رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
يا ليت لي جناحيّ حمامة فَقُلْتُ: لَيْتَ لِي جَنَاحًا كَالْحَمَامَةِ، فَأَطِيرَ وَأستريح! [ع6]. كيف يمكنني أن أحتمل مضايقة العدو لي، دون أن تتسلل الكراهية إلى قلبي؟ يطلب المرتل عمل الروح القدس فيه، فيصير كحمامة يطير ويستريح في حضن الآب، حيث يتمتع بالحب الذي لا يعرف الكراهية [ع6]. لماذا اشتهي داود النبي أن يكون له جناحا حمامة، إلاَّ ليطير نحو السماء، ويستقر ويستريح في حضن الله. هكذا يشتهي رجال الله في كل العصور أن يحملهم روح الله القدوس، ويطير بهم من وادي الدموع إلى الأحضان الإلهية. هناك يتمتع الإنسان لا بالراحة من محاربات العدو ومكائد الأشرار، وإنما بالأكثر يجد راحته في التعرف على الأسرار الإلهية المُفرحة والمشبعة للنفس. لماذا اختار الحمامة؟ 1. لأنها ترمز إلى الروح القدس، الذي من عمله أن يجدد طبيعتنا، لتصير كسحابةٍ نقيةٍ طاهرةٍ وخفيفةٍ، قادرة أن ترتفع إلى السماء. يعلق العلامة أوريجينوس على الكلمات: "عيناك حمامتان" (نش 1: 15) بقوله: [من المؤكد أن مقارنة عينيها بالحمام, عائد إلى أنها الآن تفهم المكتوب الإلهي, ليس بحسب الحرف بل وفقًا للروح. وتدرك فيه أسرارًا روحانية. فالحمامة رمز للروح القدس (مت 3: 16). يتحقق فهم الناموس والأنبياء بالمعنى الروحاني بأن يكون لنا أعين الحمام... النفس التي مثل هذه, تصبو في المزمور أن يُعطى لها جناحا حمامة (مز 68: 14) , حتى تصير لها القدرة أن تطير عاليًا في فهمها للأسرار الروحانية. وأن تربض في أروقة الحكمة.] 2. تشير الحمامة إلى البساطة كما إلى السلام، حيث عادت إلى فلك نوح تحمل غصن زيتون، إشارة إلى انتهاء الطوفان، وعودة الحياة إلى الأرض الجديدة. 3. عُرفت الحمامة بعدم معاناتها من الضغينة حتى نحو الذي يأخذون صغارها. 4. يقول القديس أغسطينوس مادحًا نزاع الحمام، قائلًا إنها تنقر بعضها البعض إلى الحين ليعود فيأكل معًا ويطير معًا في انسجام. 5. تشير الحمامة إلى الطهارة، إذ لا تحتمل رائحة العفونة، ولا تأكل من القاذورات مثل الغربان وغيرها. في رسالة بعث بها القديس جيروم إلى سالفينا -من القصر الإمبراطوري- يعزيها في زوجها نيبريدوس Nebridius كتب عنه: [تعلمنا كيف يمكن للجمل أن يعبر من ثقب إبرة، وكيف يمكن لحيوان به حدبه (سنام) على ظهره عندما يلقي بالأحمال التي عليه يمكنه أن يأخذ لنفسه جناحيّ حمامة، ويستريح في أغصان شجرة نمت من حبة خردل (مت 13: 31-32)]. وفي رسالة بعثها إلى ريستيكوس Rusticus الذي اتفق مع زوجته على حياة البتولية، ثم فشل، وقد حاولت زوجته أن تجتذبه لإيفاء وعده، كتب القديس جيروم: [إذ أطوف هكذا في حقول الكتاب المقدس الجميلة اخترت أزهارها المحبوبة لكي اصنع لحاجبيّ عينيكَ إكليل الندامة، فإن غايتي هي أن تطير بجناحيّ حمامة، وتجد راحة، وتدخل في سلامٍ مع إله الرحمة.] * كل الشعب الخائف الله في الكنيسة الجامعة هم أطهار وبسطاء في كل وضوح. يمكنهم أن يقولوا مع المرتل: "ليت لي جناحًا كالحمامة فأطير وأستريح" (مز 55: 6)، وأيضًا: "وجدت السنونة عشًا لنفسها حيث تضع أفراخها" (مز 84: 3). الناس الجسدانيون الذين يمكن أن ينقسموا، منحطون إلى أسفل