لأنه ـ كما قلت ـ لم يكن اختراعا ارضياً محضاً ذلك الذي أعطي لهم، و لم تكن ايضًا مجرد فلسفة إنسانية يمكنهم أن يحكموا عليها بالصحة كي يتبعوها بالتدقيق. أو إعفاء من الاساطير التي اخترعها البشر و ألزموهم بها. لكنه بالحقيقة الله نفسه، الذي هو قدوس، و خالق كل الاشياء، و [هو] الغير مرئي قد ارسل من السماء و جعل بين البشر [هذا الذي هو] الحق و القدوس [الذي هو] كلمته الذي لا تدركه الأفهام [البشرية]. و قد وطده في قلوبهم. وهو [الآب] ـ كما يمكن لأي أحد ان يتصورـ لم يرسل للبشر أحد من الخدام، او ملاك، أو حاكم، أو اي من هؤلاء الذين يملكون السيطرة علي الأرضيات. أو واحد من هؤلاء الذين اوكلهم رب السماء، بل أرسل [هذا الذي هو] الخالق نفسه و مبدع كل الاشياء، الذي به صنع السماوات و الذي به وضع للبحر حدوده، الذي تلتزم العناصر[1] أحكامه ـ الغير مفحوصة ـ . الذي منه تلقت الشمس الأمر بأن تحفظ مسارها اليومي. الذي يطيعه القمر حين يأمره أن يسطع ليلاً. الذي تطيعه النجوم أيضًا ـ كما القمر ـ في مساراتها. الذي به نُظّمَت كل الأشياء ووضعت في حدودها المناسبة. الذي يخضع له الجميع؛ الشمس بمحتوياتها، الأرض و مافيها، و البحر و ما فيه، و النار و الهواء و الهاوية، ما في الأعالي و ما في الأعماق و ما بينهما. هذا [الرسول] الذي أرسله [الآب] لهم، أ كان ذلك [مرسلاً] ـ كما يمكن أن يتصور أحد البشرـ لأجل ممارسة الاستبداد، أو نفث الرعب و الرهبة ؟ حاشا. لكنه بدافع رحمته و وداعته كملك يرسل ابنه الذي هو بدوره ملك أيضًا ؛ لذلك أرسله [أبوه][2]. كإله [أي يسوع] أرسله [الآب] للبشر. كمخلص أرسله، ساعيًا لإقناعنا لا لإجبارنا. لأن العنف ليس له مكان في شخصية الله. كداعٍ أرسله لا كمنتقم يقنعنا [أن نقبل دعوته بالترهيب]. أرسله كمحب لنا لا كقاضي [ليحاكمنا]. فإنه سوف يرسله [مرة أخري] و من سيحتمل ظهوره[3]. ألا تراهم يُلقَوْن للضواري كي ينكروا الرب، و مع ذلك فلا يفعلون؟ ألا تري انه كلما كان أكثرهم يُعَذَبون؟، فإن البقية [المؤمنين الباقين] يتزايد عددهم[4]؟ لا يبدو هذا من صنع بشر؛ إنها قوة الله، إن [هذه الاحداث] هي دلائل استعلانه.
هذا الذي هو منذ الدهر، يُبَجل اليوم كابن[5]. هذا الذي بواستطه تغتني الكنيسة، و النعمة تنتشر و تتسع، و تزداد في القديسين، و تعطي الفهم، و تكشف الاسرار، و تعلن الأزمنة، متهللة بالأمناء، و تعطي للذين يسعون [خلفها]. هذا الذي بواستطه لا يمكن أن تُختَرق حدود الإيمان.أو تُتَخطي الحدود التي وضعها الآباء[6].
تاتيان السوري:
وان الارواح المطيعة للحكمة، تجذب اليها الروح الجوهر الواحد. لكن الغير مطيعين يرفضون خدمة الله الذي تألم، وقد أظهروا انفسهم كمحاربين ضد الله، بدلاً من ان يكونوا عابدين.
لاننا لا نتصرف كالحمقى، يا ايها اليونانيين، ولا نتفوه بحكايات بالية عندما نعلن بأن الله ولد في هيئة إنسان.
ميليتو أسقف ساردس:
لسنا نحن بمن يعطي الإجلال للأحجار (الاصنام) عديمة الاحساس. لكننا من الإله الوحيد [الآب] الذي هو قبل الكل و علي الكل. و نحن أيضًا نعبد مسيحه ـ الذي هو بالحقيقة ـ الله الكلمة الكائن قبل كل الدهور.
