رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
من هم أباء الكنيسة ؟ إن لقب ”أب الكنيسة“. وللقب ”أب“ في الإيمان تاريخ طويل سواء في الكتاب المقدس أو في استخدام الكنيسة. فالقديس بولس الرسول يتكلَّم عن نفسه إلى كنيسة كورنثوس في رسالته الأولى لهم بقوله: «وإن كان لكم ربوات من المرشدين في المسيح، ولكن ليس آباء كثيرون، لأني أنا ولدتكم في المسيح يسوع بالإنجيل» (1كو 4: 15). وقد استخدم المسيحيون الأوائل لفظ ”أب“ ليطلقوه على المعلِّم، كما ذكر ذلك القديس إيرينيئوس أسقف ليون (130-200م)، والعلاَّمة كليمندس الإسكندري (150-215م)، كما لُقِّب الأساقفة باسم ”أبَّا“ كما في كنيستنا القبطية، لكن الأساقفة الذين كانوا أمناء على التعليم الإنجيلي الرسولي، وحفظوا بإخلاص وصانوا قرارات المجامع المسكونية (نيقية 325م، القسطنطينية 381م، أفسس 431م) نالوا درجة خاصة من الكرامة التعليمية باعتبارهم حفظوا وعلَّموا التعليم الأرثوذكسي خلال فترات امتحان الإيمان في هذه المجامع الثلاثة. ويقول فنسنت أسقف ليران في القرن الخامس عن الاعتبار الخاص لآباء الكنيسة معلِّمي الإيمان: [إن قامت مسألة جديدة لم يُبتّ فيها بقرار نهائي، فلابد من الرجوع إلى آراء الآباء القديسين، وعلى الأخص الآباء الذين كانوا في وحدة الشركة والإيمان، كل واحد في زمانه وموضعه. فهؤلاء اعتُمِدوا كأساتذة، حيث يجب الأخذ برأيهم إذا وُجدوا يطبِّقونه بفكر واحد واتفاق جماعي. هذا الرأي يجب اعتباره التعليم الحق والصحيح للكنيسة دون أي شك أو تردُّد](1). ويمكن الاستزادة من معرفة ”مَن هم آباء الكنيسة“ بالرجوع إلى مجلد ”دراسات في آباء الكنيسة“ - إعداد أحد رهبان برية القديس مقاريوس، الطبعة الثانية: فبراير 2000، المقدمات من ص 13-40. مقاييس شخصية مَن هو جدير بلقب ”أب“ الكنيسة: أجمع علماء الآبائيات على 4 مقاييس أساسية لتحديد لقب ”أب“ لشخصيات الكنيسة: 1. القِدَم: كلمة ”الأب“ ويشتق منها التعبيرات ”آبائي Patristic“، و”علم الآباء Patrology“، و”عالم آبائي Patrologist“؛ تنطبق على الشخصية المرتبطة بالزمن القديم. ويبدأ ”العصر الآبائي“ برسالة القديس كليمندس الروماني الأولى (سنة 60م)، وتنتهي في الشرق بالقديس كيرلس الإسكندري (تنيح سنة 444م)؛ (أما عند الكنائس الأرثوذكسية الخلقيدونية التي تعترف بمجمع خلقيدونية فتنتهي بالقديس يوحنا الدمشقي المتنيح سنة 750م). لكن بعض العلماء يحدِّدون نهاية هذا العصر بمجمع أفسس سنة 431م، ومجمع خلقيدونية سنة 451م. 2. قداسة السيرة: السمة الثانية هي قداسة السيرة، وهي تميِّز أب الكنيسة. ولا يمنع هذا من وجود بعض مظاهر الضعف البشري في سيرة البعض منهم. لكن ما كان يدفع آباء الكنيسة الغيرة على الأمانة لله وللاستعلان الإلهي. لذلك، كثيراً ما كانت تُستعلن هذه الغيرة من خلال قوتهم كما من خلال ضعفهم. لقد كان لدى الآباء الكثير الذي يُعلِّموننا به عن مخافة الله، وبذل الذات، واليقظة الروحية لخداع النفس، والعبادة، والوقار، والصلاة، والدراسة الدؤوب لكلمة الله وتعاليم الأقدمين، وحياة التأمُّل. وتُعتبر إسهاماتهم في الأدب المسيحي مراجع ليس للكنيسة الأرثوذكسية فقط، بل للكنائس الغربية أيضاً، مما يُعطي الرجاء في قيام وحدة مسيحية حول الإيمان الصحيح والتعليم الحق يوماً ما. وقد ترجع بعض الخشونة في سلوك بعضهم إلى غيرة مع عدم مساومة على صحة الإيمان في عصورهم التي اتَّسمت بعنف الهراطقة وخداع التعاليم المضلَّة وكثرتها. لكن قلوبهم كانت مشتعلة بحب الإنجيل. لقد عاشوا يتنفَّسون كلمة الله، وبعضهم بذل حياته من أجل المسيح. لقد كانوا دارسين، وعلماء قديرين، وقديسين أفذاذاً. 