رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
رسالة إلى المتغربين "لتكثر لكم النعمة والسلام" ١بط: ١-٢ الموضوع الرئيسي في رسالة بطرس هو تشجيع المؤمنين على تحمل الألام التي لا بد وان يتعرض لها كل المؤمنين المتغربين الذين يعيشون بصفة مؤقته في العالم الحاضر. وهذه الآلام تحدث في حياة المؤمنين بسبب إيمانهم وتمسكهم بالمسيح. كلمة الم في اللغة اليونانية تقابل العديد من المعاني في لغتنا العربية. وهي قد تعني حزن، جرح، ضغط، اضطراب، ضيق، تعذيب، او استشهاد. وهذه الألام قد تكون بسبب سخرية واحتقار العالم للإيمان المسيحي ورفضه وكراهيته الشديدة للمبادئ المسيحية. كما انها قد تكون بسبب ظهور انبياء ومعلمين كذبة ينكرون المسيح فيشككون حديثي الإيمان بخلاص المسيح الأبدي ويصنعون انقسامات وخصومات في الكنيسة مما يؤدي الى ضعفها على اداء ادوارها الروحية التي جعلت من أجلها. او ان الآلام ربما تكون بسبب شدة الإضطهادات التي يتعرضون لها، فيلقون في السجون، او يطردون من ديارهم وتسلب حقوقهم وممتلكاتهم، او حتى يضعون حياتهم فيستشهدون من اجل سيدهم. لكن الرسول بطرس يوضح لنا ان هناك نوعا اخرا من الألام التي يتعرض لها المؤمنين اثناء فترة اغترابهم. هذه الآلام تكون بسبب تعايش المؤمنين في مجتمعات تعيش بعيدا عن معرفة الإله الحي. قدم لنا الرسول بطرس شخصية لوط كمثال للمؤمن الذي يعيش في مجتمع منغمس في النجاسة والشهوة. مجتمع يعيش في جهل عن وجود الله وعن وصاياه. يذكر لنا الرسول بطرس ان الألام النفسية تحدث للمؤمنين بسبب السمع والنظر لأقوال وأفعال شريرة اثيمة، او لأقوال وأفعال لا تتفق مع فكر الكتاب المقدس، حتى ولم يشاركوا فيها. "واذ رمد مدينتي سدوم وعمورة، حكم عليهما بالإنقلاب، واضعا عبرة للعتيدين ان يفجروا، وانقذ لوطا البار، مغلوبا من سيرة الأردياء في الدعارة. اذ كان البار، بالنظر والسمع وهو ساكن بينهم، يعذب يوما فيوما نفسه البارة بالأفعال الأثيمة. يعلم الرب ان ينقذ الأتقياء من التجربة، ويحفظ الأثمة إلى يوم الدين معاقبين." ٢بط٢: ٦ـ ٩ يذوق المؤمنون الألم في كل يوم بسبب وجودهم في وسط هذا العالم الذي ينكر وجود الله ويبتعد عن قداسته ويرفض ان يعيش بتعاليمه ووصاياه. فمجرد الإستماع لأفكار العالم والنظر الى سلوك ابناءه والطرق التي يعيشون بها من استمتاع بالشهوة والتلذذ بالخطايا والشرور، يجعل المؤمن في حزن عميق والم شديد. ومهما حاول ان ينعزل عن المجتمع حتى لا يرى الشر، او ان يسد اذناه عن سماع الباطل، لا ينجح لأن الشرير يتفنن في ارسال افكاره الشريرة في كل مكان يوجد المؤمن به سواء من خلال الميديا البصرية او السمعية او من خلال استخدام اشخاص يقدرون ان يخترقوا حياة المؤمن لينزعوا سلامه الذي في المسيح فيؤلموه ويعذبوه بأفكار العالم الشريرة. لذلك نقدر ان نرى اهمية الكنيسة في هذا العالم، وكيف يجب ان نصلي من اجلها ومن اجل ضعفاتها واحتياجاتها، وان نتحمل الامها حتى تبقى مرتفعة بمبادئها وتعاليمها. لأنك لن ترى مكانا اخرا على هذه الأرض ينادي بكلمة الله ويعلن فكره إلا في كنيسته. الى كل هؤلاء المؤمنين المتألمين بسبب الإضطهادات والتجارب المتنوعة، او بسبب الرفض والكراهية ظلما وكذبا وافتراءا، او بسبب الخراب الذي يسببه المعلمون الكذبة، او بسبب التعايش في مجتمع شرير ينكر وجود الله ويرفض قداسته، يقدم الرسول بطرس رسالة تشجيع وتعزية حيث يقول "لتكثر لكم النعمة والسلام". فكيف يمكن ان يحدث هذا في وسط كل هذه الآلام والأوجاع؟ يقول الرسول بطرس ان السر يكمن في وجود الله مع المتألمين كما تشير هذه الآية: "إلى المتغربين...، المختارين بمقتضى علم الله الآب السابق، في تقديس الروح للطاعة، ورش دم يسوع المسيح. لتكثر لكم النعمة والسلام." ١بط ١: ٢ يعلن الرسول بطرس في هذه الآية فكرة لاهوتية قوية جدا وهي أن الإله الواحد المثلث الأقانيم، الآب والإبن والروح القدس، معنا. فلماذا ذكر الرسول بطرس هنا "الثالوث" ولم يكتف بأن يقول ان الله معنا لذلك تكثر لنا النعمة والسلام؟اعتقد ان الرسول بطرس كان يريد ان يدعوا المؤمنين المتغربين المتألمين ان يقتربوا اكثر من الله ليتعرفوا على شخصه المبارك وما الذي فعله ويفعله معهم بكل تحديد ووضوح في وسط الامهم وضيقاتهم. فهو ليس الإله الذي يسكن السماء بعيدا جدا عنا وعن الامنا، لكنه ايضا يعيش قريبا جدا من الذين يطلبونه. "أطلبوا الرب مادام يوجد ادعوه وهو قريب." اش٥٥: ٦ الله الآب "... إلى المتغربين...المختارين بمقتضى علم الله الآب السابق..." ١بط١: ١، ٢ يعلن الرسول بطرس خبرا سارا جدا لكل المتألمين انه اذا كان العالم قد رفضهم بسبب إيمانهم، فإن الآب في محبته الغير محدوده قد اختارهم ليكون لهم إلها وأبا يعيش معهم وفيهم، ويخلصهم من ضيقاتهم وخطاياهم، ويقودهم في رحلة الإيمان من العالم الشرير الى السماء. فالمقصود بـ "علم الله الآب السابق" ليس فقط المعرفة الكاملة، فالله، بكل تأكيد، يعرف الماضي والحاضر والمستقبل، ولكنه ايضا يقوم بعمل كل التجهيزات والتخطيطات والتدابير اللازمة المبنية على هذه المعرفة لكي يعين المتألمين. فالله في علمه السابق اختار المؤمنين، لذلك دبر لهم خطة خلاصهم وصنع فداءا كاملا بموت المسيح الكفاري على الصليب. كذلك نقدر ان نفهم ان الله في علمه السابق يعرف بألام وضيقات كنيسته المضطهدة، كما انه يعرف الامنا نحن ايضا وظروفنا الصعبة. لذلك فالله الآب بمقتضى علمه السابق لا يزال يعمل في حياتنا بكل حكمة وقوة ليساعدنا ويقوينا على هذه الألام. "مكتئبين في كل شيء لكن غير متضايقين. متحيّرين لكن غير يائسين. مضطهدين لكن غير متروكين. مطروحين لكن غير هالكين." ٢كو ٤: ٨، ٩ الله الروح القدس الروح القدس هو الذي يقدس حياة الإنسان اي يفصل الإنسان ويعزله عن الخطية. فالروح القدس يحمي المؤمن في ايام الألم من ان يتراجع عن إيمانه فيسقط في محبة العالم والخطية. ولكن على العكس، يجد الإنسان المؤمن نفسه يزداد حبا وتعلقا بالله القدوس وبحياة القداسة على الرغم من كل الآلام التي يلقاها، وفي نفس الوقت يزداد كرها للخطية وبعدا عن محبة العالم. "لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم. إن أحب أحد العالم فليست فيه محبة الآب. لأن كل ما في العالم: شهوة الجسد، وشهوة العيون، وتعظم المعيشة، ليس من الآب بل من العالم. والعالم يمضي وشهوته، وأما الذي يصنع مشيئة الله فيثبت إلى الأبد." ١يو٢: ١٥ـ ١٧. لذلك فالروح القدس