رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم الحزن والبكاء شأن الطبيعة البشرية. ومن يقدر أن يوقف جريان دموعه أمام جثة حبيب أو عزيز له. وقد رأينا في الكتاب أن يوسف وقع علي وجه أبيه وبكي عليه وقبله تك (50: 1) وأخوته وأقاربه صنعوا مناحة سبعة أيام. تك (50: 10) وداود بكي بكاء عظيما لموت ابنه أمنون 2 صم (13: 36) وناح علي ابنه العاصي أبشالوم 2 صم (18: 33) بل رب المجد نفسه يسوع المسيح بكي علي لعازر يو (11: 35) ومن لا يبكي في مثل هذه الأوقات ويذرف دموعه فهو قاسي القلب متصلب الإحساس. فالحزن والبكاء بحسب ما تقتضيه الطبيعة جائز وغير ممنوع. ولكن البكاء بإفراط وترك النفس للحزن بلا عزاء أمر غير جائز عقلًا ودينًا. ويحذرنا الرسول عنه بقوله: ثم لا أريد أن تجهلوا أيها الأخوة من جهة الراقدين لكي لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم. لأنه أن كنا نؤمن أن يسوع مات وقام فكذلك الراقدون بيسوع سيحضرهم الله أيضاً معه". وبهذه الآية ينبهنا الرسول بأن لا نجهل أن الذين انتقلوا إنما هم رقود في المسيح، وكما قام المسيح سيقومون هم أيضاً. فأن السيد له المجد قال عن موت لعازر: "أنه نام" وعن الصبية التي أقامها "أنها نائمة" وبما أن المسيح أباد سلطة الموت وكسر شوكته وصيره واسطة للاجتياز من هذه الحياة إلي الحياة الأخرى، ومعبرا من عالم الأتعاب إلي عالم الراحة. فلا داعي إذا للإفراط في الحزن ما دمنا نؤمن أن وراء هذا العالم عالما آخر مجيدًا ينتقل إليه المؤمنون. جاء في أخبار القديسين أن أحد الصيادين وجد سائحاً وهو في حالة احتضاره يرتل ترتيلًا شجيًا بنغمة مطربة، فاقترب منه الصياد وقال له: كيف أن رجلًا مثلك في حاله الذل والتعاسة يرنم في ساعة الموت مثل هذا الترنيم؟ فأجابه السائح: أعلم يا أخي أنه ليس بيني وبين إلهي سوي هذا الحائط المنهدم وأشار إلي جسده. فكما أراه مائلًا إلي السقوط أعلم أنه قد دنا وقت اقترابي إلي إلهي، وتركي زمن غربتي، واستيطاني عند الرب إلهي لأتمتع به إلي الأبد. وجاء أيضاً في سيرة أحد الآباء النساك في برية الأسقيط أنه لما جاء وقت احتضاره كان فرحًا، ومن شدة فرحه كان يضحك، بينما كان الحاضرون حوله يبكون. فسألوه ماذا يضحك؟ فأجابهم وأنتم لماذا تبكون مع مشاهدتكم إياي منطلقًا من التعب والعناء إلي الراحة والنعيم في السماء. قال الحكيم: نهاية أمر خير من بدايته.... ويوم الممات خير من الولادة جا (7: 8، 10) لأن الإنسان يولد للدخول في عالم مملوء بالتعب. ولكن بالموت يولد ميلادا جديدا ويحيا حياة أبدية. وما أكبر الفرق بين حياة يعقبها موت. ولكن بالموت يولد ميلادا جديدا ويحيا حياة أبدية. ولو أمكن لنا أن نسمع أحد المنتقلين لسمعناه يقول لنا: لا تبكوا عليً. أنا لم أمت بل كنت مائتا وأنا الآن حي وسأحيا مع المسيح إلي الأبد. لم أمت بل انتقلت من الموت إلي الحياة. فلماذا تحزنون؟ أتبكون علي سعادتي التي حصلت عليها. أتحزنون علي مجدي وفرحي الذي لا ينطق به. وراجتي التي لا يعبر عنها. لقد نجوت من بحر هذا العالم المتلاطمة أمواجه. وخلصت من مشاهد الحياة الملآنة بالشقاوات. لقد تركتكم وعاشرت القديسين والملائكة، أنا الآن في نور لا يغيب. وسلام لا يشوبه كدر. وفرح لا يعتريه انزعاج. فأن كنتم تبكون فأبكوا علي أنفسكم لأنكم لا تزالون تحت أخطار أمواج العالم وبين تيارات الأحزان وعواصف البلايا، وما أنا فقد بلغت الميناء بسلام. لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم ومن هم هؤلاء الباقين؟ هم الكفرة الذين لا يؤمنون، الذين لا رجاء لهم بحياة أخري ولا يعتقدون بالقيامة. ويظنون أن النفس مائته وتنحل مع الجسد. فهؤلاء يحق لهم أن يبكوا ويولولوا لأنهم لا يرجون لقاء من فارقوهم وينظرون إلي الموت كأنه آخر شيء قطع بينهم وبين أحبائهم. فمتى مات لهم أحد أحبائهم لا يجدون أمامهم أملًا يرتاحون إليه. ولا يظنون انه بقي لفقيدهم اثر. فيتملكهم الحزن ويسود عليهم اليأس إذ ليس أمامهم سوي البكاء فيسكبون الدموع بقدر ما شاءوا. وكيف يتعزي غير المؤمن لأنه لا يقدر أن يعزي نفسه. ولا يقدر غيره أن يعزيه. وكل العزاء في الإيمان والرجاء. وهو لا يؤمن ولا يرجو. أما نحن فنؤمن أن المسيح مات وقام. فكذلك الراقدون بيسوع سيحضرهم أيضاً معه. فمن فارق الحياة وهو مؤمن إيمانا حيا بالمسيح لم يمت بل هو حي وأن كان جسده رقد، فعلي رجاء أن يقوم ثانية في القيامة. جهل الوثنيون حقيقة القيامة فاعتقدوا أن لموتاهم راحة في القبور وظن بعض الفلاسفة أن الموت نوم بلا أحلام، ولكن الإنجيل هو الذي أنار الحياة والخلود. فيمكن لأصغر مؤمن وهو يجتاز الموت أن يقول: "إذا سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شراً لأنك معي " مز (23: 4) لذلك نجد أن كل رجال الله قد نظروا إلي الموت كصديق حميم، وكطريق يوصلهم إلي الحياة الأبدية. قال بولس الرسول لي الحياة هي المسيح، والموت هو ربح.... لي اشتهاء أن وأكون مع المسيح ذلك أفضل جداً في (1: 21، 23) لأننا أن عشنا فللرب نعيش، وأن متنا فللرب نموت. فأن عشنا وأن متنا فللرب نحن رو (14: 8) وقال قرب انتقاله: فأني أنا الآن اسكب سكيبًا ووقت انحلالي قد حضر. قد جاهدت الجهاد الحسن، أكملت السعي، حفظت الإيمان، وأخيرا قد وضع لي أكليل البر الذي يهبه لي في ذلك اليوم الرب الديان العادل وليس لي فقط بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضاً 2 تي (4: 6 - 8). كتب القديس أغناطيوس وهو ذاهب للاستشهاد إلي أهل رومية حتى لا يصدوه ولا يمنعوه عن الموت، ومن ضمن كلامه قوله: "إن كنتم تحبونني محبة مخلصه دعوني أمضي لأتمتع بإلهي. فهذه فرصة لي للاتحاد به لا يكون لي أوفق منها.... ولكن إن جنحتم إلى محبة جسدية فتكونون نظير أعداد عديمي المعروف جذبتموني من ميناء سعادتي الطوباوية وطرحتموني في عمق بحر عجاج متلاطم الأمواج، حيث يلزمني الدخول إلي مضمار الجهاد بأتعاب كثيرة من جديد فيما بين العواصف وتحت المخاطر التي لا يحصي عددها. إلي أن قال: ليت الوحوش تزداد نهما فأن أسنانها ليست إلا كرحي فإنها أن طحنت القمح لا تفنيه بل تصيره دقيقا. فلتسحقني فأصيد قرصًا نقيًا معدًا للسماء " وقال القديس بوليكربوس الشهيد حين ربط بوتد للحريق " دعوني من الوثاق فأن من وهبني قوة الإتيان إلي النار هو يعطيني صبرًا علي احتمال اللهيب مطلقًا" وقال القديس كبريانوس " لا يخاف هذا الموت إلا من أجتاز منه إلي الموت الثاني. ولما سمع القضاء عليه بالموت. قال اشكر الله لتحريره إياي من سجن هذا الجسد " والقديس باسيليوس لما تهدده الوالي بالاستيلاء علي أملاكه والعذاب والنفي والقتل قال له: لا يخشي فقد المال من لا يملك شيئا ولا النفي من يحسب السماء وطنه الحقيقي، ولا العذاب من يسلم الروح بضربة واحدة، ولا الموت من يري انه الطريق الوحيد