذا العالم قد ذهب وراءه" (يو 12: 19). ومن أجل الذات أيضًا رفض كل هؤلاء الإيمان بقيامة المسيح ، لئلا تكون دليلًا يجلب عليهم دم ذلك البار (أع 5: 28).. إن الذات من أكبر معرقلات الإيمان، لذلك قال الرب:
"من أراد أن يتبعني، فلينكر ذاته.." (متى 16: 24).
وقال أيضًا "من وجد حياته يضيعها. ومن أضاع حياته من أجلى يجدها" (متى 10 : 39). وهكذا نجد أن القديس بولس الرسول، من أجل الإيمان، يقول "لست أحتسب لشيء، ولا نفسي ثمينة عندي" (أع 20: 24)، "بل أنى أحسب كل شيء أيضًا خسارة، من أجل فضل معرفة المسيح يسوى ربى، الذي من أجله خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية، لكي أربح المسيح وأوجد فيه" ( فى 3: 8، 9). فهل أنت كذلك؟ أم..
هل إيمانك يتعطل بسبب ذاتك؟ بسبب رغباتك وغرائزك وأفكارك وشهواتك؟!
هل هناك تعارض بين الله وذاتك؟ إن كان كذلك، أنكر ذاتك. قاومها. انتصر عليها. لأن مالك روحه خير من مالك مدينة (أم 16: 32). إن الكتبة والفريسيين والكهنة والشيوخ، كانوا يحرصون على ذاتهم حرصًا خاطئًا كانت في ذات كل منهم عيون، وكان المسيح يكشفها، حتى دون أن يتكلم عنها. بمجرد المقارنة تنكشف. لذلك كانوا يكرهونه، ولم يؤمنوا به، لأنه نور يهتك ظلمتهم.. ووقفت ذاتهم -التي تود أن تتغطى- عقبة في طريق إيمانهم .
لا ننس أن الشيطان نفسه، كانت سبب في ضياع إيمانه.
وذلك حين فكر كيف تكبر هذه الذات.. كيف يصعد إلى السموات ، ويرتفع فوق كواكب الله، ويصير مثل العلى (اش 14: 14). فوقفت (عظمة) ذاته ضد الإيمان بالله. أما الملائكة الأطهار فاحتفظوا بمكانتهم، لأنهم في إيمانهم بالله حسبوا أنفسهم "خدامه العاملين مرضاته "(مز103:21).
كثيرون أنفسهم جميلة في أعينهم. ذاتهم هي صنمهم.
يمنعهم عن حياة الإيمان: محبة الذات، والاعتداد بالذات، والرغبة في تكبير الذات وتفخيم الذات، وتحقيق شهوات الذات، والهروب من كل من يكشف هذه الذات أو يظهر مساوئها.. وهكذا ير يدون أن تحيا ذاتهم في جو من التدليل والمجاملة والمديح. يتضايقون من كل كلمة صريحة ومن كل تأنيب وكل تأديب. فكيف يمكنهم أن يحيوا في الإيمان؟!إن كنت كذلك أصلح ذاتك لكي تتضع أمام الله، فتحي في الإيمان..

Mary Naeem 28 - 12 - 2013 06:04 PM

رد: كتاب حياة الإيمان
 
سيطرة الحواس

وفى هذا وقع القديس توما الرسول حينما رفض الإيمان بقيامة الرب، وقال "إن أبصر في يديه أثر المسامير، وأضع يدي في جنبه، لا أؤمن" (يو 20: 25) وقد تنازل الله لضعف توما، وسمح له أن يتأكد بحواسه قائلًا له "ولا تكن غير مؤمن بل مؤمنًا "، ووبخه قائلًا "لأنك رأيتني يا توما آمنت؟! طوبى للذين آمنوا دون أن يروا" (يو 20: 27، 29). هذا الذي يبصره الإنسان، نسميه عيانًا لا إيمانًا. ولكنه فد يؤدى إلى الإيمان..
أهدا إيمان ضعيف؟ هناك ما هو أسوأ: أي الذي يرى ولا يؤمن.
مثال ذلك: الكهنة الذين رأوا القبر الفارغ ولم يؤمنوا بالقيامة. والكتبة والفريسيون الذين رأوا معجزات المسيح كشفاء المولود أعمىوإقامة الموتى ولم يؤمنوا. هؤلاء رافضون للإيمان لأسباب في قلوبهم. وينطبق عليهم قول أبينا إبراهيم لغنى لعازر "ولا إن قام واحد من الموتى يصدقون" (لو 16: 31).

