رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الروح القدس والتقديس المستمر حدثنا السيد المسيح عن الروح القدس كمعلمٍ إلهيٍ يبكت الناس على الخطية (يو 16: 8)، ليدفع نفوسنا إلى التوبة الصادقة المستمرة، مقدمًا لها تعزية (يو 16: 7)، سرّها أن ينتقل بنا دومًا من ضعفنا إلى الحياة المقدسة في المسيح يسوع ربنا. لهذا دعاه السيد بالمعزي (يو 14: 26؛ 15: 26؛ 16: 7). إن دعوة الآب لنا هي التمتع "بالحياة المقدسة الإلهية"، إذ يقول "كونوا قديسين، لأني أنا قدوس"، وقد أرسل ابنه الوحيد إلى العالم ليكفر عن خطايانا ويدخل بنا إلى "الحياة المقدسة"، هذا الذي يعلن في صلاته الوداعية: "قدِّسهم في حقّك... لأجلهم أقدّس أنا ذاتي، ليكونوا هم أيضًا مقدَّسين في الحق" (يو 17: 17، 19). أما عمل الروح القدس فهو أن يدخل بنا إلى التمتع بحياة المسيح المقدسة، إذ يهبنا الاتحاد معه، فنحمل المسيح نفسه سرّ تقديسنا وسرّ برَّنا. في هذا يقول الرسول بولس: "لكن اغتسلتم بل تقدَّستم بل تبرَّرتم باسم الرب يسوع وبروح إلهنا" (1 كو 6: 11). ويقول القديس بطرس الرسول: "بمقتضى علم الله الآب السابق في تقديس الروح للطاعة ورشّ دم يسوع المسيح.." (1 بط 1: 2). يقول القديس باسيليوس الكبير: [الابن والروح القدس هما مصدر التقديس، بهما تتقدس كل خليقة عاقلة حسب استعدادها [237].] [الروح القدس المنبثق عن الله (الآب) هو مصدر القداسة، القوة الواهبة الحياة، النعمة التي تعطي كمالًا، خلاله ينعم الإنسان بالتبني، يصير الفاسد في عدم فساد، أنه واحد مع الآب والابن في كل شيء، في المجد والأبدية والقوة والملكوت واللاهوت، هذا ما يختبر بتقليد معمودية الخلاص [238].] التقديس والتثبيت في المعمودية اقتلعنا روح الله القدوس من الزيتونة البرية غير المثمرة وطعَّمنا في المسيح يسوع الزيتونة الجيدة (رو 11: 14، 17)، فدخل بنا من الحياة العقيمة إلى الحياة المقدسة. لكن عمل الروح القدس لا يقف عند هذا الحد بل يقوم بتثبيتنا في الأصل (الابن القدوس)، لكي تنتقل فينا عصارة الحياة المقدسة من الأصل إلى الأغصان، فلا تبقى الأغصان على ما هي عليه، بل تنمو على الدوام في الأصل وتأتي بثمرٍ كثيرٍ. هذا هو سرّ التثبيت الذي في حقيقته هو تمتع بعطية الروح القدس، الذي يتعهد نمونا الروحي، أو يتعهد نمو إنساننا الجديد في الحياة المقدسة، لعلنا نبلغ إلى ملء قامة المسيح. حدثنا السيد المسيح عن حاجتنا إلى الثبوت فيه بالروح القدس، بقوله: "كما أن الغصن لا يقدر أن يأْتي بثمرٍ من ذاتهِ إن لم يثبت في الكرمة كذلك أنتم أيضًا إن لم تثبتوا فيَّ. أنا الكرمة وأنتم الأغصان. الذي يثبت فيَّ وأنا فيهِ يأتي بثمرٍ كثير. لأنكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا. إن كان أحد لا يثبت فيَّ يُطرَح خارجًا كالغصن، فيجفُّ ويجمعونهُ ويطرحونهُ في النار فيحترق" (يو 15: 4-6). لقد وجه الرسل أنظارنا إلي عمل الله الخاص بتبنينا فيه في ابنه يسوع المسيح خلال مسحة الروح القدس، بقولهم: "ولكن الذي يثبّتنا معكم في المسيح وقد مسحنا هو الله الذي ختمنا أيضًا، وأعطى عربون الروح في قلوبنا" (2 كو 1: 21-22). "وأما أنتم فالمسحة التي أخذتموها منهُ ثابتة فيكم ولا حاجة بكم إلى أن يُعلّمكم أحد... كما عَلَّمتَكْم تثبتون فيهِ" (1 يو 2: 27). "بهذا نعلم أنه يثبت فينا من الروح الذي أعطانا" (1 يو 3: 24). في هذا يقول القديس أمبروسيوس: [تذّكروا أنكم قد تقبلتم الختم الروحي: روح الحكمة والفهم، وروح المشورة والقدرة، روح المعرفة والصلاح، روح المخافة المقدسة. احفظوا ما قد تسلمتم. الله الآب وسمكم، والمسيح ثبتكم، ووهبكم