|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
تكلمنا الأسبوع الماضي عن وعود الله لنا، وعن المعوقات التي تحول دون تحقيق هذه الوعود في حياتنا، وكنا قد تكلمنا عن أكاذيب إبليس والمشاعر الخادعة والثغرات التي تكون في السور. أمَّا اليوم فسنستعرض معًا كيفية تحقيق الوعود في حياتنا.. نلاحظ أنَّ أغلبية الوعود في كلمة الله، هيَ وعود مشروطة، فقبل كل وعد أو مجموعة وعود نجد شرطًا، فالمزمور 91، يبدأ بالآية التالية: " الساكن في ستر العلي، في ظل القدير يبيت ". ويُكمل كاتب المزمور ويسرد لنا الوعود، ولكن نرى أنَّ الآية الأولى، وكأنها مفتاح لنيل كل هذه الوعود، ويتكلَّم هذا المزمور عن حماية الله لنا، وكيف يُنجِّينا ويكون ملجأً لنا. في سفر التثنية 28 نجد مثلاً ثانيًا، فهذا الإصحاح يبدأ بالآية التالية: " وإن سمعت سمعًا لصوت الرب إلهك، لتحرص أن تعمل بجميع وصاياه التي أنا أُوصيكَ بها اليوم، يجعلك الرب إلهك مستعليًا على جميع قبائل الأرض ". ويُكمل هذا الإصحاح بالوعود عن البركات المادية والأمجاد التي أعدَّها الرب لنا. والرب يسوع قالَ لنا: " إن ثبتُّم فيَّ وثبتَ كلامي فيكم، تطلبون ما تريدون فيكون لكم " (يوحنا 15 : 7). من خلال هذه الآيات، ومن خلال العديد من الآيات غيرها، نرى بوضوح أنَّهُ لا بُدَّ من توافر شروط مُعيَّنة قبل تحقيق الوعود، وهذه الشروط بأغلبها تتمحور حول طاعة الله وطاعة وصاياه.. والرب قال: " الذي عندهُ وصاياي ويحفظها، فهوَ الذي يحبني، والذي يحبني يحبه أبي وأنا أحبه وأُظهر لهُ ذاتي " (يوحنا 14 : 21). ومعنى كلمة " يحفظ " هنا، ليسَ أن نتذكَّر وصايا الرب عن غيب، بل أن نُحافظ عليها ونحيا بها عمليًا، أي أن نعمل بوصايا الرب. لا أريد أن أُطيل الشرح عن موضوع الشروط، لأنَّهُ واضح على ما أعتقد، ويُمكن لكل واحد منَّا أن يقرأ هذه الشروط في الكتاب المُقدَّس، فهناكَ قبل كل وعد شرط وينبغي علينا إتمامهُ. لكن ما أُريد أن أُركِّز عليه اليوم، هيَ ثلاث نقاط هامَّة ومرتبطة ﭐرتباطًا وثيقًا بتحقيق كل الوعود: 1 – الصبر. 2 – الإيمان. 3 – خطورة أن تُصبح الوعود أصنامًا في حياتنا. إنَّ الصبر أو طول الأناة هوَ إحد ثمار الروح القدس، والصبر يأتي بالتدريب والموت عن الذات، فهوَ من الروح، وكل يوم تحيا فيه بالروح أكثر، يجعلك تصبر أكثر. الصبر يُظهر لله مدى تمسكنا بهِ وبوعوده لنا، ومدى جدِّيتنا وإصرارنا لنيل ما وعدنا بهِ. فكاتب رسالة العبرانيين يقول: " فلا تطرحوا ثقتكم التي لها مجازاة عظيمة، لأنكم تحتاجون إلى الصبر، حتى إذا صنعتم مشيئة الله تنالون الموعد " (عبرانيين 10 : 35 – 36). الصبر ضروري لنيل المواعيد، وهنا يأتي أيضًا بمعنى المثابرة والجهاد، لأنَّهُ هناك توقيت لنيل المواعيد وتحقيق النبؤات، وهناكَ عمل وتحضير وتنقية، يسبقون تحقيق الوعد. لا يُمكن لله أن يبقى ساكنًا أمام شخص ينتظرهُ بصبر، واثقًا أنَّهُ لا بُدَّ أن يتحرك. كان داود يعرف ذلكَ تمامًا عندما قال: " ﭐنتظر الرب، ليتشدَّد وليتشجَّع قلبك، وﭐنتظر الرب " (مزمور 27 : 14). وعندما قالَ أيضًا: " ﭐنتظارًا ﭐنتظرتُ الرب، فمالَ إليَّ وسمعَ صراخي " (مزمور 40 : 1). نلاحظ في هاتين الآيتين أنَّ كلمة " ﭐنتظار " ترد مرتين، داود كانَ ينتظر وينتظر حتى النهاية. في بعض الأحيان ينفذ الصبر منَّا، لأنَّنا نُحاول أن ننال المواعيد بقوتنا، ونُحاول تطبيق الشروط بقوتنا، ونُحاول طاعة الله بقوتنا، ولكن عندما ينفذ صبرنا، نعود لكي نحيا حسب شهواتنا وعلى هوانا. هذا يحصل لأنَّ دوافعنا ليست نقيَّة، وطاعتنا وقتية تهدف فقط إلى نيل شيء في المقابل، وليست على الإطلاق بسبب محبتنا الحقيقية للرب. فإن كانَ صبرك ينفذ في بعض الأحيان أو غالبًا، فينبغي عليك أن تفحص دوافعك، وتسأل نفسك لماذا أنا أصبر؟ هل لكي أحصل على شيء مُعيَّن من الرب، أو لأنَّني أثق فيه وأُحبه؟ إن كانَ الله هوَ الأول في حياتك، فستستطيع ﭐنتظارهُ بصبر، حتى ولو دامَ ﭐنتظارك لتحقيق الوعود طويلاً، ولا تخف عندها فالوعد سيتحقَّق دون أدنى شك. الصبر هوَ نتيجة إيمان وثقة وتمسُّك بالوعد حتى النهاية: " لأنَّ الذي وعدَ هوَ أمين " (عبرانيين 1 : 23). عندما قالَ الرب لإيليا أنها ستُمطر بعدَ طول توقُّف للمطر، جلسَ وﭐنتظرَ وكانَ يُصلِّي، وأرسلَ غلامهُ عدة مرَّات ليرى إن كانت هناك بوادر مطر، وفي آخر مرَّة رجعَ غلامهُ وقالَ لهُ: هناك غيمة قدر كف اليد، فعلمَ عندها إيليا انَّ الوعد قد تحقَّقَ، ولم تكن قد أمطرت بعد، لكنَّهُ أدركَ أنها ستُمطر لا محالة. صلِّ اليوم لكي يُعطيك الرب أن ترى بعيون الإيمان الوعود في الأُفق، لكي تصبر وتُصلِّي وتُثابر حتى النهاية لتحقيقها. " ولكننا نشتهي أنَّ كل واحد منكم يُظهـر هـذا الاجتهـاد عينـهُ، ليقيـن الرجـاء إلى النهاية، لكي لا تكونوا متباطئين بل متمثلين بالذين بالإيمان والأناة يرثون المواعيد " (عبرانيين 6 : 11 – 12). تَذْكُرْ هذه الآية بالإضافة إلى الأناة.. الإيمان، وهذه هيَ النقطة الثانية التي سنتكلَّم عنها. الصبر هوَ نتيجة الإيمان أو الثقة بالله.. والإيمان هوَ: " الثقة بما يُرجى والإيقان بأمور لا تُرى " (عبرانيين 11 : 1). بالإيمان تنال المواعيد.. عندما كانَ الرب على