رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
السقوط مع الموآبيات: 1 وَأَقَامَ إِسْرَائِيلُ فِي شِطِّيمَ، وَابْتَدَأَ الشَّعْبُ يَزْنُونَ مَعَ بَنَاتِ مُوآبَ. 2 فَدَعَوْنَ الشَّعْبَ إِلَى ذَبَائِحِ آلِهَتِهِنَّ، فَأَكَلَ الشَّعْبُ وَسَجَدُوا لآلِهَتِهِنَّ. 3 وَتَعَلَّقَ إِسْرَائِيلُ بِبَعْلِ فَغُورَ. فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى إِسْرَائِيلَ. 4 فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «خُذْ جَمِيعَ رُؤُوسِ الشَّعْبِ وَعَلِّقْهُمْ لِلرَّبِّ مُقَابِلَ الشَّمْسِ، فَيَرْتَدَّ حُمُوُّ غَضَبِ الرَّبِّ عَنْ إِسْرَائِيلَ». 5 فَقَالَ مُوسَى لِقُضَاةِ إِسْرَائِيلَ: «اقْتُلُوا كُلُّ وَاحِدٍ قَوْمَهُ الْمُتَعَلِّقِينَ بِبَعْلِ فَغُورَ». يقول العلامة أوريجينوس أنه إذا منعت الإرادة الإلهيّة بلعام من لعنه الشعب أراد أن يرضي بالاق الملك فقدم له هذه المشورة: "لا يحصل هذا الشعب على النصرة بقوته وإنما بعبادته الله وحياة الطهارة. فإن أردت أن تهزمه ابدأ بهدم طهارته فينهزم بأسلحته. إنه ينهزم بالجمال النسائي لا بقوة الجيوش، بنعومة النساء لا بصلابة رجال الحرب. لتستبعد أيدي المحاربين لتجمع نخبة من الجميلات، يسرن على نغمات رقص وصفقن بأيديهن. فإن الجمال ينزع الأسلحة من المحاربين واستبعدوا السيوف؛ الرجال الذين لا يُقهرون في الحرب يهزمهم الجمال. فإذا ما لاحظت الموآبيات أن الرجال تركوا أنفسهم للشهوات، وأحنوا رقابهم للخطيئة، عليهن ألاَّ يرضين رغباتهم بل أن يطعموهم من ذبائح الأصنام. هكذا تحت سطوة الشهوة يخضعوا لإرادة النساء ويتعرفوا على أسرار فغور التي هي أصنام (فجور)". هذه المشورة خرجت من بلعام لأجل إرضاء الملك لنوال الأجرة إذ يقول الكتاب عن هؤلاء النساء: "إن هؤلاء كن لبني إسرائيل حسب كلام بلعام سبب خيانة للرب في أمر فغور فكان الوبأ في جماعة الرب" (عد 31: 16). وبأكثر وضوح جاء في سفر الرؤيا: "ولكن عندي عليك قليل أن عندك هناك قومًا متمسكين بتعليم بلعام الذي كان يعلم بالاق أن يُلقي معثرة أمام بني إسرائيل أن يأكلوا ما ذُبح للأوثان ويزنوا" (رؤ 2: 14). وفي رسالة يهوذا: "انْصَبُّوا إِلَى ضَلاَلَةِ بَلْعَامَ لأَجْلِ أُجْرَةٍ" (يه 1: 11). نعود إلى النص الوارد في سفر العدد أصحاح 25، إذ يقول: "وأقام إسرائيل في شطيم، وابتدأ الشعب يزنون مع بنات موآب" [1]. تم هذا الشر في شطيم، وكما يقول العلامة أوريجينوس أن (شطيم) كما جاءت في القواميس العبريّة تعني (إجابة أو رد). في الوقت الذي كان الله يصارع مع بلعام وبالاق لكي لا يلعن هذا الشب بكلمة، مرسلًا له ملاكه في الطريق ومعلنًا أسراره لساحر أجير من أجل محبته لشعبه، كان رد الفعل لدى الشعب أنه زنى مع بنات موآب وعبد آلهتهن! حقًا ما أقسى قلب الإنسان، إنه دائم الجحود لله الذي يرعاه ويهتم به. يُعلِّق القديس إغريغوريوس أسقف نيصصعلى هذه المشورة الشريرة، قائلًا: [إذ فشل مخترع الشرّ في ذلك (في إثارة بلعام ليلعن شعب الله) لم يتوقف قط عن مواجهة من يقاومهم، فإنه يلجأ إلى حيلة تناسب طبيعته مستخدمًا الملذات لاجتذاب الطبيعة