Mary Naeem 28 - 12 - 2013 08:28 PM

رد: كتاب حياة الإيمان
 
إخضاع الإيمان للعقل

وقد قلنا قبلًا إن العقل له حدود لا يتعداها، وإن الإيمان مستوى أعلى منه. ولكن هناك أشخاصًا يريدون أن تعي عقولهم اللامحدود، والمعجزات، وما هو فوق إدراكهم، وإلا فإنهم يرفضون كل هذا!.. يريدون أن تخضع اللاهوتيان كلها للفحص العلمي.. وهذا غير ممكن منطقيًا. وليس من العقل، أن يخضع غير المحدود للعقل الذي هو محدود!
ولعل من أمثلة هذا في أيامنا ما يعرف في بعض المعاهد باسم علم اللاهوت الجديد New Theology حيث يريدون إخضاع الوحي والمعجزة للبحث العلمي البحث، أو لمجرد التفسير الرمزي. وبهذا ينكرون كثيرًا من المعجزات ومن قصص الكتاب، ويدخلونه في علم الأساطير Mythology!!
حقًا إن العقل يضل، إذا حاول أن يرتئي فوق ما ينبغي له أن يرتئي (رو 12: 3). وبهذا ينحرف عن الإيمان، ويحاول أن يقود غيره في نفس الانحراف.

Mary Naeem 28 - 12 - 2013 08:29 PM

رد: كتاب حياة الإيمان
 
معاشرة الشكّاكين

كما أن معاشرة رجال الإيمان تقوى الإيمان، كذلك معاشرة الشكاكين تغرس الشك في العقول والقلوب، إن كانت بمداومة، أو من النوع العميق التأثير، أو كان المستوى الخاضع للشكوى أقل في المعرفة أو المستوى العقلي، أو كان غير عميق في الإيمان.
ولهذا فإن الكتاب يمنع من مخالطة المنحرفين في إيمانهم وفى أفكارهم.
يقول القديس يوحنا الرسول "إن كان أحد يأتيكم ولا يجئ بهذا التعليم، فلا تقبلوه في البيت، ولا تقولوا له سلام. لأن من يسلم عليه يشترك في أعماله الشريرة "(2يو 10، 11). وهكذا منعت الكنيسة الخلطة بالهرطقة والمبتدعين.. وكم من أناس خالطوا جماعات غير مسيحية مثل شهود يهوه والسبتيين، فكانت النتيجة أنهم انحرفوا في تياراتها. وكم من أعضاء في الكنيسة خالطوا طوائف غريبة أو ملحدين، فتأثرت معتقداتهم بهم إلى حد بعيد
وحتى من جهة السلوك والروحيات، مخالطة الشكاكين تضعف الإيمان:
قد تحدث لك تجربة أو مشكلة وتقبله في إيمان، وتسلم الأمر لله شاكرًا إياه على كل حال. ثم يزورك شخص قليل الإيمان، فيظل يشرح لك خطورة الموضوع، ويخيفك جدًا من نتائجه، حتى تفقد سلامك القلبي، ويضعف إيمانك في حفظ الله وتقلق.. لذلك كن حريصًا جدًا في اختبار من تعاشرهم وتختلط بأفكارهم.

Mary Naeem 28 - 12 - 2013 08:30 PM

رد: كتاب حياة الإيمان
 
الانقياد وضعف الشخصية
من هذا النوع، مريم المجدلية: لقد رأت القبر الفارغ، وسمعت بشارة الملاك، بل إنها رأت السيد المسيح نفسه بعد قيامته، وأمسكت بقدميه، وسمعت صوته، وكلفها برسالة.. ولكنها مع ذلك قالت ثلاث مرات "أخذوا سيدي، ولست أعلم أين وضعوه" (يو 20: 2، 13، 15 ). وفي هذا إنكار للقيامة. فما السر في هذا التحول؟ وكيف ضعف إيمانها بعدما رأت المسيح وكلمته؟ (مر16: 9، مت 28: 9) كانت المجدلية صغيرة في سنها. وقد ضعفت شخصيتها أمام الشائعات التي نشرها كهنة اليهود ضد القيامة. كما ضعفت أمام عدم تصديق التلاميذ أولًا للقيامة (مر16: 11، 13، 14).

