الشيطان يغير خططه
***************
إن الشيطان لا يصر على خط معين فى محاربته للإنسان 0 إنما ما أسهل أن أن يغير خطه وخططه ، إن كان ذلك يوصله إلى سقاط من يريد 0
وسنضرب لذلك بعض أمثلة :
1-شاب كان يحاربه الشيطان بالزنا حرباً عنيفة ويتعبه فيها ويسقطه أحيانا 0 فبدأ هذا الشاب فى حياة توبة ، واصبح يحترس من هذه الخطية بالذات إحتراساً شديداً : يبعد عن كل أسبابها 0 ويسد كل الأبواب التى تأتى منها الخطية ، سواء كانت من القراءات أو السماعات أو اللقاءات 0 وفى نفس الوقت يقوى نفسه من الداخل بكل الوسائط الروحية ، ويصلى إلى الله بدموع لكى ينقذه 0
فماذ يفعل الشيطان إزاء هذا الحرص الشديد من خطية الزنا ؟
يقول : أتركه الآن ، لا أحاربه بهذه الخطية فترة طويلة ، حتى يظن أنه انتصر عليها تماماً ، فلا يحترس من جهتها 0 و لنحارب حالياً بخطية أخرى 00
ويتركه سنة أو إثنتين أو ثلاثاً ، بلا حروب في هذه الخطية ، بلا عثرات ، بلا أفكار . ويلقيه مثلاً في خطية كالكبرياء ...
يري المسكين أنه نجا من الزنا ، فيفرح . ويغريه الشيطان بمستوي عال في الصوم ، في القراءة ، ثم في الخدمة ، وفيما هو مستريح الفكر من الخطئة ، ومستريح في منهجة الروحي ، يدعوه الشيطان إلى تطبيق هذا المستوي على غيره . ويريه أنهم مقصرون ، وأنه فاقهم بمراحل ، فيوقعه في الكبرياء . ويدعوه إلى توبيخهم وتبكتهم وإدانتهم :
أبوك لا يصلي . أمك لا تصوم . إخوتك لا يتناولون . أسرتك لا تقرأ الكتاب . إذهب ووبخهم ، وبشدة ...
ويمتد نطاق التوبيخ واحتقار الآخرين ، وشتيمة واحتقار هؤلاء وأولئك ، لأنهم بعيدون عن الله ، مع تعالي القلب بما وصل إليه . وفيما هو يحاول أن يخلع الزوان ، يصير هو نفسه زوناً . إذ أصبح باسم الحق يشتم ، ويحتد ، ويدين ويحتقر ، ويتعالي على غيره ، ويسبح في الغرور والكبرياء ، يقول كالفريسي " أشكرك يارب إني لست مثل سائر الناس ... " ( لو18 : 11 ) .
وتسأل الشيطان عن خطية الزنا التي أراح منها هذا الشاب ؟
فيجيب : الذي يهلك بالكبرياء ، كالذي يهلك بالزنا . كلاهما هالك .
أليس أن الذي يموت بالسل ، كالذي بالسرطان ، كالذي في عميلة جراحية ؟ كله موت ... والنهاية واحدة ... " تعددت الأسباب ، والموت واحد " ...
أما حرب الزنا التي يظن هذا الشاب أنه قد نجا منها ، ففي الحقيقية أن لها يوماً تعود فيه إليه ، حينما يقل يفيق منها . وتسأله كيف ؟ فيقول :
في الفترة التي استراح فيها الشاب من حرب الزنا ، ظن أنها فارقته بلا عودة ، ولم يعد لها وجود في حياته ، وأنها من الخطايا التي تحارب المبتدئين فقط . ولا يعقل أن تحارب المستويات العليا التي وصل إليها ! بل إن كثيريرن أصحبوا يسترشدون به في مقاومة هذه الخطية .
وهكذا أصبح يسمع تفاصيل عن هذه الخطية ما كان يسمح لنسه أن يسمعها من قبل . وبعض أمور خافيه عن معرفته صار يقرأ لها كتباً في هذا الموضوع المعثر ، ليرد على أسئلة سائليه ، وما كان يقرأ هذه القراءات مطلقاً فى فترة حرصه واحتراسه ! وهكذا امتلأ ذهبه بأفكار صارت تترك فى نفسه مشاعر وتأثيرات ، تنمو بمرور الوقت وهو لا يدرى . إلى جوار أنه بسبب الكبرياء وإدانة الآخرين ، بدأت النعمة تتخلى عنه . وهنا أتت الساعة التى يضربه فيها الشيطان بهذه الخطية بالذات . ويسهل عليه إسقاطه . وتكون خطة الشيطان قد نجحت على الرغم من تغييرها فى الطريق ...
