الادعاء الخامس أن الأقباط رحبت بالعرب لتخليصهم من ظلم الرومان
الادعاء الخامس
دين الإسلام قريب من عقيدة الأقباط
يقول الدكتور حسين مؤنس في موسوعة تاريخ الحضارة المصرية ـ العصر اليوناني والروماني والعصر الإسلامي ـ إصدار وزارة الثقافة ـ ص368: "لم تكن العقيدة المسيحية إذ ذاك محددة المعالم أو مستقرة القواعد.. وكان الرأي السائد عند زعماء الأقباط قريبا جدا من الإسلام ورأيه في السيد المسيح..ولم يكن من العسير لهذا أن يتحول الكثيرون منهم إلى الإسلام دون جهد كبير.."
وقد نقل هذه الفقرات عن حسين مؤنس، كاتب آخر يسمى حامد سليمان، نقل دون تفكير أو بحث أو دراسة أو أي دليل، وحتى دون أن يذكر صراحة و بوضوح المصدر الذي نقل عنه كل هذه المغالطات الساذجة المكشوفة، نقلها إلى كتابه الذي يسميه [من القبطية إلى الإسلام ـ قصة فتح مصر] ـ الناشر المكتب العربي للمعارف ـ
يقول حامد سليمان، ص 76: "وكان الرأي السائد عند عامة الأقباط المصريين ورهبانهم الأطهار في ذلك الوقت، قريبا جدا من رأى الإسلام في السيد المسيح عليه السلام، ولم يكن من العسير لهذا أن يتحول الكثيرون من المصريين إلى الإسلام دون جدل أو جهد كبير".
إلى هذا الحد يمكن أن يصل التضليل والتزييف والاستخفاف دون حياء بعقلية القراء، مسيحيين كانوا أو مسلمين، فالجميع يعلمون تمام العلم ويعرفون تمام المعرفة، أنه ليس شئ أبعد عن الحقيقة من هذا العبث بالقول، وبهذه المغالطات المكشوفة يوقع الدكتور حسين مؤنس نفسه وأتباعه في مأزق قد لا يرضاه لا هو ولا أتباعه، وفي متاهات لا حدود لها، فحسب قوله: إذا كانت العقيدة المسيحية لم تكن محددة أو مستقرة، وفي نفس الوقت، العقيدة المسيحية، قريبة جدا من الإسلام ورأيه في السيد المسيح فهل نخلص من هذا إلى أن رأى الإسلام في السيد المسيح، لم يكن محددا أو مستقرا؟.
موضوع عقيدة الأقباط ورأي الإسلام في السيد المسيح، وهل هو قريب جدا أم بعيد جدا، أرى أن هذا الموضوع، أوضح من أن يحتاج إلى شرح هنا أو تفصيل، هذا الادعاء بعيد تماما عن الحقيقة كما هو مجاف تماما لأي منطق سليم.
كذلك لا يمكن أن يكون الأقباط وقت الفتح العربي لمصر، قد عرفوا رأي الإسلام بوضوح ودقة، في السيد المسيح، للأسباب الآتية:
أولا: لم تكن هناك نسخة واحدة من المصحف متفق عليها بين جميع المسلمين .
ثانيا: كانت الكتابة العربية ذاتها، كتابة قاصرة جدا، ومعقدة، تختلط فيها الحروف بلا تمييز، وتتعدد احتمالات قراءة الكلمات.
ثالثا: أن اللغة العربية لم يكن لها وجود ملموس يذكر، بين المصريين، فلغتهم جميعا، هي اللغة المصرية (القبطية) لغتهم القومية التي كتبوا وتكلموا بها، وترجموا جميع كتبهم المقدسة إليها.
رابعا: القرآن هو الكتاب الوحيد في العالم، الذي رفض ويرفض أصحابه، وحتى اليوم، ترجمته إلى أية لغة أخرى من لغات البشر. وجميع الترجمات الموجودة الآن غير معترف بها رسميا.
فكيف إذن أمكنهم قراءة المصحف؟، وأي مصحف ؟. ومعرفة رأي الإسلام بوضوح في السيد المسيح.
فمن المعروف أنه أيام الخليفة عمر بن الخطاب، أيام الفتح العربي لمصر، لم يكن هناك مصحف واحد متفق عليه، وانما كان يوجد عشرات المصاحف، تختلف فيما بينها اختلافا كبيرا، وكان صاحب كل مصحف يرى أن مصحفه
هو وحده المصحف الصحيح، وأن بقية المصاحف خطأ، وكان بعضهم يكفر البعض الآخر، وكاد أن يكون بينهم فتنة. السجستاني ص28.