فبدأت تلعب بها الشكوك والأوهام، ورددت بفمها ما سمعته من شائعات.
لم يستطيع إيمان المجدلية أن يصمد أمام الشائعات وكلام الناس..
فاهتزت من الداخل بسبب التأثير الخارجي الضاغط، وانقادت إليه..! وكثير من الناس يهتزون من الداخل، ويتحولون عن إيمانهم الأول، عقيدة أو سلوكًا، بسبب استهزاء الناس. وبسبب أن شخصيتهم أضعف من أن تصمد. إن الله يريد أن تكون شخصياتكم قوية. وكما يقول الرسول:
"مستعدين كل حين، لإجابة كل من يسألكم عن سبب الرجاء الذي فيكم" (1 بط 3: 15). إن أولاد الله لا يليق بهم أن يكونوا ضعفاء، من النوع الذي يهتز إيمانه، أو تهتز رو حياته، وينقاد لأي فكر خارجي. بل إنهم يعملون بقول الرسول "إذن يا إخوتي الأحباء، كونوا راسخين غير متزعزعين.." (1كو 15: 58 ). أيضًا من النوع الذي تحول عن إيمانه بسبب الانقياد: أمنا حواء. فالكلام الذي سمعته من الحية، جعلها تتحول عن إيمانها، وينتهي الأمر بطردها من الجنة!
ما أكثر الذين ينقادون وراء الشائعات ويصدقونها. وما أكثر من يرددون كلامًا عن المجيء الثاني ويصدقه الناس. ويقولون إن (المسيح الدجال) Anti Christ قد ولد، وأنه في ولاية بأمريكا، وأن عمره الآن (وقت كتابة هذا الكتاب عام 1948) 17 سنة!! وأن العالم سينتهي في هذه السنة أو غيرها وما أكثر التواريخ التي حددها شهود يهوه والسبتيون عن المجيء الثاني، ولم يتم منها شيء..
وقد يضعف إيمان البعض وينقادون وراء من يدعى الرؤى والأحلام.
ويظنون أن ما يدعيه من الرؤى والأحلام، كلها حقيقية ومن الله! ثم ينخدعون بما يقوله من كلام، ولو ضد معتقداتهم أو مبادئهم الروحية. ولقد حذر الرب من هؤلاء منذ أيام موسى النبي فقال: "إذا قام في وسطك نبي أو حالم حلمًا، وأعطاك آية أو أعجوبة، ولو حدثت الآية أو الأعجوبة التي كلمك عنها، قائلًا: لنذهب وراء آلهة أخرى لم تعرفها ونعبدها. فلا تسمع لكلام ذلك النبي أو الحالم ذلك الحلم. لأن الرب إلهكم يمتحنكم لكي يعلم هل تحبون الرب إلهكم من كل قلوبكم.. "(تث 13: 1-3)

Mary Naeem 28 - 12 - 2013 08:31 PM

رد: كتاب حياة الإيمان
 
الخوف

الخوف يضعف الإيمان يؤدى إلى الخوف.
القديس بطرس، الرسول العظيم، لما خاف أنكر المسيح، وسب ولعن وحلف أنه لا يعرف الرجل (متى 26: 74). وهكذا ضعف إيمانه. بل قال له المسيح قبلها "طلبت من أجلك لئلا يفنى إيمانك" (لو 22: 32).
كثيرون فقدوا إيمانهم بسبب خوفهم. ولهذا فإن سفر الرؤيا وضع الخائفين في مقدمة الهالك فقال "وأما الخائفون وغير المؤمنين والرجسون.. فنصيبهم في البحيرة المتقدة بالنار والكبريت" (رؤ21: 8).
ووضعه الخائفين قبل غير المؤمنين، ربما المقصود بها الخائفين الذين الذين بسبب خوفهم يصيرون غير مؤمنين بيلاطس البنطي، كان مؤمن في أعماقه أن يسوع الناصري برئ من التهم التي ألصقها به اليهود. وكان واثقًا أنهم أسلموه حسدًا. وقد حاول أن يطلقه. وقال عنه "هذا البار "..
ولكنه أخيرًا استلم لضعفه، وأسلم المسيح للصلب، إذ خاف أن يقال عنه إنه ضد قيصر.. أما الإنسان الروحي، فهو يفقد إطلاقًا، لأنه لا يخاف..

Mary Naeem 28 - 12 - 2013 08:32 PM

رد: كتاب حياة الإيمان
 
الشهوة
كثيرون فقدوا إيمانهم بسبب الشهوة. ولعل من أمثلتهم ديماس مساعد بولس الرسول في الكرازة والتبشير، الذي قال عنه القديس بولس أخيرًا "ديماس قد تركني، لأنه أحب العالم الحاضر" ( 2 تى 4: 10). ومحبة العالم تضعف الإيمان، لأنها عداوة لله (يع 4: 4). ومن أمثلة الذين فقدوا إيمانهم بسبب الشهوة: الشاب الغنى.. هذا ترك المسيح "ومضى حزينًا" لأنه "كان ذا أموال كثيرة" (متى 19: 22). إذن شهوة المال يمكن أن تضعف الإيمان: وما أكثر الذين تركوا المسيح من أجل امرأة أو منصب..

