رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الحقيقة وراء الإنجيل المنحول الذي اكتشف في تركيا
تفشى في الأيام السابقة نبأ أربك الكثيرين يتحدث عن إيجاد نسخة من إنجيل في تركيا ينفي عقائد المسيحيين ويصرح بأن يسوع قد تنبأ بمجيء محمد، نبي المسلمين. نود في هذه المقالة أن ننظر عن كثب إلى هذا المخطوط، فنبحث في أصله وصحته وتأريخه. سنعتمد في بحثنا لا على دغدغة المشاعر والعواطف الدينية، ولا على النقد المتعجرف، بل على التحليل العلمي ووسائل البحث التاريخي باحثين عن الحقيقة وتائقين إليها. مخطوط خطير سنبدأ في القسم الأول من المقالة بسرد المجريات العامة للوقائع الإخبارية للمسألة لكي يلم بها على حد سواء من سمع شيئًا ومن لم يرده الخبر بعد. كل المسألة تتعلق بنسخة من إنجيل منحول مكتوب باللغة الأرامية وقد تناقلت وسائل الإعلام العربية وبعض الوسائل الغربية، تأريخًا يقول بأنه يعود إلى 1500 سنة، أي نحو العام 500 بعد المسيح، وبالتالي قبل مولد محمد. يزعم ذلك الإنجيل أن يسوع يتنبأ عن مولد محمد من بعده حيث يقول جوابًا لسائل عمن سيخلفه: "محمد هو اسمه المبارك، من سلالة إسماعيل أبي العرب". النص قد وجدته السلطات التركية في عام 2000 وقد حُفظ حتى عام 2010 حيث تم تسليمه لمتحف الإثنوغرافيا في أنقرة ليتم عرضه بعد القيام بعملية ترميم. المشكلة الأولى هي التالية: إذا كان تأريخ النص دقيقًا، أي قبل مجيء محمد، فهذا قد يعني أن النص صادق وأنه ليس تركيبة لاحقة أضافها كاتب جاء بعد الإسلام. ولذا السؤال الذي يطرح نفسه هو التالي: ما هو تاريخ هذا النص؟ سنجيب على هذا السؤال لاحقًا... أما الآن فلنتابع التبحر لنرى عمق المسألة وتشعبها. المشكلة الثانية هي أن النص ينفي مختلف عقائد المسيحيين: الثالوث الأقدس، ألوهية المسيح، صلبه... بكلمة، النص يطابق أكثر نظرة القرآن للمسيح منه نظرة المسيحية والأناجيل القانونية ورسائل بولس، بطرس، يوحنا وسفر الرؤيا. وعليه السؤال الثاني الذي يطرح نفسه هو التالي: هل نعرف ما هو نص هذا الإنجيل المنحول؟ من هو كاتبه؟ ما هي نواياه؟ وهذه مسألة ثانية سنجيب عليها لاحقًا. المسألة الثالثة، وأسميها عمدًا مسألة لأنها ليست مشكلة حقيقية بل نتيجة لتبادل الصحفيين الأخبار ونقلهم لها دون معيار ودون التعمق بمعنى المسائل ودون البحث الذي يجب أن يرافق العمل الصحافي خصوصًا عندما يتعلق الأمر بمسائل جدية وحساسة. للأسف الكثير من الصحفيين يبحثون أكثر عن الأخبار الغريبة والسبق الصحفي على حساب الحقيقة والوقائع فتأتي أخبارهم بل نتيجة لجهل مدقع (وكم هناك من الجهل في وسائل الإعلام!) أو لسوء نية وموقف معادٍ للكنيسة وللفاتيكان. والمسألة ببساطة هي: تواردت أخبار عن أن البابا بندكتس السادس عشر يريد الاطلاع على المخطوط، ولذا راح البعض إلى استنتاج خلاصات بخسة: الكنيسة خائفة من هذا الإنجيل ولطالما سعت إلى إخفائه لكي لا يهبط مبنى العقائد المسيحية. أرجوكم أعيدوا النظر في هذه الجملة لتروا بأمة أعينكم التناقض الظاهر: فإذا كانت الكنيسة تعرف بهذا