عربون الروح في قلوبكم، كما تعلمتم من الرسول. إذ يصير الناس أغنياء بهذا الختم، يقترب الذين اغتسلوا (بالمعمودية) إلى مذبح المسيح [239].] روح التقديس والجهاد يتحدث القديس باسيليوس الكبير عن عمل الروح القدس فينا، قائلًا: [الذين ينالونه يتمتعون به على قدر استيعابهم لا على قدر ما يستطيع هو [240].] فالروح القدس لا يبخل علينا بالتقديس لكنه لا يعمل فينا بغير إرادتنا أو ونحن متكاسلون. لقد أوضح القديس يوحنا الذهبي الفم دورنا في "الحياة المقدسة" بتمييزه نوعين من الموت، موت دخلنا فيه مجانًا كنعمة إلهية بلا تعب في مياه المعمودية، خلاله نخرج في حالة تجديد لطبيعتنا وقداسةً، وموت آخر هو أيضًا نعمة مجانية يقدمها لنا الروح القدس لكن ليس بدون إعلان رغبتنا فيها، وذلك بالجهاد غير المنقطع. هذا ما عناه آباؤنا القديسون بالوصايا المستمرة بخصوص الحفاظ على ثوب المعمودية المقدسة الأبيض خلال الإمكانيات الإلهية التي صارت لنا. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [يتحدث الرسول هنا (رو 6) عن موتين: الموت الذي يضعه علينا يسوع المسيح في المعمودية، والموت الذي نلزم أنفسنا به كثمر جهادنا الشخصي. فإن خطايانا الأولى قد غسلت بعطية مجانية، أما موتنا عن الخطيئة فيبقى مستمرًا بعد العماد، وهو يعتمد على جهادنا مع أن النعمة دائمًا قوية وتحت أيدينا لمساعدتنا. المعمودية لم تغسلنا من خطايانا الماضية فحسب، وإنما تهبنا قوة ضد التجارب المقبلة [241].] يحدثنا القديس كيرلس الأورشليمي عن هذه الإمكانيات التي أُعطيت لنا للجهاد الروحي، قائلًا: [أنك تتسلم عدة حربية ضد قوة العدو (الشيطان)... هوذا السلاح معد: سيف الروح (أف 6: 17). أنه مهيأ، لذا يليق بك أن تبسط يمينك بطريقة صالحة، لكي تحارب حرب الله، وتغلب القوات المقاومة وتصير (حصنًا) منيعا يصد كل محاولة للهراطقة.] [إن كنت قبل نوال النعمة تفعل أعمالًا صالحة، أما يليق بالأكثر بعد نوالها؟!] [لا تحتقر النعمة من أجل مجانيتها، بل اقبلها واكتنزها بورع [242].] يؤكد القديس مرقس الناسك دورنا الإيجابي في الجهاد حتى بعد المعمودية، قائلًا: [العماد المقدس عمل كامل ويهبنا الكمال، إلا أنه لا يُكمِّل إنسانًا يهمل (يفشل) في تنفيذ الوصايا... والإنسان يتوجه بإرادته حيثما يحب، حتى بعد المعمودية، إذ لا تسلبنا المعمودية حريتنا. فعندما يقول الكتاب المقدس: "ملكوت السماوات يُغصَب..." (مت 11: 12)، إنما يتكلم عن الإرادة الخاصة بكل شخص، حتى لا يعود يلتفت كل منا -بعدما تعمد- إلى الشر، وإنما يثبت في الخير. والذين نالوا قوة لتنفيذ الوصايا، يوصيهم الرب كمؤمنين أن يجاهدوا فيها حتى لا يرتدوا عنها... تهبنا المعمودية المقدسة حرية كاملة، مع ذك فإن للإنسان مطلق الحرية والإرادة، إما أن يُستعبد مرة أخرى برباطات شيطانية، أو يبقى حرًا في تنفيذ الوصايا. فإن التصق بالفكر إحدى الشهوات، فهذا يكون من عمل إرادتنا الخاصة، وليس رغمًا عنا، إذ يقول الكتاب أنه قد أعطيَ لنا سلطان "هادمين ظنونًا..." (2 كو 10: 5) [243].] [إن كنا بعد المعمودية المقدسة، حيث نلنا قوة لتنفيذ الوصايا، لم نعمل بها، فإننا نُسلم للخطيئة بغير إرادتنا، إلى أن نستعطف مراحم الله بالتوبة، مجاهدين أن ننفذ كل الوصايا، حينئذ يبطل الله الخطيئة من إرادتنا [244].] [قال الرسول أن لنا في أنفسنا باكورة الروح (رو 8: 23)، مظهرًا لنا مقدار طاقتنا، لأنه يتعذر علينا أن نحوز كمال فاعلية الروح، اللهم إلا إذا بلغنا الكمال في (تنفيذ) الوصايا، وذلك كالشمس التي هي كاملة، وتهدي ضوءها كله مرة واحدة على الجميع بالتساوي، ولكن كل واحد يُدرك من ضوئها