للشرّ. حقًا إن الملذات تشبه طعمًا شريرًا، تُلقى بخفة ليسحب النفوس الشرهة نحو طعم السمكة المهلك؛ فإنه بواسطة الشهوة الخليعة تنسحب الطبيعة التي بلا أساس نحو الشرّ. هذا بحق هو ما حدث في هذه المناسبة. فإن الذين غلبوا أسلحة العدو، وبرهنوا أن كل هجوم يوجه ضدهم بأسلحة حديديّة هو ضعيف أمام قوتهم. استطاعوا بقدرة أن يتحملوا في المعركة التي أثارها أعداؤهم، لكنهم هم أنفسهم جُرحوا بسهام الملذات النسائيّة. هؤلاء الذين كانوا أقوى من الرجال هزمتهم النساء. فما أن ظهرت النساء أمامهم مبرزين جمالهن عِوَض الأسلحة حتى نسوا قوتهم الرجوليّة وتبدَّدت عزيمتهم أمام اللذة]. مرة أخرى يقول القديس إغريغوريوس: [يبدو لي أن التاريخ يقدم لنا هنا نصيحة نافعة للبشر. إنه يعلمنا إنه من بين الآلام العظيمة التي تحارب فكر الإنسان ليس شيء أقوى من مرض الملذات.هؤلاء الذين هم إسرائيليّون، الذين كانوا بكل وضوح أقوى من فرسان مصر وقد غلبوا عماليق وصاروا مرعبين للأمم الأخرى. وانتصروا على فرق المديانيّين، هؤلاء صاروا عبيدًا لهذا المرض في اللحظات التي رأوا فيها النساء الغريبات. كما سبق فقلت أن اللذة هي عدونا الذي يصعب محاربته والتغلب عليه]. بالغلبة التي صارت للذة التي ظهرت على الذين لم تغلبهم الأسلحة، أقامت نصبًا تذكاريًا عن العار الذي لحق بهم، يعلن عن خزيهم أمام جمهور الإهانة. لقد أظهرت اللذة أنها حوَّلت البشر إلى حيوانات مفترسة... تجتذبهم إلى الدعارة فينسون طبيعتهم الإنسانيّة. إنهم لا يخفون تهورهم بل يزينون أنفسهم بعار الشهوة، ويجمِّلون أنفسهم بوحمة الخزي، إذ يتمرغون كالخنزير في حمأة الدنس علانية ليراهم كل أحد. إذن ماذا نتعلم من هذا الأمر؟ الآن إذ نعرف قوة الشرّ العظيمة التي لمرض الملذات فلنوجه حياتنا بعيدة عنها قدر ما نستطيع حتى لا يجد له المرض فتحة فينا يدخل خلالها إلينا، كالنار التي بمجاورتها يحدث لهيب شرير. لقد علَّمنا سليمان ذلك عندما قال بحكمة أنه يلزم على الإنسان ألاَّ يسير على جمر ملتهب حافي القدمين، ولا يخفي نارًا في حضنه. هكذا في مقدورنا أن نبقى غير متأثرين بالألم مادمنا نبتعد عما يلهبه. إن اقتربنا إليه لنقف على النار الملتهبة، تلتهب نار الشهوة في صدورنا وتحرق أقدامنا وصدورنا معًا. لكي نُحفظ من شرّ كهذا قطع الرب في الإنجيل أصل الشر ذاته، أقصد الرغبة التي تثير النظر، إذ يعلمنا أن الإنسان الذي يرحب بالألم خلال نظراته يفتح الباب للمرض الذي يضره. لأن الآلام الشريرة كالوباء إذ يملك على موضع لا يتوقف حتى يسبب موتًا!". نعود إلى الشعب الساقط في الزنا مع بنات موآب، إذ يقول الكتاب "فَدَعَوْن الشعب إلى ذبائح آلهتهن، فأكل الشعب وسجدوا لآلهتهن" [2]. بالزنا الجسدي انجرفوا إلى آلهتهن والملذات الجسديّة فامتلأت بطونهم من الذبائح الوثنيّة وسجدوا للآلهة الغريبة، أي انحرفوا إلى الزنا الروحي في أبشع صوره وهو (العبادة الوثنيّة). يقول العلامة أوريجينوس: [لم يكتفوا بالأكل وإنما سجدوا أيضًا. انظر كيف تقدموا في الشرّ، إذ ترك خدام الرب أنفسهم أولًا للشهوة ثم الشراهة وأخيرًا للكفر. الكفر هو أجرة البغاء، فقد قرأنا في مناسبة أخرى