وهنا يقول الشيطان : إننى أرحته زمناً من هذه الخطية ، لكى لا يستعد لها . وحينما لا يستعد لها ، لا يدقق . وفى عدم تدقيقه يتساهل مع الخطية وأفكارى . وفى هذا التراجى وتساهله مع ، أضربه بالخطية التى استراح منها سنوات . فيسقط بسهولة .
هذا هو الشيطان ... ! قد لا يحاربك الآن بخطية معينة ، ليس محبة منه لك ، إنما لأنه لا يجهز لك فخاً من نوع آخر .
ب - مثال آخر : إنسان آخر ساقط فى الخطية الغضب ، وخطية الإدانة ، وخطايا السب والكلام الجارح . بدأ يستيقظ لنفسه ، ويدخل بقوة فى تداريب صمت ، ليتخلص من خطايا اللسان جملة . فماذا يفعل الشيطان ؟
يقول : لا مانع من أن نغير الخطة . وبدلاً من محاربته بخطايا اللسان والغضب ، نحاربه بخطية الغرور مثلاً ...
بحيث يقتنع تماماً ، أنه لا يوجد إنسان أفضل منه . وكيف ذلك ؟ نريحه من خطايا اللسان تماماً ، فلا نحاربه بها الآن مطلقاً . وننصحه بشئ من النمو الفجائى فى العمل الروحى ، بلون من المغالاة ، ولا نحاربه فى ذلك .ويظن أن لا يوجد مثله ، فيسلك في الغرور . وربما يختلف مع أب اعترافه الذي لا يوافقه على تطرفه وغروره ، فلا يأبه . ويصبح في وضع لا يخضع فيه لأحد ، لا يطيع أحداً ، ولا يستشير أحداً ، ولا يحترم أحداً .
والغرور يسقطه ويهلكه ، بدون السقوط في خطايا اللسان .
ومع ذلك فالغرور سيجعله يصطدم بالآخرين . ولابد سيقع في خطايا اللسان ، حتى بدون شيطان ! فكم بالأولي إذا حاربه الشيطان بها ...
إن الشيطان التي تناسبه . إنه يعرف متي يحارب ، وكيف يحارب ، وبأي نوع .. ؟
والذي لا يسقط بهذه الطريقة يسقط بغيرها .
والذي لا يسقط في هذه الخطية الآن ، مصيره أن يسقط فيها هي بذاتها ، فيما بعد ، والفخاخ كثيرة ، موجودة ومنصوبة .
ج - مثال ثالث في كيف يغير الشيطان خططه :
بدأ الصوم الكبير . وكان الشيطان في العام الماضي يقاتل عن الأطعمة الحيوانية ؟! صم بالأحرى عن الخطية ، وحارب الحيوان الذي في داخلك .. لأنه ما فائدة الصوم بدون طهارة ونقاوة ؟! ألا يكون صومك غير مقبول ؟!
- فأجاب الشاب : بل أنا أنفذ قول الكتاب " إفعلوا هذه ، ولا تتركوا تلك " ( متى23 : 23 ) . فأحاول أن أصوم الصومين معاً . أصوم جسدي عن الطعام ، وأصوم نفسي عن شهوة الخطية " أقمع جسدي وأستعبده " ( 1كو9 : 27 ) بمنعه عن الأطعمة بمنعه عن الأطعمة الشهية ، أتعود بذلك قهر النفس فلا تخطئ .
· قال الشيطان : ولكنك ضعيف ، وصحتك لا تحتمل الصوم . ولابد تحتاج إلى البروتين الحيواني لتعيش ، وبخاصته وأنت في فترة نمو .
- فأجابة الشاب بقول الرب " ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان " ( متى4 :4 ) . وتذكر أن آدم وحواء كانا يعيشان على الثمار والبقول ، ثم عشب الأرض ( تك1 : 29 ، 3 : 18 ) . ولم يقل الكتاب إنهما مرضا لنقص البروتين الحيواني ! ...
· قال الشيطان : لا مانع إذن من أن تصوم . ولكن لا داعي لأن تصوم الصوم كله من أوله ، فهذا كثير . وأيضاً لا تضغط على نفسك في الصوم ، لئلا يحاربك الشيطان بالمجد الباطل ! وأنت تعرف حروب الشياطين ، وخطورة ضربات اليمين .
- أجاب الشاب : لا أريد أن أتهاون . فالرب يدعونا إلى الكمال ( متى5 : 48 ) . ومهما صمت ، ماذا يكون صومي إذا قورن بأصوام القديسين ؟! إنه لا شئ ... وصام الشاب . وحل الصوم هذا العام ، والشاب في تصميمه .
- ورأي الشيطان أن محاولة منع هذا الشاب عن الصوم ستكون محاولة عقيمة . لذلك بدأ يغير خطته إلى العكس .
