رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الله يعمل معنا هناك أسباب جوهرية.. تجعل عمل الله معنا ضرورة: منها قول الرب "ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذي يؤدي إلي الحياة.. وقليلون هم الذين يجدونه" (متي 7: 14)، فإن كان الأمر هكذا، فإن العدل الإلهي يقتضي أن توجد معونة إلهية، يمكننا بها أن نجتاز الباب الضيق.. ولهذا يقول الرب: "بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا" (يو 15: 5): مادام الأمر هكذا، إذن لابد أن يكون الله معنا في كل عمل نعمله، وإلا فإننا سنقف عاجزين تمامًا في كل ما تكافح فيه إرادتنا سواء في الجهاد ضد الخطية، أو في خدمتنا للملكوت، أو في اكتساب أيه فضيلة. وبخاصة لأننا مطالبون بالقداسة ومطالبون أيضًا بالكمال.. إذ يقول الكتاب "نظير القدوس الذي دعاكم، كونوا أنتم أيضًا قديسين في كل سيرة لأنه مكتوب: كونوا قديسين لأني أن قدوس" (1 بط 1: 15، 16) نحن لسنا مطالبين بالقداسة فقط، بل أيضًا بالكمال في هذه القداسة... وذلك حسب قول الرب "كونوا أنتم كاملين، كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل" (متي 5: 48) ولكي نصل إلي القداسة والكمال، لابد بالضرورة أن معونة إلهية تحملنا في الطريق. يضاف إلي هذا أن عدونا قوي.. وحيله كثيرة وماكرة. قال عنه الكتاب "إبليس عدوكم مثل أسد زائر.. فقاوموه راسخين في الإيمان" (1 بط 5: 8، 9). تري بأي إيمان نقاومه؟ بالإيمان أن الله هو الذي يغلبه في حربه معنا.. كما قيل في سفر أيوب "الله يغلبه لا الإنسان" (أعي 32: 13). نعم إننا لا نستطيع بغير عمل الله معنا أن نغلب تلك الخطية التي قيل عنها إنها طرحت كثيرين جرحي، وكل قتلاها أقوياء" (أم 7: 26) الضرورة إذن تلزم وجود معونة لأنه بالإضافة إلي قوة عدونا طبيعتنا أيضًا ضعيفة. وهكذا فإن داود النبي في حديثه عن عظم مغفرة الله، يقول "لأنه يعرف جبلتنا يذكر أننا تراب نحن" (مز 103: 14). ويقول في كثير من مزاميره "ارحمني يا رب فإني ضعيف" (مز 6: 2). هذا الضعيف الذي بسببه تحدث الكتاب عن أخطاء الأنبياء.. فإن كان هؤلاء العظام قد أخطأوا، فماذا يحدث لنا، أن لم تسندنا معونة الله.. وهي لابد تفعل، حسب قول الرسول: "حيث كثرت الخطية، ازدادت النعمة جدًا" (رو 5: 20). نعم تزداد النعمة، لكي تنقذنا من هذه الخطية.. وهكذا يصرخ داود النبي إلي الرب ويقول "وأنت يا رب عرفت سبلي.. في الطريق التي أسلك، اخفوا لي فخًا.. تأملت عن اليمين وأبصرت، فلم يكن من يعرفني. ضاع المهرب مني، ولي سمن يسأل عن نفسي.. فصرخت إليك يا رب وقلت أنت هو رجائي وحظي في أرض الأحياء.. نجني من الذين يضطهدونني لأنهم قد اعتزوا أكثر مني" (مز 141) واحمني من قوتهم ومن ضعفي. ومن ضعف الطبيعة البشرية: الجهل والشهوة وعدم الإرادة. أحيانًا يجهل الإنسان الطريق إلي الله، يجهل الوسيلة التي بها يخلص. لهذا يقول المرتل في المزمور "علمني يا رب طرقك.. فهمني سبلك" (مز 119) "علمني يا رب الطريق