رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
فيض الروح القدس والكنيسة: 8 وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ مِيَاهًا حَيَّةً تَخْرُجُ مِنْ أُورُشَلِيمَ نِصْفُهَا إِلَى الْبَحْرِ الشَّرْقِيِّ، وَنِصْفُهَا إِلَى الْبَحْرِ الْغَرْبِيِّ. فِي الصَّيْفِ وَفِي الْخَرِيفِ تَكُونُ. 9 وَيَكُونُ الرَّبُّ مَلِكًا عَلَى كُلِّ الأَرْضِ. فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ الرَّبُّ وَحْدَهُ وَاسْمُهُ وَحْدَهُ. 10 وَتَتَحَوَّلُ الأَرْضُ كُلُّهَا كَالْعَرَبَةِ مِنْ جَبْعَ إِلَى رِمُّونَ جَنُوبَ أُورُشَلِيمَ. وَتَرْتَفِعُ وَتُعْمَرُ فِي مَكَانِهَا، مِنْ بَابِ بِنْيَامِينَ إِلَى مَكَانِ الْبَابِ الأَوَّلِ، إِلَى بَابِ الزَّوَايَا، وَمِنْ بُرْجِ حَنَنْئِيلَ إِلَى مَعَاصِرِ الْمَلِكِ. 11 فَيَسْكُنُونَ فِيهَا وَلاَ يَكُونُ بَعْدُ لَعْنٌ. فَتُعْمَرُ أُورُشَلِيمُ بِالأَمْنِ. "ويكون في ذلك اليوم أن مياهًا حية تخرج من أورشليم نصفها إلى البحر الشرقي ونصفها إلى البحر الغربي، وفي الصيف وفي الخريف تكون" [8]. ما هذه المياه إلاَّ مياه الروح القدس التي ارتبطت بالصليب؟! ففي دراستنا لسفر حزقيال (حز 47) ارتبطت المياه بالمذبح، أي بذبيحة الصليب. والآن إذ يتحدث عن الصليب كيوم معروف يشغل ذهن الله خلاله تفجرت ينبايع الروح القدس خارجة من أورشليم حيث الرسل إلى البحر الشرقي والبحر الغربي أي إلى الأمم في المشارق والمغارب. وقد جاء في الترجمة السبعنية: "البحر السابق والبحر اللاحق"، أي للعمل في حياة اليهود الذين سبقوا فتمتعوا بالشريعة ثم في حياة الأمم. هكذا انفتح الباب بالفيض على البشرية كلها كقول الرب: "ويكون بعد ذلك إني أسكب روحي على كل البشر" (يؤ 2: 28)، بهذا يتمجد اسم الله في الكل. يرى القديس ديديموس أن هذه المياه الحية الصادرة من أورشليم لتصب في البحرين الشرقي والغربي إنما هي الشريعة الروحية أو المعرفة الإلهية أو الحب الإلهي الأمور التي تفيض في الكنيسة -أورشليم العليا- لتعمل في العلم لأجل تقديسه، إذ يقول: [تبلورت هذه الفكرة عن تفسيرنا: "لا يسوؤون ولا يفسدون في كل جبل قدسي لأن الأرض تمتلئ من معرفة الرب كما تغطي المياه البحر" (إش 11: 9)، تمتلئ من الحب الإلهي الذي من الله، يفيض على المختارين فيستر كثرة من الخطايا (يع 5: 20)، تغطي الأفعال الشريرة فلا يبقي منها شيء، هكذا معرفة الرب هي ماء يغطي البحر ويحوله إلى مياه عذبة ونقية]. يمكننا القول أن نفوسنا قد صارت بحرًا شرقيًا مضروبًا بالبر الذاتي (الضربة اليمينة) أو بحرًا غربيًا مضروبًا بالضربات الشمالية؛ فنحن في حاجة إلى عمل الروح القدس فينا لينزع عنا ملوحة مياهنا الذاتية وملوحة مياه الشر إلى عذوبة النهر المقدس الذي يفرح مدينة الله. خلال هذه المياه الجديدة العذبة أي فيض الروح القدس يملك الله على الكنيسة الممتدة في المسكونة، إذ يقول: "ويكون الرب ملكًا على الأرض، في ذلك اليوم يكون الرب وحده وإسمه وحده" [9]... إنه يملك لا على اليهود وحدهم بل وعلى الأمم القادمين إلى الرب وكما يقول القديس ديديموس: [قبلًا كان هناك فرق بين البحرين الشرقي والغربي، أي بين اليهود واليونانيين. لا يعترف الكل بوحدانية الله، إذ يعتقد الوثنين بوجود آلهة كثيرة، أما اليهود فلهم إله واحد، ولكن إذ جاء الإنجيل انتشرت معرفة الخالق الواحد الوحيد لدى الجميع. يكتب بولس: "أم الله لليهود فقط، أليس للأمم أيضًا؟! بل للأمم أيضًا، لأن الله واحد، هو الذي سيبرر الختان بالإيمان والغرلة بالإيمان" (رو 3: 29)... يكون الرب وحده في ذلك اليوم الذي صنعه الرب (مز 117: 24). حيث تشرق شمس البر (ملا 3: 20)، ويكون اسمه وحده أيضًا، لأنه إذ يتحد كل البشر في الفكر والتقوى التي بلا عيب يكون لهم اسم واحد يدل على الله. بهذا يتحقق قول المزمور: "ما أعجب اسمك القدوس على الأرض كلها؟!" (مز 8: 1)، وأيضًا: "عظمت اسمك القدوس على الأرض" (مز 137: 2)... وبهذا تتحقق الطلبة