فإنه بالحق سيكون أكثر تقوى، لو أنهم أشاروا إلى الله مبتدئين من الإبن، وهكذا يلقبونه أباً، بدلاً من أن يسمونه نسبة إلى أعماله فقط فيلقبونه "غير المخلوق". لأن هذا اللقب نسبة إلى أعماله فقط فيلقبونه "غير المخلوق". لأن هذا اللقب (الأخير) يشير فقط إلى كل خليقة – كما سبق أن قلت – وعموما فإن هذا اللقب يشير إلى كل الأعمال التى خلقت بإرادة الله من خلال الكلمة. فى حين أن لقب الآب يفهم وله دلالته فقط بالنسب إلى الابن. وبقدر ما يختلف الكلمة عن سائر الموجودات، فبمثل هذا القدر بل وأكثر. يكون الاختلاف بين أن يدعى الله "باً". وبين أن يدعى "غير المخلوق". لأن هذا اللقب (الأخير) غير مستقى من الكتب المقدسة بل ويثير الريبة والشك، لأنه يحوى فى الواقع معانٍ متعددة. لدرجة أنه فى حالة التساؤل عن هذا اللقب، فإن الفكر ينتابه الحيرة والإضطراب، أما لقب "الآب" فهو لقب بسيط مستقى من الكتاب المقدس، وهو لقب أكثر صواباً وحقاً. وهو يشير إلى "الابن" فقط.
أما لقب "غير المخلوق" فهو كلمة موجودة عند اليونانيين (الامميين) الذين لم يكونوا يعرفون "الابن". أما لقب "الآب" فقد صار معروفاً إذ قد أنعم به الرب يسوع) علينا. لأنه قد عرف – فى الواقع – ابن من هو. عندما قال "أنا فى الآب والآب فى" (يو10: 14) وأيضاً "من رآنى فقد رأى الآب" (يو9: 14) وأيضاًُ "أنا والآب واحد" (يو30: 10). ولا يوجد فى أحد هذه الشواهد أى إشارة بتلقيب الآب بلقب "غير المخلوق" بل حين علمنا أن نصلى، لم يقل حينما تصلون قولوا: أيها الإله غير المخلوق، بل بالحرى قال "حينما تصلون قولوا أبانا الذى فى السموات" (مت9: 6) وهو بهذا قد أراد أن يركز على أساس إيماننا عندما أمرنا أن تكون معموديتنا ليس باسم "غير المخلوق" والمخلوق ولا بأسم "الخالق" و "المخلوق" بل بأسم "الآب والإبن والروح القدس" (مت 19: 28) لأننا وإذ نحن من بين المخلوقات. نصير هكذا مكتملين وبهذا نصير أبناء. وإذ ندعو اسم الآب، فإننا من هذا (الأسم) نعرف أيضاً الكلمة الذى هو من ذات الآب. إذن فما يجادلون به بخصوص لفظة "غير المخلوق"، إنما يدل على عبث، وليس هو أكثر مما هو فى خيالهم وحده.
القديس اثناسيوس الكبير