3. التعليم الأرثوذكسي: ولابد أن يكون التراث الذي تركه ”أب“ الكنيسة، سواء كان كثيراً أم قليلاً، متفقاً في التعليم مع الوحي الإلهي في الكتاب المقدس، والتسليم الرسولي، محفوظاً داخل حدود التعليم الصحيح، متحاشياً الهرطقات والتعاليم المستحدثة على مدى الأجيال. ولأن معظم آباء الكنيسة كانوا من الأساقفة، أي رعاة كنائسهم، لذلك أتت كتاباتهم اللاهوتية وتفاسيرهم للكتاب المقدس تحمل الطابع الرعوي العملي. فالتعليم عن الثالوث الأقدس والتجسُّد كان تعليماً عملياً يعكس محبة الله للبشر ورحمته وحنانه على خليقته. لهذا تحوَّلت تعاليمهم إلى صلوات وليتورجيات وتسبحات يشكر فيها الشعب محبةَ الله وحنانه. ولذلك كان تعليمهم إشباعاً للاحتياجات الرعوية لشعبهم، فخدمتهم التعليمية لم تكن منفصلة بل مرتبطة بالكنيسة نفسها. ولذلك أيضاً، فإن كتاباتهم وسِيَر حياتهم يمكن أن تساعدنا لنفهم أنفسنا كمسيحيين، ولماذا نؤمن ونسلك مسيحيتنا كأعضاء في جسد المسيح. فإذا كنا دارسين وقارئين لكتابات الآباء، فسيكون وقع تعليمهم اللاهوتي وتفاسيرهم على آذاننا وقلوبنا حسناً ومريحاً، إذ أننا متأسِّسون على أساس الآباء. أما إذا كنا بعيدين عن تعليم الآباء بسبب ابتعاد معلِّمينا عن تزويدنا بتعليمهم، فإذا قرأنا أو سمعنا أقوال الآباء فسنكون كمَن ينصت إلى لغة غريبة عن أسماعنا، ومفاهيم غير مستساغة لعقولنا، ذلك لأننا أقل اتصالاً وارتباطاً بحياة الآباء وتعليمهم. وكما قلنا، فإن الآباء يُعلِّموننا أن نفهم جذورنا الإيمانية. ولأن التعليم اللاهوتي لم يكن مهنة في العصور الأولى، بل كان مرتبطاً بالرعاية وخدمة النفوس؛ لذلك، فكان في جوهره اختباراً عملياً، ولم يكن يسير على نمط النظريات الرياضية والمفاهيم المنطقية الفلسفية بطريقة: بما أن...، إذن؛ أو كيف يكون هذا؟ أو هل من المنطقي أو من المعقول أن يكون هذا... إلخ؟ 4. قبول الكنيسة واعتمادها لهم ولكتاباتهم: فالكنيسة تعتبر إيَّاهم في مركز ومقام ”الأب“. وهؤلاء الآباء كانوا أولاً أبناء للكنيسة ورجال التقليد فيها قبل أن يصبحوا آباءً. فالكنيسة ربَّتهم ونشَّأتهم على الإيمان الصحيح وعلى التقليد، فدرسوهما جيداً ومارسوهما في سيرة طاهرة نقية، ثم نالوا نعمة وموهبة التعبير الصحيح عن الإيمان، فقدَّموه بدورهم للكنيسة في خدمة نشطة وذكاء متَّقد وعلم مسيحي أصيل ومعرفة نقية حسب الحق، وفكر خصب ساهم في تجديد الصورة الإيمانية وتثبيتها في مواجهة البدع والهرطقات التي حاربت الكنيسة قروناً عديدة. ومن حسن الحظ، أن الكنيسة في العصور الأولى، كان على رأسها آباء علماء قديسون ودقيقون في معرفة الإيمان، فلم يخفقوا في اكتشاف المواهب التعليمية في علماء كنيستهم، فأخرجوا لنا عدداً هائلاً من الآباء المعلِّمين نقلوا إلينا الإيمان في صورته الصحيحة. وقد زاد آباء الكنيسة الشرقية في مقاييس كفاءاتهم عن المقاييس الأربعة السالفة الذكر، أنهم كانوا: - ذوي شهرة أوسع بين آباء عصرهم في عمق تعلُّمهم وقدرتهم على التعبير