قدر كفاءة بصره،هكذا أيضًا الروح القدس يجعل الذين يؤمنون به، قادرين أن يتقبّلوا بالمعمودية كل قوته وعطاياه، غير أن عطاياه لا تعمل في الجميع بقدر واحد، إنما ينال كل واحد منها قدر ممارسته للوصايا، أي بالقدر الذي يشهد به بواسطة أعماله الصالحة، ويُظهره شدة إيمانه بالمسيح [245].] [الذي يعتمد في المسيح ينال نعمة بطريقة سرية، لكن هذه النعمة تعمل فيه بقدر تنفيذه للوصايا. وبالرغم من أن هذه النعمة لا تكف عن أن تعيننا خفية، لكن هذا يتوقف على سلطاننا، إن كنا نريدها أن تعمل فينا عملًا صالحًا أو لا تعمل [246].] هكذا تحدث آباؤنا في إفاضة عن التحام عمل الروح القدس بحياتنا العملية، فإن كنا لا نقدر أن نصنع شيئًا بدونه، لكنه لا يعمل فينا قسرًا، بل بكمال إرادتنا الحرة التي يهبها إيانا، مُعلَنةً في جهادنا نحو تنفيذ الوصية وإعلان حبنا وإيماننا به. لسنا نعتمد على برّ فينا هو من عندياتنا، لكننا ونحن متكئون على صدر الرب ملتحفون بروحه القدوس نجاهد حتى الدم. هذا ما دفع الكنيسة وآباءها إلى توصيتنا للجهاد حتى بعد المعمودية، وفيما يلي مقتطفات من هذه الوصايا: * ليت الذي يعتمد يكون غريبًا عن كل شر، متحررًا من كل خطيئة، صديقًا لله، عدوًا للشيطان، وارثًا لله الآب، وارثًا مع ابنه، هذا الذي جحد الشيطان وكل أرواحه الشريرة وخداعاته وتعهد أن يكون مقدسًا نقيًا ورعًا محبًا لله ابنًا له، يصلي كابن للآب [247]. الدساتير الرسولية * أيها الجسداني الذي صار بالمياه روحانيًا، قدس نفسك لتكون هيكلًا للاهوت. يا ابن المسكين (آدم)، الذي صار أخًا لابن الغني، انظر ألا تُهلك غناك العظيم بالشهوات. أيها المُعمدون في المياه، وقد صرتم إخوة الابن الوحيد، لا تهينوه بأعمالكم الجسدية. لا تختلطوا بالزانية عوضًا عنه. طهروا نفوسكم من الزلات لكي تختلطوا بأبيه. لا تدنسوا المعمودية التي كلها نور، بالأعمال غير الحسنة... من يلبس الثياب الجديدة يحفظ نفسه من الغبار والوسخ لئلا تقترب إليه. أيها الإنسان الذي لبس المعمودية، اهرب من الإثم لئلا يشق ثيابك عنك، هذه التي اؤتمنت عليها. لقد أعطاك ابن الله اللباس البهي فلا تزدري به لئلا يتسخ بذنوبك. * من عادة الحيَّة أنها تسرق الثياب بالمشورة المرذولة، وتكسيهم الفضيحة العظمى. حلة المجد التي سُرقت بين الأشجار قد لبستها في المياه! * يا ابنة حواء احفظي طهارة المعمودية، لأن صك الحية قد مُحي بمياه الحياة... أيها المُعمد الذي وجد الحلة التي تعرى منها آدم، لا تهلكها بالخطيئة بعد أن وجدتها... * أيها المُعمد الذي لبس حلة المجد المملوءة نورًا، اهرب من الوسخ لتكون منظورًا من الملائكة. لا تطرح لباسك البهي بالرذائل النتنة لئلا يضحك بك المبغضون الحاسدون [248]. القديس مار يعقوب السروجي _____ الحواشي والمراجع: [237] Epis. 8 to the caesareans, 2. [238] Epis. 15 to the Deaconesses، the daughters of Count Terentius. [239] De Mysterus 7:42. [240] On The Holy Spirit 9:22. [241] In Epist. Ad Rom, hom 2. [242] مقال افتتاحي 10، مقال 6:1،4. [243] للمؤلف: الفيلوكاليا ص 90، 91. [244] المرجع السابق، ص 92. [245] المرجع السابق، ص 97. [246] المرجع السابق، ص 140. [247] Apost Const. 3:18. [248] ميمر عن المعمودية المقدسة. |
13 - 05 - 2014, 09:13 AM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
..::| مشرفة |::..
|
رد: الروح القدس والتقديس المستمر
موضوع جميل
شكرررررررررررررا |
||||
14 - 05 - 2014, 01:19 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: الروح القدس والتقديس المستمر
شكرا على المرور |
||||
|