رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الذبيحة التى تُحرق بالكامل ، إحتراقاً يحولها إلى تراب ورماد ، لا يأكل منها كاهن ولا لاوى ، ولا أى من أفراد بنى إسرائيل .. هى بالكامل لنار الرب مأكل ورائحة سرور ... هى ، ذبيحة من أراد أن يخلص نفسه يهلكها ، ومن يهلك نفسه من أجلى فهو يخلصها ( لو ٩ : ٢٤ ) هى بالإختصار ذوبان الذات حتى الإحتراق ، فلا ذات ولا إرادة ، لا هوى ولا مشيئة .. يا للذة الألم من يد رينا يسوع .. ويا لسرور المتألم بشركة الصليب .. أعجب لرجل الله الذى أفنى عمره فى خدمة الكنيسة ورعاية شعبها ، كيف تكون مكافأته المرض والألم .. !! صمت قليلاً ، تنهد عميقاً ، وأجاب على التساؤل بسؤال مترجياً لو لم يتدخل أحد ٌ بينه وبين أبيه السماوى .. هو أبى الذى يجملنى بمجد الصليب ، هو أبى الذى ينقينى بنار المحرقة ، هو الذى يساعدنى أن أفنى ذاتى وإرادتى ومشيئتى لأذوب فيه إتحاداً وثباتاً ، فهل لى أن أطلب بلطف المسيح القدوس ألا يتدخل أحد ُ ؟ .. دعوا أبى يتولى قضية خلاصى ، فلن يحبنى أحدُ بمثل محبته .. هكذا كانت إجابته على تساؤل أحد أولاده .. أجاب وإبتسامته الحلوة تخفى ألمه وتحتوى السائل فى محبة .. إختبار عاشه كل عمره ، فى حروب ومعاكسات ، فى رفض وعناد المعاندين ، فى مقاومة الأشرار ومؤامراتهم ، وكان دوماً يردد : ( وهل حقق المسيح ذاته - له المجد - كل ما أراد أن يكون له ؟ .. ألم يعلن " كم مرة أردت ، ولم تريدى " .. ظلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه ، خير لى أنك أذللتنى ... ) .. نعم ، فلم يكن الكل يقابل الحب بالحب كما قد نظن أو نتوقع ، فالشيطان طبيعته الشر لا يهدأ ولا يكل أبداً .. والحروب الروحية دليل الحياة لا الموت .. إختبار تحقق من نفعه لحياته الخاصة فتركه يحرك دفة سفينة كنيسته وخدمته ، فحياته الداخلية بكنوزها ما إنفصلت قط عن عظاته وكلماته ، عن إرشاده وتعليمه لأولاده ، كان لسانه ينطق بما يفيض قلبه ، فشرب البنون من نبع صادق لا زيف فيه ولا رياء ، وكانت لهم الحواس مدربة تميز الحق من الباطل إذ تربت على مجارى مياه الروح القدس لا حكمة البشر ولا فلسفة العالم .. حواس تبعت الراعى الحقيقى وميزت صوته بوضوح ، خراف عرفت كيف تهرب من شراك الغريب ، وجداء كانت ترعى على آثار الغنم .. نام لياليه محتضناً الصليب ، مارس قبلاته بحب العاشق ولهفة الحبيب والمحبوب ، ومع عمق الأحضان إخترق الصليب جدار صدره وسكن فى أعماق القلب والوجدان ، صار بالقلب صليب وبالفكر صليب ، صليب قطع الهوى والمشيئة والغرض ومزجها كلها بهوى المحبوب ومشيئة الآب السماوى ، فما بقى إلا أن يشرب الكأس كاملة .. كنت أزور زميلنا الخادم الشاب الجميل ( المرحوم رشدى ) مريضاً فى مستشفى المواساة بالإسكندرية ، كان المرض ينهشه نهشاً فحول لحمه إلى لا شيء ، جلد يكشف عن هيكل عظمى ولا شيء إلا صوت خافت يهمس بشكر الله على محبته وعظيم عطاياه .. إنتحيت جانياً أبكى كما لم أبك من قبل ، فإذا بأبينا بيشوى يحتضننى فى لطف وإبتسامته مشرقة ، لقد فوجئت بقدومه ليساعد الممرضين بالمستشفى فى ( حمام ) صديقنا المريض ، كان يزوره ويخدمه يومياً ، ويقدم له الطعام بيده ، ثم يصلى معه مزامير صلاة النوم حتى نام إلى أبديته .. وكان المثال يتكرر مع مرضى كثيرين .. نعم ، وشرب الكأس نفسها لأنها كانت شهوته دون أن يطلبها كما يشاع ، لقد كانت له هبة وعطية ومكافأة ، شربها بفرح من تقدموا إلى ساحة الإستشهاد فى ثقة لقاء المحبوب ، وإنطبعت فى جسده صورة الصليب الذى سبق أن إخترق كيانه وقد شارك أولاده أتعابهم بالعمل والحق .. وعندما تجرأ زميلنا الشاب يسأله وقد إختلطت الأمور عليه وإحتار ، كانت إجابة الأب المختبر : ( لا يتدخل أحد ُ بينى وبين أبى الذى يحبنى حتى أستحق أن أكون له ذبيحة مُحرقة ..... ) .. !! منذ أعوام قليلة كنت أزور شاباً مريضاً بورم قاتل بقاع المخ ، كان الفرح والسلام على وجهه لا يتناسبا ولا يتناسقا - بمفهوم البشر - وحال المرض الخطير ، طلب أن يلتقى بى بعيداً عن أسرته ليفاجئنى بطلب عجيب ، قال : ( أتوسل إليك يا أبى ألا تصلى من أجل شفائى ، أرجوك لا تطلب من أجلى ، أطلب من أجل أبى وأمى وإخوتى ليقبلوا الأيام القادمة وما ستحمله لهم ، أما أنا فصلى من أجل أن أكمل الطريق إلى السماء ، هذه فرصتى أن ألتقيه فى صفاء ونقاء ، لقد إختبرت النقاء فى المرض ولا أريد أن أعود إلى حياة الخطية والتهاون .. ) ، وبكيت بحق وإمتزجت دموعى بدموع رجائه وأنا أضمه إلى صدرى لأتبارك بنقاء قلبه .. وعجيب أن تعلم أن الله قد حمل عنه صليبه وقد شفى يإعجاز إحتار فى أمره الطب .. لقد كانت له رسالة أخرى ـ أن يبشر بمجد الله ومثال أبينا القديس بيشوى كامل - نيح الله نفسه - كما مثال هذا الشاب المبارك لكل الأجيال يبقى ، لنا صليب لابد أن نحمله ، ولنا كأس لابد أن نشربها ، وطوبى لمن يقبل الصليب من يد المسيح القدوس الذى سبق وأخبرنا : ( كل غصن يأتى بثمر ينقيه ليأتى بثمر أكثر ) ... وطوبى لمن يقبل بفرح ، سيكون له نيره هين وحمله خفيف .... |
|