ويحدثنا كتاب المصاحف، لأبي بكر عبد الله أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني رحمه الله ـ الناشرـ دار الكتب العلميه ـ بيروت.
باب اختلاف مصاحف الصحابة، صفحة 60 إلى 98 عن الخلاف بين مصاحف عشرة من مصاحف الصحابة، ثم يحدثنا من صفحة 98 إلى 101 عن الخلاف بين إحدى عشر مصحفا أخرى من مصاحف التابعين،
وأهم هذه المصاحف كما يذكرها السجستاني هي:
1ـ مصحف عمر بن الخطاب
2 ـ مصحف علي بن أبي طالب
3ـ مصحف أبي بن كعب
4 ـ مصحف عبد الله بن مسعود
5ـ مصحف عبد الله بن عباس
6 ـ مصحف عبد الله بن الزبير
7ـ مصحف عبدالله بن عمر
8 ـ مصحف عائشة زوج النبي
9ـ مصحف حفصة زوج النبي
10ـ مصحف أم سلمة زوج النبي
ومصاحف التابعين:
1ـ مصحف عبيد بن عمير الليثي
2 ـ مصحف عطاء بن أبي رباح
3ـ مصحف عكرمة
4 ـ مصحف مجاهد
5ـ مصحف سعيد بن جبير
6ـ مصحف الأسد بن يزيد وعقلمة بن قيس
7ـ مصحف محمد بن أبي موسى شامي
8ـ مصحف حطان بن عبد الله الرقاشي بصري
9ـ مصحف صالح بن كيسان مديني
10ـ مصحف طلحة بن مصرف الايامي
11ـ مصحف سليمان بن مهران الأعشمي
ويذكر إبراهيم الابياري في كتابه [تأريخ القرآن] ـ الناشر دار القلم ص91
أسماء بعض المصاحف الأخرى، كمصحف موسى الأشعري، ومصحف المقداد بن الأسود، ومصحف لسالم مولى أبي حذيقة، وغيرهم.
وقد كتب الخليفة الثالث عثمان بن عفان (644ـ 655م) مصحفه المعروف باسم المصحف الأمام ،وقام بإحراق جميع المصاحف الأخرى، ماعدا المصحف الذي كان عند حفصة بنت عمر، فقد رفضت أن تسلمه لعثمان ليحرقه كبقية المصاحف الأخرى، وبقي عندها إلى أن توفيت، ولكنه أحرق بعد ذلك، على يد مروان أمير المدينة.
يقول السجستاني في كتاب المصاحف، صفحة 28:
"فلما كان مروان أمير المدينة أرسل إلى حفصة يسألها عن الصحف ليحرقها وخشي أن يخالف بعض الكتاب بعضا فمنعته إياها. قال ابن شهاب: فحدثني
سالم بن عبد الله قال: فساعة رجعوا من جنازة حفصة أرسل بها عبدالله بن عمر إلى مروان ففشاها وحرقها مخافة أن يكون في شئ من ذلك اختلاف لما نسخ عثمان رحمة الله عليه".
وبالنسبة لموضوع الكتابة العربية والخط العربي وقت الفتح العربي لمصر،
يقول إبراهيم الابياري في كتابه ـ [تأريخ القرآن] ـ ص 137:
"وما كانت الأمة العربية عهد كتابة الوحي أمة عريقة في الكتابة، وما كان كتاب النبي إلا صورة من العصر البادئ في الكتابة، ولم تكن الكتابة العربية على حالها اليوم من التجويد والكمال إملاء ورسما. ونظرة في المصحف، وما يحمل من صور إملائية تخالف ما استقر عليه الوضع الإملائي أخيرا، تكشف لك عما كان العرب علية إملاء، وعما أصبحنا عليه نحن إملاء. وحين أطل عهد عثمان كاد اختلاف الناس في قراءة المرسوم يجر إلى خروجهم على المحفوظ، من أجل هذا فزع عثمان إلى نفر من الصحابة كتبوا للرسول وحيه، ليدركوا هذا المرسوم، كي يخرجوا منه بصورة خطية تصور ما أجمع عليه الحفاظ".