التي اسلك فيها.. علمني أن اصنع مشيئتك" (مز 143) ويتغني بإرشاد الرب فيقول: "الرب صالح ومستقيم.. لذلك يرشد الذين يخطئون في الطريق.. يعلم الودعاء طرقه" (مز 25) إذن لابد أن يتدخل الله، ليرشد الإنسان في الطريق. والإنسان قد يعرف.. ومع ذلك إرادته لا تساعده. أما أنه لا يريد الخير، بسبب محبته للخطية، وإما انه يريد ولا يستطيع.. وهكذا يقول القديس بولس الرسول "إني اعلم أنه ليس ساكنًا في -أي في جسدي- شيء صالح. لأنه الإرادة حاضرة عندي، وأما إن أفعل الحسني فلست أجد، لأني لست افعل الصالح الذي أريده، بل الشر الذي لست أريده فإياه أفعل.. لست بعد أفعله أنا بل الخطية الساكنة في" (رو 7: 18 - 20). لذلك فإن الله بنعمته يعمل في الإنسان. وهكذا فإن القديس بولس الرسول ينسب كل ما يعمله إلي نعمة الله العاملة فيه فيقول "ولكن لا أن، بل نعمة الله التي معي".. "ولكن بنعمة الله أنا ما أنا.." (1 كو 15: 10).. ولأهمية النعمة.. فإن الآباء الرسل يبدأون بها رسائلهم. هكذا في رسائل القديس بولس تتكرر في مقدمتها عبارة "نعمة لكم وسلام" (رو 1: 7،1 كو 1: 3، 2 كو 1: 3) غل 1: 3، أف 1: 2، في 1: 2).. والقديس بطرس الرسول يقول في بدء رسالتيه لتكثر لكم النعمة والسلام (1 بط 1: 1، 2 بط 1: 2)، والقديس يوحنا يقول للسبع الكنائس في مقدمة سفر الرؤيا "نعمة لكم وسلام" (رؤ 1: 4) ويميز النعمة التي نلناها في العهد الجديد بقوله الجديد بقوله "لأن الناموس أعطي.. وأما النعمة والحق، فبيسوع المسيح صارًا" (يو 1: 17). هذه النعمة هي قوة من الله تعمل معنا وفينا. وهي أيضًا التي كانت تعمل في آبائنا الرسل، حتى أمكنهم أن يقوموا برسالتهم، ويشهدوا للرب "وبقوة عظيمة كانوا يؤدون الشهادة.. ونعمة عظيمة كانت علي جميعهم" (أع 4: 33) والقديسة الطاهرة العذراء مريم، حياها الملاك بعبارة: "سلام لك أيتها الممتلئة نعمة الرب معك" (لو 1: 28). الله يعمل فينا بنعمته.. وبشركة روحه القدوس. فالروح القدس يشترك معنا في العمل، ويعطينا قوة.. ولذلك السيد المسيح لتلاميذه القديسين "ولكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم، وحينئذ تكونون لي شهودًا" (أع 1: 8). وبهذا كانت "شركة الروح القدس" بركة توهب للمؤمنين إذ يقول القديس بولس الرسول في آخر رسالته الثانية إلي أهل كورنثوس "نعمة ربنا يسوع المسيح ومحبة الله، وشركة الروح القدس مع جميعكم" (2 كو 13: 14)، وهذه هي البركة التي تمنحها الكنيسة لأولاده في أخر كل اجتماع. وبالإضافة إلي شركة الروح القدس، يقول لنا السيد المسيح: "ها أنا معكم كل الأيام وإلي انقضاء الدهر" (متي 28: 20). إنه وعد عظيم يمنحنا رجاء أن يكون الرب معنا كل الأيام،ويقول أيضًا "حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم" (متي18: 20). وقد صور لنا سفر الرؤيا السيد الرب في وسط الكنائس السبع ورعاة هذه الكنائس عن يمينه (رؤ 1: 13، 16: 20). إنه معنا، يعمل فينا، ويعمل بنا، ويعمل معنا.. هذا عن الابن، وماذا عن الآب؟ يقول الرب: "أبي يعمل حتى الآن، وأنا أيضًا أعمل" (يو 5: 17). إن عمل الله لم ينته بالخلق، حينما استراح الله في اليوم السابع! فالله يعمل باستمرار يري كل شيء ويرقب، كضابط للكل.. وهو يعمل في رعاية هذه البشرية، ويسند ويساعد ويعين ويحفظ.. وقد قيل عن الآباء الرسل "فخرجوا، وكرزوا في كل مكان. والرب يعمل معهم، ويثبت الكلام بالآيات التابعة" (مر 16: 20). وقال داود النبي عن عمل الرب "ما أعظم أعمالك يا رب.. كلها بحكمة صنعت" (مز 104: 24). الثالوث القدوس إذن يعمل معنا، وتعمل معنا ملائكته. قال الرسول عن الملائكة، أليسوا جميعًا أرواحًا خادمة مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص" (عب 1: 14) ملاك من السارافيم طار بسرعة وأخذ جمرة من علي المذبح ومسح بها شفتي اشعياء النبي لما سمعه يقول "ويل لي قد هلكت، لأني إنسان نجس الشفتين" (اش 6: 5-7) وملاك آخر وقف يدافع عن يهوشع الكاهن لما رأي الشيطان وقال له "لينتهزك الرب" (زك 3: 2). ويعوزني الوقت إن تحدثت عن عمل الملائكة من أجل البشر بأمر من الرب: مثل قول دانيال النبي "إلهي أرسل ملاكه فسد أفواه الأسود" (دا 6: 22)، ومثل إنقاذ الملاك لبطرس من السجن (أع 12) ومثل قول الكتاب "ملاك الرب حال حول خائفيه وينجيهم" (مز 34: 7). ومثل قول الكتاب عن عمل الله من أجلنا في ضيقتنا "في كل ضيقهم تضايق وملاك خلصهم" ((اش 63: 9) الله يعمل لأجلنا في كل ضيقاتنا وتجاربنا.. إنه يقول لكل منا "لا أهملك ولا أتركك، تشدد وتشجع. لا ترهب ولا ترعب لأن الرب إلهك معك حيثما تذهب" (يش 1: 5، 9). وقال لإرميا النبي "لا تخف من وجوههم لأني أنا معك لأنقذك" (أر 1: 8). وقال القديس بولس الرسول "لا تخف، بل تكلم ولا تسكت، لأني أنا معك. ولا يقع بك أحد ليؤذيك" (أع 18: 9، 10). حتى في الكلام، الله يكون معنا، ليتكلم علي ألسنتنا. إنه يقول لنا "لا تهتموا كيف أو بما تتكلمون، لأنكم تعطون في تلك الساعة ما تتكلمون به لأن لستم انتم المتكلمين، بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم" (متي 10: 19، 20). وبولس الرسول يطلب صلاة أهل أفسس لكي يعطي له كلام عند افتتاح فمه (أف 6: 19)، وداود النبي يقول "افتح يا رب فتي، لكي يخبر فمي بتسبيحتك" (مز 50) وأرمياء النبي قال له الرب "ها قد جعلت كلامي في فمك" (ار 1: 9). ومن جهة التوبة، الله هو الذي يعمل فينا لنتوب، لذلك يقول الكتاب: "توبني فأتوب، لأنك أنت الرب إلهي" (ار21: 18) روح الله هو الذي يبكتنا علي خطية (يو 16: 8) وهو الذي يرشدنا إلي طريق البر. والمرنم يقول عن عمل الرب في التوبة "انضج علي بزوفاك، فاطهر واغسلني فأبيض أكثر من الثلج" (مز 50). ونحن نصلي في قداستنا ونقول "طهر نفوسنا وأجسادنا وأرواحنا" (والله هو الذي منحنا في المعمودية غسيل الميلاد الثاني (تي 3: 5). ووعدنا في سفر إشعياء بهذا التطهير (اش 1: 18)، وكذلك في سفر حزقيال (حز 36: 25) ومن العبارات التي تستحق شيئًا من التأمل قول المرتل في المزمور: "قلبًا نقيًا أخلق في يا الله وروحًا مستقيمًا جدده في أحشائي" (مز 50). إذن فوجد هذا القلب النقي هو من عمل الله، يخلقه خلقًا من لا شيء، ويجدد الروح.. ويقول الرب في سفر حزقيال "وأعطيكم قلبًا جديدًا، وأجعل روحًا جديدًا في داخلكم.. وأجعل روحي في داخلكم.. وأجعلكم تسلكون في فرائضي. وتحفظون احكمي وتعلمون بها" (حز 36: 26، 27) واضح أنه عمل الرب فينا. "أنه الله الذي يريد أن الجميع يخلصون وإلي معرفة الحق يقبلون" (1 تي 2: 4). وهو لا يريد فقط، وإنما يريد ويعمل علي خلاصنا. وهو الذي دبر طريقة الفداء والكفارة.. وهو الذي أخلي ذاته وتجسد.. هو الذي أحب "أحب العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" (يو 3: 14 9). هو الذي أعطي الرسل المصالحة.. ليصالحونا معه. وفي ذلك يقول القديس بولس الرسول".. الله الذي صالحنا لنفسه بيسوع المسيح وأعطانا خدمة المصالحة.. إذن نسعى كسفراء عن المسيح، كأن الله يعظ بنا.. نطلب عن المسيح: تصلحوا مع الله" (2كو 5: 18، 19). هو الذي قال: أنا واقف علي الباب وأقرع (رؤ 3: 20). إنه يقرع علي باب كل نفس ويبحث عن خلاص علي كل نفس، كما بحث عن الخروف الضال والدرهم المفقود (لو 15) وهو من أجل هذا الخلاص أرسل الأنبياء والرسل، والرعاة والمعلمين، وأرسل لنا كلامه بالوحي الإلهي. الله أيضًا يعمل لأجلنا بالحفظ الإلهي.. وبهذا يتغني المرتل فيقول في المزمور "لولا أن الرب كان معنا حين قام الناس علينا لابتلعونا ونحن أحياء.. مبارك الرب الذي لم يسلمنا لأسنانهم.. نجت أنفسنا مثل العصفور من الصادين" (مز 123)، وداود النبي يقول لجليات "الحرب للرب، وهو يدفعكم ليدنا" (1 صم 17: 47). وموسي النبي قال للشعب "قفوا وانظروا خلاص الرب.. الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون" (خر 4: 14، 14). إن الشيطان يريد أن يوقعنا في اليأس.. بأن ينسينا عمل الله من أجلنا. ومن السهل أن نرد عليه. إن قال لنا أن طريق الرب صعبة نقول له يكفي أن الله معنا في الطريق.. وهو يجعل الصعب سهلًا.. وإن قال لواحد منا أن نفسك لا تريد التوبة، نقول له: يكفي أن الله يريدها لنا وهو لا شك سيقودنا إليها.. وإن أخفنا من الأعداء الكثيرين نقول له: إن الذين معنا أكثر من الذين علينا. إن الله يعمل لأجلنا. ولكن يجب علينا الاستجابة له.. والشركة معه. وفي هذا يقول الرسول: "إن سمعتم صوته، فلا تقسوا قلوبكم" (عب 3: 8) الله يعمل.. ولكن ينبغي أن نشترك معه في العمل.. هو يرسل روحه القدوس لأجل تقويتنا، وإرشادنا. ولكن ينبغي لنا أن ندخل في شركة الروح القدس. وبهذا يكون الخلاص هو نتيجة عمل الله فينا.. ومعه قبولنا لهذا العمل.. واشتراكنا مع الروح في وسائط النعمة. وكل ذلك يبعث الرجاء في النفس. ولكن.. لعل إنسانًا يقول إنني طلبت من الله وهو لم يستجب! ومازلت في ضيقة، والله لم يتدخل! فأين الرجاء إذن؟ لمثل هذا الإنسان، قال المرتل في المزمور: "انتظر الرب. تقو وليتشدد قلبك، وأنتظر الرب" (مز 27). |
|