فكّر الراهب يوحنا في نفسه: يا ليتني أتشبه بالملائكة لأنّ كل ما يفعلونه هو تأمل عظمة الله. ففي نفس الليلة ترك الدير متوجها إلى البرية. ولكن بعد أسبوع سمع بواب الدير أحدا يطرق الباب وسأل من هناك وكان الجواب: أنا يوحنا وأنا جوعان. فأجاب البواب: هذا مستحيل، إن الأخ يوحنا في البرية وقد تشبه بالملائكة ولم يعد يشعر بالجوع ولا يحتاج إلى طعام. قال يوحنا: سامحني على كبريائي، إن عمل الملائكة معاونة الناس ولذلك يعاينون مجد الله فبإمكاني معاينة هذا المجد من خلال عملي اليومي. ففتح له البواب بعد كلمات الاتضاع هذه.
الكذب
أعلن الكاهن بعد انتهاء القداس: في يوم الأحد القادم سأتحدث معكم في موضوع الكذب. ولكي تفهموا جيدا الموضوع الذي سيجري الحديث عنه أنصحكم بقراءة الإصحاح السابع عشر من إنجيل مرقس قبل ذلك. وفي يوم الأحد القادم أعلن الكاهن قبل بداية العظة: أرجو من كل من قرأ الإصحاح السابع عشر أن يرفع ذراعه. فمعظم الحاضرين رفعوا أيديهم. وقال الكاهن: إنكم فعلاً تحتاجون إلى الحديث حول الكذب، لأن إنجيل مرقس ليس فيه الإصحاح السابع عشر.
المحاكمه
ارتكب أحد الرهبان خطأ كبيرا وقرّر إخوة الدير أن يدعوا أحكم النساك لمحاكمته. لم يكن الناسك الحكيم يريد أن يأتي في هذه المهمة ولكنه وافق أخيرا لأن الرهبان أصرّوا على ذلك. ولكن قبل الذهاب إلى هناك أخذ دلواً وثقب قعره في عدة أماكن فملأ الدلو بالرمل وذهب إلى الدير. وعندما رأى رئيس الدير ما فعله الشيخ سأله عن معنى ذلك فأجاب: أنا جئت لأحاكم غيري وخطاياي تجري ورائي مثل هذا الرمل في الدلو ولكن حيث أنني لا ألتفت إلى الوراء ولا أرى خطاياي فيمكنني أن أدين الغير. فقرّر الرهبان إلغاء المحاكمة في الحال.
قيمه المَلك
أقام ملك وليمة كبيرة لأصدقائه وخدّامه لمدة أيام كثيرة ليظهر لهم غنى مملكته وعظمته الشخصية. وعندما خضع قلب الملك لتأثير الخمر قال لأمرائه: أرغب في أن تقدّروا عظمتي وأن تقولوا لي ما هي قيمتي أنا وكل ما لديّ! فساد هدوء تام لأن كل واحد تحيّر من هذا الأمر مفكّرا أن حتى الملائكة لا يستطيعون تقدير قيمة الملك. ولكن شيخا حكيما قال بصوت منخفض: إن قيمتك لا تبلغ حتى ثلاثين قطقة من الفضة. فاغتاظ الملك وصرخ بصوت مرعب: هل جننت؟ إن كل خيط ذهبي في ملابسي ثمنه أغلى! ولكن الشيخ أجاب: الله الذي خلق الكون قد بيع بثلاثين من الفضة، فهل تريد أنت أن يكون ثمنك أكبر؟ فخجل الملك من كبريائه وأدرك أن كل ذهب العالم ومجد العالم مجرد تراب ولا يستطيع أن يعرف قيمة الإنسان إلا الله الفاحص القلوب.
كنت أحملك على ذراعيّ
رجل عجوز قبل أن ينتقل عن هذا العالم رأى في المنام حياته كأنها سلسلة طويلة من آثار الأقدام على الرمل وبجانبها كانت سلسلة آثار أخرى. ففهم أن الرب كان يمشي معه طوال حياته. وفي نفس الوقت رأى أن في بعض الأماكن توجد سلسلة واحدة فقط وأدرك أن هذه الأماكن هي أصعب مراحل في حياته فحزن وتوجه إلى الرب بسؤال: ألم تقل يا رب إنه لو تبعتك فلن تتركني ولكنك تركتني في أصعب أوقات حياتي عندما كنت بأمسّ الحاجة إليك! فأجاب الرب: لم أتركك أبدا، في تلك الأوقات كنت أحملك على ذراعيّ...
عند الحلاق
دخل رجل صالون الحلاقة فأثناء قص الشعر والحلاقة جرى الحديث حول الله. فقال الحلاق: مهما قلت لي فإنني لا أؤمن بأن الله موجود. فسأل الزبون: لماذا؟ فأجاب: يكفيك أن تخرج إلى الشارع لتتأكد من عدم وجود الله. قل لي: لو كان الله موجودا فمن أين هذا العدد الهائل من المرضى والأطفال المشرّدين؟ لو كان موجودا لما كان هناك ألم وعذاب. من الصعب أن نتصور إلهاً محبّاً يسمح بكل هذا.ففكر الزبون في نفسه وعندما انتهى الحلاق من عمله دفع له أجرته وخرج من الصالون وفجأة رأى أمامه رجلا وجهه غير حليق فرجع إلى الصالون وطلب من الحلاق أن ينظر من الشباك وقال مشيرا إلى الرجل المتشرد:- إن الحلاقين لا وجود لهم! - كيف ذلك؟ ها أنا ذا أمامك.- لو كانوا موجودين لما كان هناك رجال شكلهم مهمل وغير حليق.- يا عزيزي، السبب ليس في الحلاقين، السبب أن الناس لا يأتون إليهم.- وأنا أقصد نفس الشيء: الله موجود ولكن الناس لا يأتون إليه ولذلك كثرت الألام في العالم.