شهوة النساء ضيعت إيمان سليمان الحكيم، أحكم أهل الأرض..
وذلك أنه "أحب نساء غريبة" (1 مل 11: 1). وكان في زمان شيخوخة سليمان وأن نساءه أملن قلبه وراء آلهة أخرى. ولم يكن قلبه كاملًا مع الرب إلهه كقلب داود أبيه. فذهب سليمان وراء عشتاروت إلهة الصيدونيين، وملكوم رجس العمونيين. وعمل سليمان الشر في عيني الرب.." ( 1مل 11: 3-6).. إلى هذا الحد سقط هذا الحكيم العظيم، ولو أننا نؤمن أنه تاب في أواخر أيامه. وكان سفر الجامعة من دلائل توبته.
وشهوة المال أضاعت إيمان حنانياوسفيرا، فهلكا.
فوقعا في "الكذب على الله" (أع 5: 4)، وأيضًا في "تجربة روح الرب" (أع 5: 9). ومات الاثنان هالكين..
وشهوة المال أيضًا ضيعت إيمان بلعام. وكان نبيًا وله نبوءات جميلة عن المسيح (عدد22-24) وأخيرًا وقع في ضلالة لأجل أجرة الإثم" (2بط 2: 15). وهكذا كان معثرة لكل الشعب، وعلم بالاق طريق الخطية (رؤ2: 14).. فهلك وأهلك غيره..
وشهوة العظمة والتقدم على الآخرين، أضاعت إيمان كثيرين:
لعل من بين هؤلاء "ديوتريفس" الذي كان "يحب أن يكون الأول". لذلك قاوم القديس يوحنا الحبيب، وطرد إخوة كثيرين من الكنيسة (3يو10).
وشهوة الألوهية ضيعت إيمان كاروب عظيم، فتحول إلى شيطان، وكان من قبل ملاكًا من نور، له بهاء ومجد..<!--[if!vml]-->
<!--[endif]--> إن الشهوات من أكبر الأمور التي تضعف الإيمان أو تضيعه. ومن الأسباب التي تضعف الإيمان، الضيقات وضغط الظروف الخارجية.

Mary Naeem 28 - 12 - 2013 08:33 PM

رد: كتاب حياة الإيمان
 
الظروف الخارجية

ولعل من أمثلة هذا الأمر جدعون لما ضعف إيمانه في عناية الله: قال له الملاك "الرب معك يا جبار البأس. فقال له جدعون: أسألك يا سيدى إذا كان الرب معنا، فلماذا أصابتنا كل هذه (البلايا)؟ وأين كل عجائبه التي أخبرنا بها آباؤنا.. والآن قد رفضنا الرب وجعلن في كف مديان" (قض 6: 12، 13).
وهكذا قد تضعف الإيمان الضيقة إذا طالت، أو إذا اشتدت.
التلاميذ لما اشتدت عليهم الأمواج في السفينة، ضعف إيمانهم وشكوا قائلين للرب "أما يهمك أننا نهلك" (مر 4: 38-40). وبنو إسرائيللما طالت بهم المدة في عبودية فرعون، صغرت نفوسهم وضعف إيمانهم في الخلاص (خر 4: 1).

Mary Naeem 30 - 12 - 2013 04:18 PM

رد: كتاب حياة الإيمان
 
ضلالات الشياطين

ومن هذه الضلالات: الرؤى الكاذبة. فإن الشيطان -لكي يخدع البشر- يستطيع أن "يغير شكله إلى شبه ملاك نور" (2 كو 11: 14). بل يستطيع أن يقدم عجائب كاذبة كما قيل عن المقاوم ضد المسيح في آخر الزمان "الذي مجيئه بعمل الشيطان بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة، وبكل خديعة الإثم في الهالكين" (2 تس 2: 9، 10). وقال الرسول إن كل هذا سوف يسبب الارتداد قبل مجيء المسيح (2 تس 2: 3)، أي ضياع الإيمان بسبب هذه الضلالات الشيطانية التي تخدع الناس. إن الشيطان قد يخدع الناس بأحلام وبنبوءات كاذبة، وبأفكار ضلالات وبدع، لكي يحطم الإيمان في قلوبهم.. بل قد يرسل إليهم "مسحاء كذبة وأنبياء كذبة. ويعطون آيات عظيمة وعجائب (متى 24: 24) وقد يقول لهم هذا هو المسيح. ولذلك سبق الرب فأنذر وقال "إن قال لكم أحد: هوذا المسيح هنا أو هناك، فلا تصدقوا "(متى 24: 23). وكل هذا يحتاج إلى إفراز، وكما قال الرسول "لا تصدقوا كل روح. بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله. لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم" (1يو 4: 1).

Mary Naeem 30 - 12 - 2013 04:20 PM

رد: كتاب حياة الإيمان
 
الشك
الشك يضعف الإيمان. وضعف الإيمان يولد الشك..
تمامًا كما قلنا عن الخوف. وكلاهما يسبب الآخر، أو ينتج عنه.
أ- وكان الشك من الحروب التي حارب بها الشيطان أبوينا الأولين ليضيع إيمانهما. فقال لهما "أحقًا قال لكما الله..؟! كلا، لن تموتا" (تك 3: 1-4).
فإن حاربتك الشكوك من جهة وجود الله أو بعض العقائد الأساسية، فلا تخف. هذه محاربات من العدو، وليست إنكارًا منك للإيمان.
وبخاصة إن كان قلبك رافضًا لها. لذلك في مثل هذه الحالات يجب أن تصلى لكي يرفع الرب عنك هذه الحروب. وأن تغير مجرى تفكيرك بأن تنقل أفكارك إلى موضوع آخر تنشغل به. أما إن كانت الشكوك منك، وأنت مقتنع بها، فعليك أن تعالجها بفهم إيماني سليم، بسؤال المتخصصين في اللاهوت، وبقراءة الكتب المفيدة في موضوعك. على أن هناك حروبًا أخرى للشك أخف من هذه، نذكر منها:
ب- الشك في معونة الله، أو في أن الله قد تخلى عنك.


