|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
يَا رَاعِيَ إِسْرَائِيلَ اصْغَ، يَا قَائِدَ يُوسُفَ كَالضَّأْنِ، يَا جَالِسًا عَلَى الْكَرُوبِيمِ أَشْرِقْ [1]. يرى البعض أن كلًا من الاسمين "إسرائيل" و"يوسف" يشير إلى الشعب كله. رعاية الله لإسرائيل تعني اهتمام الله بشعبه الذي حرره من عبودية فرعون، وقيادته ليوسف الذي تآمر عليه إخوته واغتالوه كالذئاب المفسدة للرعية. الله الذي كان يرعى إسرائيل القديم هو الذي لا يزال يرعى الكنيسة "إسرائيل الجديد". * لقد بيع، وكان الثمن بخسًا، ثلاثين من الفضة (مت 26: 15). لكنه هو يشتري العالم بثمن عظيم وهو دمه (1 كو 6: 20، 1 بط 1: 19). قيد كشاة للذبح (إش 53: 7)، إلا أنه يرعى إسرائيل (مز 80: 1)، والآن يرعى أيضًا العالم كله . القديس غريغوريوس النزينزي "يوسف" تعني "إضافة الله"، فتشير الكلمة إلى الأمم الذين جذبهم الراعي الصالح إلى كنيسته كأعضاء فيها. يقول السيد المسيح: "ولي خراف أُخر ليست من هذه الحظيرة ينبغي أن آتي بتلك أيضًا، فتسمع صوتي وتكون رعية واحدة وراعٍ واحدِ" (يو 10: 16). * تفسير اسم (يوسف) يفيدنا كثيرًا، فهو يعني "زيادة". فقد جاء بحقٍ لكي ما يزيد القمح الذي يُقدم للموت وتضاعف (يو 12: 24)، أي كي يزيد شعب الله . القديس أغسطينوس جاءت كلمة "يقود" هنا تشير إلى الماضي (2 صم 6: 3)، كما إلى الحاضر (جا 2: 3)، وإلى المستقبل (إش 11: 6). "يا جالسًا على الكروبيم أشرق": يقول المرتل: "الرب قد ملك، ترتعد الشعوب، هو جالس على الكاروبيم، تتزلزل الأرض" (مز 1:99). في سفر حزقيال دعا النبي المخلوق الحيّ كاروبًا. والعجيب أن الكاروب ارتبط بخلاصنا ارتباطًا وثيقًا. ظهر في أول أسفار الكتاب المقدس ممسكًا سيفًا ملتهبًا نارًا يحرس طريق الفردوس حتى لا يدخل الإنسان إلى شجرة الحياة. إذ لا تقدر طبيعة الإنسان الساقطة أن تقترب من سرّ الحياة. كما ظهر في آخر أسفار الكتاب المقدس مع الأربعة وعشرين قسيسًا السمائيين، يشتركون في تسبحة الحمل التي هي تسبحة خلاصنا (رؤ 9:5)، إذ صار للإنسان حق الدخول إلى السماء عينها، وقد تمجدت طبيعته في المسيح يسوع الحمل الحقيقي. أما بين بدء الكتاب ونهايته فيظهر أيضًا كاروبان على تابوت العهد في خيمة الاجتماع والهيكل علامة الحضرة الإلهية، وكان الله يتحدث مع موسى من خلالهما. أما وجود كاروبين فوق تابوت العهد حيث يمثل عرش الله، فيشير إلى أن الله الساكن وسط شعبه يتحدث معهم ويعاملهم خلال الرحمة والحب. أيضًا وجود اثنين يشير إلى دور السمائيين من نحونا: الصلاة لأجلنا والعمل كخدام للعتيدين أن يرثوا الخلاص (عب 14:1). ورسم شكل الكاروب على ستائر الخيمة والحجاب (خر 27-25) يقترب من شكل الإنسان مجنحًا ليعلن عن اقتراب الطبيعة البشرية إلى الحضرة الإلهية. لقد عرف الإنسان الكاروب، فصار ليس غريبًا عن البشرية. لهذا عرفته الأمم ولاسيما الكلدانيون، وإن كانوا قد أضفوا عليه أشكالا من عندياتهم كما فعل سائر الأمم في كل الحقائق الإيمانية التي تسلموها شفاهًا بالتقليد، وصبغوها بفكرهم المنحرف. إذن حين نرى الكاروب نتذكر طبيعتنا البشرية التي تمتعت بالخلاص من خلال اتحادها مع الله الآب في المسيح يسوع ربنا بواسطة روحه القدوس. أما وجوهه الأربعة فتشير إلى تقديس طبيعتنا الجديدة من كل جوانبها: العقلية (إنسان) والروحية (النسر) والعمل (الثور) والسلطان (الأسد). تبع القديس إكليمنضس السكندري فيلون اليهودي قائلًا إن كلمة "كاروب" تعنى "معرفة". فاسم "الشاروبيم" يعني فيضًا من المعرفة أو تدفقًا من الحكمة. لذا فهم يشيرون إلى قوة المعرفة وإلى رؤية الله. يتأملون في جمال اللاهوت في أول إعلاناته، يتمتعون بحكمة إلهية. يفيضون بينبوع حكمتهم على من هم أقل منهم. وكأنه من خلال المعرفة الروحية تصير حياتنا مركبة تحمل الله داخلها. هذا ما قبله أيضًا القديس جيروم الذي رأى في الكاروب رمزًا لمخزن المعرفة التي تعمل في طبيعتنا لترفعها وتنطلق بها بين القوات