من جراء ثقل قيود الرذيلة. الروحيون يرتفعون إلى العلو بأجنحة الفضائل المتنوعة. كما لو كانوا بجناحين، أي بوصيتيّ حب الله وحب القريب، يرتفعون إلى السماء. يمكنهم أن يقولوا مع الرسل: "مواطنتنا هي في السماء" (في 3: 20). كثيرًا ما يقول الكاهن: "ارفعوا قلوبكم"، فيجيبون بثقةٍ وتقوى أنهم رفعوها عند الرب. على أي الأحوال، قليلون جدًا ونادرون الذين يمكنهم في الكنيسة أن يقولوا هذا بيقين وحق . الأب قيصريوس أسقف آرل * لماذا كالحمامة؟ لأن نعمة الغسل تتطلب البساطة، حتى نكون أبرياء كالحمام. نعمة الغسل تتطلب السلام، كما في صورة أولية للحمامة التي جاءت إلى الفلك، والذي وحده لم يُنتهك بواسطة الطوفان (تك 8: 10-11). ذاك الذي الحمامة صورته، ينزل الآن على شكل حمامة، معلمًا إيانا أن في ذلك الغصن وفي ذلك الفلك وُجدت صورة السلام وصورة الكنيسة. في وسط فيضانات العالم يُحضر الروح القدس سلامه المثمر لكنيسته. هذا أيضًا يعلمنا إيّاه داود الذي أدرك سرّ العماد، وقال بروح النبوة: "ليت لي جناحا حمامة" (مز 55: 6). * يصلى داود، كما قلتُ، بقوله للرب: "كما يشتاق الإيل إلى جداول المياه، هكذا تشتاق نفسي إليك يا الله. عطشت نفسي إلى الله، إلى الإله الحيّ، متى أجيء وأتراءى قدام وجه الله؟!" (مز 42: 1-3). اضطرب القديس ولم يتمالك نفسه، لأن ألم النفس أعظم من أية أوجاع لأي جسدٍ ما. وإذ يتيقن في الجُعالة (المكافأة) يشتاق أن ينطلق من الأرض إلى السماويات، تمامًا كما يقول في نص آخر: "من يعطيني جناحيّ حمامة، فأطير وأستريح" (مز 55 :6). لأن الفخاخ هنا تعوق البَار، حتى وإن لم يقع فيها (أو يورِّط نفسه فيها). هنا الأحزان والقلق، لكن الفرح هناك حيث النعمة. أجل، قيود الجسد هنا، يشتاق بولس في لهفة أن يحطمها، ليتخلص من كل ارتباطاتها، ويقف متحررًا بجوار الرب (في 1: 23). لهذا عطشت نفس داود لكي يرى الله حينئذٍ، لا بالإيمان، بل وجهًا لوجهٍ (1 كو 13: 12). ولكي لا يتغرب فقط عن الجسد (2 كو 5: 8)، بل ويتحرر أيضًا منه، لأنه عطش أن يرحل ويكون مع المسيح. ذاك أفضل جدًا(في 1: 23). لأنه بالنسبة للبار الموت ربح (في 1: 21). حقًا إنه ربح عظيم أن نصير بلا خطية، فلا تثيرنا شهوات الشرور. ومن هو حر من الدنس حتى إن كانت حياته يومًا واحدًا على الأرض؟ لا يمكن أن يكون بدون عدوىّ فعل الشر! (أي 114: 4-5 LXX). لهذا نحن نفتقد براءتنا (أو حكمتنا) فقط بالحياة، بينما نربح نهاية لآثامنا بالموت! لهذا بالموت نجني ربحًا، لكن بفعل الحياة (الزمنية) تزداد غرامات الخطية، كأننا دائنون لصَكٍّ مركَّب الفائدة وكريه! وتعاني النفس عطشًا حقيقيًا، إذا ما أسرعت إلى النبعِ، لا نبع مياه، لكن نبع الحياة الأبدية؛ التي قال عنها داود في نصٍ سابق: "لأن عندك ينبوعَ الحياة، بنورك نرى نورًا" (مز 36: 9)، لهذا كان على حق أن يسرع ويجيء ويتراءى قدام وجه الله (مز 42: 2)، الذي وجهه نور (مز 4: 7). لأن الرب يضيء على كل الذين يتطلعون إليه (يو 1: 9) . القديس أمبروسيوس * من الأفضل أن نتطهر من أي انجذاب نحو السفليات، فننجذب نحو الأمور السامية عن الحواس. عندئذ لا نكف عن الإعجاب بجمال السماوات وبهاء الأنوار السماوية، وكل ما يبدو جميلًا. لكن الجمال الذي ينعكس على كل هذه الأشياء يقودنا إلى الجمال (أي الله) الذي تمجده السماوات، ويخبر عنه الفلك وكل الخليقة (مز 19: 1). يليق بالنفس التي ترتفع أن تترك كل ما قد نالته بسقوطها في شهواتها، عندئذ فقط يمكنها أن تدرك العظمة التي تفوق الكواكب. لكن، كيف يمكننا أن نبلغ هذا ونحن لا نزال نشتهي الأرضيات؟ كيف يمكننا أن نطير إلى السماء بدون أجنحة سماوية، ونحن لم نصر بعد خفيفين، محمولين في الهواء بحياة سامية علوية؟ في الواقع لا يتأهل أحد بأسرار الإنجيل إذا كان غير مدركٍ أن للإنسان مركبة واحدة فقط، تستطيع أن تحمله إلى السماء. ويلزمه أن تكون له أجنحة الحمامة (الروح القدس) النازلة، كما اشتهى داود لنفسه (مز 55: 6). بهذه الطريقة يعبر الكتاب المقدس بطريقة رمزية عن قوة الروح. وقد استخدم الحمامة، لأنه كما يقرر الملاحظون أنها لا تحمل ضغينة، أو لأن هذا الطائر لا يحتمل رائحة العفونة. هكذا الإنسان الذي يتجنب كل مرارة وكل شهوات الجسد يرتفع بجناحيّ الحمامة (الروح) فوق كل صراعات العالم، وبالحق فوق كل المسكونة، ويكتشف ما هو وحده يستحق أن نشتهيه، ويصير جميلًا. إذ يقترب من الجمال (أي الله). بهذا يستنير مثل النور، إذ تصير له شركة مع النور الحقيقي. القديس غريغوريوس النيسي * لقد تزايد الاضطهاد جدًا، واشتدت الضيقة للغاية، حتى صار المرتل في قلقٍ من الحياة. انظروا كيف حلَّ به الخوف والرعدة، وكيف غشته ظلمة، كما جاء في المزمور. إنه صوت جسد المسيح كما ترون، هو صوت أعضاء المسيح. أتريدون أن تتعرفوا على صوتكم هناك؟ كونوا أعضاء المسيح. قيل: "خوف ورعدة أتيا عليَّ، وظلمة غطَّتني. فقلت: من يعطيني جناحين كحمامةٍ، فأطير وأستريح" (راجع مز 55: 5-6)... عندما أراد المرتل أن يطير إلى المسيح شعر بالحيرة على غرارٍ ما، وذلك بسبب ثقل الجسد وفساده. يوجد فيض من المتاعب يقلقه في الطريق، لكنه لا يعوق السير فيه تمامًا. كان (الرسول) متحيرًا من الحياة، لكن ليس من الحياة الأبدية، هذه التي يقول عنها: "لأن لي الحياة هي المسيح، والموت هو ربح" (في 1: 21) . * شعر المرتل بالقلق من المتاعب الأرضية وفساد الجسد، عندما أراد أن يطير إلى المسيح؛ من فرط المتاعب التي تهاجمه على الدوام في الطريق، لكنها لا تغلق الطريق تمامًا. كان مضطربًا من الحياة، لكن ليس من الحياة الأبدية التي يقول عنها: "لي الحياة هي المسيح، والموت هو ربح" (غل 1: 22). القديس أغسطينوس * لنلتمس من الله أن ينعم علينا بأجنحة، ولكي يفصل الريح الشريرة، ويقطعها من نفوسنا وأجسادنا، ذاك الريح الذي هو الخطية الساكنة في أعضاء نفوسنا وأجسادنا. ليس أحد إلاَّ (الروح القدس) الذي يستطيع أن يفعل هذا الأمر. * كما أن الإنسان إذا رأى طائرًا يطير، يشتاق أن يطير هو أيضًا، فلا يمكنه ذلك بسب عدم وجود أجنحة له، كذلك يشتهي الإنسان أن يكون نقيًا بلا عيب ولا دنس، وأن لا يكون في طبيعته حقد، ويشتهي أن يكون مع الله دائمًا. ولكن ليس له ما يهبه ذلك. فبالرغم من رغبته في الطيران في الجو الإلهي في حريَّة الروح القدس، لكنَّه لا يقدر إلاَّ إذا أُعطيت له أجنحة لتحقيق هذه الغاية. لنلتمس من الله أن يهب لنا أجنحة حمامة (مز 55: 6)، أي