إيريناؤوس:
لكننا سنصبح أكثر استمتاعًا بكثير من هؤلاء الذين يشبهون طريقة توليد الكلمات البشرية [من العقل الإنساني] بطريقة ولادة كلمة الله [من الآب] جاعلين طريقة تعيينه و بدايته و ولادته [أي كلمة الله] مثل كلماتهم التي ينطقونها. فمن أي وجه إذًا سيختلف كلمة الله ـ بل بالحري الله نفسه بما أنه الكلمة ـ عن كلمات البشر إذا كان يتبع نفس طريقة المعالجة و التوليد؟
لكن الابن موجود منذ الأزل ـ في شركة ـ مع الآب منذ القديم ـ نعم ـ منذ البدء ، معلنًا الآب ـ دائمًا ـ للملائكة، و رؤساء الملائكة ، و القوات، والفضائل(القوات)[7] و لكل الذين يريد الله أن يُعلَن لهم.
فلم يكن الرب و لا الروح القدس و لا الرسل ليدعوا ـ ذلك الذي ليس بإله ـ إلهًا ـ بالتأكيد و بالقطع ـ إلا إذا كان هو فعلاً الإله الحقيقي. و لم يكونوا ليدعوا أحدًا ربًا [إلهًا] بذاته إلا الله الآب ضابط الكل. و ابنه الذي تلقي من ابيه السيادة علي كل الخليقة كما تُبين عبارة "قال الرب لربي أجلس عن يميني حتي أضع أعدائك موطئًا لقدميك" (مز110: 1). و هنا يقدم لنا النص [الكتابي] الآب مخاطبًا ابنه ذاك الذي أعطاه ميراث [السلطة علي] الوثنيين و أخضع له كل أعدائه، و لهذا و حيث أن الآب هو بالحقيقة رب، و الابن هو بالحقيقة رب، فإن الروح القدس بكل لياقة دعا كليهما ربًا.و مرة أخري بالإشارة إلي الدمار الذي حل بالسدوميين يقول الكتاب "فأمطر الرب علي سدوم و عمورة كبريتًا و نارًا من عند الرب من السماء" (تك19: 24). فإنه [النص الكتابي] هنا يشير إلي أن الابن ـ الذي تكلم أيضًا مع ابراهيم [8]ـ أخذ [من الآب] السلطان ليحكم علي السدوميين من أجل شرورهم. و هذا [النص اللاحق] يعلن نفس الحقيقة "عرشك يا الله إلي دهر الدهور، قضيب استقامة هو قضيب ملكك، أحببت البر و ابغضت الإثم، من أجل ذلك مسحك الله إلهك" (مز45: 6) هنا يخاطب الروح [القدس] يدعو ـ كليهما ـ الله أي هذا الذي مُسِح كابن و هذا الآخر الذي مسحه أي الآب. و ثانية "الله قائم في مجمع الآلهة، بين الآلهة يقضي" (مز81: 1 الترجمة السبعينية). النص هنا يشير إلي الآب و الابن و هؤلاء الذين نالوا التبني[9] وهؤلاء [المتبنَون] هم الكنيسة؛ لأن الكنيسة هي مجمع الله و قد جمعها الله الابن نفسه بنفسه. و عنهم أيضًا يقول [الكتاب] "إله الآلهة، الرب تكلم و دعا الارض" (مز50: 1). من المقصود بالله God ؟ و الذي قيل عنه "يأتي إلهنا مُستعلنًا، و لا يصمت" (مز49: 3 الترجمة السبعينية)؛ إنه الابن الذي استُعلِن للبشر و الذي قال "استُعلِنت للذين لم يطلبونني" (أش65: 1 الترجمة السبعينية)، و لكن عن اي آلهة gods [يتحدث الكتاب] ؟ [إنه] يتحدث عن الذين قيل عنهم " أنا قلت أنكم آلهة و بنو العَلي كلكم" (مز82: 6). [أي] عن الذين ـ بلا شك ـ قد نالوا نعمة التبني "الذي به نصرخ ، يا أبَّا الآب" (رو8: 15).
