|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
تأديبات الله لأجل خطايانا لأَنَّنَا قَدْ فَنِينَا بِسَخَطِكَ، وَبِغَضَبِكَ ارْتَعَبْنَا [7]. يخاف غير المؤمن ويرتعب من اللقاء الأبدي، أما المؤمن فيتهلل دومًا بغنى نعمة الله التي تفتح عينيه على مراحم الله وحبه. * ليس بالأمر السري أن هذا المصير هو عقوبة الخطية... إننا نفنى في ضعفنا، ونضطرب من خوف الموت، لأننا صرنا ضعفاء وبذلك نخاف من نهاية هذا الضعف. القديس أغسطينوس * "حقًا قد فنينا بسخطك"، لأننا نستحق غضبك بسبب الخطية. لقد فقدنا في آدم الخلود الذي أعطيتنا إياه، إذ طبيعيًا بقانون الوراثة ورثنا الخطية. "بغضبك ارتعبنا". بدقة قال: "صرنا في رعبٍ"، لأن من يصير في رعبٍ لا يهلك. إنه يرتعب بعنفٍ في رعدة، فيشعر بقوة ذاك الذي استخف به بارتكابه الخطية، وفي خضوعٍ متواضع يلجأ إلى الندامة. "بغضبك ارتعبنا"، وذلك بسبب معاصينا، فصرنا في اضطرابٍ شديدٍ. ولكن إذ نؤمن بمسيحك ونتعرف عليه نستريح. القديس جيروم قَدْ جَعَلْتَ آثَامَنَا أَمَامَكَ، خَفِيَّاتِنَا فِي ضُوءِ وَجْهِكَ [8]. في وسط الضيق يدرك الإنسان أن خطاياه وآثامه مكشوفة أمام الله، لكن خلال الصليب يرى روح الله يستر عليه فيرفعه خلال المعمودية إلى التبني لله. * "قد جعلت آثامنا أمامك"، ليس من خطية واحدة تهرب منك؛ كل الشرور التي نرتكبها مكشوفة أمامك... كل لحظةٍ من حياتنا، كل شيءٍ نمارسه، مكشوف أمام عينيك، الظلمة نفسها ليست مخفية عنك. القديس جيروم لأَنَّ كُلَّ أَيَّامِنَا قَدِ انْقَضَتْ بِرِجْزِكَ. أَفْنَيْنَا سِنِينَا كَقِصَّةٍ [9]. * الأيام هكذا تعبر، والموت يقترب، حتى أن كل أيام حياتنا، أو حياتنا نفسها تعبر غالبًا في ضآلة، إنما هي واهنة. في الواقع، ما أقوله الآن وأنتم تسمعونه هو جزء من حياتنا. على أي الأحوال مهما اعتقدنا بأن أحدًا ما يربح نفسه إلا أنه هو فسحة من الوقت مستخدمة، جزء مفقود من فترة الحياة. فبينما نحسب أننا نكسب إذا بنا نحن نفقد. * "سنيننا تُحسب كعنكبوت" فإذ نلاحظ عنكبوت على حائط ينسج خيوطًا، يصنع نسيجًا ينهار بعاصفة ريح مفاجئة، حتى كل إنجازات عمرنا تنهار بضربة مفاجئة لضيقٍ أو لموتٍ. القديس جيروم * "لأن كل أيامنا قد انقضت برجزك. أفنينا سنينا" [9]. هذه الكلمات هي برهان كافي أن خضوعنا للموت هو عقوبة. يتحدث عن أيامنا تفنى، إما لأن البشر يفنون فيها بحبهم للأمور الفانية، أو لأنها تقصر إلى عددٍ قليلٍ هكذا، الأمر الذي يؤكده في الخطوط التالية: "سنواتنا تنقضي مثل عنكبوت". "أيام سنيننا هي سبعون سنة، وإن كانت مع القوة فثمانون سنة، وأفخرها تعب وبلية". القديس أغسطينوس أَيَّامُ سِنِينَا هِيَ سَبْعُونَ سَنَةً، وَإِنْ كَانَتْ مَعَ الْقُوَّةِ فَثَمَانُونَ سَنَةً، وَأَفْخَرُهَا تَعَبٌ وَبَلِيَّةٌ، لأَنَّهَا تُقْرَضُ سَرِيعًا فَنَطِيرُ [10]. يرى القديس أغسطينوس أن الرقمين 70 و 80 لهما مفاهيم روحية. فالرقم 70 ينسب إلى رقم 7، أي السبت، وهو خاص بالعهد القديم، أما مع القوة أو قوة قيامة السيد المسيح فيتمتع الإنسان برقم 80 حيث ينسب لرقم 8 الخاص بقيامة السيد المسيح في اليوم الأول