ها أنتِ جميلة يا حبيبتي، عيناك حمامتان
(نش 1: 15)
قال الرب للكنيسة, وللنفس البشرية القديسة:
ها أنت جميلة يا حبيبتي,
عيناك حمامتان (نش1: 15)
شهادة من الله:
هوذا الرب يقول في سفر النشيد للكنيسة وللنفس البشرية القديسة " ها أنت جميلة يا حبيبتي. ها أنت جميلة. عيناك حمامتان (نش1: 15).
ها أنت جميلة:
St
أول ما ملاحظة هنا أن الله يشهد للنفس البشرية, وهي شهادة صادقة, عكس شهادات الناس التي قد تكون باطلة.
البعض قد يمدحونك تملقا, ورياء, ومجاملة, وكذب, وإرضاء, وتشجيعا, ولغرض, وبدافع الحب.
وقد لا يكون المديح صادقا. أما شهادة الله فصادقة.
السيد المسيح قال" مجدا من الناس لست أقبل". ولكنه لم يقبل إلا شهادة الأب. لذلك ما أجمل قول الكتاب عن يوحنا المعمدان إنه "يكون عظيما أمام الله".. فالمهم أن يكون الإنسان عظيما في نظر الله وليس في نظر الناس.
كل ما نرجوه أن يقول الله لنفس كل واحد منا في اليوم الأخير "ها أنت جميلة يا حبيبتي" أدخلي إلي فرح سيدك (مت25: 21،23).
كثيرون سيقولون له " يا رب. أليس باسمك تنبأنا، وباسمك أخرجنا شياطين, وباسمك صنعنا قوات وعجائب" فيقول لهم " اذهبوا عني يا ملاعين، لا أعرفكم". شهاداتهم عن أنفسهم لم تكن تكفي ولا تنفع. المهم إذن هو شهادة الرب الذي قال لكل ملاك من ملائكة الكنائس السبع "أنا عارف أعمالك" (رؤ2: 3).
أنظروا إلي شهادة الرب لملاك كنيسة أفسس "أنا عارف أعمالك وتعبك وصبرك.. وقد احتملت ولك صبر, وتعبت من اجل أسمي ولم تكل (رؤ2: 2, 3).
الفريسي لام المرآة التي غسلت قدمي المسيح بدموعها ومسحتها بشعر رأسها، أما الرب فقال لها "ها أنت جميلة يا حبيبتي" إيمانك قد خلصك" (لو7: 50). وقال عنها أيضا " إنها أحبت كثيرا. لذلك غفرت لها خطاياها الكثيرة" (لو7: 47). وقال الرب مثل هذه العبارة للمرآة الكنعانية التي قالت إن الكلاب تأكل من الفتات الساقط من مائدة أسيادها. قال لها " عظيم هو إيمانك" (مت15: 28).
بعد أن تكمل النفس أيام غربتها على الأرض. بعد أن تكمل أيام جهادها, يقول لها الرب " ها أنت جميلة يا حبيبتي" وبهذه العبارة نطمئن على مصيرها الأبدي.
ومقياس الجمال عند الرب, غير مقاييسه عند البشر.
العروس التي قال عنها الرب إنها جميلة, كانت سوداء. ومع ذلك " سوداء وجميلة". كإنسان أنهكه الصوم والنسك، وبدا نحيلآ ضعيفآ, تبكي أمة على ضعفة, وبينما يقول عن نفس هذا الإنسان "ها أنت جميلة يا حبيبتي".
القديسون الذين شوهتهم عذابات الاستشهاد, فقطعوا أعضائهم, وفقأوا عيونهم, يراهم الناس مشوهين, بينما يقول الله لنفس كل واحد منهم " ها أنت جميلة يا حبيبتي"
إنسان يعترف بخطاياه, فيقول كلاما قد يظهر نفسة بشعة يشمئز منها الناس, أما الله فينظر إلي هذه النفس المنسحقة الباكية المذلولة ويقول لها " ها أنت جميلة يا حبيبتي".
