الصوم الأربعيني أو الصوم الكبير
ثانيا - الصوم الأربعيني Tessaracoste أو الصوم الكبير Great Lent. له غايتان: الأولي الاستعداد لخبرة بهجة قيامة السيد المصلوب، والثانية إعداد الموعوظين بالتعليم وممارسة العبادة مع التوبة الحقيقية العملية لينالوا سر العماد ليلة عيد الفصح.
يلزمنا هنا أن نقف قليلا عن هاتين الغايتين:
بالنسبة للاستعداد لبهجة القيامة والتمتع بقوتها، فإننا وإن كنا نعيد بالقيامة أسبوعيا كل أحد، بل ونمارس "الحياة المقامة" كل يوم خلال التجديد المستمر والتوبة الدائمة، فإننا في حاجة أن نقضي فترة الأربعين المقدسة يليها أسبوع البصخة تمارس بالرب حياة الأمانة لتعلن قيامته فينا، قائلين مع الرسول بولس "إن كنا نتألم معه لكي نتمجد معه" (رو8: 17).
أما بالنسبة لأعداد الموعوظين في هذه الفترة، فارتباط الصوم بهذا يعطي للصوم فهمًا عميقًا، ألا وهو اتساع قلب نحو البشرية، فالكنيسة كلها تصوم لكي يجتذب الله أولادًا جُددًا له ويهيئهم للتمتع بالبنوة له.. صومنا علامة إيماننا بعمل الله نفسه في الخدمة والكرازة. هذا ومن جانب آخر فإن صومنا -خاصة الصوم الأربعيني- يلزم أن تكون غايته الشهادة للسيد المسيح والصلاة الدائمة لأجل تقديس البشرية.
في كل صوم أربعيني كان المؤمن يذكر كيف صامت الكنيسة لأجله وجاهدت لتكسبه إناءً مقدسًا وهيكلًا للرب، فيرد الحب بالحب عاملًا هو أيضا لأجل خلاص غيره.
هذا الصوم الأربعيني تمتد جذوره إلى العصر الرسولي:
1] جاء في كتابات القديس إيريناؤس -في القرن الثاني- إن بعض المؤمنين يصومون يومًا قبل الفصح وآخرون يومين والبعض فترة أطول، كما أشار إلي أن البعض يحسبون اليوم أربعين ساعة (9).
هنا لا ينفي القديس إيريناؤس الصوم الأربعيني أو صوم أسبوع الآلام، إنما يتحدث عن الصوم الانقطاعي الذي يسبق قداس العيد، فالبعض يكتفي بصوم سبت النور [وهو السبت الوحيد الذي يصام انقطاعيًا في الكنيسة القبطية]، والبعض يصومون يومين متتالين هما: الجمعة العظيمة وسبت النور. أما عن حساب اليوم 40 ساعة، فلعله يقصد العادة التي كانت متبعة منذ القرن الثاني -ولا زالت قائمة لدي بعض الأقباط- وهو الصوم منذ بدء الجمعة العظيمة حتى فجر الأحد، أي قداس العيد، وهي تعادل حوالي 40 ساعة.
جاءتنا شهادة أكيدة في منتصف القرن الثالث عن امتداد الصوم لمدة ستة أيام (من الاثنين إلى السبت). يعلق بعض الدارسين علي ذلك بأنه قد حدث تمييز واضح بين صوم الستة الأيام الفصحية ككل وصوم يومي الجمعة والسبت الذي له مكانة خاصة (10). والواقع إن ما ورد عن القرن الثالث هنا يمكن اعتباره حديثا مكملا لما ورد في إيريناؤس. فالقديس حدثنا عن صوم انقطاعي طويل يسبق قداس العيد مباشرة، بينما ما ورد في منتصف القرن الثالث فيتحدث عن صوم أسبوع الآلام ككل، وله مكانته الخاصة أيضا، إذ لا زال يمارس في كنيستنا بنسك أكثر منه في فترة الصوم الأربعيني.
ج] في سنة 325 م. جاء الحديث عن الصوم الأربعيني في مجمع نيقية كأمر مستقر في الكنيسة الجامعة، وليس كأمر مستحدث في كنيسة أو بعض الكنائس.
د] في منتصف القرن الرابع نجد اهتمام القديس أثناسيوس الرسولي بكتابة رسائله الفصحية حتى في منفاه، هذه الرسائل اعتاد بطاركة (باباوات) الإسكندرية أن يكتبوها علي الأقل منذ عهد البابا ديونسيوس الإسكندري. وكانت تكتب في عيد الغطاس ليس فقط لتحديد موعد عيد الفصح. وإنما لتحديد موعد بدء الصوم الكبير الملتحم بأسبوع الآلام (البصخة) وبالتالي بالعيد.
يلاحظ في رسائل القديس أثناسيوس التي وصلتنا أنه يدمج الصوم الأربعيني بأسبوع الآلام وإن كان يبرز التميز الواضح بينهما.
تصوم الكنيسة القبطية 55 يومًا هي [40 يوم الصوم الأربعيني + 8 أيام الفصح + 7 أيام يقال إنها بدل أيام السبوت حيث لا تصام انقطاعيًا].