الطبيعة الواحدة والآلام
حقا إن اللاهوت غير قابل للآلام. ولكن الناسوت حينما وقع عليه الألم، كان متحدًا باللاهوت.
فنسب الألم إلى هذه الطبيعة الواحدة غير المحدودة. ولذلك نرى أن قانون الإيمان الذي حدده مجمع نيقية المقدس يقول إن ابن الله الوحيد، نزل من السماء، وتجسد وتأنس وصلب عنا على عهد بيلاطس وتألم وقبر وقام.. فرق كبير بين أن نقول إن الناسوت وحده منفصلًا عن اللاهوت قد تألم، وبين أن نقول إن نقول إن الابن الوحيد تجسد وصلب وتألم وقبر وقام. هنا فائدة الإيمان بالطبيعة الواحدة التي تعطى الفداء فاعلية غير المحدودة.
فهل تألم اللاهوت إذن؟
نقول إنه بجوهره غير قابل للألم.. ولكن المسيح تألم بالجسد، وصلب بالجسد. ونقول فى قطع الساعة التاسعة "يا من ذاق الموت بالجسد في وقت الساعة التاسعة..".
مات بالجسد، الجسد المتحد باللاهوت. فصار موته يعطى عدم محدودية للكفارة.
وقد قدم لنا الآباء مثالًا جميلًا لهذا الموضوع وهو الحديد المحمى بالنار.
مثال اللاهوت المتحد بالناسوت: فقالوا إن المطرقة وهى تطرق الحديد إنما تضرب الحديد المحمى بالنار فتقع على الاثنين. ولكن الحديد يتثنى (يتألم) بينما النار لا يضرها الطرق بشيء.
ومع ذلك فهي متحدة بالحديد أثناء طرقه.
وفى صلب المسيح يقدم لنا الكتاب آية جميلة جدًا في حديث القديس بولس الرسول مع أساقفة أفسس حيث قال "لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه" (أع28:20).
ونسب الدم هنا إلى الله، بينما الله روح، والدم هو دم ناسوته. ولكن هذا التعبير يدل دلالة عجيبة جدًا على الطبيعة الواحدة للكلمة المتجسد، حتى أن ما يتعلق بالناسوت يمكن أن ينسب في نفس الوقت للاهوت، بلا تفريق إذ لا يوجد انفصال بين الطبيعتين.
إن انفصال الطبيعتين الذي ناد به نسطور لم يستطع أن يقدم حلًا لموضوع الكفارة والفداء. وقد حرصت الكنيسة على تعبير الطبيعة الواحدة من أجل أهمية هذا الموضوع، كما لباقي النتائج أيضًا المترتبة على وحدة الطبيعة.
ونحن في التعبيرات العادية نقول فلان مات، ولا نقول أن جسده فقط قد مات، إن كانت روحه على صورة الله وهبها الله نعمة الخلود.. والروح لا تموت.
وإن كان الهدف الأول من التجسد هو الفداء. والفداء لا يمكن أن يتم عن طريق الطبيعة البشرية وحدها، إذن الإيمان بطبيعة واحدة للكلمة المتجسد أمر جوهري لا يستطيع أحد أن ينكره ولا يمكن أن يتم الفداء إن قلنا أن الناسوت وحده هو الذي له الآلام والصليب والدم والموت. انظر إلى الكتاب كيف يقول عن الله الآب:
" الذي لم يشفق على ابنه بل بذله لأجلنا أجمعين" (رو 32:8).
وقوله أيضًا " هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به" (يو16:3). ويقول أيضًا "هو أحبنا أرسل ابنه كفارة لخطايانا" (1يو 10:4).
إذن فالذي بذله الآب هو الابن، والابن الوحيد، أي الاقنوم الثاني، الكلمة.. ولم يقل بذل ناسوته أو أي شيء من هذا القبيل، مع أنه مات على الصليب بالجسد ولكن هذا دليل كبير على وحدة طبيعة الله الكلمة، وأيضًا أهمية هذه الوحدة من أجل عمل الفداء.
ويقول أيضًا في هذا المجال عن الله الآب، الذي أنقذنا من سلطان الظلمة، ونقلنا إلى ملكوت ابن محبته، الذي لنا فيه الفداء بدمه غفران الخطايا، الذي هو صورة الله غير المنظور.." (كوا:13-15).
حينما يتحدث عن مغفرة الخطايا بدم المسيح، ينسب هذا إلى الابن الذي هو صورة الله غير المنظور الذي له الملكوت. وهذا دليل آخر على وحدة الطبيعة واهتمام الكتاب بها في موضع الفداء.
ومثال آخر مشابه، ظهر في حديث المسيح عن الكرامين الأردياء. يقول إن صاحب الكرم أرسل أخيرًا ابنه لهؤلاء الكرامين.
فلما رأوا الابن.. أخذوه وأخرجوه خارج الكرم وقتلوه" (متى 21: 37-39).
وهنا ينسب الموت إلى الابن، ولم يقل إلى ناسوته. فما أعمق هذا الكلام عن الطبيعة الواحدة. ويعوزنا الوقت إن تحدثنا عن باقي الأمثلة. نكتفى بهذا الآن.
في كل هذه الأمثلة نرى أن الكتاب – وعلى لسان السيد المسيح نفسه – لا يفصل مطلقًا بين طبيعة المسيح ناسوتيًا أو لاهوتيًا، إنما يتكلم عنها كطبيعة واحدة ما يقوله عن ابن الله، هو ما يقوله عن ابن الإنسان.