و لهذا السبب، كما اوضحت سابقًا لا أحد آخر [يمكن أن] يسمى الله أو يُدعى الرب، إلا من هو إله و رب الكل الذي قال أيضًا لموسى "<< أنا هو مَن هو >>، و قال << كذا تقول لبني إسرائيل : ‘أنا هو’ أرسلني إليكم >> " (خر3: 14)، و ابنه يسوع المسيح ربنا الذي يجعل المؤمنين باسمه أبناء الله، و مُجددًا فإن الابن عندما يتكلم إلي موسى يقول "أنا أنزل لأخلص هذا الشعب"[10]. لأنه هو [اي الابن] الذي نزل و صعد لأجل خلاص البشر؛ لهذا فإن الله استُعلِن من خلال الابن[11] الذي في الآب و يحمل الآب في ذاته[12] ـ هذا الذي هو الآب يشهد للابن، و الابن يعلن الآب ـ كما يقول أشعياء النبي "أنا أيضًا أشهد" و يستطرد قائلاً " يقول الرب الإله، وعبدي[13] الذي أخترته، لتعرفوا و تؤمنوا و تفهموا أني ‘أنا هو’" (أش43 : 10 الترجمة السبعينية).
و قد فعل ذلك بلا مقارنة، لكي لا يُقارن عبد ما ـ مرتد [14] كما كان هو [اي يسوع] ـ بالرب. إذ ليس هو [أي العبد المرتد] وحده الذي ينبغي ألاّ يقارن بكلمة الله الذي بواسطته خلقت كل الاشياء[15] الذي هو يسوع المسيح ربنا.
بل أي أحد آخر من الأشياء المخلوقة و الخاضعة [لسلطان الله]. لأن كل الكائنات سواء كانت ملائكة أو رؤساء ملائكة، أو عروش، أو سيادات أُسِِسَت و خُلقت بواسطة ذاك الذي هو الكائن على الكل إلهًا[16] [و قد خلقهم] بكلمته. و هكذا أشار يوحنا لأنه حينما تكلم عن كون كلمة الله في الآب[17] استطرد قائلاً "كل شيء به كان، و بغيره لم يكن شيء مما كان" (يو1: 3). و أيضًا داود حينما أجزل الثناء [لله] مُلحقًا بالاسم ـ كل المخلوق المذكورة آنفًا ـ ، السماوات و قواتها (جنودها) "لأنه امر فخُلقت، تكلم فصُنِعَت"، لكنه أمر مَن إذًا؟ [أمر] الكلمة بلا شك. "الذي بواستطه [بكلمة الرب]" كما يقول [المرتل] "صنعت السماوات، و بنسمة فمه كل جنودها" (مز32: 9 الترجمة السبعينية). لكنه [أي كلمة الرب] خلق كل الأشياء بحرية[18] و كما أسرّه ذلك. و يقول داود ايضًا "لكن إلهنا في السماء فوق، و في الارض. و قد خلق كل الأشياء حسب مسرته" (مز113: 9 الترجمة السبعينية). لكن الأشياء المخلوقة غير هذا الذي خلقها و المصنوعات عن صانعها. لأنه [الابن] هو نفسه غير مخلوق بلا بداية ولا نهاية ولا يعوزه شيء. هو نفسه مكتفٍ بذاته. و مع ذلك مازال يضمن لكل المخلوقات الأخرى الوجود [في الحياة][19]. لكن الأشياء التي صنعها لها بداية[20]. و مهما كانت الأشياء فإن لها بداية و هي عرضة للانحلال(الفناء) وهي خاضعة و في حاجة دائمة لذاك الذي صنعها. و إنه لمن الضروري و من كل النواحي أن تُطلق ألقاب مختلفة [عن لقب إله] علي هؤلاء الذين يملكون قدر لا باس به من الدراية بكل هذه الاشياء[21]؛ لكي و بالتأكيد يُسمى الذي صنع كل الاشياء وحده [أي الآب] و كلمته إلهًا و ربًا God and Lord. لكن الأشياء التي صنعها لا يمكن ان تسمي بتلك الأسماء، أو عن استحقاق يُكنَى بهذه الالقاب التي تعود علي الخالق[22].
