|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أعداء الإنسان أهل بيته حقًا كان داود الملك محصورًا وسط المرّ، فمن جانب رأى ابنه وصديقه الحميم اتفقا معًا على قتله، ومدينته المحبوبة لديه صارت مركزًا للمؤامرات يسودها العنف والغش والمؤامرات في الداخل وحول أسوارها. لقد اشتهى أن تنطلق نفسه كحمامة إلى السماء، فتستريح أعماقه في أحضان الرب. هكذا أيضًا المؤمن، إذ يجد العدو الحقيقي الخطير هو أهل بيته، حين يجد اقرب من له: جسده وعواطفه وأحاسيسه تثور على نفسه، لكي تنتزع ملكوت الله من داخلها. ليس من عدو أخطر للإنسان من الإنسان نفسه، فإن لم يطلب إبادة مملكة إبليس وتحطيم سلطانه في داخل نفسه لا يتمتع بسلام المسيح ومجده الداخلي. لنهرب من أنفسنا بالالتصاق بذاك الذي يرد لنا صورتنا الأصلية، فتتناغم الروح مع الجسد، وتعمل كل الطاقات للبنيان. لنشكو للرب خاصتنا الداخلية، فيبدد الشر الذي فيها، ويحوَّلها من روح العداوة إلى روح الحب الصادق. فقد اختبر السيد المسيح ذلك، ليس من حيث جسده ومشاعره، وإنما من حيث أقربائه الذين أسلموه للموت، لكن من رجع منهم إليه بالإيمان صاروا عاملين لحسابه. لأَنَّهُ لَيْسَ عَدُوٌّ يُعَيِّرُنِي، فَأحْتَمِلَ. لَيْسَ مُبْغِضِي تَعَظَّمَ عَلَيَّ، فَاَخْتَبِئَ مِنْهُ [ع12]. بَلْ أَنْتَ إِنْسَانٌ عَدِيلِي، إلفي، وَصَدِيقِي [ع13]. في رسالة بعثها القديس جيروم إلى بولينوس أسقف نولا يشير إلى هذه العبارة، مطالبًا إياه ألاَّ يزن الإيمان. بعدد السنوات التي عاشها في الإيمان، فإن بولس الرسول الذي جاء حسب التاريخ آخر الرسل صار الأول بينهم. يهوذا الذي عاش مع المسيح سنوات وأكل معه وتعرَّف عليه خانه. [دانيال كشابٍ قضى على شيخين، وفي زهرة شبابه أدان عدم عفة الشيوخ (قصة سوسنة). إنني أكرر ألا تزن الإيمان بالسنوات، ولا تظن فيَّ أني أفضل منك لمجرد أنني قد سُجلت تحت لواء المسيح سنوات قبلك. فالرسول بولس، الإناء المختار تشَكَّل من مُضطهد، في آخر النظام الرسولي قد تأهل أن يكون الأول. فمع أنه الأخير تعب أكثر منهم جميعًا (2 كو 15: 10). قيل مرة ليهوذا: "أنت إنسان كنت تأكل معي طعامًا حلوًا، مشيري وأليفي، كنا نسير معًا في بيت الله" (راجع مز 55: 13)، مع هذا اتهمه المخلص بخيانة صديقه ومعلمه ]. الَّذِي مَعَهُ كَانَتْ تَحْلُو لَنَا الْعِشْرَةُ. إِلَى بَيْتِ اللهِ كُنَّا نَذْهَبُ فِي الْجُمْهُورِ [ع14]. من السهل أن يحتمل الإنسان الشر الصادر من عدوٍ عن ذاك الذي يصدر من صديقٍ حميمٍ. فإن الإنسان غالبًا ما يكون في حذرٍ من عدوٍ معروفٍ، لكنه يُفاجأ بالصفعة غير المتوقعة الصادرة عن صديقٍ. كان أخيتوفل هو مصدر المتاعب لداود، وهو أحد الأشخاص المقربين جدًا لدى الملك، حيث أقامه مشيرًا له وقائدًا (1 أي 27: 33)، الذي جعله نظيره. كانا يتجاذبان الحديث بعذوبة حين كانا يأكلان معًا على مائدة واحدة من طعام الملك، ويتبادلان الأفكار. اعتادا أيضًا أن يسيرا معًا في بيت الرب، وبعذوبة يتبادلان أسرارهما خفية وعلانية. بنفس الطريقة اختار السيد المسيح يهوذا الإسخريوطي تلميذًا له وصديقًا، وسلمه عملًا تدبيريًا، وجعله مع عمله الكرازي أمينًا للصندوق، وأقام معه في ذات الموضع، كما كان يشاركه طعامه حتى الفصح الأخير، حتى يبدو يهوذا أنه متفق مع المسيح في كل شيءٍ، لكنه بعد هذا كله باعه وسلمه بثلاثين من الفضة. هذا وافاه الموت، إذ شنق نفسه، وانحدرت نفسه إلى الجحيم، لأن الشر قد استقر في أعماقه! * الأذية التي تصدر ممن يتزين بالصداقة تؤلم القلب، وتكون أشد ضررًا من تلك التي تصدر عن عداوة ظاهرة... هذا القول هو نبوة واضحة عن يهوذا الإسخريوطي، وتوبيخ ربنا له. يقول له: بما أن الكتبة والفريسيين أعداء الحق ومبغضوه، فحين كنت أكلمهم وأوبخهم على محبتهم للفضة، كانوا يعيّرونني ويعِظمون عليّ كلامهم. وكنت احتملهم، لأن عداوتهم ظاهرة، وأحيانًا كنت أختفي من حسدهم. وأما أنت يا يهوذا، يا من حنوتُ عليك مع جملة تلاميذي نظير نفسي، وأقمتك مدبرًا