تمت أيامها لتلد وولدت ابنها البكر لفته وأضجعته في مذود البهائم كانوا فقراء لم يكن لهم مكان يؤون إليه وظهرت المغارة في عيني مريم بلاطا أنيقا ولدت في أفقر مكان في العالم هل علمت مريم من المولود ؟ هل علمت أنه الغني الذي يمنح الغنى للأشرار والأخيار ؟ هل علمت مريم أن مولودها هو ازلي كان موجودا قبلها .
هل علمت مريم أنها ولدت آدم الثاني وأنها حواء الثانية ؟
حواء الأولى كانت سبب السقوط لكل البشر من ذريتها ، حواء الثانية كانت سبب الخلاص للبشرية كلها .
حواء الأولى ذاقت من عود الشجرة المُحًرمة بعد تسلل الكبرياء لقلبها ، حواء الثانية جلبت الثمرة التي خلصت كل المؤمنين بتناولهم من شجرة الحياة .
حواء الأولى تكبرت فكان كبريائها سبب هلاكها ، حواء الثانية قالت ها أنا ذا أمة الرب أي تواضعت فكان تواضعها سبب رفعتها للمجد .
حواء الأولى ولدت بنين بالجسد بحكم آلام الولادة ، حواء الثانية ولدت كل المؤمنين الذين آمنوا بالخلاص روحيا خارج حكم الآلام .
حواء الأولى ولدت نسلا فاسدا بعد أن فسدت بالخطيئة ، حواء الثانية ولدت الخلاص ليس بمشيئة رجل قد فسد .
حواء الأولى ماتت بالجسد بفساد الخطيئة ، حواء الثانية ماتت بالجسد لكنها غير فاسدة لذلك نقلها ابنها الإله بالنفس والجسد إلى ملكوته السماوي قائمة على يمينه .
جلست مريم حواء الجديدة تراقب أحداث الميلاد وتتفكر في قلبها صامتة متأملة بما يدور من حولها يا ترى لو لم تصمت وتكلمت ماذا كانت تعدد وتتكلم هل كانت تكتب إنجيلا خامسا ؟
لو تكلمت لأفصحت أنها أول خزانة للقربان مصنوعة بيد الله لا بيد البشر .
لو تكلمت لقالت أنا تابوت العهد الجديد الذي حوى خلاص البشر من اللعنة .
لو تكلمت لقالت أنا مبخرة الذهب التي عطرت المؤمنين برائحة النعمة وحوت نار اللاهوت ولم تحترق .
لو تكلمت لقالت أنا الكرمة التي أنتجت عنقود الطهارة لكل البشر .
لو تكلمت لقالت أنا جرة المن السماوي الذي أشبع جوع المؤمنين .
لو تكلمت لقالت أنا الباب المغلق الذي دخل فيه الرب وأكل فيه خبزا بقي مغلقا لا يعبر منه أحد بعد الرب كما صرح بذلك حزقيال النبي ( حزقيال 44 ) فأنا العذراء قبل وأثناء وبعد الولادة أنا الدائمة البتولية .
لم تتكلم العذراء ولم تتفوه بشيء هل علمت أن الكتاب المقدس قد عوضها بدل الكلام صمتا مقدسا فقد وصفها وتحدث عنها بما يجعل كل فم يصمت بل ويتعجب منها .
صمتت عذراء المغارة في الوقت الذي كانت يجب أن تتكلم لكنها عاينت عجائب الميلاد وعلمتنا كيف يكون الصمت مقدسا كل التقديس وأبلغ من كل كلام بشري لا يستطيع التعبير عن مجد الله الذي عاينته منذ بشارتها .
بهذه الفضائل كلها تفكرت مريم بمراحم الله ولم تتكلم فكانت معلمة الصمت المقدس الأولى فلم يسبقها أحد في صمتها المتواضع .
ليتنا نتعلم من امنا حواء الجديدة صمتها وتأملها ، ليتنا نستقي من تواضعها تحطيما لكبريائنا . ليتنا نتعلم الصلاة الصامتة التي تخرج من عمق القلب وتشق السماء بحرارة كبيرة فتصل عرش الله .
دامت تلك الفضائل بركة للمؤمنين وشفاعة أمنا البتول تكون معنا وتساهم في تقديس قلوبنا بالميلاد العظيم ولنتأمل جميعا جلوسها على تراب المغارة تتأمل المولود ونتأمل معها في ذلك
والنعمة مع جميعكم . آمين