لكن متّى يقول إن المجوس الآتين من المشرق قالوا متعجبين "فإننا رأينا نجمه في المشرق و أتينا لنسجد له" (مت2: 2). و إن نجمًا هداهم إلى ديار يعقوب حيث عمانوئيل، لقد اظهروا بعطاياهم هذه التي قدموها قدر هذا الذي سجدوا له.المُر؛ لأنه هو الذي وجب عليه أن يموت و يدفن لأجل [خلاص] الجنس البشري المائت. و الذهب؛ لأنه الملك الذي "ليس لملكه نهاية" (لو1: 33). و اللبان؛ لأنه إله God [23]. الذي هو أيضًا "معروف في يهوذا" (مز76: 1) و "استعلن للذين لم يطلبونه"[24] .
و قد اعتاد الله علي مخاطبة الآباء البطاركة الذين كانوا قبل موسى بما يتناسب مع ألوهيته و طبيعته، لكن لهؤلاء الذين تحت الناموس فوضع خدمة ذبائحية و ليتورجية.
بولس نفسه أيضًا ـ بعدما كلمه الرب من السماوات و أوضحه له أنه [أي بولس] باضطهاده لتلاميذه [تلاميذ الرب] فإنه بذلك يكون قد اضطهد ربه ذاته. و أرسل له حنانيا ؛ لكي يستعيد بصره و يعتمد ـ كما قيل "جعل يكرز في المجامع بالمسيح ‘‘أن هذا هو ابن الله’’ " (أع9: 20). هذا هو السر الذي قال عنه [بولس] أنه عرفه عن طريق رؤيا بأن هذا الذي تألم علي عهد بيلاطس البنطي [الرب يسوع المسيح] هو في الوقت نفسه رب الكل، وهو الملك و الله و الديان الذي أخذ القوة من ذاك الذي هو رب الكل [أي الله الآب]؛ لأنه "أطاع حتي الموت، موت الصليب" (في2: 8).
و مجددًا في الرسالة [الأولي] إلي الكورينثيين حينما قام بسرد [اسماء] كل هؤلاء الذين رأوا الله بعد القيامة فإنه يكمل قائلاً "فسواء أنا أم أولئك هكذا نكرز و هكذا آمنتم" (1كو15: 11) معترفًا أن كرازة كل من رأوا الرب بعد القيامة من الاموات هي نفسها ذات الكرازة الواحدة.
لأنه [الرب يسوع] يتمم إرادة ابيه السخية و الشاملة، بقدر ما هو نفسه يُعد مخلصًا لهؤلاء المُخَلّصين، و ربًا لهؤلاء الذين تحت سلطان، و إله كل الأشياء التي كُونت، ابن الله الوحيد، المسيح الذي استُعلن، و كلمة الله الذي تجسد لمّا جاء ملء الزمان[25] حينما تحتم أن يصبح ابن الله ابنًا للإنسان.
كما بينّا بوضوح أن الكلمة الذي كان من البدء مع الله [الآب]، الذي به خُلقت كل الاشياء، و الذي كان موجودًا دومًا مع جنس البشر، الذي في هذه الأيام الأخيرة وفقًا للموعد الذي حدده الآب أتحد بصنعة يديه [الطبيعة البشرية] حتي إلي ذاك القدر الذي جعله عرضة للآلآم، [و بهذا] فإن كل اعتراض من عينة القول "إن كان ربنا ولِد في هذا الزمان، فإن المسيح بهذا لم يكن له وجود سابق [علي ولادته]" يجب أن يُنحَى جانبًا؛ لأنني اوضحت أن ابن الله لم يبتدأ في الوجود [منذ ساعة ولادته جسديًا] بل هو مع الآب منذ البدء، لكنه حينما تجسد و تأنس فإنه خلق جديدًا هذه السلسلة الطويلة من البشر. وأعطانا الخلاص بشكل مختصر و شامل، لذلك فإن ما فقدناه في آدم ألا وهو أن نكون على صورة الله و مثاله فإننا سنستعيده في يسوع المسيح[26] .
لذلك و كما قلت سابقًا لقد جعل [الرب يسوع] البشر(الطبيعة البشرية) تلتصق بالله و تصبح متحدة به. لأنه لو لم يغلب الإنسان [يسوع المسيح] عدو الإنسان [أي الشيطان]؛ فإن هزيمة العدو لم تكن لتصبح شرعية[27]. و مجددًا إن لم يكن الله هو الذي أعطانا الخلاص بحريته، لم نكن لنحُزه بالتأكيد.