من الأسبوع أو الثامن من الأسبوع السابق، حيث يعبر الإنسان من الأمور الزمنية إلى الأمور الأبدية. العهد الجديد فيه رجاء الحياة الجديدة المقامة. مع هذا فإن حياتنا تعب وألم، كقول الرسول: "نئن في أنفسنا متوقعين التبني فداء أجسادنا؛ لأننا بالرجاء خلصنا، ولكن الرجاء المنظور ليس رجاءً، لأن ما نظره أحد كيف يرجوه أيضًا؛ ولكن إن كنا نرجو ما لسنا ننظره فإننا نتوقعه بالصبر" (رو 8: 23-25). لا نعجب إن كان موسى النبي قد بدأ خدمته وهو في الثمانين من عمره، وكانت رسالته شاقة، تحتاج إلى وقفة حازمة مع فرعون ورجاله، في وقت كان شعبه العبراني في غاية الانهيار. وعندما خرج موسى وهرون من لدن فرعون: "قالوا لهما: ينظر الرب إليكما ويقضي، لأنكما أننتما رائحتنا في عيني فرعون وفي عيون عبيده حتى تعطيا سيفًا في أيديهم ليقتلونا" (خر 5: 21). أما عن مشاق الرحلة في البرية وتذمر الشعب عليه، وقيام الأعداء ضده... أمور لا يحتملها شاب قوي البنية. كيف يقول الآن: أيام سنيننا... مع القوة فثمانون سنة"؟ لقد شعر كأن حياته قد انتهت بعد الثمانين، أما الأربعون سنة التي خدم فيها حتى بلغ المئة وعشرين عامًا فهي عطية من الله للعمل. إنها ليست سنواته، لكنها سنوات خاصة مقدمة له لأجل الخدمة! * "أيام سنيننا هي سبعون سنة". انظروا كيف اقتضبت الحياة البشرية تدريجيًا. في البداية تسلمنا في الفردوس عطية الحياة الأبدية التي فقدناها بالعصيان. وبعد ذلك حياة القدامى نقصت إلى ألف سنة، والآن في أيامنا صارت بالكاد سبعين. "أيام سنيننا هي سبعون سنة، وإن كانت مع القوة فثمانون سنة، وأفخرها تعب وبلية". أغلب سنيننا بلا ثمر، تعب. هذا ما قلناه: ما توقعناه ربحًا في حياتنا نجده تعبًا وخسارة. حيث توجد زيادة في السنوات تكون شيخوخة. وحيث تكون الشيخوخة يوجد المرض. وحيث المرض يكون الألم والكرب، وحيث الكرب يوجد شوق نحو الموت. القديس جيروم * هذه سمات غير المؤمنين والشكاكين، أنك إن فكرت هكذا وهذا ممكن أن يحدث وسيحدث، أن الشرير سوف يتمتع بنصيبٍ مساوٍ لنصيب البار، فهذا يدل على حماقة كبيرة ماذا تقول؟ إذا كان الرجل الغني عندما يرحل ويأخذ عقابه في الآخرة فهل سيعاقب واحدة بواحدة؟ كيف تحكم بذلك؟ كم عدد السنوات التي تتصور أنه تمتع فيها بثروته في هذه الحياة؟ هل تتصور مائة عام؟ أنا مستعد لقول مائتين أو ثلاثمائة أو أضعاف ذلك، أو إذا أردت حتى ألف عام، وهذا مستحيل، لأنه مكتوب: "أيام سنينا هي سبعون سنة. وإن كانت مع القوه فثمانون سنة" (مز 10:90)، ولكن دعنا نقول حتى ولو مائة سنة. إنك لا تستطيع أن تذكر لي وتريني حياة ليس لها نهاية وليس لها حد. هل تستطيع؟ قل لي هل لو رأى شخص في خلال مائة عام حلم جميل ذات ليلة وتمتع أثناء نومه برفاهية وترف كثير، ففي هذه الحالة هل يستطيع القول أن أحلام ليلة واحدة مكافئة ومساوية للمائة عام؟ لا تستطيع القول بذلك، لهذا لابد أن تفكر بنفس الأسلوب عن الحياة الآتية، فكما هو حلم ليلة واحدة بالنسبة لمائة عام هكذا حياتنا الحالية بالنسبة للحياة الآتية مع الاختلاف الكبير. وكمثل قطرة صغيرة بالنسبة للبحر الغير محدود وهكذا ألف عام بالنسبة للتمتع بالمجد العتيد . * هل أنت قلق بخصوص النهاية؟ إنها بالحقيقة قريبة جدًا، ولكن حياة كل إنسانٍ وموته أقرب جدًا، إذ قيل: "أيام سنيننا هي سبعون سنة، وإن كانت مع القوة فثمانون سنة" (مز 90: 16). القديس يوحنا الذهبي الفم * ماذا عن يعقوب؟ وهو الذي تربى في بيت أبيه، ألم يحتمل متاعب أكثر ثقلًا من جده؟ ... اسمع ما قاله عن حياته كلها: "أيام سنيّ غربتي مائَة وثلثون سنة. قليلة ورديَّةً كانت سنيّ حياتي، ولم تبلغ إلى أيام سنيّ حياة آبائي في أيام غربتهم" (تك 9:47). ثم بعد أن رأى ابنه جالسًا على العرش الملكي متمتعًا بالمجد هل ينسى متاعب الماضي؟ فبالرغم من أنه اُبتلى بالكثير من البلايا، فإنه وهو في هذا الرخاء لم ينسَ المتاعب التي مرت به. وماذا عن داود؟ كم من المحن تحملها؟ ألم يتغنَّ بمثل ما تغنى به يعقوب: "أيام سنينا هي سبعون سنة. وإن كانت مع القوة فثمانون سنة، وأفخرها تعب وبلية" (مز 10:90). وماذا عن إرميا؟ ألم يلعن يوم مولده بسبب توالي النكبات قائلًا: "ملعون اليوم الذي وُلِدت فيهِ. اليوم الذي ولدتني فيه أمي لا يكن مباركًا" (إر 14:20) . القديس يوحنا الذهبي الفم * قيل عن أنبا أبوللو الذي من الإسقيط إنه كان راعيًا وكان فظًّا جدًا. وفي أحد الأيام رأى امرأةً حبلى في الحقل، وبإغراء من الشيطان قال: "أحب أن أرى كيف يرقد الطفل في رحمها". وهكذا شقّ بطنها ورأى الجنين. وفي الحال اضطرب قلبه وامتلأ من وخز الضمير، فذهب إلى الإسقيط وأخبر الآباء عمّا فعله، فسمعهم ينشدون: "أيام سنينا هي سبعون سنة، وإن كانت مع القوة فثمانون سنة، وأفخرها تعبٌ وبليّة" (مز 90: 10). فقال لهم: "أنا في الأربعين من عمري ولم أصنع صلاة واحدة، والآن إذا عشتُ سنةً أخرى فلن أتوقف عن الصلاة لله حتى يغفر لي خطاياي." وفي الحقيقة إنه لم يشتغل بيديه، ولكنه قضى وقته كله في الصلاة قائلًا: "أنا أخطأتُ كإنسان، فاغفر أنت كإله!" وهكذا صارت صلاته هي نشاطه نهارًا وليلًا. فردوس الآباء مَنْ يَعْرِفُ قُوَّةَ غَضِبَكَ، وَكَخَوْفِكَ سَخَطُكَ [11]. من يدرك سرّ الصليب يعرف ماذا فعلت الخطية، فيهرب من الغضب الإلهي إلى المحبة الإلهية الفائقة. * إن كانت قوة غضب الإنسان تقتل الجسد، وليس لها أن تفعل أكثر، فإن قوة (سلطان) الله أن تعاقب هنا، وبعد الموت يُرسل الجسد الجحيم، لكن قليلين تعلموا هذا. القديس أغسطينوس إِحْصَاءَ أَيَّامِنَا هَكَذَا، عَلِّمْنَا فَنُؤْتَى قَلْبَ حِكْمَةٍ [12]. أيامنا هكذا قليلة للغاية، حتى تبدو كعشبٍ ابن ليلة، سرعان ما يظهر لتضربه الشمس، فيجف وييبس ويُجَّز. هكذا غضب الله مرعب للغاية، فماذا يطلب موسى النبي؟ أن يعلمنا الله ويهبنا حكمته الإلهية. هذا ما يقدمه لنا في هذا المزمور الذي وإن تكلم بإسهاب عن سرعة زوال البشر وعن غضب الله وسخطه لكنه يبدأ بتقديم الله نفسه ملجأ للبشر كي يسكنوا بأمان فيه [1]، وينتهي بطلب نعمة الرب إلهنا لتعمل فينا [17]. كأن الله أشبه بطائر يحتضن صغاره بجناحيه من هنا وهناك، ليضمها إلى صدره ويهبها الأمان. يحوط النبي حديثه عن الغضب الإلهي بالحنو الإلهي والنعمة الإلهية في البداية والنهاية ليهبنا سلامه الحقيقي. |
|