الروح القدس، لنطير إليه، ونطمئن، ونتوسل إليه أن يقصي عنا الروح الشرير، ويقطعه قطعًا من نفوسنا وأجسادنا، أي الخطية الساكنة في أعضائنا الجسدية والنفسية، لأنه هو وحده القادر على ذلك. هذا هو حمل الله الذي يرفع خطية العالم. * بطول إقامة النفس في نار الروح وفي النور الإلهي لا يصيبها أي أذى من الأرواح الشريرة، بل إن اقترب أحدها منها يحترق بنار الروح السماوي... وكما إذا طار طير عاليًا لا يبالي بالصيادين والوحوش المفترسة، ولا يخافهم، لأنه في العلو في أمان من الجميع، هكذا النفس متى نالت أجنحة الروح (مز 55: 6) وطارت إلى السماوات العليا، تستهزئ بمن هم تحتها لعلوها فوق الجميع. * كل نفسٍ لا تُصلح بالروح القدس، ولا تملَّح بالملح السماوي، أعني قوة الله، تفسد في الحال، وتمتلئ برائحة الأفكار الشريرة الرديئة الكريهة. فيتحول وجه الله عن الرائحة الدنسة التي لأفكار الظلمة الخبيثة، وفساد الشهوات الساكنة في هذه النفس، والدود الشرير اللعين، يعني أرواح الشر وقوات الظلمة تتمشى فيها، وتتحول لتجد فيها مرعى وقبولًا، فتدبّ فيها وتأكلها وتفسدها، كقول المزمور:"قد أنتنت وفاحت جراحاتي" (مز 38: 5). القديس مقاريوس الكبير * من الواضح أن من يموت وهو في الخطية، لا يؤمن حقًا بالمسيح، حتى ولو قال إنه يؤمن. فمن يؤمن بعدل المسيح لا يَظلِم، ومن يؤمن بحكمته لا يسلك بحماقة ولا يتحدث بها. رفع موسى يديه، فانهزم عماليق. رفع الأيدي هو بمثابة رفع لأعمالنا وأفعالنا لله، والامتناع عن الأعمال الهابطة، بل وممارسة كل الأعمال التي تُسر الله، والمرتفعة نحو السماء. فذاك الذي "يكنز لنفسه كنزًا في السماء، يرفع يديه إلى حيث يكون كنزه" (راجع مت 6: 20-21)، كما يرفع أيضًا عينيه، كذلك يرفع يديه. القائل: "ليكن رفع يديَّ كذبيحة مسائية "(مز 141: 2). فإذا رفعنا إذن أعمالنا، ولم نضعها على الأرض، ينهزم عماليق. لكن لابد أن نأخذ في اعتبارنا، أننا عتيدون أن نُحاكم أمام العدل الإلهي، ليس فقط عن إيماننا، كما لو كنا غير مسئولين عن أعمالنا (راجع يع 2: 24)، وليس فقط على أعمالنا، كما لو كان إيماننا ليس بِمُعَرِّضٌ للمساءلة. نرجو أن تصغوا بانتباه لما تسمعون. ولا تقتصروا على الاستماع إلى كلمات الله بالكنيسة، بل تمارسوها في بيوتكم، وأن تلهجوا في ناموسه نهارًا وليلًا (مز 1: 2). من هذه "الزيتونة"، دعنا نستخلص زيت أعمالنا، الذي يمكن به إيقاد مصباح للرب، ولا نسلك في الظلمة (راجع يو 2: 11). هذا كل ما يمكننا قوله فيما يختص بالسُرُج وزيتها (لا 1: 24). طيور السماء المجنحة روحانيًا يمكنها أن تأوي بين أغصان إيمان بهذا القدر العظيم. العلامة أوريجينوس هَأَنَذَا كُنْتُ أَبْعُدُ هَارِبًا، وَأَبِيتُ فِي الْبَرِّيَّةِ. سِلاَهْ [ع7]. هرب داود من أعدائه، وذهب إلى البرية وراء الأردن (2 صم 17: 22-23). "البرية" في الكتاب المقدس تعني مكانًا غير آهلٍ بالسكان، تلجأ إليه الحيوانات المفترسة. لا يقصد بها مناطق غابات، وإنما مناطق صخرية أو صحراء. لقد شعر المرتل أنه لم يعد يستريح لأحدٍ من البشر، بل يطلب العزلة عن الجميع، فحتى المناطق غير اللائقة بالسكن أفضل من الاحتكاك بالناس. بقول "أبيت"، يعني أن حياته صارت