أرضنا هذه، أعلنَ جهارًا أنَّ الإيمان هوَ العنصر الأساسي لتحقيق المعجزات في حياة الناس: " إيمانك قد شفاك " (متى 9 : 22). " بحسب إيمانكما ليكن لكما " (متى 9 : 29). " ألم أقل لكِ، إن آمنتِ ترين مجد الله " (يوحنا 11 : 40). بالإيمان ﭐستطاعَ هؤلاء الأشخاص أن ينالوا المعجزة التي يحتاجونها.. والأمر الهام الذي سمعناه في نهاية حياة الرب على هذه الأرض، حصل على الصليب، عندما قالَ الرب: " قد أُكمل "، فعندها يا أحبائي، تحقَّقت الوعود وأصبحت لنا، إنَّهُ ميراثنا في المسيح، وكل ما علينا فعلهُ هوَ أن نؤمن فنحصل على هذه الوعود. عند موت الرب يسوع، تحقَّق الوعد الأهم الذي وعدهُ الله للبشرية: " وأضع عداوة بينكِ وبين المرأة، وبين نسلكِ ونسلها، هوَ يسحق رأسكِ وأنتِ تسحقين عقبه " (تكوين 3 : 15). الرب يسوع في الصليب سحقَ الشيطان وأتمَّ الوعد. وعد لطالما ﭐنتظرهُ الأنبياء وشعب الله لسنين طويلة، ويقول كاتب رسالة العبرانيين عنهم أنَّهم لم ينالوا المواعيد، لكنهم رأوها من بعيد وحيُّوها، وعملوا على تحقيقها. إفحص دوافعك مرَّة أُخرى، هل أنتَ مستعد أن تعمل وتصبر وتُجاهد لتحقيق مواعيد للآجيال القادمة؟ هؤلاء الأشخاص المشهود لهم في الإيمان، والذين لم يكن لديهم معوقات تمنع تنفيذ الوعود، لم ينالوا المواعيد لكنهم ثابروا، ﭐضطهدوا وأُذلُّوا لكي تتحقَّق المواعيد في المستقبل، لكــن.. لصالح غيرهم.. لصالحك أنت بالتحديد: " في الإيمان ماتَ هؤلاء أجمعون، وهُم لم ينالوا المواعيد، بل من بعيد نظروها وصدَّقوها وحيُّوها، وأقرُّوا بأنهم غرباء ونُزلاء على الأرض... ولكن الآن يبتغون وطنًا أفضل أي سماويًا... وآخرون تجرَّبوا في هزء وجلد، ثمَّ في قيود أيضًا وحبس، رُجموا نُشروا جُرِّبوا ماتوا قتلاً بالسيف، طافوا في جلود غنم وجلود معزى معتازين مكروبين مُذلِّين، وهم لم يكن العالم مستحقًا لهم، تائهين في براري وجبال ومغاير وشقوق الأرض، فهؤلاء كلّهم مشهودًا لهم بالإيمان لم ينالوا الموعد، إذ سبق الله فنظر لنا شيئا أفضل، لكي لا يُكملوا بدوننا، لذلك نُحنُ أيضًا إذ لنا سحابة من الشهود مقدار هذه محيطة بنا، لنطرح كل ثقل والخطيئة المُحيطة بنا بسهولة، ولنُحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع أمامنا " (عبرانيين 11 : 13 – 40، 12 : 1). لم تكن الوعود محور حياتهم.. ولا الأمور الأرضية.. لكن كانَ الله الأول في حياتهم ومحورها كلّها !!! وهذه هيَ النقطة الثالثة والأخيرة.. أن يكون الله ويبقى الأول في حياتك.. وَعَدَ الله إبراهيم أنَّهُ سيُعطيه ﭐبنًا، وسيكون نسلهُ كنجوم السماء