المخطوط وقد أخفته، لما طلب البابا النظر فيه (لأنه المنطق البدائي يقول لنا أنه إذا كان الأمر كذلك فالبابا يعرف مكنون هذا المخطوط وليس بحاجة للإطلاع عليه!!). على هذه المسألة الثالثة أجيب سريعًا لكي نهتم بشؤون أكبر: إذا سلمنا جدلاً بأن الفاتيكان قد طلب الاطلاع على المخطوط فهو من ناحية الرغبة العلمية ورغبة البحث والدراسة التي تميز علماء الدين واللاهوت الكاثوليك والمسيحيين. المسيحيون لا يخافون من دراسة أي مخطوط. هذا ما تم مع مخطوطات قمران، ناج حمادي، آلاف الأناجيل المنحولة، وما سوى ذلك. ولذا، فلنشكر الرب بالحري لأن كنيستنا منفتحة على العلوم والأبحاث وليست منغلقة خائفة في دياجير الجهل، التحريف والتخريف. مَن نَسَخ المخطوط؟ النص مكتوب بأحرف مذهبة على جلد. الصفحة الأولى من المخطوط تتضمن كتابة بالأرامية ورسم صليب. أما ترجمة الكتابة على الصفحة الأولى فهي التالية: "باسم ربنا، هذا الكتاب قد نُسِخ على يد رهبان دير نينوى العالي في سنة 1500 لربنا". وقد نشر باحثان أشوريان دراسة النص الظاهر في الصفحة الأولى فوجدا فيه العديد من الأخطاء التي تشكل حافزًا نقديًا علميًا للشك بنسبة المخطوط، لأنها أخطاء عديدة ولا يمكن أن يرتكب الرهبان السريان أخطاءً من هذا النوع. علمًا بأن نينوى هي عاصمة أشورية قديمة وتقوم بالقرب من الموصل. الأخطاء الواضحة: -- "باسم ربنا": الكلمة الأولى (والمكتوب يُقرأ من عنوانه!!) فيها خطأ كتابة: "بِشمِت مَرَن" كان يجب أن تكون "باشم دْمَرَن". والسؤال: هل كان الكاتب يجيد الأشورية؟ والكلمة نفسها تتضمن خطأً آخر: فكلمة "اشما" تبدأ بحرف ساكن، ولذا عندما يضاف إليها "ب" يجب لفظها بهذا الشكل :بَاشما دمرن". -- "على يد": خطأ مشابه يظهر في "عال إيداتِ"، بينما الكتابة الصحيحة يجب أن تكون: بِايداتا. (لاحظوا التشابه مع اللغة العربية... التي تجعلنا نفكر بأن الكاتب بالحقيقة ليس سريانًا أو أشوريًا أو كلدانيًا بل بالحري عربيًا). -- "الكتاب": الخطأ الثالث الذي يخون أصل الناسخ العربي هو التالي: الرهبان لم يسموا أبدًا كتابنا المقدس "كتابا" وحسب، بل دومًا "كتابا قديشا" لكي يميزوه عن سائر الكتب. لعل الكاتب والناسخ، نظرًا لثقافته الإسلامية كتب سهوًا التسمية التي يطلقها المسلمون على كتاب المسيحيين وعلى المسيحيين: الكتاب وأهل الكتاب؟ إذًا، بالمختصر المفيد، كل هذه الأخطاء تنفي النقطة الأولى من نسبة النص. من غير الممكن أن يكون الناسخون رهبانًا أشوريون. ولكن هناك أمور أخرى تحملنا علميًا على الشك بتأريخ النص. إلى أي عام يعود النص؟ يلاحظ الباحثان الأشوريان أن الصفحة الأولى من الكتاب هي في الأشورية الحديثة والتي أضحت معتمدة بعد عام 1840. فالكتاب المقدس الأول بالأشورية الحديثة ظهر في عام 1848. فكيف لناسخ عاش في القرن الخامس عشر أن يعتمد لغة حديثة؟ كان بالحري به أن يكتب بالأشورية الكلاسيكية. كما ويتابع الباحثان تحليل الصفحة الأولى من الكتاب بالقول: إن الصفحة الأولى من الكتاب تقول صراحة أنه المخطوط قد نُسخ في عام 1500. وهنا نشأ لغط كبير في وسائل الإعلام التي بدل أن تقول أنه يعود إلى العام 1500، صرحت أن النص يعود إلى 1500 سنة أي إلى العام 500 بعد المسيح... فلنسلّم جدلاً بأن التأريخ صحيح أي أن النص يعود إلى عام 1500. فهل من أمر عجائبي إذا أضاف شخصٌ ما معتقداته الشخصية على كتاب وجعله يقول ما لم يقله في نسخاته الأولى؟ ليس لدينا أية ضمانة على أصالة النص وأمانة النسخ. فالمخطوط يعود إلى 870 سنة بعد نشأة الإسلام. بكلمات أبسط: حتى لو كان الكتاب منسوخًا عن مخطوط يعود إلى القرن الخامس، لا بل حتى لو كان المخطوط الأصلي يعود إلى القرن الأول، ما لدينا الآن للبحث العلمي هو نص يعود إلى القرن الخامس عشر، أي بعد قرون عديدة من الفتح الإسلامي. في هذه الفترة الزمنية الطويلة جدًا يمكن للنساخ أن يكونوا قد أضافوا وبدلوا وأعادوا صياغة ما شاؤوا من النص. أود أن أذكّر هنا بنسخ كثير من كتب الفلاسفة اليونان التي كان الرهبان السريان ينقلونها فكان أفلاطون يخرج من بين يديهم لابسًا عباءة راهب سرياني. والترجمات التي كان يقوم بها العرب كان تُخرج أفلاطون لابسًا عمامة شيخ أو إمام. وعليه، إنه لخطأ علمي فادح أن نسلّم بصدق وحياد النساخ والمترجمين خصوصًا في الأزمنة الماضية. ولكن جوابنا لم ينته هنا، في مقالة ثانية سنتحدث عن بعض الأخطاء الفادحة الواردة في النص والتي تسربت عبر بعض وسائل الإعلام التركية... كما وسنتحدث لاحقًا عن إنجيل منحول آخر يقوم بتصاريح مشابهة. وسنجيب بالتالي على الأسئلة التالية: ما هو هذا الإنجيل؟ ما هي قيمته؟ إلى أي قرن يعود؟ هل صحيح أن الكنيسة أرادت إخفاؤه عن الناس؟ (2) لقد تحدثنا في القسم الأول من المقالة عن تأريخ المخطوط الذي وُجد في تركيا (فرأينا أنه يعود إلى العام 1500 بحسب التاريخ المكتوب على صفحته الأولى) وعن الأخطاء اللغوية التي جعلتنا نشك نقديًا بهوية ناسخيه (الذين لا يمكن أن يكونوا رهبانًا أشوريين، نظرًا للأغلاط الكثيرة الواردة في الصفحة الأولى). علمًا بأن المخطوط لم يتم عرضه بعض على العموم للدراسة والبحث إلا أن هناك تصاريح عن مضمونه من قبل السلطات التركية تمكننا من ربطه بإنجيل منحول يعرف باسم "إنجيل برنابا". فعلى الأرجح ما هذا النص إلا نسخة من إنجيل برنابا المنحول الذي يزعم كاتبه أن يسوع تنبأ عن رسول المسلمين ليس. فما هو هذا الإنجيل وما هي قصته؟ نظرة إلى تناقضات إنجيل برنابا لن نقدم شرحًا تفصيلًا عن إنجيل برنابا، فهناك العديد من النسخ التي يمكن مراجعتها بسهولة على شبكة الانترنت (وكلا... الكنيسة لا تسعى إلى إخفاء نسخه كما يزعم البعض زورًا). ما يهمنا هنا هو أن ننظر في تناقضاته الكثيرة. ولذا قبل أن نتقدم بمقاربة علمية لتأريخ الإنجيل، سنتوقف للحظة على مكنون إنجيل برنابا مستعرضين بشكل خاص المعطيات المغلوطة. - يصرح الكاتب معرفًا عن نفسه بأنه برنابا أحد الرسل الاثني عشر، ويعدد الرسل مخليًّا اسم "توما" الرسول. فيقدم لنا تناقضًا أولاً لأن كل الوثائق الأخرى والمخطوطات تبين لنا أن برنابا كان معاونًا للقديس بولس وقد عاون الرسول