أشبه بليلةٍ لا نور فيها. فإنه بسبب المضايقات، حسب حياته كلها ظلمة، ويود أن يقضي هذه الليلة بعيدًا عن الجميع. إن كان الضيق يولد هذا الفكر، فمن جانب آخر كثير من المؤمنين الذين التهبت روحهم بالحب الإلهي انطلقوا، ليس هربًا من الناس، بل رغبة في الالتصاق بالله، وعدم الانشغال بأمورٍ بشرية. لقد حوَّلوا البراري إلى فراديس، كقول القديس يوحنا كاسيان. * لزم علينا أن نسعى مجاهدين لإصلاح أخطائنا ومعالجة سلوكنا، فإذا ما وُفِّقنا في ذلك، توفرت لنا أسباب السلام دون أدنى شك، ليس مع البشر فحسب، بل وحتى مع الحيوانات والوحوش، مصدقين ما جاء في سفر أيوب المطوَّب: "لأن وحوش البرية تسالمك". لأننا لن نخشى أية ضروب للإثارة تأتى إلينا من الخارج، ولا تزعجنا أية فرصة للسقوط، مادامت لا تلج أو تُغرس داخل نفوسنا: لأن "سلامة جزيلة لمحبي شريعتك، وليس لهم معثرة" (مز 119: 165). القديس يوحنا كاسيان * يرتسم أمام أعيننا الفرح المبهج الذي لأقربائنا حينما انسحبوا إلى البرية بسرورٍ ولياقةٍ وتوغَّلوا في أعماق الغابات[109]. * من الأفضل لنا أن نثابر على الدوام نحو هدفنا، مقتنين ربحًا معتدلًا في البرية، حيث لا يوجد فيها اهتمامات عالمية، وارتباطات تشتت الفكر، ولا كبرياء ولا مجد باطل، وتكون الاهتمامات بالضرورات اليومية أقل... هذا خير من أن نطلب ربحًا عظيمًا خلال التحدث مع الآخرين حديثًا قيمًا للغاية، لكننا ننهمك في مطالب الحياة العلمانية المملوءة بالارتباطات اليومية. لأنه يقول سليمان: "حفنة راحة خير من حفنتَي تعب وقبض الريح" (جا 4: 6) . الأب إبراهيم * لا يجب أن ينتفخ الإنسان بسبب ما حقّقه في حياته، بل يكون باستمرار متواضعًا، ويهرب إلى أبعد الأماكن في البرية، إذا تحقّق من أنه سيصير متكبِّرًا. لأن المعيشة بجوار المدن والأرياف كثيرًا ما أضرَّت حتى بحياة الكاملين. ولذلك فإن داود النبي بعد خبرةٍ مماثلة يرتل قائلًا: "هأنذا أبعُدُ هاربًا، وأبيتُ في البرية، أُسرع في نجاتي من الريح العاصفة ومن النوء" (مز 55: 7-8). وكثيرون من إخوتنا اختبروا أمورًا مشابهةً لذلك، ولكنهم بسبب العجرفة فشلوا في الوصول إلى هدفهم. القديس يوحنا الأسيوطي عندما كتب القديس جيروم إلى لوسينيوس Lucinius الذي اتفق على حياة البتولية مع زوجته، وإن كان قد تراجع في نذره، جاء في رسالته له: [لقد تركت خلفك الأمواج القاسية، والتيارات المالحة، والجبال المصدعة، واحتقرت لوياثان الذي يملك في المياه (مز 104: 26). هدفك أن تبحث عن البرية مع يسوع، وأن ترنم بتسبحة النبي: "عطشت إليك نفسي، يشتاق إليك جسدي في أرضٍ ناشفة ويابسة بلا ماء، لكي أبصر قوتك ومجدك كما قد رأيتك في قدسك" (مز 63: 2-3).] كُنْتُ أُسْرِعُ فِي نَجَاتِي مِنَ الرِّيحِ الْعَاصِفَةِ، وَمِنَ النَوْءِ [ع8]. هروب داود إلى البرية لم يكن يحتاج إلى تفكير، ولا إلى التردد، إنما كان أشبه بالحمامة التي شعرت بريحٍ عاصفةٍ تهب، فطارت بأقصى سرعة لتختبئ في عشها. هكذا كان أبشالوم وأخيتوفل والشعب المرافق لهما يتحركون بسرعة فائقة، أشبه بالريح العاصفة. بقدر ما كان المتمردون يسرعون في الحركة، كان داود الملك يسرع في التحرك نحو البرية خشية قتله هو ومن معه. |
|