ورمل الشاطئ، آمنَ إبراهيم وﭐنتظرَ، وعندما تحقَّقَ الوعد، طلب منهُ الله أن يُقدِّم ﭐبنهُ وحيدهُ الذي يُحبَّهُ إسحاق ذبيحة لهُ. لم يكن الله يُريد أن يأخذ إسحاق من إبراهيم، ولا أن يموت بالفعل، لكنَّهُ كانَ يُريد أن يبقى الأول في قلب إبراهيم.. نجحَ إبراهيم في ذلكَ الامتحان، وقدَّمَ إسحاق، وماتَ إسحاق.. لكن ليسَ بالمعنى الحرفي، لكن بالمعنى الرمزي والروحي، لم يعد يمتلك قلب إبراهيم ولم يعد محور حياته، بل أصبحَ الله المحور الأوحد لحياة إبراهيم.. لا تدع الوعود التي حصلتَ عليها أو التي ما زلتَ تنتظر تحقيقها، أن تُصبح صنمًا في حياتك، أو آلهة أُخرى غريبة تأخذ مكانة الله. في بعض الأحيان تُصبح الخدمة والمواهب الروحية والنهضة وحتى ربح النفوس أصنامًا في حياتنا، فننسى الله ونركض وراءها، ونُحاول تحقيقها بقوتنا وبمجهودنا الشخصي.. وهنا مرَّة أُخرى أدعوك أن تُنقِّي دوافعك، وأن تسأل نفسك لماذا تطلب تحقيق هذه الوعود؟ لماذا نُريد النهضة والمواهب الروحية وأمورًا كثيرة مُشابهة؟ قد تكون أحيانًا حُبًّا للظهور، وسعيًا وراء مجد شخصي !!! لا تخف.. كل ذلكَ هوَ من الله لكَ، وسوف يُعطيك إياها دون أدنى شك، وهيَ طلبات مُحقَّة وحاجات ضرورية للملكوت حتى لا يفهمني أحدكم بطريقة خاطئة، لكنَّ الرب يُريد أن يتأكَّد أولاً من دوافعك، ويتأكَّد أنَّ هذه الأمور التي تطلبها، لن تؤذيك ولن تؤذي غيرك ولن تُبعدك عنهُ. فلا يُمكن للرب مثلاً، أن يُباركك مادِّيًا وهوَ يرى في قلبك حبًّا للمال وتعلُّقًا بهِ، فعليه أن ينتزع من قلبك محبة المال أولاً، ومن ثمَّ سترى كيفَ سيُباركك بفيض. إنَّني أشعر أنَّهُ جاءَ الوقت لكي نرى الوعود تتحقَّق في حياتنا الشخصية وفي كنيستنا وفي بلدنا، ونرى الرؤية آتية ولن تتأخَّر.. ولهذا أشعر أنَّهُ وقت لكي نرفض كل أكاذيب إبليس، ولكي نبني الأسوار ونسد الثغرات، ونكون أشخاصًا مُدقِّقين في كل أمور حياتنا ومُكرَّسين للرب، نمتلئ بالصبر وننتظر أمام الله، نتشدَّد بالإيمان والثقة والرجاء، ونحرص أن يبقى الله في الموقع الأول في حياتنا، وكل الأشياء الأُخرى سوف تأتي بكل تأكيد، لأنَّهُ مكتوب: " الذي لم يُشفق على ﭐبنه، بل بذله لأجلنا أجمعين، كيف لا يهبنا أيضًا معهُ كل شيء " (رومية 8 : 32). نعم.. كل شيء.. لكن الرب أولاً.. لأنَّهُ أغلى الوعود.. لأنَّهُ هوَ الأول والآخر.. البداية والنهاية.. هوَ الوعد الأهم الذي تحقَّقَ في التاريخ، ومن خلاله لنا المواعيد، لأنَّهُ بموته وقيامته قد أكملَ العمل، وﭐستردَّ كل ما سلبهُ إبليس، وأخذَ كل ما لنا وأعطانا كل ما لهُ. |
|