عن الإيمان الصحيح وشرحه، - وكانوا نابغين في التعبير الواضح عن الكنيسة. Top of Form Bottom of Form "أب" في الحضارة المسيحيةالقديمة في العهد القديم كان إيمان شعب الله يقوم على إيمان "الآباء"، وكان الله يُدعى "إلهُ الآباء" (خر3 / 15). في الديانة اليهودية كان الاعتراف بقيمة الآباء مهماً وقد امتدح الشعب هذه الشخصيات الأساسية في تاريخ الخلاص واعتبرها مثالاً يحتذى في الإيمان (سي 44 ـ 50). إلى جانب هذا كانت كلمة أب تُطلَق على المعلِّمين، كالأنبياء مثلاً الذين كانوا بمثابةِ آباء لتلاميذهم، فنجد تعبير "أبناء الأنبياء" (1مل20 / 35). نجد ذات الشيء في الأدب الحكمي، حيث توصف العلاقة معلم / تلميذ كعلاقة أب / ابن (مثل1 / 8؛ 3 / 1). أيضاً في العهد الجديد نجد استعمال مماثل لكلمة "أب" (لو1 / 55. 72؛ عب1 / 1). يَظهر أن يسوع يفضِّل استعمال هذه التسمية فقط بالنسبة للآب السماوي (مت23 / 9)، مع ذلك نجد أن بولس الرسول يستعملها للحديث عن علاقة الإيمان، حيث يدعو إبراهيم أبا المؤمنين (رو4 / 16)، ويرى أن التبشير بالإنجيل يولد علاقة أبوية بين المبشِّر والكنيسة (غل4 / 9؛ 1كو4 / 14 ـ 15؛ فيل10). لذا علينا أن نفهم وصية يسوع لا بشكل حرفي بل بشكل روحي، إذ أنه في الحقيقة لنا أب واحد هو الله. مما يؤكد هذا الاتجاه استعمال العهد الجديد ذاته لكلمة آباء للدلالة على الجيل الأول من المسيحيين (2بط3 / 4). استمر الآباء الرسوليون في استعمال هذه الكلمة للدلالة على بطاركة العهد القديم. لكن نجد باكراً استعمال كلمة أب للدلالة على الأسقف. الشهادة الأولى تأتينا بشأن ، فقد دعاهُ الوثنيون "معلم آسيا وأب المسيحيين". في عام 177 م يتوجّه مسيحيّو فيينّا وليون في غالية إلى أسقف روما الِوْثيرُس داعينه "أباً". هذه التسمية التي أُطلِقَت على أساقفة الكراسي الرئيسية، تحولت منذ القرن السابع الميلادي إلى تسمية تخص أسقف روما. استعمال كلمة "أب" بالمعنى العقائدي في القرنين الرابع والخامس الميلادي، عندما اشتدت حدة الخلافات العقائدية، أصبحت تسمية أب تُطلَق على أولئك الأساقفة المستقيمي الإيمان. خصوصاً في (325 م)، حيث دعيَ أساقفة المجمع آباءً، ومن ثمَّ أصبحت هذه التسمية تُميِّز الأساقفة المستقيمي الإيمان عن الهراطقة. يتكلَّم القديس عن المبادئ التي تسمح لنا بأن نميِّز السلطان التعليمي لأحد الآباء: المبدأ الأساسي هو تطابق تعليمه مع الكتاب المقدس بحسب تأويل الكنيسة. الكتاب المقدس ـ يقول أغسطينوس ـ هو كنزٌ مفتاحهُ هو قاعدة إيمان الكنيسة. فالآباء يعلّمون الكنيسة ما تعلّموا في الكنيسة. توضَّحت هذه الأفكار عبر الزمن حتى ظهرت في القرن الخامس أربع ميِّزات لآباء الكنيسة: يُدعى أباً للكنيسة من كان إيمانهُ مستقيماً، سالكاً بقداسة الحياة، حائزاً على مصادقة الكنيسة ومنتمياً إلى جيل القدماء. مكانة الآباء في الكنيسة في تقليد الكنيسة الحي والمقدس، المُستمر منذ تأسيس الكنيسة حتى أيامنا هذه، يحتل آباء الكنيسة مكانة خاصة، تجعلهم يتميَّزون عن أي شخصية أخرى في تاريخ الكنيسة. فالآباء هم أول من وضعوا الخطوط العريضة لبنية الكنيسة، التنظيمية، العقائدية والرعوية، وما قدَّموه يحتفظ بقيمتهِ بشكل دائم. من الآباء لدينا قانون الكتاب المقدس،، قوانين الحياة الكنسيّة، أوائل الخلاصات اللاهوتية