فإنني بينت من الكتب المقدسة أنه لا أحد من ابناء آدم ـ مثلهم مثل كل المخلوقات ـ يمكن أن يدعى الله أو يسمى ربًا إلا هذا الذي وحده يملك الحق في أن يدعى هكذا ذاك الذي هو فوق كل البشر الذين وجِدوا يومًا، إلهًا و ربًا و ملكًا أبديًا[28] و الكلمة المتجسد، [ذاك الذي] تكلم عنه كل الأنبياء و الرسل بل و الروح القدس نفسه و يمكن أن يُرى في كل من بلغ و لو قدرًا ضئيلاً من الحق. الآن لم تكن الكتب المقدسة لتشهد له بهذه الاشياء لو كان مثل الآخرين مجرد إنسان. لكنه أمتلك في ذاته ذلك الميلاد الفائق من الآب العليّ، و أختبر تلك الولادة الفائقة من العذراء. و الأسفار الإلهية تشهد له في كلا الميلادين و أنه كان بلا منظر له فنشتهيه و مُعرّض للآلآم[29]، و أنه جلس على جحش ابن أتان[30] و أنه تجرع الخل و العلقم[31]، و أن كان مُحتقرًا بين الناس و أنه وضع نفسه حتى الموت، و أنه الرب القدوس، العجيب، المشير، البهي الطلعة، و الله القدير[32]. الآتي على السحاب كديان لكل البشر[33] . بكل هذه الأشياء تنبات عنه الاسفار المقدسة.
و إنه من المنطقة التي ناحية الجنوب و إنه من نحو ميراث يهوذا يجب أن يأتي الذي هو الله و إنه من بيت لحم حيث ولِد ربنا و إنه سيذيع مجده في كل الأرض حيث يقول حبقوق النبي " الله جاء من تيمان، و القدوس من جبل فاران. جلاله غطى السماوات و الأرض أمتلأت من تسبيحه.تخرج الكلمة قدامه، و خطواته تتقدم في السهل"[34].
فهو الذي يحمل ـ بلا مفاخرة أو تباهٍ ـ المجد الحقيقي الذي للخليقة و الخالق[35] و الكائن على الكل إلهًا قدوسًا و الذي كفل للكل وجودهم. و متى يستمر الإنسان في محبته [للرب يسوع][36] و الخضوع له و شكره؛ فإنه يتلقى منه [أي من الرب يسوع] مجد التقدم[37] [في درجات الكمال الروحي]، منتظرًاالوقت الذي سيصير فيه على صورة من مات لأجله[38]. إذ أنه [الرب يسوع] "أُرسِل في شبه جسد الخطية" (رو8: 3) ليدين الخطية و يقصيها كشيء مدان ـ الآن ـ و مُبعد عن الجسد. و هذا ليستدعي الإنسان ليجعله كمثاله مُعيّنًا إياه كمشابه لله، واضعًا عليه نير ناموس أبيه [ناموس الآب]، لكي يمكنه [أي الإنسان] رؤية الله و ضامنًا له القوة ليستقبل الله [في نفسه]. لكونه [الرب يسوع] كلمت الله الذي حل في الجسد البشري و أصبح ابن الإنسان ليستطيع بذلك أن يُعَوِد الإنسان على استقبال [سكنى] الله و يُعوِد الله أن يحل في الإنسان بحسب مسرة الآب الصالحة [39].
إذًا فقد بيّن الروح القدس بكل حرص ما قلناه سابقًا بشأن ميلاده [الرب يسوع] من عذراء و طبيعته الإلهية (حيث ان اسم عمانوئيل يشير إلى ذلك) ........... لكنه "لن يوافق على الشر، و سيختار ما هو صالح". و هذا حَريّ بالله، نظرًا لحقيقة أكله الزبد و العسل لا يجب أن نفهم انه مجرد إنسان، و من ناحية أخرى فالاسم عمانوئيل يجعلنا نشك في أنه إله بلا جسد.