إن الرب يوبخ على هذا الشك قائلًا "يا قليل الإيمان، لماذا شككت" (متى 14: 31). وهنا يربط بين الشك وقلة الإيمان. لأن الإنسان القوى الإيمان لا يمكن مطلقًا أن يشك في محبة الله ورعايته. ولكن الضيقات الكثيرة المستمرة، قد تضغط على القلب أحيانًا فيقول: "لماذا يا رب تقف بعيدًا، لماذا تختفي في أزمنة الضيق" (مز 10: 1). أنه عتاب، وليس ضعف في الإيمان. وقد يبدو للمرتل أن الرب يقف بعيدًا. ولكنه يرقب بكل حب، وبكل حرص على سلامة أولاده. كالنسر الذي يعلم فراخه الطيران، وكالأب الذي يعلم ابنه العوم. يتركه قليلًا ليتدرب ويكسب خبرة. ويرقبه بكل حرص فإن رأى خطرًا يحيق به، يسرع إلى حمله وإنقاذه. هناك أيضًا مثال الأم التي تعلم ابنها المشي. فتتركه ليقوم ويسقط وتشتد عظامه وتقوى عضلاته ويتعلم. أما إن كانت في كل صرخة منه، تسرع وتحمله على كتفها فإنها بهذا ستضره. لأنه لن يتعلم، ولن تقوى عظامه كما ينبغي..
إن أزمنة الضيق، هي مدرسة لنا، نتدرب فيها على الصلاة والتمسك بالله. ونتدرب فيها على الإيمان، ونرى فيها كيف أن الله يعمل، وبقوة..
ويقينًا أن الله يعمل، مهما كنت لا تراه ولا تلمس عمله. إن الإنسان قد يشك إن نظر فقط إلى المتاعب، وليس إلى الله. وهكذا نرى أن بطرس قد شك حينما نظر إلى الماء الذي تحت قدميه، ولم ينظر إلى المسيح الذي يمسك بيديه. وإذ هبط إيمان بطرس، هبط هو أيضًا إلى الماء، ولكن إلى لحظة، وأنقذه الرب. قد يكون أولاد الله "كحملان وسط ذئاب"، ولكنهم لا يشكون ولا يخافون. فمادام الراعي الصالح وسط الحملان، فلن تقوى عليهم الذئاب ولا حتى الأسود. إن أبانا إبرام لم يشك في محبة الله وعنايته، على الرغم من صعوبة الأمر الصادر إليه بتقديم ابنه إسحق محرقة. وكأنه يقول:
إن قلبي ليس أحن من قلب الله على ابني إسحق، ولا أنا أستطيع أن أدبر مستقبل إسحق كما يدبره الله،
فمادام الرب موافقًا على شيء، فلا بد أن أوافق أنا عليه أيضًا بالضرورة، لأني لست في حكمة الله ول في محبته. لتكن إذن مشيئته.
إن الذي لا يشك، يعيش دائم في راحة وفي سلام.
يحيا دائمًا مطمئنًا، لا تتعبه العوامل الخارجية. ولا يفرض على الله حلولًا معينة، يتضايق إن لم ينفذها الله! بل هو يرضى بكل حل يأتي من عند الله حسب وافر حكمته الإلهية. ما أكثر المتاعب التي تولدها الشكوك في القلب وفي الفكر.. مثل القلق والخوف والاضطراب وقلة المحبة. مجرد الشك نفسه هو تعب. نار تحرق..
الشك يعالج بالثقة ويعالج بالحب. فمن يحب شخصًا لا يشك فيه. وهكذا نحن مع الله، لا نشك فيه، لأننا نحبه ونثق به. وإيماننا به لا يسمح لنا مطلقًا أن نشك في معاملاته الإلهية لنا وفي معاملاته الأبوية لنا. مبارك هو في كل ما يعمله .
إن الإيمان يقتل الخوف والشك. والخوف والشك قد يقتلان الإيمان.
تمسك إذن بإيمانك، لأنه هو العنصر الأقوى، وهو العنصر المنتصر دائمًا. حينئذ سوف تحي في فرح وسلام واطمئنان، بلا خوف، بلا شك، كل أيام حياتك

Mary Naeem 30 - 12 - 2013 04:22 PM

رد: كتاب حياة الإيمان
 
هل أنتم في الإيمان؟
"جربوا أنفسكم: هل أنتم في الإيمان؟ امتحنوا أنفسكم" (2 كو 13: 5).
هناك طرق كثيرة لاختبار الإيمان، يمكن استنتاجها من كل ما سبق. ونريد أن نقول ههنا إن الرسول -في حياة الإيمان- لا يتكلم عن مجرد الإيمان، أي الاعتراف باسم الرب، وإنما يذكر بالتخصيص:
1- الإيمان العامِل بالمحبة
2- الأعمال
3- نقاوة القلب
4- ما يمنحه من قوة
5- في الضيقة
6- بعض الوصايا
7- مدى اهتمامك بالأبدية
8- صحة العقيدة
9- صفات الإيمان