· فقال للشاب : ما أفيد الصوم ! إن عمق فائدته تأتي من طول فترة الانقطاع . ومن رأيي أن تنقطع كل يوم إلى الغروب من بدء الصوم .
ولكن لابد أن تستشير أب اعترافك وتأخذ موافقته ( وكأن يعلم يقيناً أن أب الاعتراف لن يوافق ) .. وهنا نصب له فخاً .
ولم يوافق أب الاعتراف ، ودعا الشاب إلى التدرج ...
· وهنا تدخل الشيطان ليقول : إن أب اعترافك هذا ، لا خبرة له بالصوم . وهو بإرشاده يعطل حياتك الروحية . بطريقته هذه لا يمكن أن تنمو ، ولا أن تذوق حلوة الصوم . بل أخشي عليك إذا ضغطت الظروف ، أن ينصحك يوماً بأن تفطر في أسبوع الآلام !! والأفضل أن تغير أب اعترافك . ومن الممكن في أمور الصوم وأمثالها ، أن لا تستشير أب الاعتراف ! أترك هذه الأمور أصرفها معك بنفسي !
وهكذا غير الشيطان خطته ، من تشكيك في الصوم ، إلى تشكيك في أب الإعتراف . ليس المهم عنده نوع الحرب ، إنما أن يسقط من يحاربه .
وبتحويل الشاب عن أب اعترافه ، جعله يسلك حسب هواه بلا مرشد ، مع كبرياء في القلب يظن بها أنه أفضل من مرشده ، مع إدانة لهاذ المرشد .؟ وكل هذه وسائل تجره في طريق السقوط إلى أسفل .
د - مثال رابع : شيطان المجد الباطل :
إنه شيطان يغير أسلوبه باستمرار ، ليطابق أي حال يراه ...
وهو في ذلك غير المكعب الذي لابد أن يستقر على قاعدة معينة . أما المكور فحيثما نقلبه أو توجهه ، يتحرك ، على كل وجه ، كالكرة .
إن كنت جالساً إلى المائدة ولم تأكل ، يقول لك " يعجبني نسكك هذا ، إنك لا تأكل كسائر الموجودين . وإن أكلت مثلهم تماماً ، يقول لك " هكذا القديسون : يتظاهرون بالأكل وهو صائمون ، لكي يخفوا فضائلهم " .
إن تكلمت ، يقول : إنه كلام الحكمة ، موضع إعجاب السامعين ...
وإن صمت ، يقول : الصمت فضيلة فضيلة القديسين مثل القديس أرسانيوس !
فكن حكيماً مع هذا الشيطان . ولا تصدقه فيما يقوله ، ولا تتأثر بكلامه وأحكامه . وإن حاربك بمديح نفسك لنفسك ، تذكر خطاياك وضعفاتك ، وبكت ذاتك عليها . أو تذكر ما ينقصك في حياة البر ، حتى تقيم توازناً مع ما تسمعه من مديح ...
وعموماً - بالنسبة إلى أي شيطان - إذا غير خططه معك ، يمكن أن تغير أنت أيضاً خطتك معه .
ومثال ذلك ، القديس يوحنا القصير : كان الشياطين يمدحونه على ما وصل إليه من فضيلة ، حتى أن الإسقيط كله كان يطلب منه كلمة منفعة . فيجيبهم : ومن أنا المسكين ؟ ألعلى وصلت إليه الأنبا أنطونيوس أو الأنبا بموا ؟! إنني كلي خطية . فإن قالوا له : حقاً إنك خاطئ وستهلك ، يجيبهم : واين ذهبت محبة الله ورحمته ؟!
فكان الشياطين يقولون له " لقد حيرتنا . إن رفعناك إتضعت . وإن وضعناك إرتفعت " .. فكن أنت هكذا في تعاملك مع الشياطين .
إن مدحوك ، تذكر خطاياك . وإن أراحوك من محاربتهم ، قل لعلهم يعدون لي فخاً لا أعرفه . فليرحم الرب ضعفي ...
بل أذكر أنك لم تصل إلى المستوى الذى يحاربك فيه الشيطان . مثل ذلك الأخ الذى شكا للقديس الأنبا بيشوى محاربة الشيطان له . فظهر الشيطان للقديس ، وقال له : من هو هذا الإخ لأحاربه ؟ أنا لم أسمع بعد بأنه قد ترهب ! إن حرب الشياطين الحقيقية حرب شديدة . وربما غالبيتنا لم يتعرضوا لها . والحروب التى تعرض لها القديسون كانت عنيفة ، لا يسمع الله أن نكابدها نحن . إن شيطان المجد الباطل ، يقدم حرباً أساسها المديح . ولكن هناك طريقة عكسية لهذه تماماً يحارب بها الشيطان أحياناً ، وهى : حرب الكآبة