الإنجيل ونوع الوحي فيه
كلمة "إنجيل في اللغة اليونانية "إيوا نجليون – euangelion - εύαγγελιον" وتعنى بصورة عامة "الأخبار السارة" أو "البشارة المفرحة" (1) good News. وقد أخذت كما هي تقريبًا في اللاتينية والقبطية "إيفا نجليون – evangelion" وبنفس المعنى ويرادفها في اللغة العبرية "بشارة" أو "بشرى" وقد وردت في العهد القديم ست مرات بمعنى البشارة أو البشرى بأخبار سارة (2) أو المكافأة على أخبار سارة. ويرادفها في اللغة العربية أيضًا "بشارة" كما تنطق أيضًا "إنجيل" (3).
وتعنى كلمة "إنجيل" في العهد الجديد وبصفة خالصة في الأناجيل الأربعة "بشارة الملكوت" (4)، "بشارة ملكوت الله" (5) الذي جاء في شخص المسيح وبشر به:
"وكان يسوع يطوف كل الجليل ويُعلم في مجامعهم ويكرز ببشارة الملكوت ويشفى كل مرض وكل ضعف في الشعب" (6)،
"ويكرز ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادة لجميع الأمم" (7)،
والكلمة المترجمة "بشارة" في هذه الآيات هي "إيوانجليون" أي "إنجيل الملكوت" كما ترجمت بشارة" و "إنجيل" في آية واحدة:
"جاء يسوع إلى الجليل يكرز ببشارة ملكوت الله. ويقول قد كمل الزمان وأقترب ملكوت الله. فتولوا وآمنوا بالإنجيل" (8).
هذا "الإنجيل" أو هذه "البشارة" هو "إنجيل المسيح" وقد تكررت عبارة "إنجيل المسيح" (9) و"إنجيل ربنا يسوع المسيح" (10) و "إنجيل أبنه" (11) أي ابن الله، 14 مرة في رسائل القديس بولس الرسول في الكلام عن البشارة بالمسيح:
"أنى من أورشليم وما حولها إلى إلليريكون قد أكملت التبشير بإنجيل المسيح" (12)،
"جلت إلى ترواس لأجل إنجيل المسيح" (13)،
"عيشوا كما يحق لإنجيل المسيح" (14).
وهذا الإنجيل ليس مجرد رسالة حملها المسيح إلى العالم بعد أن نزلت عليه من السماء سواء عن طريق الوحي أو بواسطة ملاك أو في حلم أو في رؤيا أو بوسيلة أخرى كما حدث مع أنبياء العهد القديم "الله بعدما كلم الآباء بالأنبياء قديمًا بأنواع وطرق كثيرة" (15)، وإنما هو شخص وعمل وتعليم المسيح نفسه "جميع ما ابتدأ يسوع يفعله ويعلم به إلى اليوم الذي أرتفع فيه" (16)، فالمسيح هو ذاته الرسالة، محورها وجوهرها، هدفها وغايتها، كما أنه هو أيضًا حاملها وبعثها ومقدمها إلى العالم، فالإنجيل ليس نصوصًا نزلت على المسيح من السماء، وليس وحيًا أوحى إليه أو رؤيا رآها أو حلمًا حلم به، ولا هو رسالة سمائية نقلت إليه بواسطة ملاك من السماء ولا كان بينه وبين الله وسيط من أي جنس أو نوع، إنما هو شخص المسيح ذاته، عمله وتعليمه، فهو نفسه كلمة الله النازل من السماء، وكلمة الله هو الله الذي نزل من السماء في "ملء الزمان" وحل بين البشر:
"في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله. كل شيء به كان وبعيره لم يكن شيء مما كان… والكلمة صار (أتخذ) جسدًا وحل بيننا ورأينا مجده مجدًا…" (17)،
"ولما جاء ملء الزمان أرسل الله أبنه مولودًا من امرأة" (18)،
"الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون مساويًا لله. لكنه أخلى نفسه آخذًا صورة عبد صائرًا في شبه الناس. وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع.." (19)،
"أجاب يسوع وقال لهم هذا هو عمل الله أن تؤمنوا بالذي هو أرسله… الحق أقول لكم ليس موسى أعطاكم الخبز من السماء بل أبى يعطيكم الخبز الحقيقي من السماء. لأن خبز الله هو النازل من السماء الواهب حياة للعالم… أنا هو خبز الحياة. من يقبل إلى فلا يجوع ومن يؤمن بي فلا يعطش أبدًا… كل ما يعطيني الآب فإلى يقبل ومن يقبل إلى لا أخرجه خارجًا. لأني قد نزلت من السماء ليس لأعمل مشيئتي بل مشيئة الذي أرسلني. وهذه مشيئة الآب الذي أرسلني أن كل ما أعطاني لا أتلف منه شيئًا بل أقيمه في اليوم الأخير. لأن هذه مشيئة الذي أرسلني إن كل من يرى الابن ويؤمن به تكون له حياة أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير.. ليس أن أحدًا رأى الآب إلا الذي من الله. هذا قد رأى الآب. الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية" (20).
والإنجيل هو أيضًا "البشارة المفرحة" والخبر السار" good News المقدم للعالم كله في شخص المسيح النازل من السماء ليقدم الخلاص والفداء للعالم أجمع ولينقذ البشرية من الهلاك الأبدي:
"هكذا أحب الله العالم حتى بذل أبنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية. لأنه لم يرسل الله أبنه إلى العالم ليدين العالم بل ليخلص به العالم. الذي يؤمن به لا يدان والذي لا يؤمن قد دين لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد" (21).
"هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم" (22)،
"هذا هو بالحقيقة المسيح مُخلص العالم" (23)،
"أنا قد جئت نورًا للعالم حتى كل من يؤمن بي لا يمكث في الظلمة… لأني لم آت لأدين العالم بل لأخلص العالم" (24)،
ينبغي أن يكرز بالإنجيل أولًا لجميع الأمم" (25)،
"أذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها. من آمن وأعتمد خلص ومن لم يؤمن يدان" (26)،
ويكرز ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادة لجميع الأمم" (27).
والخلاصة هي أن كلمة إنجيل سواء في الأناجيل الأربعة أو في كل العهد الجديد أو في المسيحية بصفة عامة تعنى كما عبر بالروح القدس القديس لوقا الإنجيلي:
"جميع ما ابتدأ يسوع يفعله ويُعلم به إلى اليوم الذي أرتفع فيه" (28).
والسيد المسيح يوحد بين ذاته وبين الإنجيل ويعتبر أن ما له هو ما للإنجيل وما للإنجيل هو له، فيقول "من يهلك نفسه من أجلى ومن أجل الإنجيل فهو يخلصها" (29)، "لأجلى ولأجل الإنجيل" (30). وعندما سكبت امرأة الطيب على رأسه قال: "حيثما يكرز بهذا الإنجيل في كل العالم يخبر بما فعلته المرأة تذكارًا لها" (31). الإنجيل هو شخص وعمل وتعليم السيد المسيح، فهو ذاته الرسالة النازلة من السماء وهو أيضًا الرسول الذي قدم الرسالة بذاته وفى ذاته. هو نفسه جوهر هذه الرسالة ومضمونها:
"أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي. لو كنتم عرفتموني لعرفتم أبى أيضًا. ومن الآن تعرفونه وقد رأيتموه … الذي رآني فقد رأى الآب … أنا في الآب والآب في (32)".