02 - 12 - 2012, 08:58 AM
|
|
|
† Admin Woman †
|
|
|
|
|
|
نازفة الدم
الراهب كاراس المحرقي
في وادي ظل الحياة المرصوف بالألم عاشت وحيدة تسير في ظلام الليل، وليس من رفيق سوى شبح الموت، الذى يلتهم أجسادنا، هناك على ضفاف نهر الدماء والدموع وقفت تصرخ، والحزن كالمارد ينتصب أمام عينيها، وأجنحته السوداء تخيم عليها، ويده الهائلة تجرف إلى الهاوية روحها! عاشت صباها مسجونة في كهف مظلم من سقفه تتدلى أفكار اليأس، وفى زواياه تدب حشرات الذل، ولكم أن تتخيلوا إنسانة نجسة تنزف الحياة قطرة قطرة منذ إثنتي عشـرة سنة! وفى لحظة لم تتكرر في حياتها، وبينما كان رب المجد يسوع ذاهباً لشفاء إبنة يايرس والجمع يزحمه (مر5 :12-24) علمت المرأة، فسارت بألف قدم فوق الجبال والأودية والسهول حتى وصلت إليه، ثم جاءت من خلفه ولمست هُدب ثوبه دون أن تتكلم، كأنها عرفت أن لابن الله لغة سماوية تترفع عن الأصوات التى تُحدثها ألسنة البشر!
لقد اقتحمت بسفينة إيمانها أمواج البحر التي أحاطت بيسوع قبطان حياتنا، ولما اقتربت منه كانت سفينتها مطلية بألوان صفراء كشمس المغيب، لكنها سرعان ما تحولت خضراء كقلب الربيع، وزرقاء ككبد السماء، وهكذا دخلت ميناء بلدها بفرح عظيم، وخرج الناس لملاقتها بالفرح والتهليل، فالنجسة قد تطهرت وما هو سر طهارتها؟!
لكن يسوع يرفض أن يتم شفاء المرأة سراً، لكي تنكسر العيون التي كانت في كل مكان تلاحقها، وتتضع النفوس التى كانت تهرب من ملاقتها، وبصوت تمتزج في نبراته قوة أمواج البحر ورقة النسيم، يُعلن أن قوة قد خرجت منه(مر30:5) فلما تكلم يسوع تراخت خيوط قلبها من هيبته، وأخبرته قدام الشعب لأي سبب لمسته، وكيف برئت بمجرد أن لمست هدب ثوبه، فقال لها يسوع والحب يسـيل على شفتيه الطاهرتين: " يا ابنة إيمانك قد شفاك " (مر34:5) وقد كانت هذه هى المرة الوحيدة التى يدعو فيها يسوع إمرأة إبنته!
وهكذا تحولت النكبة الخرساء إلى رواية أبدية، تُعلن عن حب الله للخطاة، والمرأة التي اغتسلت بالدماء والدموع، ها هي الآن تتعطر بالمر واللبان، أما الدماء التي نزفتها فقد جرت ماء عذب في أنهار الحياة، ودموعها التي نثرتها أنبتت على الأرض أزهاراً وأشجاراً! وقد كانت أثمارها حلوة كالشهد، عطرة كأنفاس الياسمين!
لقد عادت الحياة إلى تمثال البؤس، فرجعت المرأة إلى كهفها المظلم حيث تتراكض الأشباح المخيفة، أشباح الفكر التي لا تشفق ولا تحزن على إنسان، عادت لتحوله إلى قصر بديع فيه تنشد العصافير أنشودة شفاءها، والبلابـل ترنيمة خلاصها!
|