النفس التي تلطم على خدها فتحول الأخر، ويسخرونها ميلا فتمشي في الصخرة ميلين, قد يراها الناس ذليلة مسكينة مهانة. أما الله فيقول لها " ها أنت جميلة يا حبيبتي".
لاحظوا إن الرب كرر العبارة تأكيدا لشهادته بجمال النفس.
فقال: ها أنت جميلة يا حبيبتي، ها أنت جميلة" بينما لفظة واحدة من الله تكفي. ولكنه يجد لذة في التحدث عن جمال أبنائه.
كان أيوب مملوء بالقروح من قمة رأسة إلي أخمص قدمية. قد أصبحت رائحته كريهة عند إمراتة, وهرب منه عبيدة وإمائه. وأما الله فكان ينظر إلي هذه النفس الصبورة ويقول لها " ها أنت جميلة يا حبيبتي".
إن مقاييس الناس في الجمال لا تهمنا، المهم مقاييس الله.
الله ينظر لجمال النفس المتواضعة, فيقيم المسكين من التراب, والبائس من المزبلة. ليجلسه مع رؤساء شعبة. ينظر إلي أتضاع أمتة.. وقد نظر إلي القديسة الهبيلة, التي كانت تتظاهر بإهمال العبادة والكسل والتراخي أمام الراهبات فإذا نمن جميعا تقوم في منتصف الليل تصلي بحرارة عجيبة.
فكانت الراهبات يلقبنها بالهبيلة. أما الله فيقول لها " ها أنت جميلة يا حبيبتي"
وبنفس الوضع كانت القديسة مارينا..
في نظر الناس كانت تعتبر راهبا زانيا مطرودا من الدير، بينما كانت فتاة، وكانت جميلة أمام الله الذي يعرف حقيقتها.
ونفس الوضع ينطبق على يوسف الصديق وهو كمذنب في السجن.
في نظر الناس كان مذنبا, وفي نظر فوطيفار كان مذنبا، ولكن الله العارف بحقيقة نفسه البارة, كان يقول لها " ها أنت جميلة يا حبيبتي" إذن المهم أن نعرف حكم الله علينا لا حكم الناس..
عيناك حمامتان:
الحمامة ترمز للروح القدس, والعينان ترمزان للرؤية.
أي إنه لك رؤية روحية, تبصرين بالروح القدس.
والحمامة عمومآ لها مكانة عجيبة في الكتاب المقدس كما سنرى:
من أجل صفات الحمامة الجميلة, لقبت العذراء بالحمامة الحسنة.
يبخر الكاهن على يمين المذبح, حيث توجد أيقونة العذراء, وهو يقول " السلام لك أيتها الحمامة الحسنة". فما هو حسنها؟
الحمامة من الطيور الطاهرة التي دخلت إلي الفلك, وهي التي هنأت أهل الفلك بانحسار الماء على الأرض، ورجوع الخضرة..
وحملت في فمها غصن الزيتون, رمز إلي السلام..
فكأن العذراء بهذا الرمز كانت تمثل السلام الأتي على الأرض, وزوال غضب الطوفان ورجوع الحياة إلي العلم.. وهكذا كانت العذراء بشيرًا بالخلاص الذي يتمتع به العلم..
"عيناك حمامتان" كل عين منها بشرى طيبة, تبشر بالسلام، تبشر بالخلاص, تحمل غصن زيتون لكل أحد, إنها النفس المسالمة.
إنسان خاطئ, كاد أن يحطمه اليأس, يأتي إلي أحد الآباء الروحيين, يشرح له يأسه, فيطيب هذا الأب خاطرة, ويفتح له نافذة من رجاء, ويحدثه عن محبة الله وغفرانه فينظر هذا الخاطئ إلي الأب الحنون, ويقول له " عيناك حمامتان".
الحمامة أيضا ترمز إلي البساطة" كونوا بسطاء كالحمام"..
العين البسيطة – التي كالحمامة – تمثل البراءة, ولهذا يقول السيد المسيح " إن كانت عيناك بسيطة, فجسدك كله يكون نيرا" (مت 6: 22).