النصوص الخاصة لسليمان. فإن كل حكيم -مهما يكن- إذ يعطي أحضانه لكثير من النساء يزيغ قلبه عن الله، إذ يقول الناموس: "لاَ يُكَثِّرْ لَهُ نِسَاءً لِئَلاَّ يَزِيغَ قَلْبُهُ" (تث 17: 17). مع أنه كان حكيمًا جدًا ونال استحقاقات عظيمة أمام الله لكنه زاغ لأنه ترك نفسه لكثير من النساء. ما نسميه بعدد كبير من النساء أظن أن العدد الضخم من البدع والفلسفات المختلفة التي تدرس في كثير من الأمم. أراد أن يتعرَّف عليها ويتعمقها كعالم وحكيم، فلم يستطع أن يحفظ نفسه في الناموس الإلهي. الفلسفة الموآبيّة أغرت سليمان وأقنعته أن يذبح لآلهتهم. وكذلك فلسفة بني عمون وهكذا فلسفات الأمم التي قيل أنه أخذ منها نساءً، فكرم الأصنام بتشييد المعابد وتقديم الضحايا. إنه عمل إلهي عظيم أن نألف مع النساء كثير من المعتقدات دون أن ننحرف عن أصل الحق، فنقول بأمانة: "هن ستون ملكة، وثمانون سرية، وعذارى بلا عدد" "واحدة هي حمامتي كاملتي، الوحيدة لأمها هي عقيلة والدتها هي" (نش 6: 8-9). كأن العلامة أوريجينوس وهو يفضل ألاَّ يرتبط الإنسان بفلسفات كثيرة لئلا تسحبه إليها عن كلمة الله، يعود فيسمح باستخدام الفلسفات، لكن بحذر -وبقوة إلهيّة- فتكون في نظره كالسراري والعذارى الكثيرات، لكن تبقى كلمة الله كعروس وحيدة للنفس لا ينافسها أحد! نعود إلى الشعب القديم الذي أغوته بنات موآب، إذ يقول [وتعلق الشعب ببنات فغور]. لقد وجدوا لذة في هذه الشهوات فتعلقوا ببعل فغور أي "سيد الفجور"، أو "سيد القبائح"، يتعلقون بالنجاسات لأجل ذاتها، ويصيرون عبيدًا لها وهي سادتهم. يقول العلامة أوريجينوس: [لنتعلم أن الزنا يحاربنا، فإننا مُعرَّضون لسهام النجاسة، لكنها لا تقدر أن تصيبنا إن كانت لا تنقصنا الأسلحة التي يدعونا الرسول أن نتسلح بها "ممنطقين أحقاءنا بالحق ولابسين درع البرّ، وحاذين أرجلنا باستعداد إنجيل السلام، حاملين فوق الكل ترس الإيمان الذي به تقدرون أن تطفئوا جميع السهام الملتهبة نارًا" (أف 6: 14-17). هذه هي الأسلحة التي تحمينا في هذه الحرب. إن أهملناها نترك جانبنا لضربات الشيطان فيسبينا كل صنوف الشياطين سبيًا (أف 2: 8)، ويحلّ غضب الرب علينا، ونعاقب في هذا العالم كما في الدهر الآتي]. كما يقول: [يليق بنا أن نعرف أن كل إنسان يرتكب أي عمل فاجر، ويسقط في أي شكل من أشكال القبائح، يحسب مشتركًا في الاعتقاد ببعل فغور، شيطان المديانيات]. [لا تقترب من أبواب منازل الشرّ، إن شعرت بأن روحًا شريرًا يحدثك في قلبك، ويريد أن يقودك إلى عمل الخطيّة، افهم جيدًا بأنه يريدك أن تتعلق بعبادة الشيطان. إنه يريد أن يقودك لتقبل أسرار الشيطان، أسرار البغى]. يكمل الكتاب: "فحمي غضب الرب على إسرائيل. فقال الرب لموسى: خذ جميع رؤس الشعب وعلقهم للرب مقابل الشمس فيرتد حمو غضب الرب عن إسرائيل" [3-4]. أخطأ الشعب لكن الرب يأمر بقتل جميع رؤساء الشعب وتعليقهم أمام الشمس لكي يرتد حمو غضب الرب عنهم. فإن الرؤساء هم الملتزمون عن خطايا الشعب، إذ أهملوا في تعليمهم وتحذيرهم، أما قتلهم وتعليقهم مقابل الشمس فإشارة إلى الدينونة الرهيبة في يوم الرب العظيم التي تتم في حضرة "شمس البرّ". |
|