Mary Naeem 30 - 12 - 2013 04:25 PM

رد: كتاب حياة الإيمان
 
الإيمان العامل بالمحبة

اختبر إذن إيمانك بالمحبة حسبما شرحها الرسول في (1 كو 13)..المحبة تتأنى، وتترفق ، ولا تحسد، ولا تتفاخر، ولا تنتفخ، ولا تقبح، ولا تطلب ما لنفسها، ولا تحتد ، ولا تظن السوء ولا تفرح بالإثم.. وتحتمل كل شيء، وتصدق كل شيء، وترجو كل شيء، وتصبر على كل شيء" (1 كو 13: 4-7).
فهل توجد فيك كل هذه الصفات، ليكون إيمانك سليمًا؟ لقد قال الرسول "إن كان لي كل الإيمان حتى أنقل الجبال، ولكن ليست لي محبة، فلست شيئًا" (1 كو 13: 2). بهذه المحبة يمكنك أن تختبر إيمانك..
بل إنك تختبر الإيمان بالأعمال عمومًا.

Mary Naeem 30 - 12 - 2013 04:26 PM

رد: كتاب حياة الإيمان
 
تختبر الإيمان بالأعمال عمومًا

ذلك لأن الرسول يقول "وأنا أريك بأعمالي إيماني" (يع 2: 18). فبالأعمال تختبر إيمانك هل هو إيمان حى أم ميت لأن "الإيمان بدون أعمال ميت" (يع 2: 20). والإيمان الميت لا يقدر أن يخلص أحدًا (يع 2: 14). والقديس بولس الرسول أكثر من تحدث عن أهمية الإيمان، نراه يقول:
"يعترفون بأنهم يعرفون الله، ولكنهم بالأعمال ينكرونه" (تى 1: 16).
وفى رسالته إلى تيموثاوس يشدد كثيرًا على هذه النقطة، فيقول إن "الذي لا يعتني بخاصته.. قد أنكر الإيمان وهو شر من غير المؤمن" (1 تى 5: 8). وإن الأرمل اللائي رفضن نذر البتولية قد "رفضن الإيمان الأول" (1 تى 5: 12). وإن الذين يحبون المال، قد "ضلوا عن الإيمان" (1 تى 6: 10). وإن المهتمين بالكلام الباطل الدنس "قد زاغوا من جهة الإيمان" (1 تى 6: 21).
إذن سلوك الإنسان يمكن أن يكون اختبارًا لإيمانه.
هوذا القديس يوحنا الرسول يقول "من قال قد عرفته، وهو لا يحفظ وصاياه، فهو كاذب وليس الحق فيه" (1 يو 2: 4)، "من قال إنه ثابت فيه، ينبغي أنه كما سلك ذاك يسلك هو أيضًا" (1 يو 2: 6).

Mary Naeem 30 - 12 - 2013 04:28 PM

رد: كتاب حياة الإيمان
 
نختبر إيماننا بنقاوة القلب
ولماذا ؟ لأن الذي يؤمن أن الله كائن أمامه، وأن الله قدوس يكره الخطية، وأنه عادل يجازى كل إنسان حسب أعماله، هذا يخاف أن يخطئ أمام الله، ويستحى أن يخطئ، كما يستحى أن يجرح قلب الله المحب، إن كان يؤمن بمحبة الله. هوذا الرسول يقول "كل من يخطئ، لم يبصره ولا عرفه" (1 يو 3: 6). يقينًا إن الذي يخطئ، لا يكون في فكره أثناء الخطية أن الله يرى ويسمع ويسجل.. ويقينًا أن الذي يظلم، لا يكون مؤمنًا تمامًا أن هناك إلهًا موجودًا "يحكم للمظلومين" (مز 146: 7).
ولذلك إذا قيل لظالم "ربنا موجود" يخاف ويرتعش. ويقينًا إن المتكبر، أو المنتفخ بالمديح، لا يشعر مطلقًا أنه قائم أمام الله. إن هيرودس لما خاطب الشعب ومدحوه قائلين "هذا صوت إله، لا صوت إنسان" فابتهج بهذا المديح، لم يكن عنده إيمان أن الله أمامه، ذلك "ضربه ملاك الرب، لأنه لم يعط مجدًا لله. فصار يأكله الدود ومات" (أع 12: 21-23). المؤمن الحقيقي يمكن اختباره أيضًا بالزهد وعدم اشتهاء الأمور التي في العالم، فالمؤمنون مكتفون بما هم فيه ( فى 4: 11).
وبالنسبة لاحتياجاتهم، لا يحتجون على شيء، ولا يحتاجون إلى شيء.

