الذهن المستنير ومُعاينة الله
حينما نحيا مع الله بإخلاص بكل مثابرة ودوام صابرين له في الصلاة مواظبين على قراءة الكلمة بغرض وهدف أن نصغي لصوت الله لتنقية قلبنا: "أنتم أنقياء بسبب الكلام الذي كلمتكم به... الكلام الذي أُكلمكم به هو روح وحياة" (يوحنا 15: 3؛ 6: 63)، وبهذا فقط نستطيع أن نُعاين الله ونرى مجده بخبرة شخصية داخلية: "أنما صالح الله لإسرائيل لأنقياء القلب... طوبى للأنقياء القلب لأنهم يُعاينون الله... والكلمة صار جسداً وحل بيننا ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب مملوء نعمة وحقاً... الذي كان من البدء، الذي سمعناه، الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة" (مزمور 73: 1؛ متى 5: 8؛ يوحنا 1: 14؛ 1يوحنا 1: 1)، وبذلك نتشبع من نوره السماوي ونحيا هكذا من خبرة لخبرة ومن عمق لعمق، ومن هذا المنطلق تخرج منا الشهادة السليمة والصحيحة عنه ونخدم الخدمة التي تليق به حسب قصده: "فأن الحياة أُظهرت وقد رأينا ونشهد ونخبركم بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأُظهرت لنا، الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به لكي يكون لكم أيضاً شركة معنا، وأما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح" (1يوحنا 1: 2 – 3)
فالذهن حينما يبدأ يتأثر بالنور الإلهي يصير شفافاً من ثقل خبرة الفساد التي مر بها سابقاً، حتى انه يرى النور البهي الذي للمجد الإلهي الذي يستمر في إشراقة المُذهل حتى يجعل الذهن أكثر شفافية باستمرار حتى يعاين النور والمجد البهي بأكثر جلاء في كل يوم حسب ما يتشبع من النور الإلهي ويخضع للروح القدس ويحيا بالوصية وبذلك يستمر في التنقية والشفافية والمعاينة الإلهية بمجد فائق سري داخلي على المستوى الشخصي.
طبعاً هذا لا يتم إلا حينما تقوى النفس على الأهواء ولا تعيرها انتباهاً من جهة أنها تنبذ وترفض كل رغبة نحوها بإصرار وعِناد بكل غيرة صالحة على هيكل الله الحي، لأن طالما النفس مُحترفة في التوبة وصادقة في إيمانها متكلة على الروح القدس الذي يشع فينا غلبة ربنا يسوع، فأنها تقوى على الميول الباطلة وتنبذها وتنجح توبتها لأنها مُدعمة بالنعمة المُخلِّصة.
وبذلك يزرع الله في النفس موهبة التمييز والإفراز، فتنجح في التمييز بين النور الإلهي وبين شبه النور المُضلل للنفس، لأن الرسول يقول: الشيطان نفسه يغير شكله إلى شبه ملاك نور (2كورنثوس 11: 14)، لذلك كل المشاهد الروحانية والأحلام وغيرها تستطيع النفس أن تميز بين خداع العدو ورغبات النفس المُضللة وبين النور الإلهي المُشرق، وبالطبع الإنسان الصريح في الإيمان لا يسعى إطلاقاً للمشاهد الروحية الفائقة ولا الأحلام النورانية، بل يسعى إلى البلوغ لمحبة الله، وهذا هو هدف الإنسان الأمين الصادق في الحياة الروحية، وهو أن يحب الرب إلهه من كل قلبه وفكره ونفسه وقدرته، وهذه الرغبة لا تأتي من فراغ بل من عمل نعمة الله لأنها هي التي تدفع الإنسان لهذا الغرض والقصد، ومن هنا نعرف أن كانت النعمة عاملة فينا أم مُعطلة لسبب ما في أنفسنا، وأن كانت مُعطلة فلنفحص أنفسنا على نور كلمة الله مُصلين لكي يكشف لنا الله عن سبب تعطيل النعمة حتى نقدم توبة حقيقية ونعود نحيا لله باستقامة وأمانة حتى يزرع فينا حبه الحلو الذي يجعلنا مرتبطين به بقوة آمين