رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
سرعة زوال البشر تُرْجِعُ الإِنْسَانَ إِلَى الْغُبَارِ وَتَقُولُ: ارْجِعُوا يَا بَنِي آدَمَ [3]. جاءت الترجمة عن السبعينية: "فلا ترد الإنسان إلى المذلة، وقد قلت ارجعوا يا بني البشر". إذ يرجع الإنسان عن الله مصدر حياته يعود إلى التراب في مذلة، أما إن رجع إلى الرب مخلصه، فيسمع الصوت الإلهي كأنه يقول: "أنت سماء، وإلى سماءٍ تعود". * "لا ترد الإنسان إلى المذلة" [3]، أي لا تجعل الإنسان يرجع عن أمورك الأبدية السامية. القديس أغسطينوس * "لا تُرجع الإنسان إلى الغبار" يصلي موسى من أجل الإنسان، فماذا يقول؟ لا تسمح للإنسان أن يهلك، هذا الذي خلقته على صورتك. "لا تُرجع الإنسان إلى الغبار"، لا تتطلع إلى الجسم التافه، بل إلى استحقاق النفس. يكفينا أننا سمعناه مرة: "أنت تراب وإلى التراب تعود" (تك 3: 19)، وانسحقنا بسبب شعورنا بخطيتنا. "لا تُرجع الإنسان إلى الغبار". لا تُرجعه بل تغَّيره، إذ تقول خلال كل الأنبياء: "ارجعوا يا بني البشر". لتكن هذه هي نهاية الخطية: التوبة، فيكون لكم الخلاص. "لا تُرجع الإنسان إلى الغبار" أرسل ابنك لكي يرفع جسد تواضعنا وبوسيلة حياة جديدة يرتفع إلى السماء متحررًا من عبودية الأرض. القديس جيروم لأَنَّ أَلْفَ سَنَةٍ فِي عَيْنَيْكَ مِثْلُ يَوْمِ أَمْسِ بَعْدَ مَا عَبَرَ، وَكَهَزِيعٍ مِنَ اللَّيْلِ [4]. إذ يلتقي الإنسان بالله مخلصه ينعم بعربون السماء، فيحسب سنواته مهما طالت كلحظةٍ عابرةٍ، فيسلك بفرحٍ في رحلة عبوره هذه ليوجد مع الله أبديًا. * بالمقارنة بسرمدية الله، كل امتداد حياة الإنسان قصيرة؛ مهما بدت لنا طويلة تُحسب كلا شيء بمقارنتها بالأبدي، إذ لها نهاية. "كهزيع من الليل": يتكون الليل من أربعة هُزع تنقسم إلى فترات، كل فترة عبارة عن ثلاث ساعات... هذا إذن هو معنى الآية: ألف سنة في نظرك تُحسب ليس كقليلٍ من نهارٍ، وإنما مثل مسافة الثلاث ساعات من الليل... في بداية العالم عاش الإنسان قرابة ألف عام، والألف عام في عيني الله مثل هزيع الليل... عمر الإنسان يُحسب كلا شيء بالنسبة لسرمدية اللاهوت. القديس جيروم * يلزمنا أن نرجع إلى ملجأك، حيث لا يوجد عندك أي تغيير، من المشاهد الزائلة التي حولنا، فإنه مهما طال الزمن الذي يُشتهى فإن ألف سنة في عينيك ليس مثل أمس، وليس مثل "الغد" الذي يأتي، فإن كل الأزمنة المحدودة تُحسب كأنها عبرت فعلًا. القديس أغسطينوس جَرَفْتَهُمْ. كَسِنَةٍ يَكُونُونَ. بِالْغَدَاةِ كَعُشْبٍ يَزُولُ [5]. يرى القديس أغسطينوس أن الأمور الزمنية في الصباح تجف وتزول كالعشب. إنها تموت فتصير كالجثة الهامدة التي تفسد وتصير ترابًا. وكما قيل بإشعياء النبي: "كل جسدٍ عشب، وكل جماله كزهر الحقل... ييبس العشب، ذبل الزهر، وأما كلمة إلهنا فتثبت إلى الأب" (إش 40: 6، 8). * هكذا تلك الأمور التي ليست قبلًا فأنها ستأتي، ولكنها ما أن تأتي سرعان ما تصير كأنها غير موجودة، لأنها لا تأتي لكي تبقى هنا، بل لتذهب. القديس أغسطينوس * "بالغداة (الصباح التالي) كعشب يزول". كما أن ندى الصباح يختفي سريعًا، هكذا تعبر حياة الإنسان صباحًا، أي في الشبوبية، حيث يظهر عن جديد في الصباح (المبكر). في الرجولة المبكرة (الشباب) وفي سن النضوج نحن نزهر. أما في الشيخوخة فننحدر، وزهرة قوتنا تذبل وتزول. مساء شيخوختنا جاف وذابل ويرتبك بأمراضٍ متنوعة، وذلك بعد ذبول زهرة الشباب. "كل بشرٍ هو عشب، وكل مجدهم مثل زهر الحقل. العشب يجف، والزهرة تذبل، وأما كلمة الله فثابتة إلى الأبد" (راجع إش 40: 6-8). نحن لا نزال أحياء، لكن جزءًا منا قد تبدد فعلًا في شيخوخة؛ وإن كانت نفوسنا كما هي إلا أننا نعاني من فقدان حيوية الشباب الأصلية، بمعنى حقيقي، صرنا إلى غير ما كنا عليه. القديس جيروم بِالْغَدَاةِ يُزْهِرُ فَيَزُولُ. عِنْدَ الْمَسَاءِ يُجَزُّ فَيَيْبَسُ [6]. يعيش غير المؤمن في قلقٍ، لأن حياته مهما طالت، تنتهي يومًا ما كعشبٍ جفَّ وأقتلع. أما المؤمن فيرى في حياته رحلة مفرحة، يعبر خلالها في صحبة مسيحه إلى حضن الآب ليحيا إلى الأبد. * حق الرب يطوِّق حوله، فلا يخاف من رعب الليل، ولا من شيء يسلك في الظلمة. لهذا "زبولون سيسكن بجوار البحر". هكذا يتطلع إلى سفن الآخرين وهي تغرق، أما هو فمتحرر من كل خطر. ربما يرى آخرين ينسحبون هنا وهناك على بحر هذا العالم، هؤلاء الذين يُحملون بكل ريح تعليم، أما هو فمتمسك بأرض الإيمان الصلبة. القديس أمبروسيوس |
|