عندما خلق الله النفس البشرية قال لها " ها أنت جميلة يا حبيبتي"
كانت طاهرة لا تعرف شرا ولا خبثا, ولا تنظر بشهوة, بل تنظر إلي كل شيء في براءة," كل شيء طاهر للطاهرين" (تي1: 15).
أما الأن فقد فسدت العين, وأصبحت تنظر نظرات أخرى, فقدت بساطتها وبرائتها, وفقدت مشابهتها للحمامة.. هناك عيون كلها مكر ورغبة, وحسد وغيرة, وغضب, وشهوة.
هناك إنسان عينة كالصقر, مخيفة لا وداعة فيها.. أما هذه فقال لها " عيناك حمامتان".
أي تمثلان اللطف والوداعة والطيبة والود.. تمثلان النفس الجميلة الهادئة البسيطة الروحية الحرة.. محال أن يكون أحد فيكم رأى حمامة عابسة متجهمة!
الحمام أيضا يهدل دائما، فيرمز إلي حياة التسبيح الدائمة, حتى كنا نشبهه مساكن الرهبان الدائمي الصلاة بأبراج الحمام.
لذلك فرح داوود وقال إن " الحمامة وجدت لها عشا, مذابحك أيها الرب إله القوات".. والحمام أيضا كان يسكن المغارات وشقوق الجبال, فهو بهذا يرمز إلي حياة الوحدة والعبادة, ولهذا قال داوود النبي: " ليت لي جناحا كالحمامة فأطير وأستريح.. وأبعد هاربا وأسكن البرية". فالحمام يرمز للوحدة والعبادة.
والله ينظر إلي كل حمامة في مغارتها وجحرها ويقول لها " ها أنت جميلة يا حبيبتي".
والعجيبة إن الحمامة ترمز إلي الجماعة الناجحة كما ترمز إلي حياة الوحدة.
ونجاح الحمامة في حياة المجتمع, ترمز إليه أسراب الحمام
أسراب الحمام التي تطير متآلفة, متضامنة, في اتجاه واحد. ينظر الله إلي الكنيسة في أسرابها المتآلفة التي تعمل معا في محبة وتضامن وإتجاة واحد, ويقول لها " ها أنت جميلة يا حبيبتي". نقول هذا لئلا يظن أحد أن الحمامة ترمز للمتوحدين فقط..
بل إن الرب قال عن الكنيسة أيضا عبارة جميلة في المزامير وهي " كأجنحة حمامة مغشاة بالفضة, ومنكباها بصفرة الذهب. "
الحمامة أيضا ترمز إلي المحرقة وإلي الذبيحة.
كان الفقير يقدم فرخي حمام, أحدهما محرقة لإرضاء قلب الله, والثاني ذبيحة خطية يمثل المغفرة. وكان الرب ينظر إلي هاتين الذبيحتين ويقول للنفس " عيناك حمامتان".
لذلك فان الرب عندما طهر الهيكل, لم يقلب أقفاص الحمام مثلما قلب موائد الصيارفة, وإنما قال " ارفعوا هذه من هنا" (يو 2: 16). ليس فقط من أجل عملية البيع في الهيكل.. وإنما أيضا تقديرا للحمام كرمز..
كملخص لما قلناه: يرمز الحمام للبساطة، وللسلام، وللوداعة، وللتسبيح، والذبيحة، والوحدة, والود في حياة المجتمع, كما يرمز للروح القدس الذي حل كحمامة وقت العماد.
لذلك هناك أشخاص لا يأكلون الحمام أبدآ نظرا لرموزة وصفاتة, لذلك لم يكن غريبا في ظهور العذراء في كنيسة الزيتون أن يبصر الناس الحمام يطير بالليل، رمزا للحمامة الحسنة (السيدة العذراء).
وعندما يقول الله للنفس البشرية " عيناك حمامتان "، إنما يقصد كل هذه الصفات معا, وربما غيرها أيضا.