بولس في رحلاته التبشيرية وبالتالي بعد موت يسوع وقيامته (وبعد ارتداد بولس). - يصرح يسوع في هذا الإنجيل أنه ولد في زمن بيلاطس البنطي، والذي يبدأ تاريخيًا في العام 26 بعد المسيح! وبهذا يناقض مختلف التواريخ التي يمكننا أن نستنتجها من المخطوطات الأخرى ومن رسائل القديس بولس. - المؤلف يجهل أن "المسيح" هو مرادف لـ "كريستوس" ولذا من ناحية يسمي يسوع "يسوع كريستوس" ولكنه ينفي أنه المسيح – "مسيا" (الفصل 42)!!! (فليُسمح لي بالنكتة: حبل الكذب قصير، حبل الجهل أقصر!). - يخلط المؤلف بين يسوع ويوحنا المعمدان فيضع على لسان يسوع الكلمات التي تُقال عن يوحنا المعمدان... في الفصل الثاني والأربعين يُسأل يسوع عما إذا كان المسيح، فينفي. يُسأل إذا كان أحد الأنبياء القدامي فينفي. فيقول له سائلوه: "من أنت؟ قل لنا لكي نحمل شهادة لمن أرسلنا" فيرد يسوع: "أنا صوت صارخ في كل اليهودية: ’أعدوا الطريق لرسول الله‘". كما ويضع كلمات أخرى ليوحنا على لسان يسوع، فيجعله يقول "أنه ليس أهلاً ليحل ربط حذاء رسول الله". - ينفي النص كل ما يقوله العهد القديم عن عهد الله مع إبراهيم بأن يعطيه نسلاً من ابنه اسحق ويصرح أن وعد الله يتحقق في نسل اسماعيل. - ويضع المؤلف على لسان يسوع اعترافًا بمحمد نبي المسلمين حيث يقول أنه شاء أن يرى يوم النبي المحمد فرآه وتهلل (وهذا تحريف لما يقوله يسوع عن ابراهيم في الفصل الثامن من إنجيل يوحنا، 8، 51). ويجعل يسوع يقول: "آه، يا محمد، الرب معك، وليجعلني أهلاً أن أحل سيور حذاءك، لأني إذا فعلت ذلك سأضحي نبيًا وصفيًا لله". - يتحدث النص عن اليوبيل فيقول أنه يحدث كل مائة عام فيناقض سفر اللاويين (الفصل 25). هذا المفهوم لليوبيل يخون تأريخ الكتاب المتأخر. ففقط بعد عام 1300، في عهد البابا بونيفاسيوس الثامن، تم تقرير الاحتفال باليوبيل كل مائة عام. علمًا بأنه تم الرجوع للاحتفال كل 50 عامًا من البابا أكليمنضوس السادس (في عام 1343). - تخون مقاطع عدة جهل المؤلف لجغرافية الأراضي المقدسة، فتبين أنه لا يمكن أن يكون الرسول برنابا. لا بل لا يمكن أن يكون مؤلفًا مر بالأراضي المقدسة. - آدم وحواء (في الفصل الأربعين) يأكلون تفاحة. وهذا المفهوم يعود إلى الترجمة اللاتينية لسفر التكوين حيث لعب القديس أغسطينوس على التشابه بين كلمة "شر" وتفاحة" باللاتينية (malum). وعليه المؤلف يخون زمانه من خلال إشارة إلى مفهوم شاع في العصور التالية. - يُظهر المؤلف في حديثه أنه يعرف فكر الشاعر الإيطالي "دانتي أليغييري" (1261 – 1321) وذلك لأنه يستعين بتصاويره في وصف الكثير من الحقائق الأخيرية. - في الفصل الحادي والتسعين من الإنجيل المنحول يتحدث المؤلف عن "زمن الصوم الأربعيني" وهو زمن حدده المسيحيون في القرن الرابع بعد المسيح (وبالتحديد في مجمع نيقيا الأول، عام 325) وليس لهذا الأمر مقابل مماثل في التقليد العبري. - الاستشهادات الآتية من العهد القديم لا ترتكز على النص العبري أو النص اليوناني بل على الترجمة "العامية" اللاتينية (فولغاتا - Vulgata) وهي