بنوة المسيح للآب
أما السيد المسيح فبنوته من جوهر الله نفسه:
لذلك كان يدعى أحياناً (الابن). أو (الابن الوحيد) لأن له بنوة فريدة لها نفس طبيعة الله ولاهوته وجوهره.
وسنوضح هنا كيف أن بنوة المسيح للآب ليست بنوة عادية. وكيف شهد لها الكل، حتى الله الآب نفسه، وفى مناسبات معجزيه. وبطريقة تحمل معنى لاهوت الابن. ونذكر في مقدمتها:
شهادة الآب للابن في مناسبة العماد:
شهد الآب للمسيح وقت العماد قائلاً
" هذا هو ابنى الحبيب الذى به سررت" (متى3: 17) ن (لو3: 22).
وهذه الشهادة تأيدت بمعجزات:
السماء انفتحت. الروح القدس ظهر بهيئة حمامة وحل عليه. وصوت من السماء هو صوت الآب يشهد.
فإن كانت بنوة عادية، وكل الناس أبناء، ما الحاجة إذن لكل هذه المعجزات؟!
إننا من أجل هذه العظمة التى ظهرت وقت العماد، نسمى هذا الحادث بالثيئوفانيا، أى الظهور الإلهى...
وشهد الآب له أيضاً في مناسبة التجلى:
وذلك في منظر يدل على لاهوته أمام التلاميذ الثلاثة
إذ " تغيرت هيئته قدامهم. وصارت ثيابه تلمع جداً كالثلج " وظهر من السحابة قائلاً:
هذا هو ابنى الحبيب. له اسمعوا" (مر9: 2 7).
فإن كان ابناً عادياً فما حاجته إلى شهادة من الآب؟
وما الداعي لهذا المجد في التجلى: النور والسحابة؟ وما الداعي لصوت الله؟
كما أن عبارة " له اسمعوا " تعطينا أيضاً
أمراً في الخضوع له. إن كان الكل أبناء الله، فمن منهم شهد له الآب في مجد كمجد العماد أو مجد التجلى؟
وشهادة الآب للابن قديمة جداً:
تظهر في قوله للإبن في المزمور الثانى
" أنت ابنى اليوم ولدتك. اسألني فأعطيك الأمم ميراثاً، وسلطانك إلى أقصاء الأرض لترعاهم بقضيب من حديد" (ز2: 7 9).
هنا بنوة بسلطان، إلى أقاصى الأرض تعجب منها القديس بولس الرسول، وذكرها حينما شرح أن السيد المسيح أعظم من الملائكة تسجد له، فقال
" لأنه لمن من الملائكة قال قط: أنت ابنى اليوم ولدتك" (عب1: 5).
إن بنوة المسيح لله هي هدف كتابة الإنجيل:
فإنجيل مرقس يبدأ بقولة
" بدء يسوع المسيح ابن الله" (مر1: 1).
فإن كان ابناً كسائر الأبناء، ما الداعى لهذه العبارة وكل المعجزات الذى ذكرها بعدها...
والقديس يوحنا
بعد أن ذكر في إنجيله معجزات لم يذكرها أحد من قبل، وبعد أن سجل أحاديث المسيح الدالة على لاهوته، قال بعد ذلك
" وآيات أخر كثيرة صنعها يسوع قدام تلاميذه لم تكتب في هذا الكتاب. وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله، ولكى تكون إذا آمنتم حياة باسمه" (يو20: 30، 31).
إذن فهى ليست بنوة عادية، وإنما بنوة تثبتها كل تلك الآيات الدالة على لاهوته. وإن كان ابناً عادياً، فما لزوم سرد
كانت بنوة المسيح لله سبب حكم مجمع السنهدريم عليه:
لقد احتار رؤساء الكهنة كيف يحكمون عليه، بعد أن تقدم للشهادة شهود زور كثيرون لم تتفق أقوالهم، حينئذ قال له رئيس الكهنة
" استحلفك بالله الحى أن تقول لنا هل أنت المسيح ابن الله؟" (متى 26: 63).
فإن كانت بنوة عادية مثل بنوة باقى الناس لله، ما معنى أنه يستحلفه رئيس الكهنة أمام أكبر محفل كهنوتى وقتذاك ويسأله عن بنوته.
فلما أجابة المسيح بالإيجاب،
وأضاف على ذلك أمرين يلقيان بلاهوته
وهما جلوسه عن يمين القوة، وإتيانه على سحاب السماء " مزق رئيس الكهنة ثيابة، وقال قد جدف، ما حاجتنا بعد إلى شهود. ها قد سمعتم تجديفه" (متى26: 63 65). وقدموه للموت لهذا السبب.
وبنوة المسيح لله كانت موضع حيرة الشيطان:
لذلك نراه في التجربة على الجبل يقول له
" إن كنت ابن الله، فقل أ تصير هذه الحجارة خبزاً" (متى4: 3).
سؤال الشيطان يقصد به هذا النوع من البنوة لله التى لها قدرة معجزية خارقة للعادة تحول الحجارة خبزاً وليست بنوة عادية مثل بنوة سائر الناس.
ولعل نفس السؤال به الشيطان وقت الصليب على ألسنة الناس القائلين له
" إن كنت ابن الله فانزل عن الصليب" (متى27: 40).
إذن فالمفهوم هنا من الكل أنها بنوة لها قوة المعجزة التى تستطيع أن تنزل من على الصليب، وليست بنوة عادية يشترك فيها الكل.
وهذه البنوة كانت موضع بشارة الملاك للعذراء:
لقد قال لها " الروح القدس يحل عليك، وقوة العلى تظللك. فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يدعى ابن الله" (لو1: 35).
فلو كان ابناً لله كسائر الناس، ما كان الأمر يحتاج إلى حلول الروح القدس، وقوة العلى على والدته، لكى بذلك يدعى ابن الله.
إذن هي هذه البنوة التى من الروح القدس، كما قال الملاك أيضاً ليوسف " الذى حبل به فيها هو من الروح القدس" (متى1: 20).
وهي البنوة التى يدعى بها قدوساً، وهذه صفة من صفات الله.
وقال الملاك أيضاً للقديسة العذراء عن ابنها أنه
" يكون عظيماً وابن العلى يدعى ويعطية الرب الإله كرسى داوود أبيه. ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد. ولا يكون لملكه نهاية" (لو1: 32، 33).. ولا يوجد إنسان من بنى البشر لايكون لملكه نهاية، ويملك إلى الأبد.
إنما هذه صفة من صفات الله.
إذن فقد كانت بشارة العذراء عن بنوة المسيح لله تحمل معنى اللاهوت الذى يملك إلى الأبد ولا تكون لملكه نهاية.
ولعل هذه البشارة تذكرنا بما ورد عن هذا الأبن في نبوءة دانيال إذ قال عنه كابن للإنسان ط اعطى سلطاناً ومجداً وملكوتاً، لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة سلطاناً سلطان أبدى ما لن يزول، وملكوته لاينقرض" (دا7: 13، 14).
والموضوع له باقية