وقد لا يفوتك أن الخط العربي من عصر كتابة الوحي إلى أيام عبد الملك بن مروان لم يكن يعرف النقط المميزة للحروف في صورته الأخيرة، كما لم يكن عرف شكل الكلمات، وبقي المصحف المرسوم ينقصه النقط في صورته الأخيرة وينقصه الشكل ...
ولقد كانت هذه المراحل التي مر بها جمع القرآن وكتابته ونقطه وشكله نتيجة لقصور الكتابة العربية والخط العربي. إذ لو كانا في كمالهما اليوم لما احتاج القرآن في رسمه إلى مرحلة بعد مرحلة، ولكتب يوم أن كتب للمرة الأولى في صورة أخيرة.
ويقول إبراهيم الابياري أيضا ص 132: "ما يتصل برسم المصحف وبقائه فترة غير منقوط ولا مشكول إلى زمن عبد الملك حين قام الحجاج بإسناد هذا العمل إلى رجلين، هما: يحيى بن يعمر والحسن البصري، فنقطاه وشكلاه. وما نرى صحيحا هذا الذي ذهب إليه القراء من تأويلات كثيرة تكاد تحمل الكلمة عشرين وجها أو ثلاثين أو أكثر من ذلك. حتى لقد بلغت طرق هذه القراءات للقراءات العشر فقط تسعمائة وثمانين طريقة".
وبالنسبة لموضوع لغة المصريين وقت الفتح العربي لمصر:
يذكر الدكتور أحمد مختار عمر، في كتابه[ تاريخ اللغة العربية في مصر] الهيئة المصرية للتأليف والنشر سنة 1970م، صفحة 55:
"ولكن لا تعني هزائم اللغة القبطية المتتالية أمام هجمات العربية أنها لم تثبت وجودها في أي فترة من فترات الصراع، فقد فرضت نفسها لفترة ماكلغة حديث حتى على الفاتحين العرب أنفسهم، وتعلمها الكثيرون منهم. وممن عرفوا بإجادتهم اللغة القبطية، القاضي خير بن نعيم، الذي كان يتكلم للخصوم الأقباط ويستمع لشهادة شهودهم باللغة القبطية".
وفي صفحة 52 من نفس الكتاب يقول: "ليس معنى تعريب الدواوين أن اللغة العربية أصبحت لغة الثقافة أو لغة التخاطب، فكما أن اتخاذ اليونانية لغة الدواوين لم يجعلها لغة عامة قبل الفتح الإسلامي، كذلك اتخاذ العربية في الدواوين لم يجعلها لغة عامة".
وتقول الدكتورة سيدة إسماعيل كاشف، أستاذة التاريخ الإسلامي، كلية البنات، جامعة عين شمس، في كتابها [عبد العزيز بن مروان] ص136: "ونلاحظ أن الفتح العربي ساعد أولا على إحياء اللغة القبطية على حساب اللغة اليونانية، التي كانت اللغة الرسمية منذ عهد البطالمة، فالدروس الدينية التي كانت تقرأ باليونانية وتشرح باللغة القبطية، صارت لا تقرأ إلا باللغة القبطية، كذلك نجد أن البلاد والأقاليم التي كانت تسمى بالأسماء اليونانية، أصبحت تعرف بأسمائها القبطية التي ترجع إلى الأسماء المصرية القديمة. فمثلا نجد اسم أخميم بدلا من بانوبوليس، وأهناسيا بدلا من هيراكليوبوليس، والأشمونين بدلا من هرموبوليس، على أن هذا كله كان بعثا لقديم لم يندثر تماما. فان اللغة القبطية أو الأسماء المصرية، كانت قد غلبت على أمرها حينا من الدهر ثم استعادت مكانتها بعد الفتح العربي".
ويذكر المقريزي في الجزء الأول(4) ص149: أن المأمون كان لا يمشي أبدا إلا والتراجمة بين يديه من كل جنس.
وفي الجزء الثالث (47) ص561، عند الحديث عن أديرة درنكة، ودير السبعة جبال، ودير المطل، ودير موشة، ودير...
"أن الأغلب على نصارى هذه الأديرة معرفة القبطي الصعيدي، وهو أصل اللغة القبطية، وبعدها اللغة القبطية البحيرية. ونساء نصارى الصعيد وأولادهم لا يكادون يتكلمون إلا بالقبطية الصعيدية، ولهم أيضا معرفة تامة باللغة الرومية".
وفي صفحة 581: "ودرنكة أهلها من النصارى يعرفون اللغة القبطية، فيتحدث صغيرهم وكبيرهم بها، ويفسرونها بالعربية".