الترجمة التي قام بها القديس هيرونموس وأنهاها بعد 15 عامًا من العمل في العام 405! - هناك أيضًا أخطاء تاريخية فادحة. ففي الفصل الحادي والتسعين يتحدث المؤلف عن 600000 جندي روماني في اليهودية، رغم أن الوقائع التاريخية تقول لنا أن عدد كل الجيش الروماني في ذلك الزمان لم يكن يزيد على 300000 عنصر! - وبالحديث عن الجيوش يزعم المؤلف بأنه كانت هناك ثلاثة جيوش في زمن يسوع بفلسطين القديمة، في كل منها 200 ألف جندي، علمًا انه لم يكن عدد سكان فلسطين كلها 200 ألف نسمة منذ 2000 عام، اضافة إلى أن الرومان كانوا يحتلونها ولذا كان مستحيلاً أن يكون فيها جيش نظامي إلا الجيش الروماني. ... ما هذه التناقضات إلا بعض من كثير مما يتضمنه هذا الإنجيل المنحول. والمثير للاهتمام أن هذه التناقضات لا ترتبط فقط بالعهد القديم أو العهد الجديد أو جغرافيا وتاريخ زمان يسوع: المثير للاهتمام حقًا هو أنه يخالف وجهة نظر القرآن. الأمر الذي حدا ببحاثة مسلمين إلى رفضه ككتاب منحول وغير أصلي. سنستعرض في ما يلي رأي كاتب مسلم. إنجيل برنابا المنحول يناقض القرآن أيضًا أشهر المشككين بإنجيل برنابا وأصالته كان الكاتب المصري الراحل، عباس محمود العقاد، فقد كتب في جريدة "الأخبار" عدد 26 أكتوبر 1959 موضوعا عنه لخص تناقضاته بإيجاز حاسم. وأهم ما كتبه العقاد، بحسب ما أورد موقع العربية.نت: "ان وصف الجحيم في انجيل برنابا يستند الى معلومات متأخرة لم تكن شائعة بين اليهود والمسيحيين في عصر الميلاد، وان بعض العبارات الواردة به قد تسربت الى القارة الأوربية نقلاً عن المصادر العربية". وزاد العقاد وكتب: "ليس من المألوف أن يكون السيد المسيح قد أعلن البشارة أمام الألوف باسم محمد رسول اللّه". وأضاف أيضا أن أخطاء تكررت في هذا المؤلف المنحول "لا يجهلها اليهودي المطلع على كتب قومه، ولا يرددها المسيحي المؤمن بالأناجيل المعتمدة من الكنيسة، ولا يتورط فيها المسلم الذي يفهم ما في إنجيل برنابا من المناقضة بينه وبين نصوص القرآن". ومن السهل قراءة تناقضات "انجيل برنابا" مع القرآن فنراه يذكر مثلا أن هناك تسع سموات (بدل السبع) وعاشرها الفردوس. كما يزعم – بحسب ما أفاد الموقع عينه – أن مريم العذراء ولدت المسيح من دون ألم، بينما يروي القرآن أنها شعرت بالمخاض الذي ترافقه الآلام. هذا ويعتبر الكتاب محمد "مسيحًا" إلا أن الإسلام والقرآن لم يقل أبدًا أن محمد هو المسيح. بعد أن دحضنا (وسخرنا!) من مكنون هذا الكتاب، سنتحدث في القسم المقبل من المقالة عن تأريخ هذا النص بحسب علماء التاريخ. (3) نختم مقالتنا عمّا قلنا أنه "إنجيل برنابا المنحول" بمقاربة تاريخية لمحاولة التوصل إلى تأريخ النص. سنشرح أولاً السبل المتبعة في تأريخ المخطوطات القديمة. يعتمد المؤرخون على دلائل ومعطيات كثيرة في تقديمهم لتقديرهم في تأريخ نص ما. فيقومون بتحليل اللغة التي كُتب فيها ، إذ إن لكل عصر خصائص لغوية ومفردات وحركات، إلخ... تميزه. كما يعمدون إلى دراسة الإشارات لأحداث تاريخية أو لمعايير وتعابير ومواد يتم استعمالها في