لأن ربنا و سيدنا قال مجيبًا على الصدوقيين الذين "يقولون ليس قيامة"[40] و الذين لذلك يهينون الله و يُسقطون أمانة الناموس [الإلهي] "تضلون إذ لا تعرفون الكتب و لا قوة الله" "و أما من جهة قيامة الاموات" فإنه يقول " أفما قرأتم ما قيل لكم من قبل الله القائل أنا إله إبراهيم و إله اسحق و إله يعقوب" و استطرد قائلاً "ليس الله إله أموات بل إله أحياء، لأن له كل الحياة" (راجع مت22: 23- 32 ). بهذه الحجج وضّح بما لا يدع مجالاً للشك أن الذي كلم موسى من العليقة[41] و عرّف نفسه بأنه إله الآباء و أنه إله الأحياء، فمن يكن إذا إله الأحياء إلا ذاك الذي هو الله و لا يعلوه إله؟ و الذي قال عنه دانيال حينما سأله قورش ملك فارس "لماذا لا تسجد لبال؟" : "لأني لا أعبد أصنامًا صنع الأيدي، بل الإله الحي خالق السماوات و الارض و الذي له السلطان على كل بشر" و قال ايضًا "إني إنما أسجد للرب إلهي لنه هو الإله الحي"[42]إذا فالذي عُبِد بواسطة الانبياء عاي أنه الله الحي هو أيضُا إله الاحياء و كلمته أيضًا هو الذي كلم موسى، و هو أيضًا الذي أبكم الصدوقيين و هو أيضًا الذي أنعم علينا بعطية القيامة و هو الذي يعلن للعميان كلا الحقيقتين [أي] القيامة و الله [في شخصه الحقيقي]، فرغم كونه إله الاحياء لا الأموات، إلا أنه دُعي إله الأباء الذين رقدوا [ناموا نوم الموت] لكنهم بلا شك أحياء لله و لم يُمحوْا من الوجود؛ لأنهم ابناء القيامة، لكن إلهنا هو نفسه القيامة كما يوضح هو نفسه قائلا "أنا هو القيامة و الحياة" (يو11: 25) و الآباء هم ابناؤه كما قيل بالنبي "عوضُا عن آبائك يكون أبنائك" (مز45: 17). من أجل هذا فيسوع نفسه مع الآب إله الاحياء، الذي تكلم مع موسى و أعلن ـ أيضًا ـ للآباء.
هو أيضًا الذي كان معروفًا لم يكن شخصًا مختلفًا عن الذي استُعلِن [إذ أنه] "لا يوجد مَن يعرف الآب [كما هو في حقيقته]"[43] إلا واحد مساو [أي الابن]. و الآب قد أخضع كل شيء إليه[44] و قد شُهِد له من الجميع ـ من الآب و الروح القدس و و الملائكة و من الخليقة نفسها، من البشر و من الارواح العاصية و الشياطين، من العدو، و أخيرًا من الموت نفسه ـ أنه إنسان كامل و إله كامل.
فلهذا و بتكفير الخطايا فإنه بالفعل قد شفى الإنسان و في نفس الوقت أعلن عن كينونته، فإذا كان الله وحده هو القادر على غفران الخطايا، و الرب [يسوع] كفّر عن هذه الخطايا و شفى البشر إذًا فمن الواضح أنه هو كلمة الله الذي اصبح [أيضًا] ابن الإنسان مُقَبِلاً من الله القدرة على غفران الخطايا لكونه الله و الإنسان. فلكونه إنسان فإنه تألم لأجلنا، و لكونه إله فإنه يترآف علينا، و يسدد ديوننا التي بسببها جُعلنا مدينين لله خالقنا[45] و لذلك قال داود سلفًا "طوبى للذي غُفر أثمه و سُتِرَت خطيئته، طوبى لرجل لا يحسب له الرب خطية" (مز32: 1- 2) مُشيرًا بذلك إلى غفران الخطايا بمجيء [الرب يسوع] الذي به "محا صك" الدين الذي علينا "مُسمرًا إياه في الصليب" (كو2: 14). فكما بشجرة [شجرة معرفة الخير و الشر] أصبحنا مدينين لله فبواسطة شجرة أيضًا[عود الصليب] يكون تسديد ديوننا.
و كما أن [المرأة] الأولى ضلت بكلام ملاك [إبليس][46] و هربت من الله حينما تعدت كلمته، كذلك فإن الأخرى [العذراء مريم] ببشارة ملائكية تقبل البُشرى بأنها ستحمل الله مذعنة لكلمته[47]. و إن كانت الأولى قد عصت الله فإن الثانية أقتنعت بأن تطيع الله. لكي تصبح العذراء مريم منقذة Patroness حواء العذراء[48].