رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
القديس الشهيد أنطونيوس القريشي (+800م) 24 كانون الأول شرقي (6 كانون الثاني غربي) هذه شهادة القديس الشريف أنطونيوس المختار، الدمشقي، الذي استشهد في مدينة الرقة على عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد. كان رجل من الأشراف اسمه روح نازلاً في مدينة دمشق في موضع يقال له النيرب، في دير هناك على اسم الشهيد المبارك ثيودوروس. وكان روح قريشياً ماجناً، كثيراً ما يمد يده إلى القربان المقدّس في الكنيسة فيأكله ويشرب ما تبقى في الكأس المقدسة. ويبدو أنه كان يقلع أحياناً الصلبان من مواضعها ويشق أردية المذبح. كما كان مجلسه مشرفاً على الكنيسة ينظر ما تفعله رعية المسيح، كل يوم أحد، وهو مغرق في الشرب، مستسلم للّهو. سهم وإيقونة فحدث ذات يوم، بعد فراغ الشعب المؤمن من القداس الإلهي، أن لفتت هذا الرجل القريشي إيقونة القديس ثيودوروس راكباً فرساً أشهب وفي يده حربة وتحت الحصان حيّة عظيمة شدخ رأسها بحربته. فتناول روح قوسه ووتّره ثم سدّده باتجاه الإيقونة فانطلق السهم حتى دنا منها، على مدّة يد، فإذا به ينثني راجعاً ليخرق كفّ صاحبه. فلما نظر الرجل العجب وجف قلبه وجفّ حلقه واعتراه الذهول. وإذ به، عن غير وعي، ينزع السهم من كفّه بشدّة فوقع مغشياً عليه من عظم الألم. وكتم روح الأمر. حمل أبيض ومرّت الأيام ووافى عيد القديس الشهيد ثيودوروس فكان القداس الإلهي. فلما خرج الكهنة بالقرابين. وكان روح جالساً ينظر الناس على كثرتهم ويطرب للترتيل جميلاً، إذ به يرى في صحفة القربان شكل حمل، أنصع بياضاً من الثلج، وهو على ركبتيه وفوقه حمامة بيضاء ترفرف. فلما بلغ المصلّون قولة "أبانا الذي في السموات..." ودنا وقت القربان، عاين روح بأمّ العين الحمل إياه يفصّل عضواً عضواً والكهنة يقبلون على الأسقف ليتناول كل واحد من يده قطعة. فعجب للمشهد أشدّ العجب وجعل يتفكّر في الأمر قائلاً: "سبحان الله! حقاً إن النصرانية دين شريف!". فلما تمّت شركة الناس في القدسات ورفع الشماس الصحفة فوق رأسه أبصر روح الحمل وقد عاد صحيحاً كاملاً والحمامة ترفرف عليه. وإذا انفضّ الجمع نزل روح من مجلسه وجعل يخبر الناس بما عاين شغوفاً، فعظّموا الله شاكرين وانصرفوا فرحين مسرورين. هدايته ولما حلّ المساء جعل الرجل القريشي يتفكّر في الأمر، وسهر الليل بطوله ولم يدر. ولما أذن الفجر، غمضت عيناه فأتاه القديس ثيودوروس راكباً على فرسه وأيقظه وصرخ في وجهه: "لقد آذيتني بفعلك وعبثك بهيكلي ورميك صورتي... فارجع الآن عن رأيك وآمن بالمسيح... وأقبل إلى الحياة....". ولما قال له هذا غاب عنه. فجعل روح يتأمل في ما جرى مرتعباً متعجباً حتى وقع الإيمان بالرب يسوع المسيح في قلبه ناراً. فلما أصبح ركب جواده وخرج إلى موضع يقال له "الكسوة" حيث التقى أعداداً من المؤمنين في طريقهم إلى بيت المقدس، أورشليم. فسار برفقتهم حتى بلغ القدس. ثم دخل على إيليا رئيس أساقفة أورشليم، فأخبره بجميع ما أبصر وسمع وبكلام القديس ثيودوروس. فشكر رئيس الأساقفة الرب الإله على جميل نعمانه. وطلب روح أن يعتمد، فأجابه إيليا: أنا لا أقدر أن أعمّدك يا بني لئلا نثير الوالي علينا فيحدث ما تحمد عقباه. ولكن قم إلى نهر الأردن والمسيح الإله موافيك هناك بمن يعمّدك في السر. فلما سمع كلامه تبرّك منه وانصرف لساعته إلى حيث أشار عليه. جاءته والدة الإله: وجاء روح إلى دير لوالدة الإله في الخوزيب، في منتصف الطريق إلى الأردن. هناك أدركه المساء فبات ليلته في الكنيسة. وفي نصف الليل أشرقت عليه والدة الإله، أم النور. وقفت عند رأسه وأيقظته، فصحا مبهوتاً وعاين زينة النساء قامة ولباسها البرفير ومعها امرأة أخرى ثيابها البياض. فأخذت والدة الإله بيده وقالت له: لا تحزن فإني معك! راهبان يعمّدانه وأطل الصباح، فتبرّك روح من الهيكل جذلاً مسروراً. ثم خرج من الموضع إلى ان بلغ البحر الميت حيث سأل عن أسقف دير الحور فقالوا له إنه في دير القديس يوحنا المعمدان. فسار إلى الموضع الذي اعتمد فيه الرب يسوع المسيح. وإذ براهبين سائحين في تلك البرّية يلوحان. فبادر روح إليهما وسجد عند أقدامهما وسألهما أن يعمّداه فأجاباه إلى ما سأل. فلما صعد من الماء رسما عليه إشارة الصليب وقالا له: من الآن يكون اسمك أنطونه. وألبساه الإسكيم الرهباني المقدّس. ثم أطلقاه. أنطونيوس مضطهداً وقفل أنطونيوس عائداً إلى دمشق حتى صار إلى قومه وأهل بيته وهو في زي راهب. فلما عاينوه تعجبوا منه وقالوا له: ما هذا الذي صنعته بنفسك وما هذا الثوب الذي نراه عليك!؟ فأجابهم: قد صرت نصرانياً مؤمناً بالرب يسوع المسيح. فماذا تريدون مني؟! فاستهجنوا واستعاذوا وحاججوه ساعات فلم ينفع الحجاج ولا تمكّنوا من إقناعه بالعدول عن رأيه. فقاموا وجرّروه في سوق دمشق حتى صاروا به إلى قاضيها. فلما نظره هذا الأخير قال له: ويحك روح! لم تركت دينك وقد ولدت عليه وتخلّيت عن حسبك وشرفك وصرت نصرانياً كافراً!؟ فأجابه أنطونه: هذا قليل مني لأحظى برضى سيّدي يسوع المسيح. فمر الآن بما رغبت! فلما سمع القاضي قوله ضربه وحبسه. فأقام في السجن سبعة شهور. ثم طرح في بيت مظلم مع الأحباش وقطّاع الطرق واللصوص فأقام معهم سبع عشرة ليلة يسيمونه العذاب. في رؤى الليل فلما كانت الليلة السابعة عشرة إذ بنور يشرق عليه في الليل حتى أضاء السجن كلّه وصوت يقول له: "لا تخف يا أنطونيوس! فلقد أعدّ لك الإكليل مع الشهداء والأبرار". وأخبر من كانوا معه في الحبس السجّان بما جرى فذهب وأطلع القاضي فأخرجه القاضي من السجن وحبسه مع نظرائه، من قريشيين وعرب، فكانوا يؤذونه بالمجادلة ويمطرونه بالكلام اللاذع مقبّحين عليه نصرانيته. ولما أشرف الليل على نهايته وكان الجميع نياماً، عاين أنطونه شيخين لابسين لباساً أبيض. مع أحدهما ثريا كلّها قناديل ملتهبة ومع الآخر إكليل. فأخذ الإكليل وجعله على رأسه. إلى حلب فالرقة فلما كان الصباح قام القديس فرحاً وأسرّ إلى من كانوا معه بما أبصر. إذ ذاك بعث إليه القاضي فأخرجه ونقله إلى مدينة حلب، ومن هناك ساروا به إلى الفرات حتى بلغ الرقّة فدفعوه إلى واليها، وكان اسمه هرتمة، فطرحه في السجن وضيّق عليه. أمام الرشيد ورفع الوالي قضيته إلى هارون الرشيد، فأمر بإطلاقه من الحديد وأحضره بين يديه. فلما مثل أمامه قال له الخليفة: ويحك روح الشريف! ما الذي حملك لأن تصنع بنفسك ما قد صنعت، وما هذا اللباس الذي أراه عليك؟ لعّلك محتاج إلى مال فأعطيك وأحسن إليك؟! فقط ارجع عن رأيك الوخيم هذا ولا تنخدع! فقال له المبارك: لا، حقاً، ما خدعت، بل آمنت واهتديت إلى ربي يسوع المسيح الذي أتى إلى العالم نوراً وخلاصاً لكل طالب ساع إلى رضاه، وأنا اليوم نصراني مؤمن بالآب والابن والروح القدس. فلما سمع الرشيد كلامه أمر بضرب عنقه فقال القديس: حقاً قد أعطيتني اليوم منيتي بدمي! فلما سمع الرشيد كلامه ضرب عنقه. نور الله عليه وأنهم صلبوه على شاطئ الفرات وأقاموا عليه حرّاساً لئلا يتقدم نصراني فيأخذه. وكان الحرّاس ينظرون كل ليلة ناراً تنزل من السماء وتستقر عليه وكانوا يتعجّبون من ذلك. فآمن في تلك الأيام من أجل أنطونيوس ممن أبصروا النور خلق كثير. فاتصل الخبر بالرشيد فأمر بإنزاله عن الخشبة. فأنزل ووري الثرى في موضع يقال له عمر الزيتون، قريب من الفرات بمدينة الرقّة. أما شهادته فكانت يوم عيد الميلاد بعد فراغ القداس الإلهي في سنة ألف ومائة من سني الإسكندر وثلاث وثمانين ومائة من سني العرب (800 للميلاد) ملاحظة: أخذنا هذه السيرة عن كتاب "القدّيسون المنسيّون في التراث الإنطاكي" للمؤلف. ليس ذكر القديس أنطونيوس وارداً في أي من التقويمات الراهنة، لكن سنكساراتنا القديمة تضمّنته. وقد استقينا خبره من مخطوط سينائي عربي يحمل الرقم 513 يعود إلى القرن العاشر للميلاد. لم يكن ذكره قصراً علينا، في الماضي، بل اشترك معنا في إكرامه الموارنة والسريان اليعاقبة والجيورجيون، لكنه لم يرد في أي من السنكسارات أو التقويمات اليونانية. |
|