إلي حضرة الله وقال القديس يوحنا ذهبي الفم في رسالته الثانية إلي قورياقوس وهو منفي من المملكة أوكسيا الأريوسية " أني لما خرجت من المدينة لم أعد افتكر بشيء بل أخذت أحدث نفسي هكذا: أن نفتني الملكة فالأرض بكمالها للرب، وأن أحبت أن تنشرني فقد نشر أشعياء من قبلي، وأن أرادت أن تلقيني في البحر فأذكر يونان، وأن شاءت أن ترجمني فلي أسوة باسطفانوس أول الشهداء. وأن رامت أن تقطع رأسي فرفيقي يوحنا المعمدان، وأن أثرت أن تغتصب مالي ورزقي فعريانًا خرجت من بطن أمي وعريانا أعود". من يقرأ هذه الأقوال ولا يتحمس؟ من يري أتعاب الدنيا ويقابلها بسعادة الحياة الأبدية ولا يستهين بالموت؟ ويري أنه المعبر الوحيد الموصل إلى الراحة، فلماذا إذا نحزن ونبكي علي المنتقلين وقد فازوا بعربون السعادة فيليق بالمؤمن أن مات له أحد أحبائه أن يتعزى بإيمانه ورجائه، وإن بكي فلا إفراط، وأن حزن فلينظر إلي الرجاء المنتظر فيمتلئ قلبه بالعزاء. نعم أن الطبيعة البشرية من شانها الحزن وتأتي بالدموع، ولكن الإيمان يمسحها ويقف جريان ينابيعها. فإذا مات لأحد أبوه أو أمه نضطر إلي البكاء، ولكن إيمان يعلمه أن له آبا في السماء يشفق عليه أكثر من أبيه فيذكر قوله: كما يترأف الأب علي البنين يترأف الرب علي خائفيه... أما رحمة الرب فإلي الدهر وإلي الأبد علي خائفيه وعدله علي بني البنين مز (103: 13، 17) وإذا مات أخوه أو أخته أو أحد أقاربه أثارت الطبيعة عوامل الحزن ولكن الإيمان يمسح دموعه ويريه انه بقيت له نسبة اسمي وهي أن المسيح أخوه الأكبر: من يصنع مشيئة أبي الذي في السموات هو أخي وأختي وأمي مت (12: 50) وإذا مات صديقه الذي يحبه يجد في المسيح أو في محب وأخلص صديق أنتم أحبائي أن فعلتم ما أوصيكم به يو (15: 14) وأن مات من كان يعوله ويعضده قال "أنا مسكين وبائس. الرب يهتم بي. عوني ومنقذي أنت يا الله لا تبطئ" مز (40: 17) فإذا نظر المؤمن إلي الأرض لا يجد تعزية، ولكن إذا تطلع إلي السماء يجد فيها نعم العون والعزاء قال المرتل: آبت نفسي التعزية. أذكر الله فأئن مز (77: 2، 3). إذ عرفت ذلك رأيت أن تلك المناحات المرة التي يعملها بعض الناس علي موتاهم والتي نجد فيها النساء ينحن ويلطمن علي خدودهن ويأتين بالنائحات والنادبات لإثارة إشجانهن، ومخالفة للعقل وللدين ومضادة لإيمان والرجاء وغير لائقة بالمسيحيين بل هي علامة الجهل ودليل اليأس. قال الرب لا تجرحوا أجسادكم لميت لا (19: 28) أنتم أولاد الرب إلهكم. لا تخمشوا أجسامكم ولا تجعلوا قرعة بين أعينكم لأجل ميت. لأنك شعب مقدس للرب إلهك تث (14: 1، 2) فيا أيها المؤمن يا من لا تجهل حظ الراقدين لماذا تحزن كالباقين الذين لا رجاء لهم. أرفع عقلك إلي فوق وثق بأن من فقدته أنتقل إلي سعادة السماء وآمن بأنك ستلتقي به يوم القيامة، وحينئذ تخف أحزانك وتكثر تعزياتك. وما أحسن ما قاله القديس يوحنا ذهبي الفم في هذا الصدد وإليك بعض أقواله النفسية. قال: "ينبغي أن لا نندب ولا ننوح علي أمواتنا بعد أن حقق لنا سيدنا له المجد قيامة الأموات. فما بالنا نبكي بحرقة ونتخذ النائحات والنادبات، وقد قهر سيدنا يسوع المسيح الموت وأنتزع ملكه وسلطانه ما بالك يا هذا تنوح نوحًا مزعجًا وتكابد أحزانًا وهمومًا وغمومًا، وقد صار موتنًا نومًا عارضًا". ولقد كان يجب أن نضحك علي الخارجين عنا الذين ينكرون قيامة الأموات، فما بالنا نجعل الخارجين عنا