يشجع الإنسان المؤمن ان يعيش حياة البر والقداسة كمغتربا ومنفصلا عن حياة العالم الشرير. يعيش معنا وفينا ليجهزنا ويشكلنا لكي نكون نافعين لملكوت السماوات، فيرشدنا بإستمرار الى الحق، ويقوينا على شهوات العالم، ويشجعنا على تكميل رحلتنا الى السماء. الله الإبن "ورش دم يسوع المسيح" ١بط: ٢ استخدم الرسول بطرس التعبير "رش دم" وهو نفس التعبير المستخدم في العهد القديم ليوضح اهمية ودور الدم وهي كالآتي: رش الدم للتطهير: "وينضح على المتطهر من البرص سبع مرات فيطهره" لا ١٤: ٦، ٧ رش الدم لتقديس الكهنة: "وتأخذ من الدم الذي على المذبح ومن دهن المسحة، وتنضح على هارون وثيابه، وعلى بنيه وثياب بنيه معه، فيتقدس هو وثيابه وبنوه وثياب بنيه معه." خر ٢٩: ٢١ رش الدم لختم العهد وسريانه: "واخذ موسى الدم ورش على الشعب وقال: هوذا دم العهد الذي قطعه الرب معكم على جميع هذه الأقوال." خر ٢٤: ٨ يسوع المسيح هو الذي صنع لنا فداءا بموته على الصليب، وبدمه ادخلنا مع الله في عهدا جديدا ابديا: "لأن هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من اجل كثيرين لمغفرة الخطايا" مت٢٨: ٢٦. هذا العهد يؤكد للمؤمنين المتغربين ان الله بموجب هذا العهد، لا يمكن ان يتركهم او يتخلى عنهم. "لأن هذا هو العهد الذي اعهده مع بيت إسرائيل بعد تلك الأيام يقول الرب اجعل نواميسي في اذهانهم واكتبها على قلوبهم وانا اكون لهم الها وهم يكونون لي شعبا." عب٨: ١٠ رسالة إلى المؤمنين المتغربين المتألمين من أجل إيمانهم "الآب والإبن والروح القدس معنا": أ. الألام والإضطهادات التي توجه ضد المؤمنين يعتبرها الله انها موجه له شخصيا. فلايزال يسوع يتألم مع المؤمنين المتغربين المتألمين. ولذلك فهو يتعامل مع الآلام بنفسه بالنيابة عن المؤمنين. إعتبر يسوع ان إضطهاد شاول للمؤمنين هو اضطهادا له شخصيا. فهل يقدر شاول ان يفعل اي شئ ضد مشيئة الله؟ "شاول شاول! لماذا تضطهدني. فقال: من انت يا سيد؟ فقال الرب: أنا يسوع الذي انت تضطهده. صعب عليك أن ترفس مناخس." اع ٩: ٤ ب. هذه الألام تنتج افراحا روحية في داخلنا لأن الله معنا "الذي افرح في الامي لأجلكم، واكمل نقائص شدائد المسيح في جسمي لأجل جسده، الذي هو الكنيسة." كل١: ٢٤ ج. هذه الألام تنتج تعزية لأن الله معنا "مبارك الله ابو ربنا يسوع المسيح، ابو الرأفة وإله كل تعزية، الذي يعزينا في كل ضيقتنا، حتى نستطيع ان نعزي الذين هم في كل ضيقة بالتعزية التي نتعزى نحن بها من الله. لأنه كما تكثر آلام المسيح فينا، كذلك بالمسيح تكثر تعزيتنا أيضا". ٢كو ١: ٣ـ ٥ لذلك فلا يجب ان ننظرالى آلامنا على انها عقاب من الله ، او تجعلنا نشك في وجوده وفي امانته، و نتذمر عليه. ولكن يجب ان نشكر الله على آلامنا لأنها إعلان على مشاركتنا لألام المسيح. وهذا هو مصدر افراحنا وسعادتنا وتعزياتنا لانه يعطي قيمة ومعنى لألامنا. إنها رسالة للفرح والتعزية والسلام وسط الألام. فاذا كانا نعيش غرباء في هذا العالم الذي يقاوم الإيمان المسيحي ويظهر لنا الكراهية والعداء فيسبب لنا الاما واحزانا، لابد ان نعلم يقينا ان الله الآب والله الروح القدس والله الإبن إله العهد الجديد الإله الواحد معنا. ق. نشأت وليم خليل |
|