رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أنا مثلك من مواليد القرن العشرين، لهذا لم يسعفنى الحظ بأن أشاهد على الطبيعة تلك المشاهد المثيرة فى العصور المظلمة، عندما كان الغوغاء يهاجمون «الساحرات» ويحرقوهن وسط الهتاف والتصفير، أو يسحلون العالمة هيباتيا حتى الموت فى شوارع الإسكندرية، أو يحرقون كتب الفيلسوف جوراس فى ساحات أثينا عقابا له على السفسطة.
لكن مصر -كعادتها- لا تحرمنا من شىء، فلا بد أن تلك المشاهد لم تختلف كثيرا عن مشهد القبض على الشاب ألبير عماد من منزله وسط التهليل والتكبير، وقد نشرت بوابة «الفجر» فيديو الاعتقال تحت عنوان شديد الرقىّ هو «لحظة القبض على الملحد»، وتهمة الشاب ألبير أنه نشر -كمئات الآلاف من سواه- رابط فيديو «الفيلم المسىء»، فتم اعتقاله وسط احتفال جماهيرى صاخب، قبل أن توجه إليه فى النيابة تهمة «ازدراء الأديان»، ولا نقول سوى: رحم الله سقراط. غير أن ما يلفت هنا، هذه الرغبة المتجددة فى مطالبة دول العالم بإقرار «ميثاق عالمى لحماية الأديان»، ولا أعتقد أن المطالبين بذلك الميثاق يفعلون ذلك من منطلق حرصهم على فرض احترام «بوذا» و«كريشنا» وغيرهما من الآلهة التى يتبعها نصف سكان الكرة الأرضية، وإنما هم على الأغلب الأعم، يتصورون أن قانونا كهذا إذا ما طبّق عالميا سيجرى عليه ما جرى على قانون «ازدراء الأديان» المصرى، الذى تحول بالتجربة إلى قانون «ازدراء الإسلام السنى»، إذ لا يعاقب أبدا من يسبون الكنيسة ويهينون -ويمزقون- الإنجيل ويقمعون البهائيين ويعتقلون الشيعة، لكننا على أى حال نعرف أن ذلك الميثاق العالمى المزعوم مجرد فرقعة إعلامية تكررت من قبل فى أثناء أزمة الرسوم الدنماركية، فدول العالم المتقدم، التى صعدت إلى القمر والمريخ وابتكرت الوسيط الذى أتواصل معك عبره الآن، لن تستورد قواعد حرية التعبير من دول ما زالت تستورد شطافة الحمّام، وهناك من يتذاكى، فيطالب بميثاق عالمى لاحترام «الأديان السماوية» فحسب، وهى فكرة رائعة لولا أن الإسلام دين سماوى بالنسبة لمعتنقيه فقط، فهو ليس سماويا بالنسبة للمسيحية ولا اليهودية، وكى أكون دقيقا، هناك دين وحيد يعترف بالإسلام كدين سماوى، هل تعرف ما هو؟ برافو، إنه البهائية! ومن ثم دعنا نكن أكثر صراحة: أخى المسلم، أختى المسلمة، الحق أقول لكم: إحنا ولا حاجة! أقول لكم ذلك، لأن من يريد أن يذهب إلى أى مكان، لا بد أن يعرف أولا أين هو أصلا، أين يقف فى ساحة الجغرافيا ولحظة التاريخ؟ يعرف كل من درس قليلا من الطب النفسى، أن نصف العلاج يكمن فى «إقناع المريض بأنه مريض»، هذه العبارة السابقة تبدو شيئا بسيطا لكن تحقيقها شديد الصعوبة، لأن المريض يقاوم بشراسة، مريض البارانويا -مثلا- لديه أسباب مادية ومنطقية جدا تؤكد له حجم المؤامرة عليه، مريض الوسواس القهرى سيجادلك ساعات فى ضرورة أن يتأكد من إغلاق صمّام الغاز المرة تلو المرة، إن هذا المريض وذاك لا يتكلمان من فراغ كامل، فقد يكون للأول أعداء فعلا -وكلنا كذلك- وقد يتسرب الغاز حقا فى بيت المريض الثانى فيقتله، إن دور الطبيب هنا ليس أن يقنعه بتجاهل الأعداء وإهمال صمام الغاز، بل فى إقناعه بوضع تلك المخاطر فى حجمها الطبيعى، أن يعلّمه أن المخاطرة جزء من الحياة، وأنه لا يستطيع السيطرة على الحياة لكنه يستطيع السيطرة على مخاوفه. وأنت أيضا لا تستطيع السيطرة على جميع سكان العالم فتمنعهم من توجيه الإساءات إليك، وإنما عليك أن تضع تلك الإساءات فى حجمها الطبيعى، لا أن تأخذها من مصدرها فتضخمها -كمريض الوسواس- أكثر وأكثر حتى تملأ عالمك وتفسد عليك حياتك، لأنك انشغلت بها عن عملك ومستقبلك، أما إذا وضعت الأمور فى نصابها، ثم تلفتّ حولك، ستدرك أن عليك تعويض ما فاتك فورا، الحالة لا تحتمل أى تأخير، لأنك ستتأكد مما قلته لك قبل قليل «إحنا.. ولا حاجة». ولن أدلل على هذه الحالة الصفرية بالكلام الذى فقد معناه من كثرة تكراره، على غرار ترتيبنا فى جداول الاقتصاد والصحة والبحث العلمى، أو كوننا لا نستهلك أو نستخدم شيئا من صنع يدينا، لكنى سأطلب منك أن تتخيل المشهد التالى: يستيقظ العالم فى صباح الغد فلا يجد العالم الإسلامى، اختفى المسلمون من أوزبكستان إلى المغرب، ترى، ماذا سيخسر العالم؟ (هل سينهار الإنترنت؟ هل ستتوقف ناسا؟ هل ستتعطل تويوتا؟ هل سيُلغى الأوليمبياد؟ هل ستغرق حاملات الطائرات؟ هل يتأثر البحث العلمى؟ هل سيتوقف إنتاج الأدوية؟). نحن «ولا حاجة»، ولن نكون «حاجة» إلا بالعلم، وهنا آتيك بالخبر السيئ: لا تقدم علميا دون الحرية المطلقة للرأى والتفكير والتعبير والاعتقاد، هكذا تقدّم العالم ولا توجد طريقة أخرى، هل تظن أننا يمكن أن نظفر بتلك الحرية؟ انظر من فضلك إلى ما يصنعونه بالدستور! التحرير |
19 - 09 - 2012, 03:54 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: أخى المسلم : إحنا ولا حاجة .. بقلم محمد خير
شكرا على المتابعة
|
||||
|