|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الصليب: جمال وعمق الحبّ الإلهي أنا متى أرتفعت أجذب الناس إليّ قال الرب يسوع في أنجيل يوحنا: "وأنا، متى أرتفعت، أجذب الناس أليّ" (يوحنا 12: 32) يمثل أطاراً لمعنى الصليب كرسالة ورمكز الحياة. نريد أن نرى يسوع يروي لنا انجيل يوحنا أن بعض "اليونانيين" الصاعدين الى اورشليم أرادوا أن "يروا يسوع" (يو 12: 21). من المحتمل أن يكون هؤلاء قد أعجبوا بالديانة اليهودية، كما يصفهم لوقا: "بعض اليونانيين الذين يعبدون الله" (أعمال 17: 4). رغبتهم بمعرفة يسوع تتعدى كونها فضول ولهذا لا تكفيها الرؤية الظاهرية، بل هي شوق ورغبة عميقة في معرفة يسوع والايمان به. فعل "رأى" في انجيل يوحنا هو فعل يساوي المعرفة: الرؤية تذهب الى ما وراء الظاهر لتصل الى عمق الشيء. فهم يرغبون بالتعرف على يسوع وهويته الحقيقية. هم يمثلون البشرية جمعاء، أو الأمم كافة، الذين سيؤمنون بيسوع وبانجيله. الجواب على بحثهم ورغبتهم هذه هو "الصليب". يقوم يسوع بذلك تحت أربعة أشكال: مثل الحبة التي تقع في الأرض وتموت لتُعطي ثمرا (12: 24)؛ والموت عن الذات في اتباعه (12: 25-26)، والآلام التي سيعاني منها يسوع (12: 27-28)؛ وأخيرا أعلان صريح عن الصليب (12: 32). الصليب - موت وحياة، سقوط وانتصار – يمثل نقطة المرتكز في معرفة يسوع وهويته: "مَنْ هذا؟" لا يوجد شكل أخر للكلام عن يسوع أو فهم شخصه، إذا لم يكن الصليب. والصليب هو الطريق الوحيد للتلمذة. متى ارتفعت موت يسوع هو الارتفاع (12: 33). الارتفاع على خشبة الصليب يكشف شكل الموت (الارتفاع عن الارض) ويكشف ايضا الارتفاع نحو الله. فالارتفاع على الصليب معناه مزدوج: فاذا نظرت إليه من تحت ستشاهد المصلوب الذي كله قيامة، وإذا نظرت له من الاعلى فستشاهد القائم الذي يحمل سمات المصلوب. الارتفاع هو مصدر جذب للآخر! كيف يمكن للصليب ان يكون مصدر جذب اذا لم يكن عالياً؟ وكيف يمكن أن يكون مصدر جذب اذا لم يكشف حقيقة المائت عليه. أجذب الناس إليّ يجذب يسوع الجميع. حبّه شامل جامع. في انجيل يوحنا نقرأ ان موت يسوع هو من أجل الجميع: "لا فدى الأمة فقط، بل يموت ليجمع شمل ابناء الله" (يوحنا 11: 52). الصليب هو حقيقة شمولية جامعة للناس. فالصليب في بدايته يبدد الناس والتلاميذ ولكن متى ما تمّ فهمه واستيعاب معناه فأنه سيوحّد الناس جميعاً. وحدة بين البشر ووحدة مع يسوع. الوحدة مع يسوع هي التي تبني الوحدة مع بعضهم البعض. الجميع متوحدون حول الشخص نفسه. يسوع يبني الكنيسة. قوة الجذب الموجودة في الصليب ليست قوة ضاغطة وعنيفة، بل قوة تجذب بواسطة التعجب والاندهاش. الصليب يجذب كاشفاً نفسه، كاشفا الحبّ. هذا الكشف هو عبارة عن منهج أو طريقة أو منطق. فالشيء الجاذب في الصليب هو الجمال والعمق في الحبّ الذي ينكشف في وجه الله: انه جمال عطاء الذات والفداء والامانة في المحبة. وجه الله الذي يموت من أجل الانسان وليس العكس. انقلاب يجعلنا مندهشين. الاندهاش أمام الحبّ الذي هو حبّ يبدو مهزوماً ولكنه منتصر، لانه الطريقة الوحيدة للانتصار على الموت. هذه الحقيقة التي يبحث عنها الانسان منذ أن وجد. إنها قوة جذب داخلية لا خارجية! في الصليب نعرف ان محبة الله لم تخلصنا من الخارج، بل من الداخل، مرورا بتاريخ الحبّ البشري. الحبان، حبّ الله وحبّ البشر، يسكنان الواحد الآخر في الصليب. الصليب المرفوع يسكن في قلب الانسان، والانسان يسكن في الصليب. يعرف الانسان انه خلق بالحبّ ومن أجل الحبّ. ولكنه يعرف أيضا ان حقيقة الحبّ هي الحقيقة الاكثر هشاشة وضعف في تاريخ وحياة الانسان. فالحبّ في كثير من الاحيان هو حبّ مهزوم وفاشل. هناك شد عجيب بين قوة الحبّ وضعفه، وهذا الشد يجد قوته في الصليب المرتفع. مجانية الحبّ على الصليب ترافقها هشاشته وضعفه. الصليب هو الحبّ المرفوض ولكنه ايضا الحبّ المنتصر والقائم. الصليب هو رسالتنا وجوهر وجودنا كافراد وككنسية. يجب أن نظهره للعالم. كيف نظهره؟ استشهد بثلاثة نصوص من انجيل يوحنا: حياة الخدمة التي تتجلى في غسل ارجل التلاميذ (يوحنا 13: 1-20)؛ ومحبة خالصة وصادقة للآخر تتجلى في وصية المحبة (13: 34-35)؛ وحياة مختلفة عن العالم تكشف المجانية والشمولية في الحبّ (يوحنا 17: 16). |
|