كلمات التعزية
كان رجل بار توفي ابنه فجاء أصدقاؤه لتعزيته. فجلس أمامه أحدهم قائلا: هل تسمح لي بكلمة التعزية؟ فأجاب: تفضل. فقال: كان لجدّنا الأول آدم ابن فمات ولكن آدم تعزّى في حزنه فافعل هكذا أنت أيضا. فأجاب البار: ألا يكفيني حزني أنا حتى أتذكر حزن آدم؟ فدخل صديق آخر ليقول له كلمة التعزية: كان لأيوب البار كثير من الأبناء والبنات وكلهم ماتوا في يوم واحد ولكنه تعزّى في حزنه فافعل أنت هكذا! فأجاب: ألا يكفيني حزني أنا حتى أتذكر حزن أيوب؟ فدخل صديق ثالث يقول: حدث مرة أن ملك صارم أعطى لرجل كنزا ثمينا ليحتفظ به. وكان الرجل لا يأكل ولا ينام حتى يهتمّ بذلك الكنز. فما رأيك: عندما يأتي الملك ليأخذ الكنز فهل يعيده له الرجل بفرح أو بدموع؟ فأجاب: طبعا يعيده بفرح لأنه نفّذ ما كلّف به. فأضاف الصديق: وهبك الله ابنا كنت ترعاه فترك هذا العالم وهو طاهر. ألا ينبغي لك أن تجد تعزية في أنك أرجعت الكنز الذي أعطي لك لتحتفظ به؟ فأجاب البار: إنني وجدت الآن تعزية في كلامك!
إيمان مطلق
كان صيف جاف جدا وأصبح الخوف على الزرع يتملك أهل القرية. ففي إحدى أيام الأحد توجهوا إلى كاهنهم للنصيحة قائلين له: يا أبونا يجب أن نعمل شيئا وإلا سنفقد كل ما زرعناه! فأجاب: كل ما يمكن أن تفعلوه هو أن تصلّوا بإيمان مطلق. إن الصلاة بدون الإيمان لا تعتبر صلاة، فلا بد أن تصدر عن صميم القلب. وعلى مدى الأسبوع كان الفلاحون يجتمعون مرتين يوميا ليتضرعوا إلى الله من أجل المطر وفي يوم الأحد جاؤوا إلى الكاهن قائلين: لم يحصل شيء أبونا فكنّا نجتمع ونصلّي ولا نزال ننتظر المطر. فسألهم: هل تصلّون بإيمان حقّا؟ فأكّدوا على ذلك ولكنه قال: إنكم تصلّون بغير إيمان لأن لا أحد أخذ معه المظلة متوجها إلى هنا!
أطلق الغصن
كان رجل ملحد يتمشى على حافة منحدر صخري وفجأة زلت قدمه فسقط إلى تحت ولكنه استطاع أن يتشبث بغصن شجرة صغيرة كانت تنمو في شق الصخرة. وتملكه اليأس من أمره وهو معلّق فوق الهاوية يرى تحته حجارة ولا يجد طريقة للصعود إلى فوق. وأخذت يداه المتشبثة بالغصن تضعف. ففكر في نفسه: إن الله وحده يستطيع أن ينقذني الآن ولكنني لم أؤمن أبدا بوجوده، ربما كنت مخطئا. فأصبح يدعو: يا الله، إذا كنت موجودا فأنقذني فسأكون مؤمنا! لم أكن أؤمن أبدا ولكن إذا أنقذتني الآن فمنذ هذه اللحظة أؤمن بك! فاستمرّ في هذا التضرع حتى سمع صوتا عظيما من السماء يقول: إنك لن تؤمن! فاستغرب الرجل جدا وصرخ: أرجوك يا رب، أنا في الحقيقة أعتقد أنني سأكون مؤمنا! وكان يتضرع كثيرا حتى قال الرب: حسنا، سأنقذك، فأطلق الغصن الآن. فصرخ الرجل: أطلق الغصن؟ هل أنا مجنون؟
الأفضل والأسوأ
كان رجل برية تم انتخابه ليكون أسقفا. فكان يرفض لمدة طويلة ولكن الإخوة أصرّوا عليه ففكر في نفسه: إنني لم أعرف أنني مستحق، قد يكون لي شيء صالح. فظهر له الملاك في تلك اللحظة قائلا: أيها الراهب البسيط، لماذا ترفع نفسك؟ إن المكان الذي يرسلونك إليه يسكنه ناس خطاة لا بد من معاقبتهم فتم اختيارك!
التخلي عن العالم