أن هذا النموذج لم يوجد مدوناً في كتابٍ ما عند أحد الكتبة الكنائسيين، بل أن أحد رفاقي الكهنة قد أخبرني به شفاهياً. لأن الأمر الآتي إيراده قد حدث مع هذا الكاهن نفسه، وهو أن خادم الله المومى إليه اذ كان يوماً ما جالساً في كرسي الأعتراف كالعادة في أحدى الكنائس (وهنا نصمت عن ذكر أسم البلد لأجل الأحترام الواجب للسر. ولئن كان المعترف أعطى الأذن لمعلم أعترافه المشار إليه بأن يشهر الحادث) فجاء أمامه شابٌ قد كان يظهر عنه بعض أشاراتٍ دالةٍ على مقاومةٍ في أفكاره، فيما بين الأرادة بأن يتقدم الى منبر الأعتراف وبين رفض قبول هذا القصد. فلما لاحظه الكاهن وهو في كرسي الأعتراف عدة مراتٍ يتقدم ويتأخر حاصلاً في تلك الحال. قد دعاه إليه أخيراً وسأله أن كان يريد أن يعترف، فأجابه الشاب أي نعم أنه كان يرغب الأعتراف. ولكن من حيث أن ذاك الأعتراف كان يلزمه خطابٌ مستطيل. فأخذه الكاهن الى قلايةٍ منفردة نوعاً، وهناك أبتدأ الشاب المعترف بأن يخبره عن ذاته بأنه هو رجل شريف غريب البلاد، ولكنه لم يكن يفهم كيف أن الله كان يمكنه أن يغفر له الخطايا التي أرتكبها هو في مدة حياته بسيرةٍ ممقوتة. لأنه ما عدا الخطايا الفائقة الإحصاء عدداً، التي فعلها بأنواعٍ كثيرة ضد الطهارة وضد العدل، من الفواحش والقتل تعمداً وغيرها من الكبائر. قد أعترف بأنه لحال يائسه قطع رجائه مطلقاً من الخلاص. أبتدأ يرتكب مآثم رديئة جداً تعمداً، ليس لأشفاء آلامه السيئة بل تقصداً منه بأهانة الله، وبالأفتراء عليه تعالى، وبغضةً محضةً في عزته الإلهية، وقال أيضاً انه كان حاملاً على ذاته صليب مجسم مطرحه في الأرض بأهانةٍ. وأعترف كذلك بأنه قبل أيامٍ وجيزة من ذاك اليوم الذي فيه تقدم الى الأعتراف. قد كان تناول القربان المقدس ليس بنفاقٍ فقط، وهو في تلك الحال الأثيمة، بل خصوصاً لهذه الغاية، وهي ليخرج من فمه سراً بعد التناول جسد الرب الأقدس ويضعه تحت رجليه ويدوس عليه. وأنه حقيقةً بعد أن تناوله أخرجه من فمه ليتمم قصده الذي ترتعش المفاصل من مجرد ذكره، ولكنه لم يتمم ذلك حياءً من الناس الذين كانوا ينظرون إليه. ولهذا حفظ القربان الأقدس ضمن ورقةٍ. وحينئذٍ أي حين أعترافه سلمها بيد الكاهن المومى إليه. ثم أورد بعد ذلك أنه حينما كان ماراً في ذاك الصباح من أمام تلك الكنيسة، قد شعر باطنياً بأرادةٍ فعالةٍ تجتذبه الى الدخول هناك، وأنه اذ لم يمكنه مقاومة هذا العزم الباطن الشديد قد دخل الكنيسة، وأنه وقتئذٍ قد أبتدأ ضميره أن يوبخه بقساوةٍ، وتواردت عليه الأفكار في أن يتقدم الى كرسي الأعتراف ليقر بخطاياه، ولكن هذه الأفكار كانت تقاوم من أرادته فيما بين النعم واللا، من دون أن يعتمد على شيء. وأنه لأجل ذلك بعد أن كان دنا من منبر الأعتراف، قد كان قلقه شديداً ورجاؤه ضعيفاً بالكلية في نوال الغفران، حتى أنه أراد أن يخرج من الكنيسة. ولكنه كان يشعر باطناً بشيء يغتصبه على المكث هناك. ثم أردف كلامه قائلاً للكاهن: أني قد أستمريت على هذه الحال الى أن دعوتني أنت أيها الأب، وهكذا أنا الآن أرى ذاتي جاثياً أمامك معترفاً بخطاياي، ولكنني لا اعرف كيف تم بي ذلك. فبعد هذا جميعه قد سأله معلم الأعتراف أن كان في تلك الأيام مارس هو عبادةً ما. وماذا كانت تلك الأشياء التي مارسها. مشيراً بذلك الى عبادةٍ نحو مريم البتول، لمعرفته أن نعماً هذه صفتها فعالةً لا تخرج أعتيادياً الا من يد هذه السيدة المقتدرة أمام الله بشفاعاتها لأستمداد نعمٍ كذا. فأجابه المعترف قائلاً: كلا، لأنه ترى أية عبادة أيها الأب يمارس أنسانٌ مثلي قد كان قطع رجاه من الخلاص بالكلية، فأنا حصلت ميؤوساً على الأطلاق، وكنت أعتد ذاتي هالكاً لا محالة: فقال له الكاهن: أفتكر جيداً لتعرف الحقيقة: فأجابه كالأول نافياً لعلمه بأنه لم يكن يمارس عبادةً ما، ولكنه في هذه الحركة اذ كان مريداً أن يكشف صدره للكاهن، واذا بثوب السيدة المحزونة معلقاً على بعض أثوابه التحتانية كأنه منذ أزمنةٍ. فحينئذٍ قال له الكاهن: هوذا يا أبني التي فعلت معك هذه النعمة، وأعلم يا ولدي أن هذه الكنيسة خاصة سيدتنا والدة الإله. فالشاب عندما سمع ذلك قد تخشع وبدأ يبكي، وقد أتبع إيراد خطاياه بندامةٍ وتوجع مع بكاءٍ بشهيقٍ، حتى أنه من شدة الأسف والندامة الباطنة المرافقة بأنسكاب العبرات، قد سقط في الأرض غاشياً غائباً عن الحواس. فمعلم الأعتراف أحضر إليه بعض روائح معطرة التي بأستنشاقه إياها قد رجع الى ذاته، وهكذا أمكنه أن يتمم أعترافه. والكاهن بعد وضعه عليه القوانين قد حله من خطاياه بتعزيةٍ عظيمةٍ للجهتين. لا سيما للمعترف الممتلئ من الخشوع والندامة والقصد الأكيد على أصلاح سيرته، وبعد ذلك قد أصرفه الكاهن ليسافر راجعاً الى وطنه، وبعد أن اعطاه المعترف أذناً صريحاً بأن يخبر بهذا الحادث لكل من يريده. ويشهره في المواعظ وغيرها. لتعرف عند الجميع المراحم العظيمة التي أستعملتها معه هذه السيدة أم الرحمة.*