Mary Naeem 30 - 12 - 2013 04:29 PM

رد: كتاب حياة الإيمان
 
يُختبر الإيمان بما يمنحه من قوة
هل لديك قوة الإيمان التي تشعر بها أن كل شيء مستطاع؟
وكما قال الرب "كل شيء مستطاع للمؤمن" (مر9: 23). هل تشعر أن هناك شيئًا صعبًا أو مستحيلًا، أو لا يصدق إيمانك بأن الله يمكن أن يعمله؟ هل تقف في شك أمام الأشياء التي تحتاج إلى معجزة؟! هل يمكنك أن تقول كما قال القديس بولس الرسول "أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني" (فى 4: 13). هل تهزك العقبات والصعوبات بحيث تقول "لا فائدة"؟! هل يحاربك اليأس؟

إن اليأس ضد الإيمان، وضد الرجاء، من كل ناحية.
لاشك إن المنتحرين فقدوا إيمانهم ورجاءهم، وشعروا أنه لا حل، كما فقدوا الإيمان بحقيقة الحياة بعد الموت في الأبدية ومصير المنتحرين فيها. وكذلك الذين استسلموا للأمر الواقع، أو للضغوط الخارجية، وخضعوا للخطية، لم يؤمنوا إطلاقًا أن هناك قوة يمكن أن تسندهم وتخلصهم. إن الإيمان قوة لمن يستطيع أن يستخدمه في ثقة بلا شك.
أخشى أن يكون الإيمان في أيدي البعض كعصا أليشع في يد جيحزى (2 مل 4: 31). وأخشى أن يكون الصليب في أيدي البعض كذلك: يحسنون حمله ورشمه وليس الإيمان به. معهم الصليب وليست معهم قوته التي هي كامنة في الإيمان به وبعمله هل تظنون أن عصا موسى هي التي شقت البحر الأحمر؟ أم هو إيمان موسى حامل هذه العصا ومستخدمها باسم الرب؟
فهل لك الإيمان التي كانت لموسى حينما ضرب البحر بعصاه؟
إنك كثيرًا ما تصلى. ولكن هل في صلاتك الإيمان الذي يعطى لهذه الصلاة قوة؟ ما أعجب قول الكتاب حين قال عن إيليا إنه "صلى صلاة" (يع 5: 17). وهذه الصلاة لم تكن عادية كصلوات باقي الناس، إذ أنها استطاعت أن تغلق السماء مرة، وأن تفتحها مرة أخرى..
اختبر إيمانك إذن بالقوة التي لك نتيجة علاقتك بالله.

Mary Naeem 30 - 12 - 2013 04:33 PM

رد: كتاب حياة الإيمان
 
اختبار الإيمان ببعض الوصايا
أ من الوسائل التي يختبر بها الإيمان: العشور أو العطاء عمومًا. وبخاصة إذا كان هذا المؤمن محتاجًا، أو مطلوب منه أن يعطى من أعوازه. ضعيف الإيمان يقول "إن كان المرتب كله أو الإيراد كله أو لا يكفى، فكيف يكون الحال إن نقص أيضًا عشرة؟!. أما المؤمن فإنه يقول: إن إعطائي العشور، يجعل الباقي مباركًا فيكفى ويزيد..

إن العشور اختبار روحي عرضه الرب نفسه في سفر ملاخي فقال:
هاتوا جميع العشور.. وجربوني بهذا، قال رب الجنود: إن كنت لا أفتح لكم كوى السماء، وأقيض عليكم بركة حتى لا توسع.. (ملا 3: 10). فإن كان الشخص -على الرغم من هذا الوعد الإلهي- لا يدفع،، فلا شك أن إيمانه يكون ضعيف في وعد الله وفي بركته. وقبل ذلك في وصيته..
إن كان هذا في العشور، فماذا عن وصيته: "مَنْ سألك فأعطه"؟ ( متى 5: 42). وماذا عن وصية "اذهب بع كل مالك وأعطه للفقراء" (متى 19: 21). وماذا عن وصية "بيعوا أمتعتكم [ أو مالكم ] واعطوا صدقة" (لو 12: 33)؟بهذا يختبر إيمانك: هل الله قادر أن يعولك بما يبقى بعد دفع نصيب الفقراء؟ وأيضًا هل هو قادر أن يعولك دون أن تكنز لك كنوزًا على الأرض (متى 6: 19).
ب- من الوصايا التي يختبر بها الإيمان أيضًا: حفظ يوم الرب.
هل أنت تفرح بيوم الرب لكي تقضيه مع الرب؟ أم أنت تفضل عليه مشغوليات أخرى عديدة؟ هل أمورك العالمية أهم في نظرك؟ وهل تأجيلها أمر لا تحتمله ولا تستطيع ترتيبه بتنظيم وقتك؟ إنه اختبار لإيمانك.
ج- وكذلك من الاختبارت الهامة: مدى محبتك للصلاة:
هل تنساها وتمر عليك أوقات كثيرة لا تصلى فيها؟ وهل إذا وقفت للصلاة، تفكر كيف تنتهي منها لتنشغل بأمور أخرى تهمك بالأكثر؟ وهل أثناء صلاتك تسرح في أمور أخرى، وتنسى أنك واقف أمام الله تخاطبه؟ إن كنت كذلك فلا يكون إيمانك قويًا بالله وبعشرته وبلذة الحديث معه.. وهكذا إن وضعنا باقي أمور الصلاة، وباقي بنود العمل الروحي، لتكون مجالًا لاختبار إيمانك.

