"فتح فاه وعلمهم ... طوبى للمساكين بالروح ... طوبى للحزانى ... طوبى للودعاء"
(مت 5: 1 -5)
إن عظة الرب يسوع من فوق الجبل (مت5-7) هي بلا شك أشهر وأهم عظة له على الأرض، ففيها وضع السيد بنفسه المفهوم الوحيد والصحيح للسعادة.
لقد بدأ الرب كل جملة من الجمل الافتتاحية لهذه العظة بكلمة "طوبى" والتي تعنى "يا لسعادة"، موجهاً حديثه إلى عينات مختلفة من البشر أحاطت به يومها، ومنها فئة المتدينين الذين كانت لهم مفاهيمهم الخاصة عن السعادة. ولكم اهتزت مفاهيم الجموع بشدة واصيبوا بالصدمة عندما سمعوا مفهوم السعادة من فم المسيح.
فالفريسيون كان لهم مفهوم عن السعادة بأنها الاعتزاز الشديد بالسير حسب تقاليد الآباء. إنهم يعتبرون السعادة في النظر إلى الخلف للعيشة بحسب ما قاله الآباء.
والصدوقيون كانوا على العكس من ذلك، لا يهمهم القديم بل الحديث والجديد، فهم متحررون، وقد وصلوا في تحررهم إلى أنهم لم يقبلوا من كل أسفار العهد القديم سوى أسفار موسى الخمسة فقط! لقد كان مفهومهم عن السعادة هو إعمال العقل، واكتشاف كل ما هو جديد، والسير وراءه.
أما الأصوليون، كما كان يسميهم البعض، فقد كان المجتمع ككل في نظرهم فاسداً ولا أمل يُرجى في إصلاحه إلى الأفضل، فاتجهوا إلى حياة العزلة في البراري والقفار، فكان تعريف السعادة لديهم بأنها الخروج نهائياً من المجتمع.
ثم تأتى المجموعة الرابعة، والتي كانت تُسمّى بالثوريين، وقد كانت السعادة من وجهة نظرهم تعنى طرد المستعمر ممثلاً في ذلك الوقت بالرومان.
ونحن نرى اليوم ذات المفاهيم الأربعة السابقة، تلك المفاهيم المغلوطة عن السعادة تنتشر حولنا كما كان الحال في أيام تجسد المسيح ووقت نطقه بهذه الكلمات الخالدة.
أيها القارئ العزيز .. يا مَنْ تبحث عن السعادة الحقيقية، كُف من فضلك عن محاولاتك المضنية للبحث عنها عند البشر - أياً كانوا، وتعال مباشرة إلى المسيح شخصياً لتعرف منه أن السعادة شيء داخلي ناتج عن عمل إلهي في داخل الإنسان، هذا العمل الإلهي بإمكانه تغيير كيان الإنسان من الداخل فيهبه السلام مع الله. فهلا تأتى إلى المسيح الآن طالباً منه الغفران فيهبك تغيير الكيان؟