النص تفيد في الإشارة إلى الزمن الذي لا يمكن أن يكون النص سابقًا له. هذا ويدرس المؤرخون أيضًا المراجع الأخرى التي تتحدث عن هذا النص والزمن الذي سُطّرت فيه هذه المراجع. وهناك سبل أخرى كثيرة يلجأ إليها أي مؤرخ في بحثه، لن نطيل الحديث عنها، فَهَمُّنا هنا تأريخ إنجيل برنابا المنحول. إن أول شهادة نملكها عن إنجيل برنابا المنحول يعود إلى عام 1634، وهي لابراهيم الطيلبي من تونس. ويتحدث الطيلبي عن أن الكتاب [المقدس] يتنبأ عن محمد نبي المسلمين، فيشير إلى "إنجيل القديس برنابا حيث يستطيع المرء أن يجد النور". هذه هي الشهادة الأولى. عن هذا الإنجيل لم يتحدث أحد قط. حتى القرآن لم يشر إليه. فلو كان هناك كتاب يتنبأ فيه يسوع عن محمد نبي المسلمين، لكان من البديهي أن يستشهد به الأدب الإسلامي الأساسي مثل القرآن، الأحاديث النبوية وما سوى ذلك من النصوص الأساسية في الإسلام. ولكن بالحقيقة، كما يستطيع أي مسلم مطلع أن يقول لنا، ما من شهادة في كل هذه الكتابات عن هذا المؤلف. أما المخطوطات التي تتضمن هذا الكتاب المنحول فهي مخطوط إيطالي سُلّم للأمير أويجنيو الإيطالي في عام 1713. والمخطوط مزيّن على أطرافه بإطارات ذات تأثير إسلامي. ويتضمن النص ملاحظات باللغة العربية مع بعض الكلمات التركية وإطار لغوي تركي. الكلمات الإيطالية تتضمن أخطاءً عديدة وإضافات أحرف ليست موجودة في اللغة الإيطالية القويمة. وقد أرّخ البحاثة هذا المخطوط بين عامي 1588 و 1620. والمخطوط الثاني هو اسباني ويعود إلى القرن السابع عشر. هذا وقد قارن عدد من البحاثة النصين الإيطالي والاسباني فبينوا كيف أن النص الأصلي والأساسي هو الإيطالي، بينما الاسباني هو ترجمة مرتكزة على النص الإيطالي. والمخطوط الأخير الموجود الآن في تركيا والذي أطلق هذه السلسلة من المقالات يعود إلى السنة 1500، أقله بحسب التأريخ الموضوع على صفحته الأولى. إن دراسة المخطوطات تبيّن أن الكاتب كان يعرف جيدًا "الكوميديا الإلهية" لدانتي أليغييري، هو أكبر شاعر في إيطاليا وأب اللغة الإيطالية، وقد عاش بين 1261 و 1321. وعليه لا يمكن أن يكون تأريخ النص أقدم من دانتي. إن مختلف المسائل اللغوية، والأخطاء التاريخية، والتأثيرات المختلفة، والموازين المستعملة التي تحدثنا عنها في القسم السابق من المقالة تبين أن المؤلف لم يكن يعرف الكثير عن جغرافيا، تاريخ وسياسية القرن الأول (أو القرون الأولى). تبين لنا أنه كان مطلعًا على مسائل، تعابير، موازين ومراجع أدبية تمتد حتى القرن الثالث عشر. كل هذه الأمور تجعل تأريخ النص العلمي بحسب معظم البحاثة الذين درسوا هذا الإنجيل يعود إلى القرن الرابع عشر. خاتمة هذا النص إنما يحثنا إلى النظر إلى أناجيلنا لكي نتعرف من التراث الرسولي (رُسُل المسيح) على وجه الرب كما عرفوه عم معاصروه وأتباعه، والذين اعترفوا به ربًا، مسيحًا وإلهًا. فلنردد في نهاية هذه الأبحاث وقد قبلنا الإيمان الذي يكشفه لنا الآب السماوي بالروح القدس اعترافنا بالمسيح: "إيماني إيمان بطرس: أنت المسيح ابن الله الحي". |
|