منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 22 - 04 - 2020, 10:13 AM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,330

صمتُ السَّعف … صمتُ رمضان
===================


صمتُ السَّعف … صمتُ رمضان

فاطمة ناعوت
كتبَ على صفحته يقول: “هذا العامَ أيضًا، سنذهب كعادتنا معًا ليلة الأحد، نحصدُ عيدانَ السَّعف وسنابلَ القمح، لتعلقيها بيديكِ على باب البيت؛ كعادتكِ كلَّ عام. عند مساء السبت سأنتظرُكِ، ونذهب معًا. كلُّ عام وأحباؤنا المسيحيون طيبون وصائمون؛ يرفعون أياديهم إلى السماء ضارعين بالدعاء لكي يحمي اللهُ مصرَ، ونيلَ مصرَ، وشعبَ مصرَ من كل شرّ،اللهم تقبل عبادتكم وعبادتنا. أمين.”
هذا رفيقُ دربي، صخرةُ حياتي التي عليها أتكئ كلّما هدّني التعبُ. كتب لي تلك الكلمات في مثل هذه الأيام منذ أربعة أعوام وأنا في مدينة أبو ظبي، عشية أحد السَّعف. كتب من القاهرة ليواسي غربتي عن وطني وأطفالي؛ فلمحتُ على بعد آلاف الأميال سنابلَ القمح تُشرق في كلماته مع دمع يترقرقُ في عينيه الطيبتين؛ لأنها (لأول مرّة ما بنكون سوا)، كما تقول جارة القمر، في مناسبة جميلة اعتدنا على إحيائها معًا.
قبل أيام، مرَّ أحدُ السعف صامتًا؛ بسبب أحوال كورونا. فخسرنا أن نجدلَ مع أصدقائنا المسيحيين شرائحَ السعف تيجانًا وأساورًا وخواتمَ ولُعبًا؛ لكي نؤكد على هُويتنا المصرية ونفرح من أشقائنا كما كل عام. لم نعلِّق سنبلةَ قمح خضراءَ على باب بيتنا مثلما نفعلُ كلَّ عام، ثم نراقبُها وهي تجفُّ يومًا بعد يوم حتى تتحوّل إلى شعلة من الذهب المُشعّ؛ يجلبُ الخيرَ على بيتنا ويحمي أسرتنا من عيون الأشرار، كما كان يؤمن أجدادنا الفراعنة، سلفُنا الصالح.
أعادت لي ذكريات فيس بوك كلماتِ زوجي على صفحته، فغام الحزنُ فوق صفحة وجهي. قاتل الُله كورونا التي باعدت خيوطَ نسيج الأهل والأحبّة والجيرة والصداقة. لكنَّ المحبة لا تنظرُ إلى المسافات، ولا تنتظرُ التقاربَ الجسدي لكي تتأكد وتُعلن عن نفسها. أرسلنا لبعضنا البعض "إلكترونيًّا" مشغولاتٍ مجدولةً من السَّعف، وأكدّنا لبعضنا البعضَ أن المحبة أقوى من الفيروس، لأن الجمال أقوى من القبح، والخير أقوى من أقوى الشرور والأمراض والأوبئة والجوائح. وفي العام القادم بإذن الله سوف نعود إلى سابق عهدنا الجميل في صلة القربى مع الأهل، والصداقة والودّ بين المسلمين والمسيحيين في وطن كريم متحضِّر، عرف كيف يديرُ هذه الأزمة الكونية على خير وجه وبكامل الاحترافية والجاهزية والعلمية والحسم. وطن كريم اسمه مصر.
في مثل ذلك اليوم كنّا نرى شوارعَ مصر تعجّ بباعة سنابل القمح وجريد النخيل في كل مكان. فتلك عادتنا الاجتماعية المصرية القديمة منذ آلاف السنين، قبل أن تتأكّد روحيًّا باصطفاف أهالي القدس الشريف، على الجانبين حاملين أغصان الزيتون: رمزًا للسلام، وعيدان السعف: رمزًا للرغد، انتظارًا للحظة وصول السيد المسيح، رسولا للسلام والمحبة، عليه وعلى أمّه البتول السلام. قبل ألفي عام دخل أورشليم القديمة منتصرًا مُكللاً بأوراق الغار.� لكن غياب الحب عن بني الإنسان جعلت هذا الرسولَ الكريم، الذي جال يصنع خيرًا، يسير، بعد أيام قليلة، في طريق وعرة من باب الأسباط إلى كنيسة القيامة حاملاً صليبَه الخشبيَّ الهائل، قربانًا لخلاص البشر من الشرور والبغضاء.
بعد أيام قليلة يحلُّ علينا شهرُ رمضان المعظّم. الشهر الطيّب الذي حمل لنا القرآنَ رسالةَ نور ومحبة وعدل إلى العالم، ليتأكد للعالمين أن الحبَّ هو جوهرُ الأديان كافّة وسرُّ أسرار رسائلها للبشر. سيأتي علينا رمضانُ صامتًا، خلوًا من سماته المصرية الجميلة في التقارب والتوادّ بين الأهل والأصدقاء والجيران. لن نرى الزينات الملوّنة يعلّقها الأطفالُ في سماوات الطرقات. لن نرى الفوانيسَ مضاءةً بالشموع تُنثر الثريات المضيئةَ في ليالي مصر الطيبة. لكننا بالحبّ سنعوّض غيابَ الاحتشاد. الحبُّ شمعةُ القلب التي لا تنطفئ ولا يقدرُ عليها فيروس ولا جوائحُ.
غيابُ الحبّ أصلُ كلّ شرور العالم. فهيا نجلسُ في بيوتنا ونضيء شموع الفوانيس ونجدلْ مشغولات السعف لمن نحبّ. دعونا نفحصْ قلوبنا. هل تخفق؟ إذن نحن بخير، ولا خوفٌ علينا. نحن بخير حين نتيقّنُ أن قلوبنا مازالت قادرةً على الحب، رغم ما نمرُّ به من نازلة كونية لم نرَ مثلها من قبل. الحبُّ نعمة هائلة لا يدرك معناها إلا ذوو القلوب الخافقة. أما ذوو البلادة القلبية فليس لهم إلا الشفقة والدعاء لهم بأن يتعلّموا كيف أحبّنا الله ُولم يطلب منّا سوى أن نحبًّه ونحبَّ خلقَه فنعمِّرُ الكونَ بالرغد والسلام. كلَّ عام وجميعُ المصريين بخير في عيد القيامة المجيد، وفي شهر رمضان المعظّم. بالحبِّ والعلم سوف ننتصر على كورونا بإذن الله. “الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن.”
***
رد مع اقتباس
 


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
أحاديثٌ لا صمتَ لها
وما زلتُ أقع في حُبك يَومياً
ألقيتُ عليكَ السّلام في صمتٍ
ما زلتُ أتمرجـح !
ليسَ كُل صمتٍ رِضَا ،


الساعة الآن 07:30 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024