السماوية. تعمل في طبيعتنا المتسلطة على الشهوات كأسد، وتحلق في الأمور العلوية كنسر، وتعمل مجاهدة كالثور، وبتعقل كإنسانٍ. هذه المعرفة نغترفها من الأناجيل الأربعة، إذ يقول نفس القديس: [متى ومرقس ولوقا ويوحنا هم فريق الرب الرباعي، الكاروبيم الحقيقيون، أو مخزن المعرفة؛ فإن جسدهم مملوء عيونًا ومتلألئ كالبرق... أقدامهم مستقيمة ومرتفعة، ظهرهم مجنح، مستعدون للطيران في كل الاتجاهات، كل واحدٍ منهم يمسك بالآخر، يتشابك الواحد مع غيره، كالبكرات وسط البكرات يتدحرجن على طول الخط، يتحركن حسب نسمات الروح القدس .] * الكاروبيم هم كرسي مجد الله، وترجمتهم "كمال المعرفة". الله يجلس على كمال المعرفة. فإن كنا نفهم الكاروبيم أنهم قوات علوية، وقوات سماوية، إلا أنكم إن أردتم يمكنكم أن تكونوا كاروبيم. فإن كان الكاروبيم هم عرش الله، اسمعوا ما يقوله الكتاب المقدس: "نفس البار هي كرسي الحكمة". تقولون: كيف نصير نحن في كمال المعرفة. من يحقق هذا؟ لديكم الوسيلة لتحقيق هذا: "المحبة هي تكميل الناموس" (رو 13: 10). كما يقال: "الله محبة" (1 يو 4: 8) . القديس أغسطينوس يوضح لنا القديس غريغوريوس النزينزي ماذا يعني القول: جلوس الله على الكاروبيم. * بعض الأشياء المذكورة في الكتاب المقدس ليست حقائق (بل رموز)، وبعض الحقائق غير مذكورة، وبعض الأشياء غير الحقيقية غير مذكورة، وبعض الأشياء حقيقية ومذكورة. هل تريدون مني أمثلة تثبت ذلك؟ أنا مستعد لأقدمها لكم. نقرأ في الإنجيل أن الله يتغافى (ينام) (مز 44: 23)، و"يستيقظ" (إر 31: 26)، ويغضب (مز 79: 5؛ قارن إش 5: 25)، و"يمشي" (تك 3: 8)، و"جالس على عرش فوق الكاروبيم" (إش 37: 16؛ مز 80: 1)، ومع ذلك هل كان الله يتأثر بالعاطفة؟ وهل سمعتم من قبل أن الله كائن جسدي؟ هذه صورة عقلية غير حقيقية. الحقيقة هي أننا قد استخدمنا أسماء مشتقة من الخبرة البشرية وطبقناها - بقدر ما استطعنا - على جوانب من الله. فعلى سبيل المثال، فإن انعزال الله عنا - لأسباب يعلمها هو - بشكل يكاد يكون عدم نشاط لا يبالي بنا هو ما نسميه "نوم" الله، فإن النوم البشري له خاصية عدم النشاط والسكون. وعندما يتغير الحال ويقوم الله فجأة بعمل ما في صالحنا، نسمي هذا استيقاظه. والاستيقاظ ينهي النوم كما أن النظر إلى شخص ما ينهي التحول بالنظر بعيدًا عن هذا الشخص. وقد جعل عقاب الله لنا هو "غضبه"، لأن العقاب ينتج من الغضب. ونسمي عمل الله في أماكن مختلفة "سيرًا"، لأن السير هو الانتقال من مكان إلى مكان، جاعلًا هذه الأماكن شبه مسار له. ونتحدث أيضًا عن "جلوس الله على العرش"، وهذه أيضًا لغة بشرية، فالإله لا يبقى ويسكن في مكان بقدر ما يسكن في القديسين. ونسمي حركة الله السريعة "طيرانًا" (مز 18: 10)، ومراقبته لنا هي "وجه الرب" (مز 4: 6، 34: 16)، وعطاءه وأخذه هما "يد الرب" (مز 145: 16). وفي الواقع فإننا نصف كل قدرة أو عمل لله بصورة مماثلة من الناحية الجسدية . القديس غريغوريوس النزينزي * "لم يكن لهما موضع في المنزل" (لو 2: 8). الذي أوجد كل الأرض لم يكن له موضع هنا... وكانت تقوته باللبن الذي يعول الكل ويهب حياة لكل كائن حي، وقمّطت بالخرق ذاك الذي يصون المسكونة كلها... واضطجعت في المزود، الجالس فوق الشاروبيم (مز 80: 1). أشرق نور سماوي حول ذاك الذي يضيء المسكونة كلها. جنود السماء أسمعته التسابيح، هذا الممجّد في السماء من قبل الدهور. نجم بضيائه قاد الآتين من بلاد بعيدة إلى ذاك الذي افتقر من أجلنا! أما والدة الإله فقد حفظت هذا الكلام وخبّأته في قلبها كمن يتقبّل كل الأسرار... إن مدحك أيتها العذراء الفائقة القداسة يفوق كل مديحٍ، بسبب تجسّد يسوع ربنا الذي له المجد مع الروح القدس والآب، الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور آمين . القديس غريغوريوس صانع العجائب ما أروع ما يقوله القديس أغسطينوس في تعليقه على هذه العبارة، وهو أن الله يطلب أن نسأله كي يأتي، وهو ينتظر لكي يأتي، ويشتاق أن يأتي! |
|