للعالم ورئيسًا مثل سائر الرسل، وقلٌَدتك سلطانًا على طرد الشياطين وشفاء الأمراض وعمل الآيات وكنت أمينًا للصندوق، فتأكل معي بحلاوة الصداقة والمصاحبة، خاصة عند ذهابنا إلى صهيون التي هي بيت الله، باتفاق، في صحبة جميع التلاميذ ليلة العشاء السرّي. هذا القول إذًا هو نبوة واضحة عن يهوذا وتوبيخ له بروح النبوة منذ زمن بعيد. الأب أنثيموس الأورشليمي لِيَبْغَتْهُمُ الْمَوْتُ. لِيَنْحَدِرُوا إِلَى الْهَاوِيَةِ أَحْيَاءً، لأَنَّ فِي مَسَاكِنِهِمْ، فِي وَسَطِهِمْ شُرُورًا [ع15]. تنبأ المرتل عن مصير يهوذا قائلًا: "لينحدروا إلى الجحيم أحياءً"، معبرًا عن مصير نفسه بعد أن حاول إراحة ضميره، حيث أقدم على الانتحار شنقًا. كل نفس تخون سيدها، إنما تُحدر نفسها بنفسها إلى جحيم الخطية والفساد، ومحبة الشهوات الأرضية. * أسمع عن أحباء يهلكون، وتبتلعهم هاوية الأرض، أي يبتلعهم جشع الشهوات الأرضية. القديس أغسطينوس * يقول الحق: "وأما ذلك العبد الذي يعلم إرادة سيده ولا يستعد ولا يفعل بحسب إرادته فيُضرب كثيرًا... (فكل من أُعْطِي كثيرًا يُطْلب منه الكثير)" (لو 12: 47-48). كذلك يقول صاحب المزامير: "لينحدروا إلى الهاوية أحياء" (مز 55: 15)[113]. من الواضح أنه يقصد بالأحياء الذين يدركون ما يحدث لهم ويشعرون به. أما الأموات فلا يشعرون بأي شيء. الذين يجهلون الشر الذي يفعلونه ينحدرون إلى الهاوية كأموات، أما الذين يدركون الشرور ويعرفونها، فإنهم ينحدرون إلى هاوية الجحيم أحياء وهم في وعيهم وقد أدركتهم اللعنة . الأب غريغوريوس (الكبير) تنفتح السماوات أمام المتألمين ليدخلوا كما إلى عرش الله القدير، فيدركوا أن شئون البشر لا تسير بطريقة عشوائية، وإنما بتدبيرٍ إلهيٍ عجيبٍ. فالله ضابط الكل يهتم بكل ما يمس حياة الإنسان. هذا هو سرّ تعزيتنا وسط الضيق. فنردد القول: "عند كثرة همومي في داخلي، تعزياتك تلذذ نفسي" (مز 94: 19)، "لأنه كما تكثر آلام المسيح فينا، كذلك بالمسيح تكثر تعزياتنا أيضًا" (2 كو 1: 5). * حيث ذُكر في الأناجيل الثلاثة أنهم "لن يذوقوا الموت" (مت 16: 28)، في حين ذكر كُتّاب آخرون أمورًا مختلفة فيما يختص بالموت، فلن يكون خروجًا عن الموضوع أن نذكر ونفحص تلك الفقرات التي عالجت "تذوق الموت". فالمزمور يقول: "أي إنسان يحيا ولا يرى الموت؟ (مز 89: 48). وفي موضع آخر: "ليبغتهم الموت، لينحدروا إلى الهاوية أحياء" (مز 55: 15). أما إشعياء فيقول، إن الموت وقد تجبر قد ابتلعهم (إش 25: 8). وفي سفر الرؤيا ورد أن الموت والهاوية تتبعهم (رؤ 6: 8). في هذه الفقرات يبدو لي أن تذوق الموت شيء، ورؤية الموت شيء آخر. وشيء آخر أن يبغت الموت البعض. وآخر اختلف عن كل ما سبق تميز في الكلمات: إن الموت وقد تجبر ابتلعهم. ثم آخر كما جاء في الكلمات: "الموت والهاوية تتبعهم ". العلامة أوريجينوس * قال الرب عن يوحنا البشير: "إن كنت أريد أن يبقى حتى أجيء" (يو 21: 22). نحن لا نعتقد أن المقصود هنا يوحنا وحده، بل هي دعوة موجهة عامة لكثيرين. فالرب لم يستبعد موت الجسد بل موت الروح. لأنه يوجد أموات يعيشون، ويوجد أحياء قد ماتوا! مثال ذلك تلك المرأة المتنعمة التي قد ماتت وهي حيَّة (1 تي 5: 6). وكما هو مكتوب: "ليباغتهم الموت، لينحدروا إلى الهاوية أحياء" (مز 55: 15). فإنه يوجد من ينزلون الهاوية أحياء، إذ بالخطية ينزلون إلى الهاوية، ويقيمون في مكان الموت. بالحري أحياء هم أولئك الذين لم تنتهِِ حياتهم عند موت الجسد، مثل إبراهيم وإسحق ويعقوب، الذين نعرف أنهم أحياء بحسب سلطان الكلمة الإلهية، فالله: "إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب، ليس إله أموات، بل إله أحياء" (مت 22: 32). القديس أمبروسيوس |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
مزمور 83 | أعداء من كل جانب |
مزمور 37 - هلاك أعداء الله كالدخان |
بالتشكيل (مزمور 83) أعداء الشعب تحالفوا |
معنى آية: أعداء الإنسان أهل بيته |
مزمور 83 - تفسير سفر المزامير - أعداء من كل جانب |