يضحكون علينا لأنهم يقولون أن المسيحيين لو كانوا يصدقون بقيامة الأموات كما يزعمون لما كانوا يأتون علي موتاهم مثل هذه الأعمال. ما بالك أيتها المرأة تندبين بالبكاء والعويل، وتكثرين من الحزن والنحيب، وتستدعين النادبات، وتخدشين وجهك، وتنهشين ساعديك، وتقطعين شعرك وتلطمين وجهك ولا تسمعين قول سيدنا: ط أن الصبية لم تمت لكنها نائمة " إلا تنظرين حياتها بعد الموت الذي دعاه نوما. فإن قلت فلماذا لا يقيم لي ابنتي الآن كما أقام تلك. قلت أن كان عملك هذا علي الموت والحاضر. فما الفائدة في أن تعيش مدة ثم تموت ثانية. وأني أقول لك ولسائر المؤمنين. أما تعلمون يا هؤلاء إننا في الدنيا معذبون مسجونون نكابد أحزانا وهموما يطول شرحها. فما بالنا نندب علي من خلصه الله من موطن الآفات ونبكي علي من رفعه من مرارة الأتعاب والهموم. لا ينبغي لنا أن نحزن علي أمواتنا بل يجب أن نسر لنقلهم من أرض الشقاء إلي دار النعيم حيث لا غم ولا حزن ولا آسف ولا هم ولا تنهد. بل نعيم الملكوت الذي لم تره عين ولم تسمع به أذن ولم يخطر علي قلب بشر. فإن قلت أن الحزن طبيعة لازمة لنا فكيف تخرج الطبيعيات عن التصرف بما يقتضيه وضعها. قلت أن الذنب ليس للطبيعة الحيوانية بل لعقل صاحبها المتصرف بها. لأنك لو ثقفت عقلك وروضته بالنظر في الناموس دائما، لغلب الطباع الجسمية وقهرها وفعل ما تقتضيه البصيرة العقلية. أخبرني يا هذا ما الذي تراه في الدنيا من السعادة حتى تحزن علي النازحين عنها. أليس دائما تري أضدادك محيطين بك من كل جانب وأنت متقلب بين أنواع الآفات وأصناف المصائب. تارة تطلب ما لا تجده وتارة تفقد الموجودات التي تهواها، وتارة تشكو ثقل الأمراض والأوجاع، وتارة قلة المكاسب، وتارة تتوجع لألم الأقرباء والأحباب. وتارة تشكو مشقة الكبر. وتارة تشتهي الموت من شدة الضيقات والآلام. وتارة تنزعج حواسك لوقوع بعض المصائب كالغلاء وقيام الأعداء وحدوث الزلازل وتواتر الحروب والفتن: فلماذا لا نصبر علي فراق الأحباء، ونسر بانتقالهم من دار الشقاء والهموم. نحسن ظننا بالله في الاجتماع بهم هناك. وإذا رأيت أيتها المرأة أن الذي أعطاك الأولاد هو الذي أخذهم إليه ليعطيهم أكثر مما عندك. وأنك سائرة إلي الاجتماع بهم عن قليل. فلماذا تندبين وتحزنين؟ فإن قلت إني أرملة وحيدة وليس لي سند ولا معين. قلت كيف تقولين هذا وقد رجع أمرك إلي ربك أب الأيتام وقاضي الأرامل. ألا تسمعين قول بولس الرسول: أن الأرملة رجاؤها الله وحده ولو علمت حقيقة العيشة الحاضر لأعرضت عن هذه ورغبت في المسارعة إلي تلك. فسبيلنا أن ننهض عقولنا ونظهر سرائرنا ونجتهد في الانتقال إلي ملكوت ربنا الذي له المجد إلي الأبد أمين الأرشيذياكون حبيب جرجس |
30 - 09 - 2016, 11:41 AM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
..::| الإدارة العامة |::..
|
رد: عزاء المؤمنين
ميرسي على العظة المعزية ربنا يفرح قلبك |
||||
30 - 09 - 2016, 07:29 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: عزاء المؤمنين
شكرا يا رامز
عدم الإفراط في الحزن |
||||
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
لقد أعطى لمريم ان تكون عزاء فريد لكل المؤمنين |
السلام لك أيها الصليب عزاء المؤمنين |
كتاب عزاء المؤمنين - الأرشدياكون حبيب جرجس |
عزاء المؤمنين وصبرهم على جميع الأحزان |
عزاء المؤمنين وصبرهم على الأحزان |