|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
يهوذا الإسخريوطي ورمز القبلة (الأنا) يهوذا ورمز القبلة (الأنا) بطلا الرواية، بحسب يوحنا الإنجيلي، ليسا يسوع ويهوذا، بل يسوع والشيطان (يو13)، لأنّ شخصية يهوذا تصبح مدعوةً لاتخاذ قرار: إمّا أنْ يبقى مع الربّ، أو مع خصمِهِ الشيطان؛ إمّا معَ النور أم مَع الظلام. بالتالي تبدأ حرب الاستيلاء والتحرير على يهوذا، فالشيطان يريدُ الاستيلاء عليه ويسوع يريدُ أنْ يحرّره. يبدأ يسوع في الاستجابة على استفزازات الشيطان، لكي ينقذ يهوذا من يده، فأول عمل يقوم به يسوع، هو “غسل أرجل التلاميذ“، يحاولُ من خلاله استعادة يهوذا وتحريره من الشيطان لكيلا يقع في الخطيئة: «فإِذا كُنتُ أَنا الرَّبَّ والمُعَلِّمَ قد غَسَلتُ أَقدامَكم، فيَجِبُ علَيكُم أَنتُم أَيضاً أَن يَغسِلَ بَعضُكم أَقدامَ بَعْض. فقَد جَعَلتُ لَكُم مِن نَفْسي قُدوَةً لِتَصنَعوا أَنتُم أَيضاً ما صَنَعتُ إِلَيكم» (يو13: 14-15). يُبيّن يسوع ليهوذا، أنّهُ لا يواجه رجُلاً مُستبدًّا، مُتكبّرًا، بل يواجه سيد الحياة؛ ليس برجُلٍ مُتسلِّطٍ، بل برجلٍ مُتواضِع، يغسل أرجلَ تلاميذه كالخَدَم. بالرغمِ من قوته وألوهيته يفعل ما يفعلُهُ الخدم: «خَلَعَ ثِيابَه، وأَخَذَ مِنديلاً فَائتَزَرَ بِه، ثُمَّ صَبَّ ماءً في مَطهَرَةٍ وأَخَذَ يَغسِلُ أَقدامَ التَّلاميذ، ويَمسَحُها بِالمِنديلِ الَّذي ائتَزَرَ بِه» (يو13: 4-5). نلاحظ في هذا المشهد، يُساءُ فهمه من قبل هامة الرسل ورأس التلاميذ بطرس، لذلك يقوم بشرحِ ما قامَ به بصوتٍ عالٍ، ليس فقط لبطرس بل لجميع الرسل، خاصةً ليهوذا. يستفزّ بعملِهِ هذا يهوذا بصورة غير مُباشرة ليفتح عينيه على الواقع ويكتشف أين هو من هذا العمل، كما لو كان يقولُ لهُ: «اسمح لنفسكَ يا يهوذا، افتح قلبك ولا تكُن مُتردِّدًا، اسمع لضميرك ولا تَسمع للأنا!». يطلب يسوع من يهوذا أنْ يؤمن بالمصالحة مع الله، ليس أن ييأس من مغفرتِهِ، فالله لديه القدرة على إعادة قلبِ الخاطئ إلى قلبٍ نقيّ. لا يغفلُ يسوع لحظة واحدة عن يهوذا، إنْ فعلَ ذلك، فالشيطان قادرٌ على أنْ يأخذَه منهُ بسهولة؛ هو مستعدٌّ ليستحوذ عليه بلحظةٍ واحدة. لا نعلم بالحقيقة ماذا حدث ليهوذا، هل بالفعل يعتقدُ أنّهُ أكبر من الشخصِ الذي اختارَهُ وأرسلَهُ كرسولٍ، كمبشِّرٍ للأُمَم؟ (يو13: 18-19). يُريد يسوع أنْ يفتح عيني يهوذا أمام نجاسة أفكاره: «ما كانَ الخادِمُ أَعظِمَ مِن سَيِّدهِ ولا كانَ الرَّسولُ أَعظَمَ مِن مُرسِلِه» (يو13: 16). أعلَنَ يسوع بصورةٍ واضِحةٍ من سيخونه لتلاميذه: «فَغَمَس اللُّقمَةَ ورَفَعَها وناوَلَها يَهوذا بْنَ سِمْعانَ الإِسخَريوطيّ» (يو13: 26). «أعلنَ»، كلمةٌ يُمكن أنْ تُتَرجَم بكلمة “شَهدَ شهادة”، كما لو كان يسوع بالمحكمة يَشهدُ ضِد يهوذا الإسخريوطي الذي خانَهُ على أمل أنْ يَعترِف بفعلتِهِ هذه. هنا يهوذا هو المدَّعي عليه، فاتّهامُ يسوع لهُ ليس