فلنتأمل في عمق التواضع الذي لا قرار له. المعلن في هذا الجواب المعطى من مريم العذراء لزعيم الملائكة. فهي وقتئذٍ قد عرفت جيداً مستنيرةً من الله كم كانت عظيمةً المرتبة والدعوة التي أختارها إليها تعالى بأن تكون والدةً له، لا سيما لأن ألفاظ المبشر رئيس الملائكة المقولة منه لم تكن ذات أشتباه، بأنها هي هي تلك البتول السعيدة المنتخبة من الرب لتجسد كلمة الله منها، فمع ذلك جميعه هي لم تتقدم الى ما قدام معتبرةً ذاتها شيئاً. ولم تلبث قط مستلذةً بأرتفاعها الى هذا المقام الأسمى، بل اذ شرعت من جهةٍ أولى تتأمل في دناءتها وعدمها، ومن جهةٍ أخرى في سمو عظمة جلالة الله خالقها الذي تنازل لأن يختارها أماً له.