والتعليمية، أضف إلى ذلك التأملات في الحياة الروحية، الزهدية والصوفية. لهذا فإن سلطان تعليمهم في الأمور اللاهوتية يبقى فريداً في تاريخ الكنيسة. على أننا يجب أن نبقى يقظين لئلا نجعل من "لاهوت الآباء" عبارة جامدة، يمكنها أن تختصر كل الخبرات والآراء المتنوّعة في مسيرة واحدة، فالبحث اللاهوتي كان مايزال في بداياتهِ، كما أن المواقف الرسمية للكنيسة من بعض الأمور العقائدية قد نضجت مع الزمن، لهذا ففي دراسة الآباء علينا أن نحذر تبسيط الأمور، وألا يكون استشهادنا بأقوالهم عفوياً خالياً من الموضوعية والدراسة النقدية للمحيط الزمني والمكاني الذي عاشوا فيهِ. آباء الكنيسة وحضارة زمنهم الكنيسة ومنذ بدايتها تعلَّمت أن تعلن رسالة المسيح بإستعمالها لغة العصر الذي وُجِدَت فيهِ. وقد اجتهدت أن تترجم بلغة الفلسفة والحكمة، الحقيقة الإلهية الموحاة في شخص يسوع المسيح، كيما تكون قريبة من لغة العقل والمنطق، واثقة بأن المنطق لا يخالف الإيمان، حتى لو أن هذا الأخير يتجاوز حدود المنطق. إن آباء الكنيسة وقد كانوا واعين للقيمة الشمولية للوحي الإلهي، قد شرعوا بما ندعوه اليوم بالإنثقاف، أي ترجمة الإيمان بلغة العصر. هذا التعبير قبل أن يكون "برنامج عمل" هو حقيقة المسيحية ذاتها، التي نشأت بتجسُّد كلمة الله، فكان عليها هي أيضاً أن "تتجسَّد" في حضارات الشعوب كي تجعل الله حاضراً فيها، عن طريق بشارة الخلاص. كانت هذه قناعة المسيحيين منذ البداية: "... صِرتُ لِليَهودِ كاليَهودِيّ لأَربَحَ اليَهود، ولِلَّذينَ هم في حُكْمِ الشَّريعةِ كالَّذي في حُكْمِ الشَّريعة [...] لأَربَحَ الَّذينَ في حُكْمِ الشَّريعة، وصِرتُ لِلَّذينَ لَيسَ لَهم شَريعة كالَّذي لَيسَ لَه شَريعة [...] لأَربَحَ الَّذينَ لَيسَ لَهم شَريعة [...]، وصِرتُ لِلضُّعَفاءَ ضَعيفًا لأَربَحَ الضُّعَفاء، وصِرتُ لِلنَّاسِ كُلِّهِم كُلَّ شَيء لأَُخَلِّصَ بَعضَهُم مَهْما يَكُنِ الأَمْر. وأَفعَلُ هذا كُلَّه في سَبيلِ البِشارة." (1كو 9 / 19 ـ 23). ومع أن هذا الأمر رافق كل تاريخ الكنيسة (بدرجات متفاوتة)، إلا أنه يُعتَبَر مرتبطاً بشكل خاص بالآباء، الذين عاشوا في ظل الحضارة الهلّينية، فأيقنوا وجوب ترجمة البشارة بحسب الأشكال الفكرية السائدة في ذاك الوقت. البعض سمّى هذه الظاهرة "تهلُّن المسيحية"، إلا أن الحقيقة كانت "تمسحُن الهلّينية"، حيث نجح الآباء في اختراق وتعميد العالم الوثني وفلسفتهِ، بالرغم من كل المحاولات التي أرادت أن تحوِّل المسيحية إلى شكل من أشكال الفلسفة اليونانية، والتي ظهرت عن طريق هرطقات، لم ينجح أصحابها في تبنّي أشكال فكرية جديدة مطابقة للوحي المسيحي بكل ما فيهِ من تجديد. لقد برع الآباء في تمييز ماهو صالح وخادم لرسالة الإنجيل في العالم الوثني فاعتمدوه واستخدموه (على سبيل المثال فكرة الله الواحد في الفلسفة الأفلاطونية)، عمّا هو طالح ومتناقض مع الوحي، فشجبوه. بهذا كان الآباء ومازالوا مثالاً ومنارة للكنيسة، في اللقاء المثمر بين الإيمان والحضارة، بين الإيمان والمنطق. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
الصوم عند آباء الكنيسة |
من هم آباء الكنيسة الأوائل؟ |
كتاب التربية عند آباء البرية | آباء الكنيسة كمربين القمص أثناسيوس فهمي جورج |
الحزن حسب أباء الكنيسة |
آباء الكنيسة |