كانتقامٍ كما يمكن أن يحدثَ بمحكمةٍ بشريّةٍ، لكن لكي ينبّههُ بخطيئته وبذلك يستعيده من يد الشيطان. عَلِمَ يسوع من هذه اللحظة أنّهُ قد فقدَ يهوذا الإسخريوطي فشعر بأنّ نفسه مضطربة، أو بالأحرى الترجمة الصحيحة للكلمة اليونانيّة (etaràchthe tò pnèumati) المشتقّة من كلمة (taràssein)، «مضطرب الروحِ»: «فاضطَرَبَت نَفْسُه فأَعلَنَ قال: “الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: إِنَ واحِداً مِنكُم سَيُسلِمُني”» (يو13: 21). لا أحدَ يعرف في تلك اللحظة شعور يسوع سوى يوحنّا الحبيب الذي اتّكئ على صدره، فسمع بالتأكيد نَبَضات قلبه المضطربة، لأنّهُ من الصعبِ جدًّا التفكيرُ بأنّ يخونكَ أقرب الناس إليك! اضطراب يسوع هذا جعله يلجأ فيما بعد إلى مكانٍ هادئ ليُصلي بنفسٍ حزينة، طالبًا العون من الآب لتحمّل الآلام، فلجأ إلى «بستانِ الزيتون». يملك الشيطان الآن ورقَةً رابحة لإرباك يسوع وإزعاجه ألا وهي يهوذا الإسخريوطيّ. يأمُرُ يسوع يهوذا بأنْ يخونه ليخلّصهُ من هذا الذنب: «إفعَلْ ما أَنتَ فاعِلٌ وعَجّل» (يو13: 27). كما لو كان يقول: «من هذه اللحظة التي لَم أستطعْ أبعاد عنك ثقل اختيارك بالخيانة، أوصيكَ إذًا أنْ تفعل ذلك وأنا بدوري أتحمّل نتيجة فعلتك هذه». لنتأمل جيدًا في هذا النص، نلاحظ بأنّ يهوذا كالسارقِ الذي فاجأهُ مالِكُ البيتِ يسرق فقالَ لهُ: «ماذا تريدُ أنْ تسرق منّي؟ أهذا ما تريدُ؟ ها هو! أعطيكَ إياهُ هديّة». يا يهوذا أنا أسامحك ولن أقاضيكَ على ما فعلته بيّ، فأذهب ولا تقترف هذا الذنب من جديد، اسمع لضميرك دائمًا ولما يقوله لكَ فهو الذي يرشدك إلى عمل الخير وترك الشر وعد لتعيش حياتك. يعتقد الكلُّ هنا بأنَّ يسوع، في هذه اللحظة، تخلى نهائيًّا عن يهوذا، تركه في يدِّ الشيطان، على العكس، أرادَ يسوع أنْ يبيّن للشيطان أنّهُ قادِرٌ على الاستحواذِ على يهوذا لأنّهُ الآن لوحدِهِ، لا يملكُ أي صاحِب. بالحقيقة، لن يترك يسوع يهوذا ولو للحظة ولن يستسلم أبدًا. دعا يسوع يهوذا الإسخريوطي في ليلة الحب مثلما فعل مع بطرس، أندراوس، يعقوب والرسل الآخرين. فَلَم يَخترْ يهوذا الإسخريوطي لغرض الخيانة – في بعضِ قراءات الآباء والمفسرين، حتى تلك المعتمدة، نرى بأنَّ يهوذا قد دُعيَ من قبل يسوع ليكون خائِنًا، ليقوم بتسليمِهِ إلى رؤساءِ الكهنة وشيوخِ الشعب، فأصبح ضحيّة لهذا الفكر. كما ويُبالِغ يوحنا الإنجيليّ في بعض الأحيان أيضًا، في عرض شخصيّة يهوذا الإسخريوطي كخائن – اختيرَ ليكون رسولاً حقيقيًّا، مُبشِّرًا للأمم، ولكنَّ “الأنا” تغلّبَ عليهِ، فوقع بخطيئة الخيانة. حبُّه للمعلم لم يكُن حُبًّا أصيلاً، بل كانَ حُبًّا أنانيًّا، حُبًّا من أجلِ المال، السلطة والشهرة، هذه هي خطيئة يهوذا. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
قلب يهوذا الإسخريوطي |
من هو؟ يهوذا الإسخريوطي |
يهوذا الإسخريوطي |
موت يهوذا الإسخريوطي |
يهوذا الإسخريوطي |