المقدمة لله: "ليتقدس اسمك"]... يكمل النبي حديثه قائلًا: "وتتحول الأرض كلها كالعربة من جبع إلى رمون جنوب أورشليم، وترتفع وتغمر في مكانها من باب بنيامين إلى مكان الباب الأول إلى باب الزوايا، ومن برج حننئيل إلى معاصر الملك، فيسكنون فيها ولا يكون بعد لعن فتُعمر أورشليم بالأمن" [10-11]. بهذه العبارات يكشف عن أبعاد الكنيسة التي يعمل فيها الروح القدس كمياه حيَّة تفيض خلال الصليب ليتمجد اسم الله وحده على الأرض، والتي يمكن تلخيصها في الآتي: أولًا: يقول: "وتتحول الأرض كلها كالعربة من جبع إلى رمون جنوب أورشليم"، ولم كانت "جبع" عند القديس ديديموس تعني "شهادة"، و"رمون" تعني "مكان مرتفع أو عالٍ"، ففي رأيه أن معرفة الرب التي تفيض بها الكنيسة أبعادها هي الشهادة للرب بالروح العلوي (السماوي). يمكننا القول أن الكنيسة التي تفيض فيها مياه الروح القدس تمتد في حياة البشرية من جبع أي من الشهادة لله في المسيح يسوع بكونه بر الله العامل فينا لينطلق بنا إلى رمون أي يدخل بنا إلى الحياة المرتفعة العالية. أما كون رمون جنوب أورشليم، فكما سبق فرأينا أن ريح الجنوب حارة تلهب أورشليمنا بالروح الذي لا يبرد ولا يفتر. ثانيًا: "ترتفع وتغمر في مكانها" [10]. إذ ترتفع النفس إلى رمون يليق بنا ألاَّ تتوقف عن الارتفاع وكما يقول القديس ديديموس: [تحمل قوة علوية لترتفع ولا تهبط، إذ يليق بالذين بلغوا الهدف ووصلوا إلى الكمال عينه خلال الجهاد أن يثبتوا في القداسة]. ثالثًا: "من باب بنيامين إلى مكان الباب الأول إلى باب الزوايا" [10]. تنطلق الكنيسة الحية من باب بنيامين، أي باب ابن اليمين، فتكون كعريسها الجالس عن يمين العظمة، ليس لها أعضاء عن اليسار بل كلهم أبناء اليمين، أي ورثة المجد. تنطلق الكنيسة إلى باب الزوايا فتكون كالسيد حجر الزاوية الذي رفضه البناؤن (مز 117: 22؛ إش 28: 16؛ أف 2: 20؛ 1 بط 2: 6)، ولقد ربط اليهود مع الأمم في بناء متكامل. هكذا الكنيسة كعريسها تربط الكل معًا بالروح القدس ليكون مقدسًا واحدًا للرب. إذن، لندخل من باب بنيامين الذي يدعى "الباب الأول" الذي لا يدخله إلاَّ المختفي في السيد المسيح، القائل بدالة وقوة: "افتحوا ليّ أبواب البر، أدخل فيها وأحمد الرب" (مز 117: 49)، "هذا الباب للرب، الصديقون يدخلون فيه" (مز 117: 20). لندخل هذا الباب ونرتبط بحجر الزاوية المرذول من الناس والممجد من الله، ولا نكن كالمرائين الذين لا يدخلون الباب السماوي بل يقفون في الزوايا يطيلون الصلوات لأجل طلب مديح الناس. رابعًا: "من برج حننئيل إلى معاصر الملك" [10]، إن كانت كلمة "حننئيل" في العبرية تعني "الله تحنن أو أنعم"؛ وهو برج قرب باب الضأن وبرج المئة كما بتجديده نحميا (نح 3: 1؛ 12: 39)، وإن كانت معاصر الملك تُشير إلى بيت الخمر الروحي (نش 2: 4) الذي يرمز للفرح الداخلي، فإن كنيسة العهد الجديد تتسم ببرج "نعمة الله المجانية"، والذي تحدث عنه السيد مع تلاميذه قائلًا: "من منكم وهو يُريد أن يبني برجًا لا يجلس أولًا ويحسب النفقة، هل عنده ما يلزم لكماله، لئلا يضع الأساس ولا يقدر أن يكمل، فيبتدأ جميع الناظرين يهزأون به" (لو 14: 28-29). هكذا يبدأ الإنسان حياته الكنسية بعمل حساب النفقة: هل لديه الإيمان بنعمة الله المجانية؟ هل يستطيع أن ينعم بالبرج الإلهي الفائق حتى يستطيع التحصن فيه، قائلًا: "لأنك كنت ملجأ ليّ، برج قوة من وجه العدو، لأسكنن في مسكنك إلى الدهور، أحتمي بستر جناحيك" (مز 61: 3-4). خلال هذا البرج ينطلق المؤمن إلى معاصر الملك أي إلى بيت الخمر ليعتصر مع الرب الذي اجتاز المعصرة لينعم بفرح الروح القدس! خامسًا: "فيسكنون فيها ولا يكون بعد لعن، فتعمر أورشليم بالأمن" [11]. عوض الخراب الذي حلّ بالنفس بسبب الخطية تمتلئ مجدًا وحياة، فتكون عامرة لا بالناس فحسب وإنما بالله نفسه الذي يقدسها فتتسع بحب البشرية كلها، وهكذا تخرج من حالة الخراب الكئيب إلى حالة الملء بنعمة الله وحب القريب والشعور بالسلام الفائق والأمن الداخلي. |
|