Mary Naeem 30 - 12 - 2013 04:33 PM

رد: كتاب حياة الإيمان
 
اختبار الإيمان في الضيقة
الضيقات تحل بكل أحد. ولكن هناك فرقًا كبيرًا بين المؤمن وغير المؤمن في الروح التي تستقبل بها الضيقة.
إن كانت الضيقة تفقدك سلامك، فاعرف أن إيمانك ضعيف.
المؤمن يستقبل الضيقة مؤمنًا أنها للخير، وأن الله سيحلها. فلا يتضايق في داخله، ولا يضطرب، ولا تنشغل أفكاره بها، ولا يتعب قلبه بالحزن والألم. إنما يواجه الضيقة بثلاث آيات هي "كل الأشياء تعمل معًا للخير، للذين يحبون الرب" (رو8 : 28)، و" احسبوه كل فرح يا أخوتي، حينما تقعون في تجارب متنوعة" (يع 1: 2). وأيضًا "كل شيء مستطاع للمؤمن" (مر9: 23). وبهذا الإيمان يفرح قلبه في الضيقة، ويتعزى الناس بفرحه.


المؤمن يضع بينه وبين الضيقة، فتختفي الضيقة ويظهر الله.
ويذكر يد الله التي كانت مع القديسين في كل ضيقاتهم "وملاك حضرته خلصهم" (اش 63: 9). ويذكر ما حدث لموسى ويوسف وداود وأيوب ودانيال وللثلاثة فتية. وكل هذه الذكريات تزيده إيمانًا بالله وثقة في تدخله وعمله. وهكذا لا يتزعزع في الضيقة، ولا شك ولا يحزن ولا يحمل همًا بل يقول مع المرتل "نجت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصادين. الفخ انكسر ونحن نجونا، عوننا من عند الرب الذي صنع السماء والأرض" (مز 124).
يقول للرب: مادمت أنت موافق على الضيقة، فأنا أفرح بها.
ليس فقط أقبلها، أو أرضى بها، إنما أحسبه كل فرح أن الرب يعطيني بركة هذه الضيقة.. ما أجمل ما قيل عن الآباء الرسل بعد أن جلدوهم "وأما هم فذهبوا فرحين.. لأنهم حسبوا مستأهلين أن يهانوا من أجل اسمه" (أع 5: 41).
المؤمن مهما بدت كل الأبواب مغلقة، يرى باب الله مفتوحًا.
إنه يؤمن بالله، الذي بيده مفاتيح السماء والأرض "الذي يفتح ولا أحد يغلق" (رؤ3: 7). ويرتل هذا المؤمن مع القديس يوحنا الرائي قائلًا "بعد هذا نظرت، وإذا باب مفتوح في السماء" (رؤ5: 1). بل اختبار اٌلإيمان بأن ترى جميع الأبواب مفتوحة أمامك. وكلما ترى أمامك بابًا مغلقًا: ليس هذا هو الباب الذي يريدني الله أن أدخل منه. هناك أبواب أخرى كثيرة مفتوحة عند الله. وهناك أبواب مغلقة الآن سيفتحها فيما بعد.. وبهذا الإيمان تستريح

Mary Naeem 30 - 12 - 2013 04:35 PM

رد: كتاب حياة الإيمان
 
اختبر إيمانك بمدى اهتمامك بالأبدية
هل أنت مركز كل فكرك وقلبك في هذا العالم الحاضر، ومدى نجاحك فيه، ومدى تمتعك به؟ أم أنت تهمك أبديتك، ويهمك مصيرك في العالم الآخر، وتعد العدة لتلك الحياة كما يقول الرب "لتكن أحقاؤكم ممنطقة، ومصابيحكم موقدة. وأنتم تشبهون أناسًا ينظرون سيدهم متى يرجع من العرس، حتى إذا جاء وقرع يفتحون له للوقت. طوبى لأولئك العبيد الذين إذا جاء سيدهم ساهرين" (لو 12: 35-37)
إن السهر الروحي اختبار عميق للإيمان.
أما الغافل عن أبديته، فأين هو إيمانه؟! أين إيمانه بالحياة الأخرى، والاستعداد لها بالتوبة والعمل الصالح، وبعشرة الله ومحبته، وبالزيت جاهز في مصباحه..؟!


الساعة الآن 03:54 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025